الإمام والمجاهد والفقيه الشيخ عبد اللطيف سلطاني، الذي سَخَّرَ حياته للنضال ضد نظام الحكم الإشتراكي
بقلم : محمد رميلات –
الشيخ عبداللطيف سلطاني ، مجاهد ، وإمام ، وفقيه من فقهاء المذهب المالكي في الجزائر ، وداعية إلى الله على بصيرة وهُدَىً وكتاب منير ، وأحد الذين لا يُداهنون ، ولا يُجاملون ، ولا يتملقون ذي سلطة أو مال ، جريء في الحق جُرْأَةَ أولي العزم من الرجال ...
شارك الشيخ في مؤتمر طرابلس ، بعد وقف إطلاق النار ، وخلال هذا المؤتمر جَهر بمعارضته الشديدة لنظام الحكم الاشتراكي ، وكان يرى الإشتراكية خيانة لأمانة الشهداء ، ورٍدَّةٌ عن كتاب الله وسنة رسوله ، وناضل ضد هذا النوع من الحُكم بقلمه ولسانه ، حتَّى مَلَّ منه القلم ، وكَلَّ منه اللسان ، وأَلّفَ كتابه الذي سَمّاه " المَزدَكيَّة أصل الإشتراكية " وطُبع في دار الكتب ، بالدار البيضاء المغربية سنة 1394 هـ الموافق لسنة 1974م ، ودخل الجزائر سنة 1399 هـ الموافق لـ سنة 1979 م ، لكنه مُنع من التوزيع والطبع معًا ، و "المَزدَكيَّة " هي ديانة فارسية قديمة تدعوا إلى الإشتراك في الأموال والنساء ، ويرى الشيخ سلطاني أن هذه الديانة الضالة هي الأصل الذي قامت عليه الإشتراكية التي اتخذتها السلطة الجزائرية نظامًا للحكم ، كما ألفَّ الشيخ كتاب ثاني سمّاه " سهام الإسلام " ، طُبع في الشركة الوطنية للنشر والإشهار بالجزائر سنة 1980 ، وله كتاب ثالث عنوانه " في سبيل العقيدة الإسلامية " ، طُبع في دار البعث الجزائرية سنة 1982 ..
وقد استاء الرئيس بن بلة من معارضة الشيخ سلطاني ، وغضب منه الرئيس بومدين ، وتذمر منه الرئيس الشاذلي ... لكنه لم يطأطأ رأسه لأحد ، وما لاَن ولا استكان ، وبقي ثابتًا على موقفه في مناهضة الحكم الإشتراكي إلى أن اختاره الله إلى جواره الأعلى سنة 1984 ...
ولم يشفع للشيخ جهَاده مع السابقين الأولين الذين قاتلوا الفرنسيين المحتلين ، ولم تشفع له عمامة العلماء التي يضعها تاج على رأسه ، ولم تشفع له مكانته الرفيعة بين زعماء وقادة ثورة التحرير المجيدة ، ولم يشفع له " بيان مؤتمر الصومام " الذي حُرر في بيته في شهر جوان سنة 1956م ، بحضور قادة كبار من زعماء الثورة هم الشهيد عبان رمضان ، وبن يوسف بن خدة ، وعبد المالك تمام ، وإبراهيم شرقي وغيرهم ...
رغم ذلك كله فقد فَرَضَ عليه الرئيس بن بلة الإقامة الجبرية في بيته ، فما كان يمكنه مغادرته حتى لصلاة الجمعة... ومما يُروى عن الشيخ أنه لمّا ودّع زوجته وابنه وهما ذاهبان لآداء نافلة العمرة ، وقف عند باب بيته وقال لهما " بلغا رسول الله صل الله عليه وسلم مني السلام ، وقولا له إني مظلوم "...
ومهما يكن وَقع الظلم على الشيخ سلطاني ، فإن الحَق عنده يَعلو ولا يُعلى عليه ، ومما يحضرني في هذا المقام حكاية رواها فضيلة الشيخ البركة المعمر سيدي الطاهر آيت علجت ، قال بينما كنّا ذات يوم من سنة 1945 جلوس إذ طلع علينا الرئيس بن خدّة وعلى رأسه " برنيطة إفرنجية " ، فقال له الشيخ سلطاني ـ مازحًا ـ " سي بن يوسف ، مبروك العمامة " في إشارة منه ، أن هذه " البرنيطة " لا تليق بأمثالك...
ولد الشيخ عبداللطيف بن أحمد بن محمد سلطاني في 8 جوان 1902 م بالقنطرة ولاية بسكرة ، حفظ كتاب الله المجيد في سن مبكرة ، وقرأ متون الفقه والنحو والبلاغة والمنطق في الزاوية الرحمانية التي أسسها الشيخ علي بن عمر في طولقة ، ولاية بسكرة حاليا ، أخذ العلم عن شيخها عمر بن الشيخ علي بن عثمان ، ثم يَمَّمَ وجهه شطر جامع الزيتونة فتتلمذ على يد الشيخ أحمد بيرم ، والشيخ محمد الطاهر بن عاشور، والشيخ محمد رضوان ، والشيخ صالح المالقي ... وبقي هناك مثابرًا في طلب العلم إلى أن تخرج في جامع الزيتونة بشهادة التطويع سنة 1929 م ...
وله في تونس ذكريات ورأي ضد سياسة رئيسها بورقيبة ، الذي ألغى القضاء الشرعي ، وبدّل قانون الأسرة بمنع تعدد الزوجات ، ومَنَعَ ارتداء الحجاب على النساء بحجة إطلاق الحرية للمرأة ، وحَاصر دعاة الإسلام وأهله من أمثال الشيخ عبد العزيز الثعالبي ...
كان الشيخ سلطاني عضوًا بارزًا في مجلس إدارة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، وأمينًا للمال فيها ، ومديرًا لمركزها في الجزائر العاصمة ...
الشيخ سلطاني لم تُشغله مهامه الدعوية والإصلاحية عن زيارة مشايخ الزاوية الرحمانية في طولقة .. كان يتردد عليها بين الحين والآخر ، متواضعًا مطأطًا رأسه أمام مشايخ العلم والتربية والسلوك الصوفي هناك ...
تولى الشيخ سلطاني الإمامة والخطابة في بعض مساجد الجزائر العاصمة متطوعًا ، فكانت خُطبه تهز القلوب هزًا ، وتأزها أزًا ، وتركزها رِكزًا ...كانت خُطب من واقع الناس والحياة ، وكثيرًا ما أغضب السلط الحاكمة لجرأته في الحق ، وعدم مداهنته في النهي عن المنكر مهما صَغُر أو كَبُر .. امتهن الشيخ سلطاني التدريس في الطور الثانوي ، ولم يغادره إلى أن بلغ سن التقاعد في الفاتح جانفي سنة 1971م ...
ولمّا تقاعد من الوظيفة ، لم يقعد عن الدعوة إلى الله ، إلى أن وفاه الأجل المحتوم سنة 1984 ، رحم الله الشيخ عبداللطيف سلطاني ، وجعل مثواه في جنات رضوان ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر .