الرؤية النقدية للحضارة الغربية: مالك بن نبي أنموذجاً
مالك بن نبي

الرؤية النقدية للحضارة الغربية: مالك بن نبي أنموذجاً

بقلم: لينة دحماني-

يقول ملك بن نبي “ولدت عام 1905 أي في زمن بدأت تظهر فيه الخطوط الأولى لمجتمع جديد… فأنا إذا أنتمي إلى جيل أصيب بلعنة الزمن حين أقفلت فيه دورة حضارة الإسلام القديمة لتفتح دورة عهد جديد تتضامن فيه روح القابلية للاستعمار من ناحية والاستعمار من ناحية أخرى.” هذه العبارات تدل بوضوح على السياق التاريخي الذي أثر على المفكر بالإضافة إلى انتقاله للدراسة في فرنسا سمح له بأن يتعرف على الحضارة الغربية عن قرب وعلى حقيقتها. فلاحظ مالك بن نبي أن هذه الحضارة فارغة من الجانب الروحي، وتسائل عن ذلك، وحاول أن يجيب في كتبه، ثم انتقد التيارات التي كانت تقود الإصلاح في أربعينات القرن الماضي، واعتبر أن كلاَ الاتجاهين (الديني الذي مثله محمد عبده والاتجاه السياسي الذي مثله جمال الدين الأفغاني) لم يشخص المشكلة، فمشكلة العالم الإسلامي ليست مشكلة عقيدة فالمسلم لم يفقد ثقته بالله ولا مشكلة سياسية، مشكلته هي غياب الحضارة الإسلامية عن التاريخ الانساني.

وفي هذا السياق، اعتبر مالك بن نبي أنه من الخطأ أن نقارن بين حضارتين لا تعيشان نفس الزمن، فلكل حضارة عمرها وما يكفيها من القرون لأداء رسالتها في العالم، وعلى هذا الأساس يجب أن نشير إلى أن في دراسته للحضارة الغربية والإسلامية لم يكن يهدف للمقارنة بقدر ما كان يهدف لاستنباط نموذج. ودائماً يحاول أن يستنبط من النموذج الغربي ما يؤهلنا لإعادة صياغة الحضارة الإسلامية. تأثر بن نبي بالتراث الإسلامي وبابن خلدون خاصة في نظرية الدورة الحضارية وكذلك بالفيلسوف بن رشد. ومن الثقافة الغربية بديكارت في منهجه العقلاني. فما هي الأدوات والمقاربات التي اعتمدها لرؤية العالم الغربي وكيف نظر للحضارة الغربية؟

المحور الأول: رؤية مالك بن نبي للحضارة الغربية على مستوى العلماء الغربيين:

ركز بن نبي علي مفكرين الحضارة الغربية في نقده بوصفهم دعائم هذه الحضارة وبناتها، مثل: –

كارل ماركس الذي يركز على الجدلية المادية ويقول بقيام الحضارات على أساس الحاجات المادية، وأن قوى الإنتاج هي التي تحدد العلاقات الاجتماعية الخاصة بحضارة معينة. يري مالك بن نبي أن هناك ثغرة في التحليل الماركسي إذ أن هذه النظرية لا تفسر لنا السبب الذي يكمن وراء تفكك العلاقات الاجتماعية وتلاشي الحضارات، ويعطي مثال عن الحضارة الرومانية إذ أنها لم تتلاشي بسبب فقدانها لوسائل الإنتاج.

الفيلسوف الألماني شبنجلر الذي يفسر الحضارة باعتبارها ثمرة لعبقرية خاصة بعصر معين. وولتر شوبرت الذي يعتبر الحضارة نتاج لعبقرية جنس معين.

المؤرخ البريطاني أرلوند توينبي الذي يفسر الحضارة كرد فعل استجابة لتحدي تقوم به الشعوب. ويري أن العامل الجغرافي هو عامل أساسي في قيام الحضارة إذ عندما تتحدى الطبيعة الإنسان ينتج الإنسان رد فعل معين، ويكون رد الفعل يتحدى من خلاله الجغرافيا ليحفظ بقاءه.

يرى مالك بن نبي أن قيام الحضارات وانهيارها لا يعود إلى الأسباب الذكورة بعاليه، كما أن نظرة ولتر شوبرت وشبنجلر كانت نظرة عنصرية متمركزة على الذات الغربية. ويعتبر مالك بن نبي أن الفكرة الدينية هي العامل الجوهري في تكوين الحضارات، إذ بعد دراسة الحضارتين الإسلامية والمسيحية نجد أن كليهما انطلقتا من الفكرة الدينية، إذ تبدأ الحلقة الأولى بظهور فكرة دينية ثم يبدأ أفولها بتغلب جاذبية الأرض عليها. وفي حالة انكماش الروح والعقل تنطلق الغرائز الدنيا من عقالها لتعود بالإنسان إلى مستوى الحياة البدائية.

فالفكرة الدينية هي قانون حضارة معينة فإذا أردنا فهم أي حضارة علينا فهم قانونها المتمثل في المركب الديني، إذ أنه ينظم سلوك الفرد داخل المجتمع بتنظيم غرائزه ويخلصه من حالة الطبيعة. إذ أن هذا القانون هو الذي كان يحكم بـ”لا” حينما كان تحت سوط العذاب يرفع سبابته قائلاً “أحد…أحد”. إذ أن هذه المقولة لا تمثل صيحة الغريزة. بل تمثل صيحة الروح التي نظمتها العقيدة الإسلامية. فالعلاقة إذا بين الفرد والمجتمع هي علاقة روحية، وبالتالي كلما ضعفت الفكرة الدينية تضعف شبكة العلاقات الاجتماعية إلى أن تتمزق ويحدث الفراغ الاجتماعي بين الأفراد، وعندما تقوى الشبكة الاجتماعية يتماسك المجتمع. فهذا ما تفعله الفكرة الدينية بالجماعة الإنسانية وتحولها إلى مجتمع ذو هدف عام.

الشكل1

الانسان          العامل الديني          الجهد

التراب            العامل الديني          المادة

الزمن             العامل الديني          الحركة

المحور الثاني: الدورة الحضارية كمدخل لفهم الحضارة الغربية:

لكن قد لا تتفاعل الفكرة الدينية في موطنها الأم، وهذا ما حدث بالنسبة للفكرة المسيحية. يسأل مالك بن نبي.. لماذا؟ ويجيب بأن لعنصري الزمان والمكان تأثير مباشر على الفكرة الدينية فالفكرة المسيحية ولدت قبل الإسلام بستة قرون وبدأت عملها بعده بستة قرون، بالنسبة للفكرة المسيحية ولدت في بيئة مزدحمة بالثقافات والأديان (الثقافة الاغريقية الرومانية الديانة اليهودية). أما الفكرة الإسلامية ولدت في بيئة خالية من الثقافات والأديان وهي شبه الجزيرة العربية. والسبب يرجع إلى أن تأثير فكرة دينية معينة في بناء الحضارة يكون رهينا بالجغرافيا الإنسانية، فإذا لم تجد الحضارة الشروط الضرورية تهاجر لتجدها في مكان آخر. فالفكرة البوذية مثلا ولدت في الهند وتطورت في الصين. والفكرة المسيحية ولدت في بلاد الشام وتطورت في أوروبا. ووجدت الظروف الملائمة لتطورها في القرن 4م، بعدما انتهت الحضارة الرومانية واختفى المجتمع الروماني بكل ما فيه من أفكار وأشخاص وأشياء. فبعد تلاشي الحضارة الرومانية عاشت أوروبا فوضى إلى أن جاءت الفكرة المسيحية التي ركبت العوالم الثلاثة واستخرجت النسق الغربي.

سنة التداول }وتلك الأيام نداولها بين الناس{ آل عمران03. إن أسباب انحطاط العالم الإسلامي ليست خارجية بل هي داخلية بالأساس. فنجد أن انفصالا بين العقل والروح كان في معركة صفين عام 38ه إذ حمل التعارض الداخلي بين الحمية الجاهلية والروح القرآنية، إذ كانا يتعارضان. فجوهر الحضارة الإسلامية هو الفضيلة الأخلاقية، وبالتالي فإن انهيار الروح يعني انهيار الحضارة الإسلامية. وفي هذا السياق يقول مالك بن نبي “عندما يتوقف إشعاع الروح يخمد إشعاع العقل، إذ يفقد الإنسان تعطشه للفهم. وهذا ما يؤدي إلى ظهور مجتمع جديد، وهذا ما يؤدي إلى هجرة الحضارة لبقعة أخرى”.

هذا المعنى يتطابق مع مدلول الآية التي ذكرناها، إذ توضح لنا أن كل حضارة لها عمرها، وهي متداولة ففي الماضي، وجدت شروطها في المجتمع الإسلامي وفي الحاضر تجد شروطها في المجتمع الغربي. في المقابل أول انفصال حدث في العالم الغربي أو بتعبير أدق العالم المسيحي في عصر النهضة تحت مسمى الإصلاح الديني حدث الانفصال بين العلم والضمير. إذ كانت الحجة هي أن الفكرة المسيحية عاجزة عن مواجهة الفجوة الحاصلة بين النزعة العقلية والتطور العلمي. وحدث الانفصال الثاني “سياسي” في أعقاب الثورة الفرنسية التي حطمت التوازن الاجتماعي التقليدي وحل محله المساواة بين الأفراد، وكان من نتاج هذا الانفصال ظهور الجدلية المادية في أوروبا، وظهر علم الكلام في عصر ما بعد الموحدين. في هذه الفترة بالذات ظهر الاستعمار وظهر في العالم الإسلامي بوادر النهضة الأولى وهي (أحزاب سياسية لمقاومة الاستعمار، في هذا الوقت كانت أوروبا تعيش في فوضى المادية المزدوجة بين بين البرجوازية والبروليتارية). هنا تجلت أوروبا للوعي الإسلامي وهي في حالة فوضى، فآزر نفوذها فكريا وسياسيا، لكنه لم يكتشفها حضارة بل فوضى كانت تتعاظم داخلها الانفصالات “فسرعة النمو في ظل انفصال الضمير عن العلم انتج التوسع الاستعماري”.

المحور الثالث: خصائص الحضارة الغربية ونقدها:

نحاول تقديمها مختصر في النقاط التالية: –

1- المركزية: وتتجلى في انتشار المفاهيم الغربية (الديمقراطية، المواطنة، وغيرها)، وانتشار التكنولوجيا والإنتاج الصناعي باحتكار غربي، وسيطرة النموذج الغربي ثقافيا سياسيا اقتصاديا اجتماعيا. وهو ما يعرف بالعولمة الشاملة التي تدعو لتبني النموذج الأمريكي والتخلي عن الثقافات الأصيلة. وهنا يجب الإشارة إلى أن الحضارة الغربية هي عالمية من حيث الإشعاع العلمي، لكنها مركزية من الجانب الروحي والثقافي، إذ هي متمركزة حول ذاتها وتُقصي الثقافات الأخرى.

كان مالك بن نبي قد فصل في كتابه الفكرة الإفريقية الأسيوية في خمسينات القرن الماضي، واعتبر العالم مقسم إلى محورين:

أ- محور واشنطن_موسكو: وهو متناغم من حيث الأداء والإنتاج.

ب- محور طنجة_جاكارتا: متناغم من حيث الفوضى والفراغ.

نلاحظ في الوقت الحاضر أن هذا التصنيف لم يتغير بالرغم من تغير النظام الدولي، فبتعبير ماركسي شكل النظام العالمي في الحاضر هو دول المركز هي دول الشمال المتقدم والمحور الذي يحتوي على أهم عواصم الدول المنتجة الصناعية الكبرى. ودول الهامش والجنوب المتخلف ويحتوي على الدول الهشة والمنهارة والسائرة في طريق النمو وهي دول مستهلكة وغير منتجة، ومن بينها العالم الإسلامي والعربي الذي تتفشى فيه عدة ظواهر أهمها هجرة الأدمغة، إذ أن هذه الأدمغة لا تجد الظروف الملائمة للعمل فأغلبهم يتعرضون للتهميش أو حتى استخدام النظام السياسي للاغتيال والتهديد. ما يجعل الهجرة هي الملاذ الوحيد للنفاذ بأرواحهم وتأمين عيش كريم. في المقابل تتسابق الدول الغربية في استقطاب الأدمغة ومنحهم الجنسية لتنسب أبحاثهم واختراعاتهم إلى الدول الغربية لأنها وفرت لهم ما لم توفره لهم أوطانهم. ثم يدَّعون تفوق العقل الغربي… وربما لهم الحق في ذلك.

2- المادية: في كتابه مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي يسمي مالك بن نبي أحد فصول كتابه بـ”الإجابة عن الفراغ الكوني” ويحاول مقارنة التفكير الإسلامي والغربي من خلال نموذج قصتي حي بن يقظان وروبنسون كروزو. إذ أن في قصة حي بن يقظان كان إذا ما نظر إلى السماء يتجه إلى عالم الأفكار محاولا بذلك فهم ما وراء الطبيعة. أما في قصة روبنسون كروزو كان إذا ما نظر إلى الأرض يقصد الشيء والمادة، فالثقافة هنا مرتبطة بعالم الأشياء، فروبنسون كروزو كان ينظم وقته في واقع محسوس “أكل.. نوم.. عمل” وهذا يدل على أن الزمن في العالم الغربي لا اعتبار له إلا في عالم الأشياء.

