جمعية العلماء، تتحدث -بأعمالها- عن نفسها
عبد الرزاق قسوم

جمعية العلماء، تتحدث -بأعمالها- عن نفسها

بقلم: د. عبد الرزاق قسوم-

أنا الجمعية، ذات التسعين حولا، كبرتُ وما هرمت، وتقدمت في السنين وما عجزت، بل لم تزدني السنون إلا قوّة،وفتوّة، وأخوّة، وما ذلك إلا لأني نشأت في حضن العلم والدين، فأكسبني ذلك صلابة ومهابة.

تم إني ترعرعت في حضن الجزائر الدافئ، فاستنشقت هواء جبالها، ورمالها، وبحارها، ووديانها، كما تغذيت بثمارها، وتدثرت بأصوافها وأوبارها، فصغت من ذلك كله مبادئ وشعارات وجودي المضادة للزلزال الاستعماري، والتدجيل الانتشاري، والتحزب الانكساري.
هكذا أبصرت النور، فخلد العلماء بميلادي ذكر اسم مدينة الجزائر، ذكرا تليدا، ألحقها بباقي العواصم العلمية في وطننا، كبجاية، وقسنطينة، وتلمسان، وتيهرت، وغيرها.
فعندما أطلقت نداء الاستهلال، رددتْ صداه السهول، والبحار، والوديان، والجبال، فخلقتْ علمائي البناء خلقا جديدا، اتسم بالطهر، والعفة، والصفاء، لتأصيل الانتماء، وبذل العطاء، وتدشين عهد التضحية والفداء.
لقد كان مولدي، تباشير صبح في ليل طالت ظلمته، واشتدت عتمته، واسودت حلكته، ايذانا بالشمس التي أعدت لطلوع النهار المضيء عدته.

إن وجودي مثّل وجودا للحقائق الخالدة، وتقريبا للآمال الواعدة، وإعدادا للأجيال الصاعدة، وشحذا للعزائم الراكدة، لذلك اتسمت حياتي –على تعاقب القيادات- اتسمت بمنازلة الدخلاء، ومصارعة العملاء، وتوعية الأدعياء، وتثقيف الجهلاء.
ولم تكن طريقي –في ذلك- مزروعة بالأزهار، ولا معبدة الأمتار، بل على العكس من ذلك كانت محفوفة بالأخطار، ذات سماء ملبدة بالسحب، والرعود، وأمطار الأحجار، فما وهنت، وما ضعفت، وما استكانت.
ابتليت بكل أنواع البلاء، وأصناف الأعداء، فقد واجهت عقبات، صنعها الجهل، والدجل، والجمود والتخلف، فوقفت عثرة في طريقي رافعة بالجهل الجهر، بأن الاستعمار قضاء وقدر، وأن الجهاد لا يكون إلا تحت حكم إسلامي مشروع، ملوحة ظلما وعدوانا بتحريف الآيات لقوله تعالى: ﴿.. إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ…﴾[سورة الأعراف، الآية 128]، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.
ومن أنواع البلاء، الهجمة الاستعمارية على المكان، والإنسان، والجنان، مسلطة بذلك العسكري المسموم، والمعلم الموهوم، والكتاب المذموم، والقسيس الملغوم، وكلها أدوات سلطت على الإنسان لاقتلاعه، وعلى الشباب لابتلاعه، وعلى السياسي لإغرائه وانتفاعه، وعلى “رجل الدين” لتضليله وخداعه.
وشر أنواع البلاء، وأعظم الرزية العمل على طمس الهوية، وتشويه العقيدة الإسلامية، وانتزاع مقومات الروح الوطنية.

