المقامــــة الأمـــيريــــة
بقلم: البشير بوكثير-
إلى روح الأمير عبد القادر في ذكرى وفاته الثامنة والثلاثين بعد المئة، أرفع هذه الكلمات الحييّات.
حدّثنا التاريخ يا سادة يا كرام- ولا يحلو الكلام إلاّ بالصلاة والسلام على سيد الأنام- قال:
هي شجرة الدّردار، تروي ذكرى فتى مغوار، لا يشقّ له في البيان والسّنان غبار، اسمه عبد القادر بن محي الدين، الذي أحيا بمآثره سير الفاتحين، من بدر إلى حطّين.
هو فارس السيف واليراع النحرير، والسياسي المحنّك الخبير، الذي أجمع المتمرّس كما الغرير، على أنّه منارة من منارات التنوير، في زمن الإبادة والتدمير، لمن رفعوا زورا شعار الحضارة والتنوير..
هو العارف الصوفيّ في صومعة الواصلين العارفين. ألم يكن بجوار ابن العربي أعزّ دفين؟
دبّج الروائع وخاض المعامع، وأخرس أصحاب البعابع، وكان دوما الطود الشامخ الواقف، والزاهد الورع الذي تجلّى روحانيا بكتابه «المواقف».
هو الفارس في الفلاة والضرغام في العرين. وهو الشاعر الفنّان، على مرافىء القوافي والأوزان، كما كان الحسام الصمصام اليمان، في الوغى أقضّ مضجع بيجو وديبرمان، وهذه التّافنة ناطقة بأفصح لسان، على مدار سبع عشرة سنة لم يغمض للدخيل مقل ولا أجفان.
هوصاحب المقراض الحاد، والسنون الشّداد، و السّمّ الزّعاف والنار على الأوغاد.
هو الأمير المقاوم الثائر، على كلّ حكم جائر، والمسالم المحاور لكل مَن يبغي السلم والتحاور.
هو الأمير المؤسس للدولة الجزائرية الحديثة، بالتخطيط والجهود الحثيثة.
يا سادة يا كرام:
لم يفتّ في عضده تخلّي الإخوان، وتآمر الخلاّن، وكيد العدوان، ولم يستسلم استسلام الرعديد الجبان، كما يزعم كلّ حاقد ذي شنآن.
ذاق مرارة النفي والسجون، ورأى بأمّ عينيه المنون، فما لان ولا استكان. حنّت إليه ربى الشام، وأرخت له الزّمام، فسكن دمشق الفيحاء، وتنسّم نسيم حلب الشّهباء، وتضوّع أريج الغوطة الغنّاء.
أطفأ سعير فتنة عارمة، بحكمة فريدة حاسمة، فأحبّه الجميع، لمّا أحال الصقيع، زنابق ووشيا مُمرعا مثل الربيع، فلا غرو أن تسير بذكره الركبان، ويعترف بفضله المسلمون وحتى الرهبان، في بلاد الجرمان والطليان والألمان، ويقلّدونه أعلى نيشان، لما رأوا فيه من تسامح ثائرٍ إنسان، عـَـزّ في ذلك الزمان.
والكلّ اليوم في بلاد الأمريكان، يمرّ على مدينة «القادر» مرور العاشق المعترف الولهان، وينحني تجلّة لهذا المقاوم العربي المسلم الإنسان.
وأدرك البشير الصباح، فسكت عن الكلام المباح.