دورة الحضارة بين ابن خلدون وابن باديس وبن نبي
بقلم: الطاهر عامر-
اختلف الناس قديما وحديثا في الموازين التي تحكم تقدم أمة من الأمم أو تأخرها، وهو اختلاف تؤطره وجهات النظر والرؤى المتنوعة للموضوع والتي تتراوح بين الموازين الأخلاقية البحتة، وكذا الموازين الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية . وفي عصرنا الحاضر رأينا من يقيس مقدار تقدم أمة ما أو تأخرها بمدى تفاعلها مع أدوات الحضارة المادية الحديثة، في حين يعتبر آخرون أن الأمة تكون قوية بصناعتها، متفوقة بمنتجات حضارتها المادية .
وهناك من يقيمون نهضة الأمة ورقيها من زاوية قوتها العسكرية، وترسانتها الحربية.
وفي عالمنا الإسلامي رأينا وسمعنا عجبا، حيث كان الانسلاخ من تعاليم الدين والاستهتار بقيم المجتمع عنوانا للرقي والتقدم في نظر البعض، كما اتخذ البعض من شعار تحرر المرأة، وانعتاقها عنوانا عن للتقدم والتحضر، فجروا على الأمة الويلات، ورموها في أوحال التخلف والفقر والتقليد الأعمى للغرب المسيحي .
ورغم أن علماء الإسلام ومفكرين في كل عصر و مصر القواعد التي تسير حياة المجتمع، وتحكم أنظمة عبر مختلف مراحل عمره، فإن القليل القليل هم الذين يستفيدون من ذلك، ويرتبون حياتهم وشؤونهم وفق ما تأمر به علماء الملة .
وغرضنا من خلال هذه السطور تسجيل بعض ما خلفه علماء الإسلام من دراسات قيمة تمس حياة الشعوب رقيا وانحطاطا، وتضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالنهج الذي ينبغي سلوكه للوصول إلى قارب النجاة.
لقد أصبح الجميع يدرك بأن العلامة عبد الرحمن بن خلدون أول من تعرض لدراسة ظاهرة حياة المجتمعات والدول، ليصنفها في مراحل تشبه تماما مراحل عمر الإنسان من شباب وكهولة وهرم وشيخوخة، وتبعه في ذلك بعض مفكري الإسلام وعلمائه في عصر النهضة والإصلاح، محذرين من المخاطر التي انساقت نحوها الشعوب الإسلامية، فمزقتها شر ممزق .
واختصار للمقام سنسوق عينة من ثلاثة رجال خدموا العلم والفكر الإسلاميين في أحلك الظروف وأحرجها، ونحاول تجلية الصورة التي رسموها، والأدلة التي استندوا إليه لشرح دور الحضارة، أو مراحل المجتمعات والدول، وهؤلاء الرجال هم عبد الرحمن بن خلدون، وعبد الحميد بن باديس ومالك بن نبي
وإنما نخص هؤلاء بالذكر لأنهم ـ حسب اعتقادنا ـ درسوا مراحل حياة الشعوب والأمم من زاويتيها التاريخية إليها، إضافة إلى أنهم مضبوطة لم يسبقوا إليها، إضافة إلى أنهم من أقطاب علماء الإسلام ومفكريه .
أولا : مع ابن خلدون
يرى ابن خلدون أن حياة الدول والشعوب تمر بفترات ومراحل قلما تختلف، حيث تنتقل من طور البداوة والتوحش إلى حياة البذخ والترف ورقة العيش، لتصل في نهاية المطاف إلى سن الشيخوخة والهرم ثم الفناء، وهي تتشابه في ذلك مع الأطوار التي تعرفها حياة أي فرد من النوع الإنساني، بداء من فترة الطفولة والشباب، إلى الكهولة والشدة، ثم الشيخوخة والهرم.
وحسب رأي ابن خلدون فإن المراحل المذكورة طبيعة في الدول والأمم كما هي طبيعة في الأفراد . وهو إذ يصنف تاريخ الدول والمجتمعات إلى ما ذكرنا من المراحل فإنه يعتمد على عنصرين مهمين :
الأول منهما : بناء على ما جاء في القرآن الكريم من الشواهد والأدلة التي تعزز ما ذهب إليه وقرره.
الثاني : بناء على تجارب الحياة، وتواريخ الأمم التي قلما تحيد عن هذا المقياس . هذا وقد رأينا تناول كل مرحلة بالتفصيل، مشيرا إلى مظاهرها وأوصافها، فكان لزاما لننظر فيها علينا بعين التأمل والبصيرة ونتأكد من صدق وحقيقة ما يقول .
أولا : أما المرحلة الأولى فيصفها بقوله : ( لأن الجيل الأول لم يزالوا على خلق البداوة وخشونتها من شظف العيش والبسالة والافتراس والاشتراك في المجد، فلا تزال بذلك سورة العصبية محفوظة فيهم، فحسهم مرهف، وجانبهم مرهوب، والناس لهم مغلوبون ) (1)
ثانيا : أما المرحلة الثانية، أو الجيل الثاني، على ـ حد تعبيره ـ فيصفه بما يلي : والجيل الثاني تحول حالهم بالملك والترفه من البداوة إلى الحضارة، ومن الشظف إلى الترف والخصب، ومن الاشتراك في المجد إلى انفراد الواحدية، وكسل الباقين عن السعي فيه، ومن عز الاستطالة إلى ذل الاستكانة، فتنكسر سورة العصبية بعض الشيء، وتؤنس منهم المهانة والخضوع، ويبقى لهم الكثير من ذلك بما أدركوا الجيل الأول، وباشروا أحوالهم وشاهدوا اعتزازهم، وسعيهم إلى المجد، ومراميهم في المدافعة والحماية فلا يسعهم ذلك بالكلية، وإن ذهب منه ما ذهب، ويكونون على رجاء من مراجعة الأحوال التي كانت للجيل الأول أو على ظن من وجودها فيهم (2)
ثالثا : ثم تأتي مرحلة الجيل الثالث الذي يعرف بجملة من الأوصاف لا تحمد عاقبة أصحابها، لكونهم ينسون تماما خصال الشجاعة والبأس ويستكينون إلى رغد العيش، ويتخلون عن واجباتهم في الدفاع عن بيضتهم، وفيهم يقول : وأما الجيل الثالث فينسون عهد البداوة والخشونة، كأن لم تكن ويتقدون حلاوة العز والعصبية بما هم فيه من ملكة القهر، ويبلغ فيهم الترف غايته بما تبنقوه من النعيم وغضارة العيش، فيصيرون عيالا على الدولة، ومن جملة النساء والولدان المحتاجين للمدافعة عنهم وينسون الحماية والمدافعة والمطالبة، عنهم وتسقط العصبية بالجملة وينسون الحماية والمدافعة، ويلبّسون على الناس في الشارة والزي، وركوب الخيل وحسن الثقافة، ويموهون بها . فإن جاءهم في الأكثر أجبن من النسوان على ظهورهم . فإن جاءهم المطالب لهم، لم يقاموا مدافعة، فيحتاج صاحب الدولة حينئذ إلى الاستظهار بسواهم من أهل النجدة، ويستكثر بالموالي، ويصطنع من يغني عن الدولة بعض الغناء حين يتأذن الله بانقراضها»(3).
ويجزم العلامة ابن خلدون بصحة هذه النظرية، وعمومها في الغالب من الأحوال على الأمم والدول، فهو يذكر ذلك وبكل ثقة، ومستنده التجربة والعلم بأحوال الأمم الماضية، وبعلوم القرآن، وقصص الأولين ممن ذكرهم الله فيه فيقول : فهذه كما تراه ثلاثة أجيال، فيها يكون هرم الدولة وتخلفها ..وهذه الأجيال الثلاثة عمرها مائة وعشرون سنة على مامر، ولا تعدوا الدول في الغالب هذا العمر يتقريب قبله أو بعده (4) ثم يضيف ابن خلدون، دليلا من القرآن يؤيد به نظريته، وهو قوله تعالى (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون ) [النحل:61].
والسؤال المطروح هو : هل أن ما ذكره ابن خلدون من المراحل الطبيعية الثلاث هو نهاية خلاصة فكرته، أم في رؤيته بقية تفصيل ؟
والجواب هو : أن نعم فإن رجل تابع رحلته في حياة الدول والممالك، ليخلص إلى افتراض عكسي مفاده أن عدم سقوط الدول مع وصولها إلى سن الشيخوخة والهرم قد يكون سببه فقط عدم وجود المطالب، وهذا ما يعنيه بقوله : إلا إن عارض آخر من فقدان المطالب، فيكون الهرم حاصلا مستوليا والطالب، لم يحضرها، ولو قد جاء الطالب لما وجد مدافعا فعدم السقوط ناتج عن عدم وجود الطالب أو المطالب، ولا يعني بأي حال أن طول عمر الدولة علامة على صحتها وقوتها، بل العلامة الصحيحة للهرم والسقوط تكمن في القصور والعجز عن المدافعة.
وإن من سبر أخبار وتواريخ الأمم ودرس علاقات الشعوب، ووقف عند سنن الله في الخلق، يدرك صحة ما ذهب إليه ابن خلدون من التقسيمات والأجيال والعوارض التي تعتري الدول والمجتمعات .
ثانيا : مع ابن باديس
شرح ابن باديس فكرة الدورة الحضارية، أو مراحل تطور الأمم، وبسطها انطلاقا من تفسيره لآية قرآنية، هي قوله تعالى (و إن من قرية إلا و نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا) [الإسراء:58].
ولكنه لم يخرج عن المقدمات والنتائج التي خلص إليها ابن خلدون، وإنما تناول القضية بصفته عالما مفسرا لكتاب الله، مما مكنه من تأصيل الطروحات التي درسها ابن خلدون قبله .
وعلى هذا المنوال، كان الإمام عبد الحميد بن باديس يمهد بذكر الأطوار الثلاثة التي تمر بها الأمة من شباب وكهولة وهرم قبل أن يشرح الآية، فيقول: «الأمم كالأفراد تمر عليها ثلاثة أطوار : طور الشباب وطور الكهولة، وطور الهرم»(5) ثم يشرح تلك الأطوار واحد تلو الآخر، كل بعلاماته ومميزاته، فيقول: «فيشمل الطور الأول نشأتها إلى استجماعها قوتها ونشاطها، مستعدة للكفاح والتقدم في ميدان الحياة، ويشمل الطور الثاني ابتداء أخذها في التقدم والانتشار وسعة النفوذ، وقوة السلطان إلى استكمالها قوتها، وبلوغها غاية ما كان لها من استعداد، وما لديها من أسباب ويشتمل الطور الثالث إبداءها في الفناء والاضمحلال، إما بانقراضها من عالم الوجود، وإما باندراسها من عالم السيادة والاستقلال»(6).
ويجزم ابن باديس بوجود إلى بوجود هذه المراحل، وبمرور الأمة بها -كما جزم بذلك سلفه ابن خلدون- فيقول : «وما من أمة إلا ويجري عليها هذا القانون العام، وإن اختلفت أطوارها في الطول والقصر، كما تختلف الأعمار»(7).
يرجع ابن باديس إلى تاريخ أمة بني إسرائيل فيشرح المراحل الثلاثة التي مرت، مستنير بآيات القرآن تتحدث عن هلاك الأمم فيقول : «هذه السنة الكونية التي أجرى الله عليها حياة الأمم هذه الدنيا أشار إليها في كتابه العزيز في غير ما آية، فذكر أعمار الأمم مقدرة بآجالها في مثل قوله تعالى (و لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون) [الأعراف:34]، وذكر إنشاء الأمم على إثر الهالكين في مثل قوله تعالى (و كم قصمنا من قرية كانت ظالمة و أنشأنا بعدها قوما آخرين) [الأنبياء:11]، وذكر طور شباب الأمة ودخولها معترك الحياة في مثل قوله تعالى(عسى ربكم أن يهلك عدوكم و يستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون) [الأعراف:129]، فإن بني إسرائيل استلفوا في الأرض حتى قووا واشتدوا، وتكونت فيهم أخلاق الشجاعة والنجدة والحمية والأنفة بعد خروجهم من التيه، وذلك هو الطور الأول طور الشباب للأمة الإسرائيلية .
وذكر الطور الثاني، وهو طور الكهولة واستكمال القول وحسن الحال ورغد العيش في قوله تعالى(و ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان) [النحل:112]، وذكر الطور الثالث طور الضعف والانحلال في مثل قوله تعالى : (و تلك القرى أهلكناهم لما ظلموا و جعلنا لمهلكهم موعدا) [الكهف:59].
