الأستاذ محفوظ سماتي في ذمة الله
بقلم: أ.د. عمار طالبي-
فجعنا هذه الأيام بوفاة أستاذ جامعي متميز وعالم من علماء الاجتماع بارز، فقدناه بعد مرض، ومعاناة طال أمدها فاختاره الله لجواره، وإلى سعة رحمته ورضوانه.
دخل إلى الوجود في سنة 1936، وتنفس هواء قلعة زمورة، وبرجها العالي، المشرف على تلك المنطقة وأرجائها، من عائلة ذات دين وخلق، عاش في هذه القلعة الحصينة، وتلقى القرآن الكريم على شخصين من شيوخها من حفظة القرآن العظيم، وهما الشيخ الأخضر سماتي، والشيخ محمد بن الصغير، رحمهما الله تعالى، كما تعلم في مدرستها الابتدائية وتخرج منها.
انتقل إلى مدينة قسنطينة، وانخرط في مدرستها الثانوية المشهورة التي سماها الفرنسيون «فرنكو-مزلمون» وأسست بتاريخ 30 سبتمبر 1850 وهي واحدة من ثلاث مدارس شرعية أنشئت بالجزائر تدرس فيها اللغة العربية وآدابها، والعلوم الشرعية، واللغة الفرنسية، والقانون، والتاريخ، والجغرافية، والعلوم الطبيعية والفيزياء، وحفظ الصحة، والتربية الأخلاقية، والمدنية.
حصل من هذه المدرسة على الثانوية العامة، التي تؤهله للتعليم العالي الجماعي، وأبدى تفوقا في دراسته وجدّ شهد به أساتذته.
انتقل إلى جامعة السوربون بباريس، حاصلا على منحة دراسية، واختار التخصص في علم الاجتماع فحصل على إجازة «الليسانس» في هذا التخصص، كما نال شهادة دكتوراه الحلقة الثالثة، في موضوع: «التشبث بالعادات لدى العمال الجزائريين في فرنسا».
وقد أتى بصورة شهادة مدرسية الأستاذ عويمر في مقاله في التبيان 12 من جامعة ديكارت لسنة 1974-1975، مؤرخة في 29 أكتوبر 1974.
ثم دخل الجزائر وانخرط في سلك التعليم الجامعي في دائرة العلوم الاجتماعية، والتقيت به أول مرة في مكتب عميد كلية الآداب في ذلك العهد، واصل دراسته في جامعة السوربون للحصول على دكتوراه الدولة تحت إشراف الأستاذ لويس فانسون توماس في موضوع: «دور المدن في تنشئة الوعي الوطني في الجزائر» وحصل على الدكتوراه سنة 1993 من جامعة باريس 5، نشر هذا البحث سنة 1999 بباريس، (ميزوناف- لاروز).
رقيّ من أستاذ في علم الاجتماع إلى رئاسة قسم علم الاجتماع.
ومن الوظائف الإدارية التي تولاها: إدارة مركز البحث في «الانتربولوجيا وما قبل التاريخ والاتنوغرافيا» الواقع في باردو، تحت قصر الشعب حاليا، كما تولى عمادة كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية بجامعة الجزائر، وتسمى اليوم باسم جامعة أبي القاسم سعد الله رحمه الله، الواقعة ببوزريعة.
وكان عضوا في المجلس الوطني للبحث العلمي، وعضوا في المجلس الوطني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وعضوا في المجلس الإسلامي الأعلى (أنظر التبيان 12 مقال الدكتور عويمر).
ويجدر الذكر أن لعائلة الأستاذ سماتي زاوية قرآنية واقعة الآن بسيدي مبروك وهي الآن قد سجلت حوالي 400 تلميذ، وستفتح بعد اكتمال بنائها الجديد، ويشرف عليها الشيخ الطيب سماتي.
وتخرج عليه عدد من أساتذة علم الاجتماع منهم رشيد بوسعادة العربي تولى أيضا عمادة كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية ببوزريعة.
قام بدراسة عن مالك بن نبي «تأصيل العلوم الاجتماعية يناير (2006) وعن» النخبة في فكر مالك بن نبي» (2003) في (مجلة رؤى) العدد 20.
وشارك في ملتقى الفكر الإسلامي ببحث «أزمة المجتمع وأزمة العلوم الاجتماعية» في ملتقى سطيف.
متزوج وله من الأبناء كمال كما له بنت تحضر دكتوراه في علم الاجتماع.
عشت معه سنين طويلة، وعملت معه في البحث الذي قمنا به بمعية محمد الشريف قاهر وعبد العزيز شعيب في تحقيق «المواقف» للأمير عبد القادر الجزائري، وقد صدر في ثلاث مجلدات، سافرت معه إلى عدة بلدان منها استانبول، وأنقرة، للبحث عن المخطوطات، كما سافرت معه إلى دمشق لتصوير مخطوطات كتاب المواقف للأمير عبد القادر الجزائري، وحصلنا على صور بعض هذه المخطوطات ومن النسخ التي اعتمدنا عليها نسخة عليها تصحيح بخط الأمير نفسه، وبشهادة أبنائه على ذلك، ثم سافرنا إلى مدريد وغرناطة وحصلنا على مخطوط ابن العوام في الفلاحة من الأسكوريال قرب مدريد، وزرنا المكتبة الوطنية بمدريد، ومكتبة المعهد العربي بغرناطة، وبها نسخة من كتاب الكليات لدى الحيل المقدس وهو عبارة عن كنيسة، وقمنا بمعية أستاذنا سعيد شيبان ومحفوظ سماتي، وعبد الوهاب حمودة، بنقل معاني القرآن إلى اللسان الفرنسي في قناة Canal Algerie لمدة خمس سنوات وكنا نجتمع في منزل أستاذنا شيبان ثلاث مرات على الأقل أسبوعيا، لإعداد هذه الترجمة بمرجعية عدة ترجمات بلغات مختلفة لاستخلاص ما نراه مناسبا وذلك كله بقيادة أستاذنا سعيد شيبان وإرشاده وتعلقه الشديد بالقرآن ودرسه، وهو الذي جمعنا لهذا العلم الجليل أطال الله في عمره وبارك فيه وحفظه لنا.