شاهد عيان على مشاركة طلبة معد ابن باديس في ثورة تحرير الجزائر (1954-1962)
بقلم: أ.د. عمار بوحوش-
إنصاف للحقيقة، ينبغي أن نقول ونعترف منذ البداية بأن عشرات الطلبة الجزائريين في الثانويات والجامعات قد استهوتهم المشاركة في ثورة التحرير الوطني منذ 1954 ولم ينخرطوا في أي تنظيم طلابي. وإذا أردنا أن نكون صرحاء أكثر، فإن أي تنظيم طلابي خدم القضية الوطنية لم يكن مسموحا به من طرف سلطات الاحتلال بالجزائر.
خلية دار الطلبة بمعهد عبد الحميد ابن باديس
عندما كنا نواصل دراستنا لمعهد عبد الحميد بن باديس، لاحظنا أن عددا من زملائنا قد اختفوا عن الأعين ولم يعودوا بأتون المواصلة دراستهم. وبمرور الوقت، بدأنا نكتشف أسباب انقطاعهم عن الدراسة. فعندما كان الشيخ أحمد حماني، رحمه الله، يبدأ بالمناداة على الطلبة ليعرف من حضر ومن غاب عن درسه، استوقفه أحد الطلبة وأخبره بأن الطالب “عاطف” قد انقطع عن الدراسة، و”طلع” والمقصود بذلك طلع إلى جبل. فكان الشيخ أحمد حماني، رحمه الله، يبتسم ويقول: ”هذا دار قاز” ثم تلاه طلبة آخرون…وآخرون، إلى أن ثم توقيف التدريس بمعهد عبد الحميد بن باديس بقرار من السلطات الفرنسية التي تفطنت للموضوع، حيث اكتشفت أن الأساتذة والطلبة بالمعهد، يدعمون سرا وعلانية جيش وجبهة التحرير الوطني الجزائري.
وذات يوم فاجأني الأخ علي بوداود (من بون داي ليسير، أو بني سكران حاليا بنواحي تلمسان) بأن اليهودي الذي يملك محلا مقابلا لبازار غلوب (من الناحية السفلي) سينفذ فيه حكم الإعدام خلال 24 ساعة وبالفعل، فقد أطلق عليه فدائي النار وأرداه قتيلا في اليوم الثاني. وآنذاك عرفت أن سي علي بوداود جاء إلى قسنطينة لينخرط في جيش التحرير وليس إلى طلب العلم.
وتسارعت الأحداث وعرفت منه أن هناك خلية تنشطيه في دار الطلبة من المتطوعين ستلتحق لجيش التحرير الوطني الجزائري. واستنتجت من كلامه أن الخلية تتكون من زملائه طلبة المعهد، وهم:
1-بوساعة عبد الرحمن
2- هجريس الهاشمي
3- محمد الصالح يحياوي
4- عبد المجيد تاغيت
5- عمار بن جامع
وطلبة آخرين لا أتذكر أسمائهم الآن.
وعندما تقرر إرسالهم إلى ناحية قالمة كلا للالتحاق بجيش التحرير الوطني الجزائري، عرفت أن القائد الذي أرسلهم إلى الجبل هو الأستاذ إبراهيم مزهودي، وعلى ما أظن، كان معه الأستاذ مصطفى بوغابة الذي أعرف عنه جيدا أنه كان تجمع الفلوس في قسنطينة ويسلمها إلى المسؤولين في جبهة التحرير الوطني الجزائري، حيث كان يأتي، إلى محل عمى أحمد دودو، رحمه الله، ويأخذ منه ما شاء الله من الأموال لتمويل حرب التحرير الوطني. كما علمت من أحد أفراد الخلية أن الأستاذ مصطفى بوغابة غاضب على أحد أفراد الخلية لأنه تردد في حمل السلاح وعاد إلى قسنطينة لأسباب مجهولة.
أما الطلبة الذين كانوا صغارا في السن فلم تقبلهم الجبهة بدعوى أن هناك تتبع، وفي المستقبل ستعطى لهم الفرصة لكي نيضموا إليها.
جزء من دراسة قدمت للندوة الثانية حول الاتحاد للطلبة المسلمين الجزائريين المنعقدة بالجزائر العاصمة تحت إشراف رئيس الجمهورية يومي 9 و 10 نوفمبر 2005.