غير أن باديس يعطي تفسيرا آخر لحياة الجيل الثالث الممتدة، يختلف بصورة جزئية عن تفسير ابن خلدون الذي يرى أن عدم سقوط الحكم والأمة ناتج عن عدم وجود المطالب .
فعند ابن باديس أن هذا الطور لا يكون مصيره الهلاك بالضرورة، وإنما قد يتعرض للعذاب الشديد، ثم يتجدد شبابه وتبعث فيه الحياة مرة أخرى، ويستشهد لذلك بقوله تعالى : (و إن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا) [الإسراء:58]، فالآية هنا صرحت بنوعين من العقاب الدنيوي: الإهلاك أو العذاب الشديد .والنوع الثاني يجعل منه ابن باديس موضوعا لشرح فكرته حول تجديد حياة الأمة وانبعاثها من جديد، فيقرر وبأسلوب علمي سنني رائع أن القرى التي قضي عليها بالهلاك والاستئصال هذه قد انتهى أمرها بالموت وفاتت عن العلاج، مثل عاد وثمود من الأمم البائدة».
«وأما القرى التي قضي عليها بالعذاب الشديد، فهذه لا تزال بقيد الحياة فتداركها ممكن، وعلاجها متيسر، مثل الأمة الإسلامية الحاضرة»(8).
وهنا نلفت الانتباه إلى أن باديس لا بصفته مؤرخا في هذا الموضوع بالذات، لا بصفته مفسرا تقليديا، ينقل إلينا ما قاله الأوائل، ولكنه تناولها بصفته مصلحا وعالما مجددا، يهمه بالدرجة الأولى الحالة التي آلت إليها الأمة الإسلامية عموما، ووضعية المجتمع الجزائري المسلم أثناء فترة الاستعمار خصوصا . ولذلك رأيناه أثناء كلامه، يحاول أن يستنهض الهمم ويبث الوعي بين الصفوف حين يشير إلى حالة الأمة المعذبة يمكن علاجها.
ثالثا : مع مالك بن نبي
أما مالك بن نبي فيعرض لشرح الدورة التاريخية بطريقة تمتاز بالدقة والعمق في التحليل، وهو لا يختلف مع سابقيه، ولكنه يضيف عنصرا جديدا يجعله السبب الرئيسي في تكوين الحضارة، وانطلاق حركة التاريخ، هذا العنصر هو : العقيدة الدينية، إذ يرى أن كل حضارة لا بد من عقيدة دينية، تكون هي السبب في نموها وسيادتها . وفي ذلك يقول : «فالحضارة لا تنبعث ـ كما هو ملاحظ ـ إلا بالعقيدة الدينية، وينبغي أن نبحث في حضارة من الحضارات عن أصلها الديني الذي بعثها»(9).
ويشرح عوامل السقوط وأسباب الهلاك فيقرر أفول حضارة من الحضارات إنما يرجع إلى تغلب جاذبية الأرض عليها، وتخليها عن فكرتها الدينية التي كانت سبب مبعثها «ومن هنا نستطيع أن نقرر أن المدنيات الإنسانية حلقات متصلة تتشابه أطوارها مع أطوار المدنية الإسلامية والمسيحية، ثم يبدأ أفولها بتغلب جاذبية الأرض عليها، بعد أن تفقد الروح ثم العقل»(10).
ويرى أن مراحل التطور قد اجتازها المسلمون بفكرتهم الدينية التي أنتجت الحضارة، ولكنهم للأسف ما لبثوا أن عادوا إلى الحياة البدائية بسبب انكماش تأثيرات الروح والعقل وانطلاق الغرائز الدنيا من عقالها، فيقول : «وكذلك كان المسلم، فقد بعث الدين فيه روحا محركا للحضارة فلم يلبث بعد مرحلة قضاها في الخلافات والحروب أن عاد إلى حيث هو الآن إنسانا بدائيا»(11).
التجارب التاريخية، وحياة المجتمعات وعلى هذا فهو لا ينطلق من فراغ، لذلك رأيناه يجزم مثل سابقيه بأن «التجارب التاريخية العامة تؤكد أطوار الحضارات هذه، ولا تكاد حضارة ما تشذ عن هذه القاعدة»(12).
إن أزمة الحضارة التي تعتبر علامة السقوط وتوحي بانتهاء دور الأمة لا تخص أمة بعينها، وإنما هي قانون عام ينطبق على كل حضارة قطعت الأطوار الثلاثة، فلا فرق بين الإسلام والحضارة المسيحية أو الحضارات الأخرى في اجتياز تلك الأطوار والمراحل .
ونخلص إلى القول من خلال الدراسة التحليلية لمالك بن نبي حول نشأة الحضارات وسقوطها أن :
أولا : أن الحضارة تنشأ من فكرة دينية، وليس من غيرها، وأن الفكرة الدينية هي المحرك الأساسي والدافع الرئيسي لتطور الأمم، وبناء الحضارات وانه لا حضارة بلا دين .
ومعنى ذلك أنه لكي تستمر الحضارة، ينبغي استمرارا مدها بعناصر القوة من خلال الفكرة الدينية .
هذا العنصر لم يناقشه ابن خلدون أثناء حديثه عن الدورة التاريخية ولكنه تناول فيما يبدو أثناء كلامه عن علاقة القوة بالعصبية الدينية في موضوع آخر من المقدمة .
ثانيا : أن الإنسان يكون قبل بدء دورة الحضارة في حالة سابقة لها بمعنى له استعداد فطري وخلقي قوي، يدفعه لسلوك طريق الحضارة، فيبني ويبدع ويتحمل التضحيات والمشاق. أما في نهاية الدورة فإنه يكون متفسخا حضاريا، فيدخل في مرحلة الانحطاط الأخلاقي والروحي ولم يعد قابلا لإنجاز عمل متحضر.
ثالثا : أن الفرق بين ما كتبه مالك في موضوع وما سبقه المؤرخ ابن خلدون، هو أن هذا الأخير (( يمكن قبل اكتشاف منطق التاريخ في مجرى أحداثه، فكان بهذا المؤرخ الأول الذي قام بالبحث عن المنطق إن يكون أول من أتيح له يصوغ قانون الدورة التاريخية، لولا أن مصطلح عصره قد وقف به عند ناتج معين من منتجات الحضارة ونعني به الدولة، وليس عند الحضارة نفسها ))(13)في حين أن مالك نقل القانون إلى جميع عناصر الحياة الاجتماعية ولم يقصره فقط على الدولة التي تعتبر عنصرا من بين عناصر الحضارة.
رابعا : على دارس حياة الأمم والشعوب في تجاربها وحضارتها من الزاويتين الشرعية والسنية والتاريخية، ألا يستغني بما كتبه أحد الأقطاب عن الاثنين الآخرين، فهما -حسبما يتراءى لي- سلسلة في حلقة يساعد بعضهما في فهم بعض ما جاء به الأخر . فإن كان ابن خلدون يسبر أغوار التاريخ وحياة الأمم بدويها وحضرتها فإن ابن باديس يتناول كذلك مع عرضها على القرآن الكريم مرحلة ليزيدها وضوحا ونضجا، في حين أن مالكا يفعل ذلك بإبراز ما يلي :
1 دور الفكرة الدينية في بناء الحضارة وتقدم الأمة .
2 شمول الحضارة للدولة والمجتمع وتفاعلات عناصر الحياة المختلفة .
الهوامش:
أستاذ بالمعهد الوطني العالي لأصول الدين
(1) المقدمة : ص 170-171.
(2) المقدمة : ص 170-171.
(3) المقدمة : ص 170-171.
(4) المقدمة : ص 170-171.
(5) تفسير ابن باديس ص 189-190.
(6) تفسير ابن باديس ص 189-190.
(7) تفسير ابن باديس ص 189-190 .
(8) تفسير ابن باديس ص 191.
(9) مالك بن نبي شروط النهضة ص 75.
(10) شروط النهضة : 78-79.
(11) شروط النهضة : 78-79.
(12) شروط النهضة : ص 78-79-93.
(13) شروط النهضة : ص 78-79-93.
المصدر: مجلة الموافقات (المعهد الوطني العالي لأصول الدين – الجزائر) العدد 3/ جوان 1994