الرؤية المستقبلية الحاجة لمنهج جمعية العلماء اليوم

بقلم: د.عبد الرزاق قسوم -

فلئن تميزت مرحلة ميلاد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بخصوصيات التحدي والاستجابة، التي فرضتها ظروف سياسية وثقافية، واقتصادية واجتماعية خاصة، فإن ذلك من نتائج المأساة الجزائرية آنذاك، وهي فضاعة الاستعمار الفرنسي، حيث كان ظهور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في عام 1931، بمثابة الغيث النافع، الذي ساقه الله إلى الأرض الجزائرية الجرداء، القاحلة، التي أنبتت الزرع بعد ذلك وملأت الضرع، فثبت النماء في الحقول والعقول، وكانت الخصوبة في نشر الوعي بالذات، ذات الانتماء للوطن وللعروبة وللإسلام، وهو الشعار الخالد الذي خلدته جمعية العلماء في ثلاثيتها المقدسة، “الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا”، والذي أضحى شعار الجزائر كلها في جميع مراحلها التحررية وبعد الاستقلال.

إذا كان ذلك هو حال الجمعية بالأمس، فإن تميّزها اليوم، لا يخلو أيضا من خصوصيات جديدة مطبوعة بــ“تحديات واستجابات”، قد تلتقي أو تختلف في قليل أو في كثير مما كان في الماضي، وهي تمارس واجبها الدعوي، وتقوم برسالتها الربانية، في بناء مشروع الجزائر المسلمة العربية المستقلة.

1. مرحلة إثبات الوجود

كان لابد لجمعية العلماء في مرحلة تأسيسها، أن تعمل على إثبات وجود الذات الوطنية الجزائرية بأبعادها الحضارية، وسط احتلال أنكر على الجزائر كل انتماء حضاري أو قومي لها.

وكانت مرحلة إثبات الوجود الجزائري هذه، كأولوية من أولويات المنهج الإصلاحي للجمعية، وقد تميزت بوضع قواعده إبان مراحل ما قبل التأسيس الكامل الشامل، جغرافيا، وتاريخيا ومذهبيا، فالتف العلماء الجزائريون حول الجمعية، تجسيدا لذلك العمل التأسيسي بامتداداته أفقيا وعموديا.

ولم يغفل رجال الجمعية، واقع الأمة المكبلة بالجهل، والظلم، والحرمان من كل الحقوق، فوضعت إلى جانب البعد السياسي الحضاري، المؤسس لإثبات الوجود وأولويته، القائم على توعية الإنسان الجزائري بما يعانيه، وبالتصدي للعدو بالوسائل الممكنة، المحققة للمفاصلة والمباينة لما يريده الاستعمار وأذنابه، مناهج وآليات للمحافظة على كل خصوصيات الجزائري المسلم.

ولقد أبلي علماؤنا الماهدون منذ الإمام عبد الحميد بن باديس، إلى الإمام الإبراهيمي بلاء حسنا، في عملية إثبات الوجود، وتعميق عملية التأسيس، ومنهجية التسييس، بمختلف الوسائل المتاحة. فشيدوا جمعية بهياكل إنسانية، وتربوية، وثقافية، أعادت للإنسان الجزائري، ذاته الموؤودة، وروحه المفقودة. كما ساهمت في بث الوعي لصنع القابلية للثورة والجهاد على الاحتلال وتبعاته، وهو ما تحقق بحمد الله في غرةنوفمبر 1954، ذلك الجهاد الذي كلل بالاستقلال الوطني، عام 1962.

2. مرحلة البناء والإعلاء:

وبالرغم من الحرمان الذي سلط على جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، غداة الاستقلال بحرمانها من حرية العمل التنظيمي، إلا أن روح الجمعية، قد بقيت قوية ووثابة، فما إن سمحت الظروف بعودتها على يد نخبة من أبنائها، بقيادة الشيخ الجليل أحمد حماني، حتى التف نخبة من تلاميذ الجمعية، وعلمائها، حوله، وهو ما تمثل في لملمة الصف، وإعادة رسم الهدف، بما أمكن من الوسائل المحدودة.

ويمكن وصف هذه المرحلة بمرحلة البناء والإعلاء؛ تحت شعار ما كان يردده الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله:

لسنا وإن كرمت أوائلنا ....  يومـا على الآبـاء نتكـل

نبني كما كانت أوائلنا .... تبنى، ونفعل –فوق- ما فعلوا

لذلك، تميزت عودة جمعية العلماء اليوم بالحاجة إلى البناء، والإعلاء، وفق ما تتطلبه المرحلة الحالية، المتميزة بالتعددية الحزبية، والمنافسة الجمعوية، وبروز تحديات جديدة منها التشكيك في جدوى وجود جمعية العلماء اليوم، بعد أن أصبح للتعليم وزارته، وللمسجد مؤسسته.

3- مرحلة الإعلاء والملأ:

وجدت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين نفسها اليوم بعد عودتها، في مواجهة فشل ألمَّ بمجتمع  يريد أن يعود إلى ذاته، التي زرعت بذورها جمعية العلماء، منذ أكثر من ثمانية عقود، هذا المجتمع الذي لا يزال يراوح مكانه بعد خمسة عقود من الاستقلال، فلا العربية تربعت على عرشها، ولا الإسلام أخذ مكانته اللائقة به في منظومة البلاد السياسية والثقافية والتشريعية، ولا الجزائر تميزت في خارطة العالم الحضارية، كما تميزت حركتها الثورية الاستقلالية، وتميز جهادها وجهدها، عن غيرها من حركات التحرير في القرن العشرين. وبدلا من أن يرى الجزائري استقلاله التام قد جسد في الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ارتد الجزائريون على خلاف طبائع الأشياء، إلى بعث مناقشة الهوية من جديد، ولغة الشعب ومنظوماته الثقافية والتربوية، وكأن جهاد الشعب كله خلال ما يقارب القرنين من الزمان قد ذهب أدراج الرياح.

إن هذا الفشل المخيف والمزعج، الذي يظهر أحيانا في صورة فشل الدولة الوطنية، التي لم تجسد الاستقلال كما كانت تطمح إليه الجماهير، أو في شكل فشل التجربة الإسلامية في شقيها السياسي والدعوي، أو في صورة العلماني الذي تعاني هويته وانتماءه الوطني من اضطراب، أو في صورة الجهل البسيط والمركب، الذي لم ينج منه المتعلم فضلا عن غير المتعلم.

كل هذه الظواهر تدعو جمعية العلماء إلى ضرورة العودة إلى أصولها التي بنيت عليها، استجابة لهذه التحديات التي لا تختلف عن سابقتها إلا في الشكل وفي شيء طفيف من الوسائل والآليات، ومن ثم فإن الجمعية تحملت مسؤوليتها بقوة، في المساهمة في إخلاء المجتمع الجزائري من سلبياته المتوارثة من قيم الجهل والجاهلية، وملئه بقيم التوحيد والعلم والتربية والتهذيب.

وجمعية العلماء إذ تجتهد في إعادة الخطاب إلى أصوله الوطنية العربية الإسلامية الصافية، فإنها تهدف إلى اعتماد ثوابت الأمة التي لا تقبل الزعزعة، مرجعا لها ولنشاطاتها في البلاد، كما تؤكد على منهجية النهوض بالمجتمع، وفق منهج تغييري إصلاحي، وسيلته الأساسية التربية والتعليم، إذ “لا يصلح حال الأمة إلا بصلاح علمائها، ولا يصلح علماؤها إلا بصلاح تعليمها”، وكما قال الإمام مالك رحمه الله“لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها”.

4-  المنهج التغييري بالإصلاح:

لا شك ان للقوى الوطنية الجزائرية اجتهادات مختلفة ومتنوعة، ومنها التيار الإسلامي نفسه، ولكن هذه الاجتهادات كانت منقوصة، بسبب تغييب المشروع الحضاري المتكامل، الذي تهدف إليه المجتمعات التواقة للرقي والرفعة، ولذلك اعتمدت الجمعية في عودتها النهج الإصلاحي الشامل، الذي تدين به الجمعية منذ تأسيسها، والذي يمكن إيجازه في مجموعة من العوامل، وأهمها:

أ‌- بناء الإنسان:

إن الإنسان في المنهج الإصلاحي هو رأسمال كل عمل، ولذلك فإن غياب الإنسان المؤمن بفكر جمعية العلماء، الواعي بقدسية تجربتها، المستعد للتضحية في سيبل التمكين لمبادئها، لا يمكن أن يقوم بالبناء الحقيقي، لا داخل الجمعية ولا خارجها.