******

في هذا الجو الموتور، والتحدي المنشور، قدر لعلماء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين –رغم قلة العتاد والعدة- أن يخوضوا معركة التغيير والتحرير، تغيير مختلف الحقول، وتحرير مقومات العقول، فكانت معركة البناء التنموي، بالمنهج التربوي، والأسلوب التوعوي، والنهوض الترقوي.
وتصدى لعلماء الجمعية –كما هو ديدنهم اليوم- بعض الموتورين بالأمس، والذباب الالكتروني اليوم، ممن مزقت الجمعية أستارهم الخداعة، وكشفت للناس أطماعهم اللماعة، وأبانت عن نواياهم ومقاصدهم الطماعة.
أبطلت الجمعية –إذن- عبادة الأسماء، وهدمت قباب الأدعياء، وخلصت العقول من وثنيات الأشقياء، ونقلت الناس من رجس الأرض إلى صفاء السماء.
فلو لم يكن للجمعية إلا هذا، بالأمس واليوم، لكفاها، فكيف إذا أضافت إلى هذا المجد، التكفل بقضايا المظلومين والمستضعفين في الأرض، حيثما كانوا، فقدمت لهم الزاد والعتاد، والغذاء والدواء، والمال والأعمال، كما هو الشأن في قضية فلسطين بالأمس، وقضية فلسطين، والصحراء الغربية، والروهينغيا، اليوم.
وما كان كل هذا ليتحقق لولا مدارس شيدت ولا تزال تشيد، وحضور واع للجمعية على أكثر من مشهد، وحملات توعية في النوادي، والمحيط والمسجد، ولعمري، فإن الوعي بالتأخر والفساد، لهو أول مراحل الإصلاح ومنطلقه.
إن هذه الانجازات الجبارة الملموسة، هي التي أوغرت علينا قلوب طائفة من الموتورين المنحوسة هم رمز الجمود والوثنية، المشيخية، وأدعياء الزعامة الدينية المحلية، وأنصار التبعية المذهبية، الطائفية.
وحق لهذه الشرذمة من الذباب الإلكتروني المتعفن، الموسوم بالجبن والتمحن حق له أن يناصب الجمعية العداء لأنها هي هادمة أنصابهم، وهازمة أحزابهم، ومبطلة ألقابهم، لذلك يستخدِم هؤلاء الزعانفة سلاح الجبناء وهو الفايسبوك فيفرغون ما بجعبتهم الخبيثة بالسر ما يعجزون عن تفريغه في العلن، لأنهم يعانون من الأمية العلمية، والوثنية الفكرية، والإنسلابية العقدية، فيناوئون الجمعية العداء، ويبرزون لها الجفاء، ويجسدون لمقاومتها بالذباب الإلكتروني العداء.
وكأني بهم الذين عناهم الشاعر المعاصر بقوله:

ليس لهم في لغة من اللغات وصف ~~~ ملائم لشكلهم ووصفهم سوى “اتفوا”

ونطمئنن هؤلاء السابحين في فكر القاذورات الذين مردوا على النفاق نطمئنهم بأن سيرهم على الفاسد من الدرب، وتلويحهم بنصب مكائد الفتل والضرب، لن يضر الجمعية في شيء، فلن يضر السحاب نبح الكلاب، لأن هذه الجمعية كانت ولا تزال وستبقى ان شاء الله شوكة في حلقهم، لأنها ذات الراية المرفوعة، والكلمة المسموعة، والحجة المطبوعة، والقيادة الحكيمة المتبوعة.
على أن المعركة، معركة الجمعية لم تقتصر على هذه الشرذمة من أعداء ذوي القربى وظلم ذوي القربى أشد مرارة لكن أضيف إلى هؤلاء طابور خامس عقّدتْ العُجمة لسانه، وأفسدت العلمانية كيانه وقوضت الجمعية أركانه.
إن الجمعية في ذكراها التسعين، هي أقوى ما يمكن أن تكون، ثابتة الخطى في وقار رافعة لواء الإصلاح والتغيير في إصرار محفوفة بالجماهير الشعبية في علو وانتصار.
والتحدي الذي نرفعه في وجه الجميع، هو أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، قد نجحت في استقلالية المواقف، فلم تتعصب ولم تتحزب ولن تترهب.
إنها أم الجمعيات، بل خير جمعية أخرجت للناس يحتكم إليها عندما يحمى الوطيس، ويستأنس برأيها للتفريق بين دعاة الخير وأنصار إبليس، وبذلك تمكنت من تحرير العقول من التقديس، وإيقاظ القلوب من التدنيس، وإنقاذ الأمة من كل أنواع التخدير والتيئيس، والتلبيس.
فلا نامت أعين الجبناء، والبخلاء، وإن البقاء، سيكون دوما، للأصفياء والأوفياء.

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.