لعل جذور الثقافة المادية في الفكر الغربي ترجع إلى لوكريتس وماكس بلانك وأجوست كونت ثم مادية كارل ماركس التي رسخت النزعة الكمية في الفكر الأوروبي. ما يجعل الفرد الأوروبي يهتم بما يجلب له المنفعة. وهذا يفسر صعود المتغير الاقتصادي كمقياس يقاس به تقدم المجتمعات وتخلفها. على عكس الحضارة الإسلامية التي يقاس فيها غنى المجتمع بكمية ما يملك من أفكار باعتبار الفضيلة الأخلاقية هي جوهر الحضارة الإسلامية.

3- الفاعلية: يبدو أن ديكارت قد وضع الحضارة الغربية في الطريق الموضوعي حين اعتبر أن العقل هو محرك كل شيء. في حين نجد أن إنسان ما بعد الموحدين لا يكترث بالفاعلية، والسبب أنه حين اتجهت الثقافة إلى امتداح الماضي أصبحت ثقافة أثرية ينعكس فيها العمل للوراء، إذ نرى الفرد المسلم ينهال على منتجات الحضارة الغربية سعيا منه لمنفعة عاجلة دون نقدها. ولا يفكر في كيفية ابداع الأشياء بل في كيفية الحصول عليها. وفي هذا السياق يفند مالك بن نبي الفكرة التي تقول بأن المسلم بالضرورة متحضر وفاعل. المسلم ليس بالضرورة فاعل.

وهنا نتساءل لما المسلمون يعتنقون فكرة صحيحة ومتخلفون؟ إن الفاعلية ليست فطرة لدى الغرب وإنما هي نتاج لتركيب ثقافي يتحرك في إطار الزمن ومرتبط بالوضعية التي يقف فيها المجتمع في التاريخ. وفي هذا السياق لا يمكن مقارنة المسيحية بالإسلام من خلال الأصالة الذاتية، فالمشكلة لا تتعلق بصدق الفكرة الدينية لكن المشكلة تتعلق بالمسلم الذي انفصل عن واقعه. فالفكرة الإسلامية لا تحتاج لنبرهن على صحتها نظريا، لكن من خلال المعاملات وإظهار فاعليتها. فالفكرة الدينية تحول النفوس من حالة الفتور إلى العمل الجماعي، وهكذا فعلت الفكرة المسيحية بالمجتمع الأوروبي بثت روح الفاعلية في المجتمع الغربي قبل أن تنفصل روحه عن ضميره ويتجه في حماة المادية.

4- الذوق الجمالي: ينتج المجتمع بذورا اخلاقية وجمالية نجدها في عاداته وتقاليده. وتضع هذه الروابط ثقافة خاصة بالمجتمع موجودة بين الجانب الأخلاقي والذوق الجمالي، فتأثر في سلوك الأفراد وبالتالي في توجه الحضارة بشكل عام. فالمجتمع قبل أن يتأثر بالجانب الاقتصادي يتأثر أولاً بالعلاقة الموجودة بين المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي.

ففي النموذج الإسلامي يقوم النشاط على الدوافع الأخلاقية، وفي النموذج الغربي يقوم النشاط على الذوق الجمالي الذي استولى على الشعور الغربي منذ عصر النهضة فأصبح الذوق الجمالي هو الذي يحرك الأفكار من خلال الدفع بالانفعال بالأشياء، ومن ثم اتقان العمل. بينما في الحضارة الإسلامية يدرج الذوق الجمالي في المرتبة الثانية. فالحضارة الإسلامية تقاس بمعيار الأخلاق لإنها ورثت الشغف بالحقيقة وكان روادها هم أنبياء “إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام”. أما الحضارة الغربية فهي تقاس بمعيار الجمال وورثت ذوق الجمال من التراث اليوناني والروماني، فكان روادها ميخائيل انجلو وفيدباس.