ولقد أثبتت تجارب إسلامية عالمية عديدة، أهمية العمل الإصلاحي العميق، المنطلق من بناء الإنسان، كالتجربة التركية بجميع أذرعها التربوية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والتجربة الماليزية التي لا تستحي من انتمائها للتجربة الاصلاحية التربوية، وتجارب أخرى تقل أو تكثر تجربتها، كلها نجحت في البناء والإعلاء، بفضل الإيمان بمناهجها الإصلاحية الشاملة، وفق مناهج تربوية بالأساس، والتفاني في إنجاح التجربة، وهو ما تفتقر إليه جمعيتنا بعد عودتها، وتطمح إليه جامعتكم هذه التي حرصنا على أن تساهم فيها جميع الطاقات الفاعلة لأبناء الجمعية، من جميع أنحاء الوطن.

وما لم يحرص أبناء الجمعية الفاعلين، من المتفانين في خدمتها، على إحياء المنهجية الإصلاحية الشاملة، كما قيَّض الله لها الجيل المؤسس وغيرهم من العاملين في فترة ما قبل الاستقلال، لن يكتب الله لها النجاح، بالرغم ما يعلقه الشعب من آمال على تجربة الجمعية كأمل، وكرؤية مستقبلية لإصلاح البلاد والعباد.

ب‌-  إصلاح اللسان:

وإذا كان الإنسان يمثل العنصر الأساس، في المعادلة الإصلاحية، فإن اللسان  هو أحد أصغريه، وكما قيل “المرء بأصغريه، قلبه ولسانه”، ذلك ان اللسان هو المنفذ الخطير، في الإرسال والاستقبال الفكري، والثقافي، والإعلامي، من وإلى عقل الإنسان وقلبه، وطالما لم نصلح اللسان، فلن يصلح الجنان، ولن تستقر الأوطان.

إن اللسان لن يكون محايدا في العملية الإصلاحية؛ لأن اللغة هي رحم العقيدة والفكر والثقافة، ولذلك كانت جمعية العلماء، ولا زالت تعتبر اللغة العربية، وعاء الإسلام والثقافة الإسلامية؛ بل وهي في إطار الصراع الحضاري ومقارعة الاستعمار، الحصن الحصين للمجتمع الجزائري، خلال معركة التحرير، ولذلك تبنتها الحركة الوطنية بجميع فصائلها يومها، كلغة مجتمع وثقافة مقاومة.

ج‌- تطهير المجتمع:

لقد ابتليت بلادنا، بشتى أنواع التلوث الطبيعي والإيديولوجي، والأخلاقي، والاجتماعي، والثقافي، وانعكس ذلك على الأداء السياسي، والحراك الثقافي الاجتماعي، مما أورث البلاد فسادا عاما في الذمة، وفي الأمانة، وفي الأداء، وذلك يتطلب مضاعفة الاهتمام بقضية الإصلاح، والجهد الإضافي في التفكير والحركة والإبداع، للنهوض بالمجتمع.

ومن هنا يبدأ الإصلاح التغييري الحقيقي، الذي تؤمن به جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وهو إصلاح شامل، يبدأ من إصلاح العقيدة، إلى إصلاح العقل، إلى إصلاح اللسان، إلى إصلاح الجِنان، إلى إصلاح الذمة، وهي مسؤوليات ثقيلة، لابد أن ينوء بحملها رجال ونساء جمعية العلماء.

ومن هنا، تبدأ الصعوبة في الإصلاح، أمام التحديات الكبيرة التي نواجهها، وأمام الاستجابة الأكبر التي يجب أن نتجند لها في مواجهة التحديات.

5- التحديات والاستجابة:

أ‌- التحديات:

تواجه جمعيتنا المباركة اليوم، تحديات كبيرة وخطيرة، ومفروض علينا التصدي لها، بصدق وشجاعة وإيمان وأمانة، وهي في ثلاثة مستويات، مؤثرة متعانقة ومترابطة، لا يمكن فصلها عن بعضها البعض إلا في الشكل.

المستوى الأول: وهو المستوى الأشمل الذي نشترك فيه مع باقي الأمة والعالم، ويتمثل في المواجهة الشاملة والمفتوحة، في الصراع القائم بين الإسلام والغرب، وبين الحق والباطل، وبين ما هو إنساني وما هو همجي حيواني.

ويمكن تلمس هذه التحديات أيضا، في هذا الاغتراب والانسلاب، الذي أصاب الإنسان المسلم، الناتج عن شلال من الغزو الفكري، والثقافي، والإعلامي، المستبد بالعقل المسلم، فنتجت عنه هذه التجزيئية داخل المجتمع والزهد فيما لديه من كنوز، وتقليد الآخر، وفي الغثائية التي ابتليت بها الأمة، كما جاء في الحديث “..ولكنكم غثاء كغثاء السيل..”.

