شهادات: الشيخ الغزالي يتحدث عن ابن باديس
حديث الشيخ محمد الغزالي (رحمه الله) عن الشيخ ابن باديس الذي نورده عبارة عن حوار أجراه الأستاذ أحمد بوشبعة على هامش الندوة الفكرية التي جرت وقائعها في جامعة الأمير عبد القادر بمناسبة يوم العلم عام 1986 م وكان عنوانها العلم والدين ونشرت يوم الخميس 17 أفريل 1986 بجريدة النصر..
نص الحوار :
س1- ما مكانة ابن باديس في النهضة العربية الإسلامية؟
ج1-أحد القادة الرواد الدين حاربوا الاستعمار الثقافي بقدرة ونجاح، وأثره مقدور ومشكور في العالم العربي كله لا في الجزائر وحدها، ونحن نعتبره طليعة موفقة مباركة في خدمة الإسلام وأمته.
س2- هل من مقارنة بين ابن باديس وإصلاحه في الجزائر والمغرب العربي، ونضال رواد النهضة في المشرق العربي؟
ج2- الشبه قائم ولا يمكن إنكاره وقد عاصرت نهضات إسلامية كثيرة في مصر ودمشق وفي مكة وبغداد وبقية العواصم العربية، فوجدت أن الشبه مشترك، لأن المنبع واحد ولأن الآلام متشابهة ولأن طريقه في الجهاد الذي رسمه الإسلام، وحد بين الأوائل والأواخر والمتعاصرين في طريق النهضة والهدف الذي تشتاق إليه الجماهير.
س3- ابن باديس العالم والمجاهد والمضلح اقتلع الاستعمار من جذوره الأولى، بما قدمه من التعبئة والتوحيد والإعداد لأفراد الشعب في مواجهة المحتل الغاصب، حدثنا ولو بإيجاز عن ابن باديس كمصلح وثائر؟.
ج3-أنا لم أستمع إلى ابن باديس لأني لم أعاصره ولكن قرأت له تفسيره، وهو تفسير دقيق يدل على إحاطة الرجل بعلوم القرآن الكريم واستيعاب لهداياته، كما قرأت شروحه للسنة النبوية، فقد كان متصلا بروح الرسالة وبالنبي صلى الله عليه وسلم ومقتفيا لآثاره، الرجل يجمع بين الأدب لأن عباراته في الدرجة الأولى من البيان السليم ويجمع إلى جانب أدائه العربي التحقيق العلمي والحس التاريخي والرواية الدقيقة لتاريخ المسلمين، وحساب الاقتباس منه، جهل الأمة الجزائرية تنهض من كبوتها وتؤدي حق الله عليها في محاربة الاستعمار الذي نكبت به، وقد نجح الرجل فعلا، ويمتاز الاستعمار بأنه يجمع بين الغزو العلمي والأدبي والاقتصادي العسكري وهو استعمار مضاعف الأوزار، على قدر أهل العزم تأتي العزائم، فالرجل استطاع أن يواجه هدا الاستعمار المضاعف القيود. ونجح في تعبئة أناس كثيرين يحملون علم الحرية واستطاع كذلك أن ينجح في إبقاء الشخصية الجزائرية مسلمة وعربية وهذا هو قمة التوفيق.
س4- الجهود الإصلاحية في أحوال المسلمين في عالم اليوم هل هي كفيلة بضمان المكانة والوجود الحضاري المتميز لأمة الإسلام أم أن الأمر يحتاج إلى مجهود آخر كيف وما الوسيلة؟
ج4- الذي لاحظناه أن الصحوة الإسلامية استيقظ لها أعداؤها على عجل وضاعفوا العوائق أمامها، ومن هنا فإن الدين يقومون بالصحوة أن يضاعفوا إلى التبعات الأولى العوائق الجديدة المضاعفة إلى التبعات الأولى حتى يستطيعوا أن ينجحوا في هذه المعركة الضارية. إن أعداءنا كأنما هم يحققون قوله تعالى لا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعواً. فيجب أن لا نتوقع هدنة منهم، ويجب أن تستعد دائما للكفاح في ميادين لا حصر لها حتى نستطيع أن نبلغ أهدافنا التي رسمناها لأنفسنا أو التي يقودنا القدر إليها.
س5- إلى أي حد وصل الاهتمام بدراسة وبحث آثار ابن باديس في المشرق العربي؟ وكيف كنتم تنظرون إليه في الثلاثينات؟
ج5- ابن باديس كبقية القادة العرب والمسلمين لم يظفروا بالتقدير الذي يستحقه، لأن العرب كما قال مبتلون بالنسيان وخصوصًا نسيان القادة الكبار، وموقفنا من التاريخ الإسلامي إلى إعادة نظر لأن أبطالنا كثيرون ومع ذلك سمحنا للتراب أن يهال عليهم، فلم نحسن اقتناء آثارهم ولا تجديد سيرهم ونحن أولى الناس بأن ننتفع بتراب الآباء والأجداد، ابن باديس كما قلت كتب عنه كتاب أو كتابين بينما كتب في نابليون بونابرت نحو مائتي كتاب لماذا لأن هؤلاء يقدرون رجالهم أكثر مما نقدر نحن عظماءنا إلى الآن مالك بن نبي في الجزائر وابن باديس وأحب أن ألفت النظر إلى الشيخ البشير الإبراهيمي وهو من علماء الجزائر أو ممن كانوا يعملون مع ابن باديس، عندما قدم إلى القاهرة لم يوضع في مجمع اللغة العربية من باب التشريف أو إكرام زائر غريب له مكانة في بلده.. الرجل كان موسوعة لغوية، وكان من أقدر الناس على الخطابة بأسلوب بلغ به القمة في الأداء وفي إحياء التراث الأدبي. هل يستطيع المعاصرون أن يحيوا مثل هده الذكريات وأن يجعلوها أمام الأجيال التي ننشئها الآن وسط مقاومات كبيرة للإيمان وللأصالة وللتراث الصحيح، لا تزال أمتنا بحاجة إلى أنشطة مقوية في هدا الموضوع.
س6- ما هي أحسن هدية تقدم لهدا الرجل العظيم في ذكراه؟
ج6- أحسن هدية في نظري أن الجامعة الإسلامية في قسنطينة تتسع دائرتها وتتفتح أمامها الميادين، لتخدم رسالة ابن باديس وهي رسالة الإسلام وهي الرسالة التي من أجلها أنشئت جمعية العلماء. فإن حاضر الجزائر يجب أن يكون موصولا بماضيها والغرس القائم يغذي من هدا الماضي لأن عناصر الخصوبة فيه هي التي تمنح النمو وتمنح النضج وتمنح حلاوة الثمار.