وعليه نستنتج أن تسبيق المبدأ الأخلاقي على المبدأ الجمالي يوجه الحضارة إلى الاتجاه الروحي. بينما تسبيق المبدأ الجمالي على المبدأ الأخلاقي يوجه الحضارة إلى الاتجاه المادي. فكان الاتجاه الأول هو النموذج الإسلامي والثاني هو النموذج المسيحي، فكانت النتيجة في النموذج الإسلامي هي ظهور التحجر والجمود “الحركات الصوفية”، بينما النتيجة في النموذج الغربي هو إن الحضارة الغربية انتجت مناهج خارج تعاليم الإنجيل وانتجت مناهج خاصة بالمجتمع الغربي “الفردانية، التمركز، وبروز ثقافة السيطرة”.

بالتالي نستنج أن الحضارة هي التوازن بين المبدأين الأخلاقي والجمالي، وعدم تسبيق أحدهما على الآخر.

خاتمة:

إن مسار التغيير في العالم الإسلامي يتطلب إدراك الروح العلمية لطبيعة المركزية الأوروبية الغربية في رؤيتها للعالم. فالفكر الأوروبي أورث سيكولوجية الاستعمار الذي منع من أي تبادل أو تأثير بين الغرب ومختلف الثقافات (موقف أحزاب اليمين في أوروبا من المهاجرين مثلاً)، فهناك فصلاً بين الذات الأوروبية “”الأنا”” والجانب الموضوعي “النوع البشري”.

بعد الاطلاع على نظريات المفكر مالك بن نبي نقترح أسلوب التدرج في سلك مسار التغيير، أولاً على المستوى الداخلي، وثانياً على المستوى الخارجي:

على المستوى الداخلي: إن التغيير المنهجي يبدأ من الفرد ثم المجتمع ثم الدولة، هو نتاج لتماسك شبكة العلاقات الاجتماعية. فالدولة مرآة عاكسة للمجتمع، بالتالي لا يمكن أن نأتي بنموذج خارج عن التركيبة الاجتماعية للمجتمع وننتظر نتائج إيجابية. لأن كل مجتمع له خصائصه الاجتماعية والثقافية. وله أهداف تميزه عن المجتمع الآخر. إذ أن استقرار البيئة الداخلية للدولة يتطلب تطابق البنى الاجتماعية مع وظائف النظام السياسي.

2. على المستوى الخارجي: إن العولمة هي مشروع يتضمن السيطرة والهيمنة واقصاء الآخر. في المقابل نجد أن الإسلام له رسالة كونية عالمية }وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا{ فهذه الآية تقر بالاختلاف بين البشر لكن لا تدعو للإقصاء والتهميش بل إلي التعارف، وبتعبير أدق تدعو إلي السلام العالمي. لذلك يجب أن يكون هناك تواصل بين الثقافات بين آسيا وإفريقيا. فالعالم الإسلامي ليس واحداً بل هو مجموعة من العوالم الجغرافية توطن فيها الإسلام، لذلك لابد أن يتكون وعي المسلم في مجموعة من الدوائر.

إذا كان الاستعمار التقليدي له صوت وضجيج لأنه يستخدم الدبابة ويلقي بعدد من القتلى. فيجب أن نعلم أن الاستعمار الذي نتعرض له اليوم يخترق العقول والأدمغة عبر المعلومة “المتاحة للجميع”، ويوجه هذه العقول حسب أهدافه ومصالحه. بالتالي يبقى التقارب الإفريقي-الأسيوي مهما جداً في هذا الوقت الحساس الذي يمر به النظام العالمي.

في هذا السياق نتذكر كتاب صدام الحضارات لصامويل هنتنغتون الذي يقول بوجوب التصدي لأي وعي يتجاوز مفهوم الشرق الأوسطية الأمريكية.


قائمة المراجع:

1- مالك بن نبي، وجهة العالم الاسلامي1، ترجمة عبد الصبور شاهين، ط1، دار الوعي، رويبة الجزائر.

2- مالك بن نبي، شروط النهضة، ترجمة عمر مسقاوي، عبد الصبور شاهين، ط1، دار الفكر، دمشق سوريا.

3- مالك بن نبي، ميلاد مجتمع، ترجمة عبد الصبور شاهين، ط1، دار الوعي، رويبة الجزائر.

4- مالك بن نبي، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي.

5- بدران بن مسعود بن لحسن، الظاهرة الغربية في الوعي الحضاري انموذج مالك بن نبي، ط1، قطر وزارة الشؤون الدينية والأوقاف.

6- عمر مسقاوي، العالمية ورسالة الحضارة والثقافة في فكر مالك بن نبي، ط1، دار الفكر، دمشق سوريا.

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.