في ضوء هذه الأعراض الفتاكة، التي دبت إلى جسم المجتمع المسلم، ومنه الجزائري، وهي توشك أن تفتك بالأمة، للقضاء على كل جوانب القوة فيها.

إن هذا المستوى من التحدي، يظهر في أشكال متنوعة ومتعددة ومختلفة، فيظهر في المواجهة المباشرة التي لا تحتاج إلى تأويل وتفسير، وهي المواجهة بين الإسلام والغرب، وتظهر في شكل صراعات وهمية غير حقيقية، كالخلافات التي بين أطراف وفئات ومجموعات العالم الإسلامي، كما تظهر في شكل صراعات فكرية وثقافية ودينية داخل الصف الإسلامي، كالفتاوى المتضادة، وظاهرة تكفير أهل القبلة ومساندة المستبدين والوقوف في وجه الحريات، وحقيقة كل ذلك أن المستفيد منه هو العدو الأول والأصلي هو الاستعمار، والاستعمار شيطان كما يقول الشيخ الإبراهيمي، والشيطان كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكتب له النجاح في التأثير على المؤمنين إلا في التحريش بينهم “إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم”. 

المستوى الثاني: ويمثل الدائرة الأضيق، وهي دائرة الوطن والمجتمع، وما أصابه من التخلف، وتفشي الجهل والأمية، والإصابة بداء الوهن النفسي، والقابلية للاستعمار والقابلية للمركوبية على حد تعبير المرحومين مالك بن نبي ومولود قاسم، وقد أشرنا فيما سلف من هذه الكلمة إلى بعض التحديات الاجتماعية، في معرض توصيفنا للواقع الإجتماعي، وما به من مشكلات وأزمات.

المستوى الثالث: وهو الأضيق مساحة، ونعني به الواقع الداخلي للجمعية، وهو الأكثر أهمية على المستوى التنظيمي في تقديري؛ لأنه الأساس الذي نواجه به التحديات الخارجية، والذي نقوِّم به التحديات الداخلية، ونتغلب به على نقائصنا وتناقضاتنا كأفراد ومجموعات.

لقد اهتمت الجمعية في مراحل سابقة بتثبيت حضور الجمعية في المجتمع الجزائري، وقد كان لها ذلك والحمد لله، فهي الآن بشعبها الولائية والبلدية في جميع الولايات، ولكن التحدي الذي يفرض نفسه الآن، هو مستوى تفاعل أبناء الجمعية مع متطلبات المرحلة، وفي ضعف التجانس بين أبناء الجمعية من قياداتها المحلية والوطنية، وفي التراوح والتردد في مشاريع الجمعية وتوجهاتها الإصلاحية، وفي الثقة المهزوزة في هيكلها التنظيمي.

لقد سعيت منذ أن كلفني إخواني برئاسة الجمعية، في تقليص هذه السلبيات، بجلب طاقات علمية وبإحداث هياكل جديدة لامتصاص طاقة الشباب وإشغالهم بمهام الجمعية الراقية، عن هموم المجتمع والقعود والتنافر، ولكن مع ذلك لا يزال التحدي قائما وأملنا في هذا العمل الجاد “الجامعة الصيفية”، في أن تقلص من هذا الفارق بين أبناء الجمعية لتنصهر جهودهم في ساحات الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله.

إن ضعف التفاعل والتجانس والثقة، بين أبناء الجمعية، والتردد والتراوح في العمل الإصلاحي، يعد من أخطر الآفات التي تصيب الحركات العاملة، ولا يمكن التغلب عليها إلا بالإعداد والاستعداد، والعمل المنهجي المنظم، الذي ينتظره أبناء الجمعية من جامعتكم هذه.

ب‌- الاستجابة:

وبقدر ما تكون التحديات قوية وخطيرة، يجب أن تكون الاستجابة أقوى وأخطر.

وفي كلمتي الافتتاحية هذه لجامعتكم الصيفية الأولى، لا أريد أن أضيق عليكم واسعا، أو أحجر على عقولكم النيرة التي جاءت من كل حدب وصوب، لإثراء الجمعية وإغنائها بالأفكار والسواعد والمشاريع، وإنما أضع بين أيديكم بعض ثوابت الجمعية في طريقتها الإصلاحية؛ لأن الاستجابة لا تكون في مستوى التحدي، إلا بحشد طاقات المجتمع الكامنة، والعناية والتركيز على النهوض بالمؤسسات الاجتماعية المختلفة ومنها البدء بالمؤسسات التالية:

المدرسة النموذجية في جميع مراحلها، بدء بالحضانة، وانتهاء بالجامعة، حيث أن المجتمع مهدد بالانهيار التام، بسبب فشل المؤسسة التربوية الحكومية، نتيجة الفوضى البيداغوجية السائدة، وتعدد التجارب الوافدة الفاشلة، وانتشار المؤسسات التربوية الخاصة، التي ليست في متناول أبناء المجتمع، والتي ساهمت في إلغاء كل مقوم وطني وإنساني لتربية الطفل، باسم الحرية. لذلك بات من أوجب الواجبات على المنهج التغييري الإصلاحي للجمعية أن يقدم بديلاً نموذجيا، يعيد إلى ناشئتنا التوازن النفسي المفقود، والوعي الوطني الموؤود، فتكون المؤسسة الرافد الأنيق للأسرة والمجتمع في هيكلها المادي، ورشيقة في منهجها التربوي، ودقيقة في أسلوبها العلمي، وعميقة في بعدها الوطني.

الإعلام الملتزم: وكما لا يخفى على المهتم بالشأن العام الوطني، والعالمي، أن الإعلام قد أضحى سلاحاً هاما في حسم المعارك، حيث توكل إليه مهمة صياغة الرأي العام، وقولبة الوعي الإنساني، والتحكم في مصير الأمم والشعوب، وصناعتها.

لذا بات على الأمة أن تعي هذه الحقيقة، فتحشد كل الطاقات المادية والإنسانية، للالتفاف حول منهج جمعية العلماء، لإيجاد إعلام ملتزم يتمثل في الفضائيات الهادفة، وفي الصحافة الالكترونية المتطورة، إضافة إلى الصحافة المكتوبة، بحيث تكون كلها وطنية اللسان، جزائرية التوجه، إسلامية الروح. فليس كالإعلام وسيلة أنجع، لإعادة بناء الإنسان، وإعلاء قيمة الوطن والمواطن.

الامتداد النوعي: إن تحقيق الاستجابة القوية النوعية لمواجهة المرحلة الخطيرة التي تمر بها الأمة، يتطلب إعداداً خاصا، ومن متطلبات هذا الإعداد، الانتشار بالمؤسسات، والفئات الفاعلة كالجامعة، وفئات الشباب، وفئات النساء، ببث الوعي، وتوظيف التفاني لصالح النماء، والبناء، والإملاء.

إنّ اتحاد هذه القوى الفاعلة بالوسائل العلمية الناجعة، من شانه أن يغير بالعلم، وجه الوطن والمواطن، ويقفز به إلى الصفوف الأمامية لقيادة عملية التغيير الإصلاحي السلمي، لبناء مجتمع وطني إسلامي أفضل.

وأخيرا.

وفي ضوء هذه المعطيات المقدمة للواقع الوطني اليوم، وبعد تشخيص الداء، وإنّ تشخيص الداء يمثل نصف الدواء، كما يقول الفلاسفة، يمكن استخلاص أهم المتطلبات المرحلية، التي ينبغي لها شحن أتباع الجمعية العاملين في حقلها الإصلاحي التغييري المنشود. إننا –بدون أي عناء- يمكن أن نركز على دوائر رئيسية، من شأنها تفعيل العمل الإصلاحي الذي يتحلى به منهج جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وهذه  الدوائر هي:

1-  حشد المثقفين الملتزمين بقضايا الأمة، والاستعانة بهم للإسهام في تفعيل المنهج الإصلاحي، داخل جمعية العلماء.

2- حشد رجال الأعمال، والدفع بهم نحو مشاريع اقتصادية رسالية، ومنها الحث على الصدقة الجارية، والوقف، والهبات في تمويل المشاريع الإصلاحية العامة “نعم المال الصالح للرجل الصالح”.

إن المال أداة بناء فعالة، فإذا قيض الله لهذا المال، رجال أعمال مؤمنين صالحين مصلحين، فسيكونون كالحواريين حول عيسى عليه السلام، وكالصحابة حول نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وكصفوة الأغنياء الذين نهضوا بدعوة جمعية العلماء المسلمين، الإصلاحية في عهدها الأول.

لذا نهيب  بأبناء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، في كل الشعب الولائية والبلدية، إلى أن يعوا هذه الحقائق، فيجعلوا من السنوات القادمة، سنوات الإعلاء والبناء، والنماء في جميع الميادين، فذلك هو البناء الذي يدوم ويضل.

وفقكم الله وسدد خطاهم، وجعل الجنة مثواكم ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ (صدق الله العظيم)

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.