العلامة المحقق الشيخ حمدان لونيسي أحد أعلام الجزائر ومدّرس الفقه في المدينة المنورة
بقلم : محمد رميلات –
كان الشيخ حمدان بن أحمد لونيسي يدرس بالجامع الكبير بقسنطينة النحو والحساب والأدب العربي والفقه والتوحيد … وعمره آنذاك لم يتجاوز الخامسة والعشرين ، بدأ التدريس في يناير 1881 م ، وتوقف عنه سنة 1910 م ، بعد 30 سنة من العطاء ، لأن سلطات الاحتلال الفرنسي منعته عنوة وقهرًا ، وظلمًا وعدوانًا ، فهاجر الشيخ حمدان إلى السعودية و استقر بالمدينة المنورة …
وقبل أن يزمع الرحيل لمجاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعث إلى شيخه محمد السحنوني كتابًا مع تلميذهما المشترك ، الشيخ أبي القاسم طعيوج يستشيره في الهجرة والإقامة الدائمة في تلكم الديار الطيبة ، وطلب منه أن يهاجر معه ، فأجابه الشيخ بالموافقة ، واعتذر عن مرافقته لأسباب عدّة من بينها عدم تخليه عن تسيير زاويته ، ومنها كفالة عائلته وعائلة ابن عمه ومربيه وشيخه محمد السعيد الذي كان الاحتلال الفرنسي قد ألقى عليه القبض بعد نهاية ثورة 1871 م ، مع قادة هذه الثورة ، ونفاه إلى مدينة ” كايان” بجزيرة قيانا الفرنسية الموجودة في المحيط الأطلسي بأمريكا الجنوبية ، وليس لعائلته معيل غيره …
سافر الشيخ حمدان لونيسي إلى طيبة ، وظل يدرس الفقه والحديث النبوي الشريف بالمدينة المنورة إلى أن وافاته المنية فيها سنة 1920 ودفن بمقبرة البقيع …
كان الشيخ لونيسي عالماً متمكناً في علم الحديث، وخطيبًا مفوهاً ، يهز أعواد المنابر بفصاحته العالية وكان يجاهر بعدائه وبغضه ومقته لفرنسا الظالمة ، وتصدّى لمكر المبشرين ، وتلبيس الفقهاء المنبطحين لفرنسا ، ونافح وناظل وكافح عن دينه ووطنه ولغته وهويته بدروس ومواعظ وخطب كان لها الأثر البالغ في نفوس تلامذته بزاوية باش تارزي بقسنطينة وكل الذين كانوا يلازمون دروس الشيخ حمدان لونيسي …
ولمعرفة المكانة العلمية الكبيرة للشيخ العلاّمة حمدان بن أحمد لونيسي ، يكفي أن نذكر بعض تلامذته الذين تخرجوا على يديه علماء أعلام ، وجهابذة عظام ، أذكر منهم الشيخ عبدالحميد بن باديس ، الشيخ محمد البشير الإبراهيمي ، الشيخ الطيب العقبي ، الشيخ محمد العربي التباني ، الشيخ السعيد بهلول الورتلاني ، الشيخ المفتي محمود ابن دالي كحول ، والعالم الكبير سيدي محمود بن المطماطية … وغيرهم من العلماء الذين تأثّروا بآرائه الإصلاحية ، ومواقفه الوطنية …
كان الشيخ عبدالحميد بن باديس طوال حياته يذكر شيخه سيدي حمدان لونيسي بإجلال كبير ، ويكن له حبًا عظيمًا ، ويذكر آراءه وفتاواه ونصائحه ووصاياه بشغف ولهف كبيرين ، ومن جملة ما أوصى به الشيخ حمدان تلميذه النجيب ” أن يقرأ العلم للعلم ، لا للوظيف ولا للرغيف ” وكثيرًا ما كان بن باديس يردد هذه الوصية الغالية التي جاءت من ناصح أمين …
ومما يليق المقام بذكره في هذا المقال أن الشيخ عبدالحميد بن باديس كان قد تخرج في جامع الزيتونة بشهادة التطويع وهي درجة علمية لا تسمح له بتدريس الحديث ، ولمّا زار المدينة المنورة طلب من شيخه سيدي حمدان لونيسي أن يُجيزه في علم الحديث ، غير أن الشيخ امتنع عن ذلك حتى لا يُقال أنه منحه الإجازة محاباة لا عن جدارة واستحقاق ، لكنه بعثه للجامع الأزهر، وحمّله رسالة خطّيّة لمفتي الديار المصرية آنذاك الشيخ العلاّمة محمد بخيت المطيعي ، يزكيه فيها ، ويطلب منه تشريفه بإجازة علم الحديث ، فأحسن الشيخ بخيت وفادته ، وأكرم ضيافته ، إكرامًا للشيخ حمدان لونيسي ، ودعاه إلى زيارته في منزله بحلوان القريبة من القاهرة ، ثم أجازه بإجازة علم الحديث هناك …
وقبل استقرار الشيخ حمدان لونيسي في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد أخذ الطريقة التيجانية عن الشيخ سيدي محمد حمّة التجاني التماسيني ، ثم صار مُقَدَّمًا لها في قسنطينة ، وله جهود كبيرة في نشرها في تلك الربوع ، وكان على اتصال دائم بزاوية تماسين وبأبناء سيدي الحاج علي التماسيني … ولد الشيخ محمد بن أحمد بن محمد حمدان لونيسي سنة 1856م بقسنطينة ، وتوفي سنة 1920م بالمدينة المنورة ، عاش في حياتنا الفانية هذه أربعة وستون 64 عامًا تَجَّلت بركاتها وظهرت أنوارها في أعمال جليلة ودروس جميلة أثمرت تلامذة أعلام ومشايخ عظام في الجزائر وفي السعودية ، رضي الله عنك وأرضاك سيدي حمدان لونيسي ، وأسكنك الله فسيح جنّاته في الفردوس الأعلى إلى جوار النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم .