الشيخ طاهر الجزائري ونظرته إلى تدريس العقيدة
بقلم: العمري مرزوق-
لقد كان الهدف الأكبر للعمل الإصلاحي الذي عرفه المجتمع الإسلامي الحديث إحياء المرجعية الإسلامية، كي تؤطر حياة المسلمين وتبقى بذلك صلتهم بدينهم. وهذا ما اقتضى التفكير من جديد في كيفية إحياء علوم الدين بوضع مقررات لهذه العلوم التي تلقى على طلبة المدارس الشرعية في أقطار عديدة من بلاد الإسلام.
وإذا ذكر هذا العمل الإصلاحي والعلمي العظيم يذكر الشيخ طاهر الجزائري باعتباره نموذجا متميزا في هذا المجال، مجال وضع المقررات المدرسية. ويكون الأمر له أهمية خاصة إذا كانت من هذه المقررات مقررات علم العقيدة لمكانة هذا العلم في البنية الإسلامية. من هنا يكتسي الحديث عن الشيخ طاهر الجزائري، والبحث في تراثه أهمية خاصة تجعل المهتم بالعلوم الإسلامية لا يمكنه أن يتحدث عن العمل على إحياء هذه العلوم في التاريخ الحديث والمعاصر دونما ذكر للشيخ طاهر الجزائري، ولذلك يكون البحث في هذه الشخصية مهما لعدة مبررات منها:
1 ـ إن البحث في هذه الشخصية المرموقة يتيح لنا التعرف عليها وعلى أهم الأعمال التي أنجزتها، وهذا من حقه على المهتمين بالعلوم الإسلامية بشكل عام، حتى يتاح للذين لا يعرفونه التعرف عليه والإفادة من علمه الذي تضمنته عشرات الكتب.
2 ـ إبراز دوره في الإصلاح والنهضة العربية الإسلامية الحديثة، من خلال الإشارة إلى جهوده الإصلاحية، والعلمية وبذلك يتمكن المتتبع لحركة الإصلاح التعرف على كل الذين ساهموا فيها وما هي طبيعة الإضافات التي أضافها الشيخ طاهر الجزائري إلى النهضة الإسلامية الحديثة.
3 ـ إبراز جهوده في خدمة العلوم الإسلامية، وهذا أمر يخص الباحثين في العلوم الإسلامية بشكل خاص؛ لأنهم المسؤولون أمام الله وأمام التاريخ على الحفاظ على الاختصاص الذين سخروا أنفسهم لخدمته بأن تخصصوا فيه.
وفي هذه الدراسة أريد التركيز على جهوده في خدمة علم العقيدة كنموذج من مجهوداته العلمية، وهذا بطبيعة الحال لأهمية علم العقيدة في البنية الإسلامية؛ فهو أساس العلوم الإسلامية كلها، ولذلك اصطلح عليه بعلم أصول الدين، وثانيا بحكم الاختصاص الذي أبحث فيه وهو هذا العلم الجليل الذي هو علم العقيدة.
وعليه فهذه الدراسة تتمحور حول جزئيتين أساسيتين: أولاهما التعريف بالشيخ طاهر الجزائري بوضع ترجمة له عمدت إلى أن تكون ملمة بمختلف جوانب حياته، خاصة حياته العلمية والإصلاحية؛ فهذا ما يبتغيه الباحث في تاريخ الشخصيات. فمن هو الشيخ طاهر الجزائري؟ وما هي أهم إنجازاته العلميّة والدعوية والإصلاحية بشكل عام؟. أما الثانية فهي طبيعة نظرته إلى تدريس علم العقيدة، فما هي ملامح هذه النظرة؟ وما هي إضافات الشيخ طاهر في ذلك؟
وحتى تتسنى لي الإجابة على هذه التساؤلات التي تضمنتها هاتان المسألتان عدت إلى كتبه بالدرجة الأولى؛ أقصد ما كتبه في باب العقائد وهما كتابان اثنان: الجواهر الكلامية في إيضاح العقائد الإسلامية، والكتاب الثاني: الجوهرة الوسطى في قواعد العقائد، بالإضافة إلى المعاجم التي ترجمت له مثل معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة، وحتى بعض المواقع الإلكترونية التي نشرت الكثير من الدراسات حول هذه الشخصية، ولذلك كانت هذه الدراسة قد أخذت طابع الوصف أكثر مما اعتمدت أي منهجية أخرى.
أولاً: التعريف بالشيخ طاهر الجزائري
هو الشيخ طاهر بن صالح بن أحمد بن موهوب السمعوني الوغليسي الجزائري ولد في دمشق ليلة الأربعاء 20 ربيع الأول سنة 1268ه ـ / 1851 م، فوالده هو الشيخ صالح بن أحمد الوغليسي، وقد كان عالما من العلماء. قال عنه الزركلي في الأعلام بأنه: فاضل من الجزائر قدم إلى دمشق ومن آثاره رسالة في غرائب الخلاف بين الأئمة(1). وينتهي نسبه إلى السيد عبد الله الكامل بن السيد الحسين المثنى بن السيد الحسن السبط ابن الإمام علي رضي الله عنه. ونتيجة لمضايقات تعرض لها السيد عبد الله الكامل رحل إلى بلاد المغرب وكان له خمسة أبناء وولد سادسهم في المغرب وهو إدريس ومنه الأدارسة الذين عاد بعضهم إلى المشرق وبقي بعضهم في المغرب، ومن الذين بقوا في بلاد المغرب تنحدر أسرة الشيخ طاهر التي هاجرت إلى دمشق سنة 1263ه ـ /1846م(2).
والسمعوني نسبة إلى سمعون وهي القرى التي كانت تسكنها عائلة الشيخ طاهر وتقع بضواحي مدينة بجاية في الجزائر موطنه الأصلي. أما عن هجرة عائلته إلى المشرق واختيارها ديار الشام تحديدا فقد كان محل دراسة عند المؤرخين؛ من خلال تركيزهم على ظاهرة الهجرة ودوافعها والديار التي كان يهاجر إليها الجزائريون. أما عن ظاهرة الهجرة فقد كانت طبعا إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر ويفهم من هذا أن سببها السياسة الاستعمارية التي حرمت الجزائريين من كل حقوقهم، الأمر الذي اضطر الكثير منهم إلى الهجرة. يقول الدكتور سعد الله:«امتاز عهد بيجو(1841/1847) بتهجير من نوع آخر لأعيان الجزائر، وهو النفي والطرد خارج الوطن، فقد حكم على كل مشبوه وكل زعيم سياسي أو إداري من الجزائريين لم يتعاون صراحة مع العدو، وأجبره على مغادرة وطنه وعائلته»(3).
ندرك من خلال هذا أن الهجرة كانت تهجيراً قسرياً وليست هجرة اختيارية، وقد امتازت هجرة الجزائريين في القرن التاسع عشر بكونها هجرة إلى بلاد المشرق بدل أوروبا أو أمريكا، وذلك لاعتبار ديني بالدرجة الأولى؛ أي أنها كانت فرارا بالدين. يقول الأستاذ سهيل الخالدي: «لو سألت أحد الجزائريين خلال النصف الأول من القرن الماضي- القرن 19- لم تتوجه إلى المشرق بينما غيرك يتوجه إلى أمريكا بحثا عن الرزق والأمن والفرص؟، لربما قال لك بأنه يكفيه أن يعيش في أرض الإسلام و يساكن أهل العروبة؛ إذ معهم الرزق والأمن والفرص»(4).
وقد كانت هجرة عائلة الشيخ طاهر الجزائري إلى بلاد الشام سنة 1285ه ـ /1846م؛ أي أنها كانت قبل هجرة الأمير عبد القادر، وهذا خلاف ما ذهب إليه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة الذي ذكر أن هجرة والده كانت مع الأمير عبد القادر(5). وما دام أنها تمت في هذه الفترة يرجح أن هذه العائلة تعرضت للتهجير الذي مارسه الجنرال بيجو على الجزائريين والذي تمت الإشارة إليه، بل هذا ما يؤكده الدكتور أبو القاسم سعد الله حينما يذكر الفئات التي خضعت للتهجير على عهد بيجو أنها تمثلت في: الأعيان والقواد، والعلماء، ويذكر أن الشيخ صالح السمعوني والد الشيخ طاهر كان أحد هؤلاء (6).
قصدت عائلة الشيخ طاهر بلاد الشام واستقرت بدمشق التي ولد بها الشيخ طاهر وبها تعلم على أيدي علماء كبار كان في مقدمتهم والده الشيخ صالح السمعوني الذي بذل في سبيل تربيته و تعليمه جهدا كبيرا، ثم التحق بالمدرسة الجقمقية (7) الابتدائية وفيها تتلمذ على يد علماء مثل الشيخ عبد الرحمن البستاني الذي أخذ عنه العربية والفارسية والتركية، ثم اتصل بشيخ عصره عبد الغني الغنيمي الميداني(1222ه ـ /1298ه ـ ) وهو فقيه أصولي نظار، قال عنه المؤرخ محمد كرد علي إنّه كان:«على جانب عظيم من التقوى والورع يمثل صورة من السلف الصالح، فطبع الشيخ طاهر بطبعه، وأنشأه على الأصول العلمية الدينية، وكانت دروسه دروسا صافية المشارب، يرمي فيها إلى الرجوع بالشريعة إلى أصولها والأخذ من آدابها بلبابها، ومحاربة الخرافات، وإنقاذ الدين من المبتدعين والوضاعين»(8)، وقد درس عليه حاشية السعد التفتازاني، والتلويح على التوضيح لصدر الشريعة رحمة الله عليهما. كما درس العلوم: الطبيعية، والرياضية، والفلكية، والتاريخية والأثرية، وما إن بلغ الثلاثين حتى أتقن أكثر لغات الشرق مثل: التركية، الفارسية، السريانية، العبرية، الحبشية، العربي ـ ة، والأمازيغية لغة أهله الأصلية، بالإضافة إلى اللغة الفرنسية كلغة غربية(9).
وهذه الموهبة وهذا النبوغ جعلاه يحظى باحترام الكثيرين. وصار يشهد له بغزارة العلم تحصيلا وإنتاجا. يقول المؤرخ محمد كرد علي:«كان متضلعاً في علوم الشريعة، وتاريخ الملل والنحل، منقطع القرين في تاريخ العرب والإسلام، وتراجم رجاله ومناقشات علمائه ومناظراتهم و تآليفهم ومراميهم، وكان إماما في علوم اللغة والأدب، وهو هكذا في علوم الشريعة لاسيما في التفسير والحديث والأصول، إنه خزانة علم متنقلة»(10). ولا أدل على ذلك من الكتب الكثيرة التي تركها والتي توزعت على مختلف العلوم الإسلامية.
أما عن شخصيته فجل الذين ترجموا للشيخ طاهر الجزائري ذكروا أنه اتصف بكل مواصفات الشخصية القوية من حدة ذكاء، وغزارة علم، ورهافة حس، وعلو همة، بالإضافة إلى القوام البدني؛ فاهتموا بمختلف صفاته الخلقية والخلقية على حد سواء؛ فعن صفاته الخلقية فقد وصف بأنه حسن الطلعة، واسع الجبهة، معتدل القامة، حنطي اللون، كث اللحية، أسود الشعر والعينين، سريع الحركة، كما أنه وصف بعصبية المزاج، وهذه عموما صفات الفرد الجزائري، كما أنه عاش ومات دون أن يتزوج. وقد اعتبر مترجموه عدم ارتباطه بالأسرة هو الذي جعله يعطي عمره كله للعلم فتفرغ له بشكل كلي، كما أنه كان يتساهل في مظهره ولا يأبه للتأنق، وكان يحب السباحة والسياحة والمشي على الأقدام رياضة. و كان لا ينام إلا قليلا فيقضي ليله سهرا ويواصله بالنهار بحثا ودراسة وتعليما.أما صفاته الأخلاقية فقد عرف بعفة النفس لا يأخذ شيئاً إلا بمقابل، وكانت للكتاب عنده قيمة كبيرة وما يؤكد ذلك حرصه الشديد على الكتاب حتى إذا أراد بيعه فلم يكن يرضى أن يبيع كتبه لأي كان، على الرغم من الظروف القاهرة التي ألمت به في أواخر حياته والتي أجبرته على بيع كتبه ليعيش منها، لكنه كان ينتقي الشخص الذي يبيع له كتبه فكان لا يبيعها إلا لمن يقدرها قدرها بأن ينتفع وينفع بها مهما كان الثمن الذي يدفع له. كما عرف الشيخ طاهر الجزائري بالزهد فقد كان بعيداً عن مظاهر الترف والأبهة على الرغم من صداقاته الكثيرة، وعلاقاته الواسعة، وتنقلاته. على الرغم من ذلك لكنه كان لا يأبه بشيء من أمور المظهر، وتجلى زهده على مستوى آخر طبع علاقاته فكان لا يظاهر ظالما لغنم يصبه، ولا صاحب غنيا للانتفاع بغناه، وهذا لأن الشهرة لم تكن تهمه.
وكان حريصا على اغتنام وقته والانتفاع به، وقد اغتنم عمره في طلب العلم ونشره وهذا ما جعله يدمن على شرب القهوة حتى يجافي النوم ما أمكنه ذلك، ومن مظاهر حرصه على طلب العلم أنه كان يحمل بعض الكتب التي تعتبر كتب جيب ليقرأ حيث تتيسر له القراءة كي لا يضيع شيء من وقته، وفي هذا يقول أحد تلامذته:«كان لا يذر مزاولة العلم في كل وقت وحين ما بين تصنيف وتنقيح، أو بحث وتنقيب، أو مذاكرة ومطالعة، وإذا استحسن كتابا يعاود مطالعته مرارا عديدة»(11) وعلى الرغم من هذا الإدمان على المطالعة أثر عنه أنه كان ينصح غيره بالإقلال من القراءة أيام العطلة والإكثار من الرياضة والتنقل في الحدائق؛ ذلك أن الانعكاف على الكتب يحبب الوحشة والانعزال إلى النفس عن الناس، فتصبح نفورا من كل جليس(12) مما اشتهر به أيضاً طيب الكلام فكان لا يتفوه بما ينبو عنه السمع أو يبادر إلى هجر أحد وهذا على الرغم من حدة طبعه كما سبقت الإشارة، فقد كان: «لا يعرف الهجر، ولا يسب سبا قبيحا، هذا مع حدة ظاهرة فيه إذا صفا ذهنه تفصح عبارته في محاضرته، و إلا فيعتريها شيء من اللكنة المغربية ممزوجة بالعامية الدمشقية، ولم يجر لسانه بجملة واحدة باللهجة المصرية مع أنه أقام في مصر أعواما كانت تكفي لتقلب فيه اللهجة الشامية إلى اللهجة المصرية، وله تعبيرات خاصة وأساليب في مصطلحاته، ونبراته لطيفة تحلو من فمه، وما أحصي عليه أن نطق يوما بفحش أو هراء أو سب، أو استعمل ما ينافي الأدب ويقدح في المروءة، ويمزح ويتندر أحيانا» (13) مما اتصف به الشيخ طاهر الجزائري صداقاته الكثيرة، فإيمانه بالعلم وضرورة تبليغه جعله يقدم العلم لطالبه مهما كان جنسه أو معتقده، وهذا الذي جعله يعقد صداقات كثيرة مع غير المسلمين بمن فيهم كبار المستشرقين في العصر الحديث من أمثال: مرغليوث، وجولدزيهر، وحتى بعض اليهود والنصارى، بالإضافة إلى علاقاته بالمسلمين من مختلف المذاهب والفرق. وقد كان لهذه المواصفات التي حباه الله بها، ثم لعلمه الغزير الأثر الجلي في مواقفه وآرائه في مسائل كثيرة، تلك الآراء التي تعتبر حكما تلخص لنا تجربة الشيخ طاهر في ميادين الحياة كلها؛ فمثلا عن سر النجاح والإخفاق في الحياة كان يقول: «إذا أردتم النجاح فلا تلقوا بآذانكم لما يقال فيكم من مدح وقدح، وسيروا إلى الهدف بخطى ثابتة تفلحوا، واتقوا إضاعة الوقت بالقال والقيل... وفي هذا عمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي نهى فيه عن القيل والقال، بل كان الشيخ طاهر يرى أن رضى الناس جميعا على الإنسان نقيصة وليست ميزة تحسب له؛ لأن الذي أدرك رضى الناس لا يعدو أن يكون منافقا لعوبا»، لذا كان يقول: لو بلغني أن أهل البلد كلهم راضون عني، ليس لي منهم عدو لعددت نفسي ساقطا؛ لأن من يرضى عنه كل الناس لا يكون إلا خداعا منافقا، يظهر لكل واحد بما يرضيه، والمصلح لا يخلو من أعداء وأصحاب...، وبخصوص مطابقة السر للعلانية في حياة الفرد كشرط من شروط النجاح والاتزان نجده يقول: إياكم أن تخطوا في رسائلكم إلى إخوانكم ما لا تريدون أن تقولوه جهرة، فكل ما يكتب لا يؤمن نشره، يفتضح به صاحبه فيؤذيه ولا ينفعه(14) وعن العلم وأهميته وحاجة الإنسان إليه في كل الأحوال يدعو إلى ضرورة تعلم العلم مهما كان، حتى وإن كان الإنسان لا يدرك نفعه في العاجل، ولذلك عليه أن يتعلم من العلم ما أتيح له فيقول: تعلموا ما تيسر لكم تعلمه ولو لغة مالطة، فقد يجيء زمن تحتاجون إليها وإياكم أن تقولوا: إنها لا تدخل في اختصاصنا، فالعلم كله نافع والمرء يتعلم ما حسنت به الحياة... ومما كان يحث عليه أن لا يبقى أهل العلم ينتظرون منصبا أو وظيفة يعتمدونها في معاشهم بل كان يرى أن يتعلموا إلى جانب العلم الحرف التي يحصلون بها العيش الكريم فيقول: تعلموا العلم لله ولفائدة العلم ولذته، وليكن لكل واحد منكم صناعة أو تجارة، أو زراعة تعيشون منها أحراراً حتى لا تحتاجوا إلى قرع أبواب الملوك والحكومات، فإذا احتاجوكم نادوكم، و إلا فأنتم بما لكم من أسباب المعايش لا تحتاجونهم (15).
وفي مجال الإصلاح والعمل النهضوي يرسم الشيخ طاهر نظرة متميزة في كيفية الخروج من دائرة التخلف واللحاق بالأمم المتقدمة، هي ذات الطريقة التي صارت تعرف في الكتابات المعاصرة بالطريقة التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة فيقول: إن أفضل الطرق في إنهاض شعب تثقيفه بثقافة العصر، وثقافة الدين، وهذه طريق طويلة ولكنها أمينة الفائدة لا تخرج عن طريق النشوء الطبيعي، أما القول بالتوارث وطرق العنف فقد تنجح، ونجاحها قليل وليست مضمونة... وكان يرى أنه من شروط نجاح العمل النهضوي الاقتباس والأخذ عن الأمم المتقدمة فيما ينفع وعدم الانغلاق على الذات فيقول: إن الاقتباس عن الأمم المترقية دليل على النباهة لا كما يظن البله من أن في الاقتباس غضاضة. ونريد بالاقتباس ما يشعر به هذا اللفظ من تلقي الأمور النافعة (16) هذه المواقف وهذه الآراء للشيخ طاهر الجزائري لا شك أنها تنم على سعة الأفق وغزارة العلم، وعمق التجربة، والتوازن في الموقف، وهذه خصائص العلماء العاملين، وهو أحدهم فكل الذين ترجموا له يوردون ذكره على أنه أحد رجالات الإصلاح في بلاد الشام في العصر الحديث. ولهذا نجد الدكتور أبو القاسم سعد الله في حديثه عن دور المهاجرين الجزائريين في النهضة العربية في بلاد الشام ويذكر إلى جانب الأمير عبد القادر وأسرته الشيخَ طاهر الجزائري فيقول:«لم تكن أسرة الأمير وحدها في الميدان، فقد ظهرت إلى جانبها أسماء لامعة من المهاجرين ساهم أصحابها في عدة ميادين تهم القضية العربية، ومن أبرزهم بلا منازع الشيخ طاهر بن صالح الجزائري المعروف بالطاهر السمعوني، فقد كان لهذا الشيخ فضل كبير في بعث الثقافة العربية، وتكوين جيل من الأدباء والمفكرين والسياسيين بالإضافة إلى دوره في حزب اللامركزية وإنشائه، وإدارته لعدة مؤسسات مثل: المكتبة الظاهرية» (17) من هنا ندرك أن الجهود الإصلاحية للشيخ طاهر كانت متنوعة ولكن المجال الذي طغى على هذه الجهود هو مجال التربية والتعليم والذي توزع بين التدريس، والتفتيش، وإنشاء المدارس والمكتبات، وإنشاء الجمعيات الخيرية، وتأليف الكتب والكتب المدرسية خاصة، و الانخراط في المجامع العلمية، بالإضافة إلى الندوة الفكرية التي كان يعقدها في أواخر حياته، والتي كان يؤمها نخبة من المفكرين والعلماء. ...وغير ذلك.أما عن التدريس فقد تصدى له لأول مرة في المدرسة الظاهرية الابتدائية، كما ساهم في فتح نحو إحدى عشر مدرسة تسعة منها خصصت للذكور وانتظم في سلكها المئات من الطلبة والطالبات، ولم يطل الوقت لتعيينه مفتشا عاما على المدارس الابتدائية في المرحلة التي كانت فيها بيروت من متصرفيات دمشق، فبذل جهدا كبيرا في خدمة التعليم في هذه المرحلة. قال عنها الأستاذ محمد كرد علي: «وفي هذه الحقبة ظهر نبوغ شيخنا وعبقريته في تأسيس المدارس واستخلاص القديمة من غاصبيها، وحمل الآباء على تعليم أولادهم، ووضع البرامج وتأليف الكتب اللازمة» (18) كما ساهم في تأسيس الجمعية الخيرية، وهي الجمعية التي كان هدفها الرئيس مواجهة تحدي النشاط التعليمي للإرساليات التبشيرية التي توالت على دمشق، و حظيت هذه الجمعية التي أسسها الشيخ طاهر الجزائري بدعم الوالي التركي في ذلك الوقت مدحت باشا، وقامت بفتح مدارس كثيرة لمجابهة العمل التبشيري النصراني. وقد تحولت هذه الجمعية في مرحلة لاحقة إلى ديوان للمعارف، وعين الشيخ طاهر مفتشا له. و في هذه المرحلة الثانية من عمر الجمعية قام الشيخ بعدة أعمال جليلة منها: إقناع المسلمين بتعليم أبنائهم وبناتهم، و كان إقبالهم على التعلم أن زاد من إنعاش الحركة التعليمية في بلاد الشام. كما أنشأ مطبعة حكومية قامت بطبع الكثير من الكتب المدرسية التي اعتمدت كمقررات للطلبة، ومن الأمور المهمة التي تحسب له في مجال التعليم دعوته إلى تعلم العلوم جميعا دينية ودنيوية، فلم يفصل بينها، وهذا لأهمية العلوم الدنيوية في العمل النهضوي، ولذلك يمكن القول أن جهوده في ميدان التعليم لم تكن تقليدية بحتة تعتمد على الطرق السائدة التي عرفت في المشرق العربي. بل فيها جوانب تجديدية منها هذا الجانب ولعل ما جعل الشيخ يهتم بهذا الجانب بالإضافة إلى تكوينه الإسلامي الأصيل إطلاعه على الثقافة الغربية من خلال امتلاكه للغة الفرنسية واحتكاكه بالمثقفين من مختلف التيارات والمشارب بما في ذلك المستشرقين.من إنجازاته في ميدان الإصلاح أيضا تأسيسه لدار الكتب الظاهرية عام1296هـ /1878م، في البداية جمع فيها مخطوطات بعض المدارس التي كانت مبعثرة ثم اتسعت إلى أن أصبحت من أهم المكتبات الإسلامية في المشرق العربي. وبعد مدة أنشأ في القدس مكتبة أخرى هي المكتبة الخالدية نسبة إلى الشيخ راغب الخالدي التي احتوت كتبه وكتب أسرته، ونتيجة نشاطه في تأسيس المكتبات عهدت إليه الحكومة العثمانية سنة 1879م بالتفتيش على خزائن الكتب في سوريا والقدس، ثم أقيل منها عام 1886م؛ أي أنه مكث في مهمته هذه سبع سنوات. وعرضت عليه مناصب أخرى خارج مجال التعليم لكنه رفض مخافة أن يكون فيها تأييد للظلم أو الجهل.من أهم ما ميز النشاط التعليمي للشيخ طاهر الجزائري تأسيسه لحلقة أو لندوة فكرية، وهي الندوة التي عرفت باسمه (حلقة الشيخ طاهر) والتي كانت تعنى بمناقشة محاور علمية كثيرة منها محور تعلم علوم الغرب، وكان لها صداها فكانت يؤمها كبار مثقفي سورية ومتعلميها منهم: الشيخ جمال الدين القاسمي، ومحب الدين الخطيب، والأستاذ محمد كرد علي...وغيرهم.
وفي سنة 1325هـ / 1907م تعرض الشيخ طاهر لمضايقات من طرف السلطة فهاجر إلى مصر، واستقبل بترحاب كبير من طرف علمائها وأدبائها ومنهم أحمد تيمور باشا وأحمد زكي باشا، ومكث بمصر ثلاث عشرة سنة، وعرضت عليه مناصب هناك فرفض ولكنه اشتغل في تحرير بعض الصحف، وتخللت إقامته بمصر زيارة إلى الجزائر حوالي سنة 1912م، وبها نزل ضيفاً على الشيخ محمد السعيد بن زكري المفتي المالكي والأستاذ بالمدرسة الثعالبية(19).
وفي مصر أصيب بمرض الربو الذي أثقله فعاد إلى دمشق سنة 1338هـ /1919م وعين فور عودته مديرا عاما لدار الكتب الظاهرية وعضوا في المجمع العلمي العربي، ولكنه لم يلبث بعد عودته هذه إلا أربعة أشهر، وتوفي بعدها رحمة الله تعالى عليه وكان ذلك يوم 5 جانفي 1920م. وبوفاته فقدت الأمة أحد علمائها الكبار، ورثاه أهل العلم والفكر ومنهم الأستاذ أحمد زكي باشا بكلمة مما جاء فيها: «كنت أرى فيه الأثر الباقي، والمثال الحي، والصورة الناطقة لما كان عليه سلفنا الصالح من حيث الجمع بين الرواية والدراية، في كل المعارف الإسلامية وبين الدأب على نشرها بعد التدقيق والتمحيص واستثارة خباياها وإبراز مفاخرها» (20).
من أهم ما أنجز الشيخ الكتب الكثيرة التي ألفها والتي بقيت لأجيال المسلمين بعد وفاته بعدما انتفع بها جيله في حياته، وقد توزعت كتاباته على مختلف العلوم الإسلامية فهو بذلك يذكرنا بعلماء الإسلام الأوائل الذين تميزوا بالموسوعية من أمثال: الرازي والغزالي وابن تيمية وغيرهم، وقد ترك الكثير من الكتب بعضها مطبوع وبعضها الآخر لا يزال مخطوطا، وقد اعتبر أسلوبه في الكتابة من الأساليب التجديدية إذا ما قورن بأساليب عصره، وأهم جانب تجديدي هو تبسيط الأسلوب وتقريب العلم إلى المبتدئين فكان أسلوبه خاليا من الحشو خاليا من كثرة النقول والردود وغير ذلك من مظاهر الكتابة الكلاسيكية. ومن كتبه: توجيه النظر على أصول أهل الأثر في علوم الحديث، ومنها تدريب اللسان على تجويد البيان في علم التجويد، والجواهر الكلامية في العقيدة... وغير ذلك، وقد أحصى مترجموه كتبه وذكروا أنها بلغت خمسة وثلاثين كتابا توزعت على مختلف المعارف والعلوم.ثانيا نظرته إلى تدريس علم العقيدة من خلال ذكر مِؤلفات الشيخ طاهر الجزائري يمكن القول إنه لم يكن باحثا متخصصا في علم معين، ولم يكن باحثا في علم العقيدة، وإنما كان عالما موسوعيا على النحو الذي كان عليه علماء الإسلام في القديم فقد كتب الفقه، وفي أصول الفقه، وفي الحديث، و في اللغة، وفي العقيدة...وغير ذلك من المجالات العلمية، ومادامت هذه الدراسة مركزة على طبيعة رؤيته لتدريس العقيدة فينبغي الإشارة إلى أمرين:
أولهما طبيعة علم العقيدة فهو علم يمتاز بخصوصية وبحساسية مواضيعه ولذلك آثر وأشاع الاهتمام بالفقه والحديث أكثر من اهتمامهم بالبحث في العقيدة لخطورة النتائج طبعاَ.
والثاني أن ما كتبه الشيخ طاهر الجزائري في باب العقيدة لم يكن تأليفا تأسيسيا ولا عرضا لشبهات والرد عليها كما كان يفعل علماء العقيدة في القديم، بل كان ما كتبه في هذا الباب هو كتب مدرسية تهدف إلى تعليم التلاميذ مسائل العقيدة وتبني في نفوسهم التصور الصحيح لحقائق: الألوهية والوجود والنبوة والغيب... وغير ذلك من أصول الدين التي تنبني عليها فروعه وأحكامه العملية. ولهذا تهتم هذه الدراسة بنظرته إلى تدريس العقيدة. وهذا يقتضي منا العودة إلى ما كتبه الشيخ طاهر كمقررات لمادة العقيدة لنستنبط منه ملامح هذه النظرة. إذا عدنا إلى مؤلفاته في هذا الباب فقد سبقت الإشارة إلى أنه لم يترك كتبا كثيرة في باب العقيدة، وإنما ترك لنا كتابين اثنين: أحدهما الجواهر الكلامية في العقائد الإسلامية، و الثاني هو الجوهرة الوسطى في قواعد العقائد. وكلاهما من كتبه المطبوعة، أما الجواهر الكلامية فقد طبع طبعات عديدة؛ منها طبعة جزائرية صدرت عن ديوان المطبوعات الجامعية. أما الجوهرة الوسطى فهو وإن كان كتابا مستقلا إلا أنه في أصله إضافة إلى الجواهر الكلامية، وقد تضمن مسائل مختلفة من العقيدة. من خلال هذين الكتابين يمكن الوقوف على ملامح نظرة الشيخ طاهر الجزائري لتدريس علم العقيدة وتتجلى معالم هذه النظرة فيما يلي:
1 ـ العقيدة: مسألة التعريف. حينما نعود إلى كتب العقيدة لدى علماء الإسلام في القديم لا نجد لديهم تعريفا اصطلاحيا للعقيدة، بل إن حتى مصطلح العقيدة كان محدود الاستعمال ولم يكن على النحو السائد في الكتابات الحديثة والمعاصرة، وقد تضمنت كتب القدامى تسميات متعددة لعلم العقيدة، مثل: علم التوحيد، علم الكلام، علم أصول الدين... وغيرها.
وقد سادت تسمية علم العقيدة بعلم الكلام في معظم كتب الذين كتبوا في علم التوحيد، حتى إنهم إذا جاؤوا لتعريفه اصطلاحيا يعودون إلى تعريف الفارابي على أساس أنه أقدم تعريف ورد إلينا وهو التعريف الذي قال فيه: «صناعة الكلام ملكة يقتدر بها الإنسان على نصرة الآراء والأفعال المحدودة التي صرح بها واضع الملة، وتزييف كل ما خالفها بالأقاويل»(21) وبطبيعة الحال على الرغم من الجدل الدائر بين علماء الإسلام هل علم الكلام هو علم العقيدة أم لا، لكن الذي لا خلاف فيه بينهم هو أن تعريف العقيدة تعريفا اصطلاحيا لم تتضمنه كتب القدامى، وإنما تضمنت التسميات الأخرى كعلم التوحيد وعلم الكلام وتعريفاتها. أما علم العقيدة، فلم يوضع له تعريفا اصطلاحيا، وهذا على الرغم من أن كتب بعضهم تضمنت كلمة عقيدة، كما هو الشأن بالنسبة لكتاب الإمام ابن تيمية رحمة الله عليه الموسوم ب ـ : العقيدة الواسطية، أو كتاب الإمام الغزالي: الاقتصاد في الاعتقاد. لكن بالنسبة للتعريف بعلم العقيدة اصطلاحيا لا هذا الكتاب ولا ذاك احتوى على تعريف العقيدة اصطلاحيا. باستثناء إشارة ابن خلدون التي تدل على مسمى العقيدة والتي وردت في معرض التمييز بين العقيدة وعلم الكلام (22) باستثناء ذلك، وبناء على ما تقدم يمكن القول أن تسمية علم العقيدة بهذه التسمية واعتمادها أكثر من غيرها على مستويات مختلفة من المساجد إلى الكليات الإسلامية التي تدرس هذا العلم، والتي جعلته اختصاصا من الاختصاصات الشرعية، بناء على ذلك يمكن القول إن هذه التسمية حديثة وليست قديمة، وقد تضمنتها كتب بعض المعاصرين فقد تطرق إلى تعريف العقيدة الدكتور عبد المجيد النجار في كتابه مقتضيات منهجية لتطبيق الشريعة الإسلامية، وتطرق إليه أيضاً الدكتور محمد الزحيلي في كتابه تعريف عام بالعلوم الشرعية، وتطرق إليه الدكتور عبد الرحمن حبنكه الميداني في كتابه: الوجيز في العقيدة الإسلامية.وهذه التعريفات وغيرها تعتمد الآن على أن أصحابها سبّاقون، وإن كانت من حيث المضمون لا تختلف كثيرا عن التعريف القديم لعلم الكلام، ماعدا الإضافات التي روعيت فيها بعض إفرازات العصر كظاهرة العلمانية والتي أشار إليها الدكتور النجار، والنزعات الفلسفية التي أشار إليه الشيخ حبنكه الميداني الذي تطرق إلى تعريف العقيدة بكيفية تعليمية قدم المثال قبل طرق المسألة ثم قال بأن: العقيدة هي الإيمان بالشيء إلى حد أن يصبح ذلك الشيء هو المحرك للعواطف والموجه للسلوك (23) وقد كان الشيخ حبنكة الميداني في تعريفه يعتمد على التمثيل أكثر من جعله التعريف مطابقا لموضوع علم العقيدة. و هذا التعريف كان مسبوقا بتعريف آخر هو تعريف الشيخ طاهر الجزائري، الذي يقول فيه:«العقيدة الإسلامية هي الأمور التي يعتقدها أهل الإسلام أي يجزمون بصحتها» (24) إذا تأملنا هذين التعريفين بكل تأكيد تعريف الشيخ طاهر الجزائري أقدم من تعريف غيره، وعليه يمكن اعتباره أول من وضع تعريفا اصطلاحيا للعقيدة في العصر الحديث.لقد بدأ الشيخ طاهر كتابه الجواهر الكلامية بتعريف العقيدة، وهذا لأهمية التعريف من الناحية المنهجية، إذ لا يمكن أن يبدأ الإنسان الكلام في موضوع معين دونما التطرق لتعريفه، وهذا ما صارت تركز عليه المناهج الحديثة، مما يدل على أنه هناك مراعاة للجانب المنهجي عنده، وهذا إذا ما قورنت كتابات الشيخ طاهر الجزائري بغيرها من كتب العقيدة التي ارتبطت بالعمل الإصلاحي كرسالة التوحيد لمحمد عبده، أو العقائد الإسلامية للشيخ عبد الحميد بن باديس، أو كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب... إذ لم يرد في هذه الكتب تعريف العقيدة.
2 ـ النظر العقلي: على الرغم من النزعة الأثرية البادية في كتابات الشيخ طاهر الجزائري، وفي طريقة عرضه لمسائل العقيدة وعلى الرغم من إشادته بموقف السلف واعتباره الموقف الأصح إلا أنه كان يطرح وجه الحاجة إلى العقل وأشار إلى ثنائية النقل والعقل. وقد جاءت مقدمة كتابه الجوهرة الوسطى في تعداد المواقف العقلية التي من خلالها وصل إلى أن العقل حليف للنقل وأنه من مسالك المعرفة ومصادرها فالعقل عنده: «جوهرة نفيسة من جواهر الملإ الأعلى، لا تعادلها جوهرة من جواهر الملإ الأدنى، وهبها إياه العليم الحكيم، فضلا منه ومنة، ليعرف قدرها ويضعها في منزلتها التي تستحقها، و إلا كان مخلا للحكمة، غير مجل للنعمة» (25). و في هذا كما نجده يعرفنا بحقيقة ملكة العقل نجده أيضا يعرفنا بوظيفتها وضرورة وضع هذه الملكة في موضعها، ولا شك أن موضعها هو توظيفها في معرفة الحقائق، وأجل هذه الحقائق هي الحقائق العقدية. ولهذا حينما نجده يتحدث عن وسائل المعرفة يذكر بأنها ثلاثة: «الحواس والعقل والخبر الصادق» (26).
وقد انتقد الحس ورأى عدم الاعتماد عليه في الكثير من الأمور، وبالتالي تكون محدوديته في تحصيل المعارف وإدراك الحقائق جلية، ومن ثم لا يعول عليه دائما وأنه لا يوثق بحكمه إذا انفرد ولذلك فـ : «الحكم بمقتضى الحس كثيرا ما يكون غلطا، فإن أقوى الحواس هو البصر وهو يرى الظل ساكنا ثم بعد حين يظهر له أنه لم يكن ساكنا، بل متحركا، ولم تظهر حركته ابتداء لعدم حصولها ابتداء بل بالتدريج» (27). فيكون البديل عن الحس في هذا هو العقل، ولهذا يميل الإنسان إلى إدراكات العقل ويطمئن لها أكثر من المحسوسات. وقد أشار الشيخ طاهر إلى الإنسان في حالة تركه للحس ولجوئه إلى العقل بأنه:«إذا نظر في العقل تراءى له نور من عالم القدس، تسمو به النفس، وهو يسمو على الحس، ثم إذا رأى إشراقه على كل كلي وجزئي، ومرئي وغير مرئي، ازداد إقبالا عليه وركونا إليه»(28) ورغم هذه الأهمية التي يتوفر عليها العقل إلا أنه قد لا يوثق به هو الآخر؛ لأنه إذا لم يكن له ظابط يقيده ويوجهه فإنه قد يؤدي إلى الخطأ، فقال عنه: «إذا أنشط من عقاله عرف أنه غلا في مقاله، وتجاوز حده ولم يقف عنده، وأنه نظر بعين الهوى فهوى فيما فيه هوى» (29). و إذا كان هذا حال العقل وأنه غير مأمون النتيجة من جهة، ومهم في عملية المعرفة من جهة أخرى. يرى الشيخ طاهر أن هذا العقل لا بد له من سند يستند إليه وموجه يوجهه وهذا الموجه هو الخبر الصادق المتمثل في الوحي، لهذا يقول: «أول ما يلزمه في هذا الطريق أن يكون عنده محك للنظر، ومعيار للعلم ليزن بالقسط، ولئلا تدخل عليه الشبهة، فيلتبس عليه ما هو كالذهب بما هو كالشبه» (30)
وعن كيفية وصول العقل وإدراكه لهذه الحقائق العقدية يشير الشيخ طاهر إلى بعض المسالك العقلية التي اعتمدت عند علماء العقيدة في القديم مثل مبدأ السببية الذي انطلق منه لإثبات خالق الموجودات وهو الله عز وجل مؤكدا مضمون مبدأ السببية الذي يقضي بأن حدوث شيء ما بلا سبب من المحال، ويتعلق بهذا المبدأ العقلي أمر آخر وهو مسألة بطلان التسلسل؛ فالأسباب لا بد أن تنتهي إلى مبدأ، أو كما قال إلى أول يكون عليه المعول(31). طبعا النتيجة المتوصل إليها من وراء توظيف هذا المسلك العقلي هي إثبات وجود الله عز وجل بالدليل العقلي ويعلم الإنسان بذلك أن له وللموجودات جميعا موجدا إليه المنتهى. وبذلك يصل العقل إلى الإيمان بالله عز وجل. وهنا يتميز الشيخ طاهر بموقفه التوفيقي الجلي بين العقل والنقل وأن تدريس العقيدة يحتاج إلى امتلاك طاقة تجريدية وامتلاك المبادىء العقلية التي بها يمكن تصور وتقديم نمط من الاستدلال على صحة مسائل العقيدة، وهذا ما يحتاج إليه طالب العقيدة بشكل خاص حينما يكون مبلغا لها وبشكل أخص في خطابه لغير المسلمين، ولذلك يرى الشيخ طاهر تكامل النظر العقلي مع الوحي ويؤكد ذلك في قوله: اعلم أن العقل لا يهتدي إلا بالشرع، و الشرع لا يتبين إلا بالعقل...ممثلا لذلك بالأساس والبناء؛ فالعقل كالأساس و الشرع كالبناء، ولن يغني أساس ما لم يكن بناء، ولن يثبت بناء ما لم يكن أساس(32)
3 ـ البعد عن التنظير: تميز الشيخ طاهر الجزائري في عرضه للعقيدة، ويعود ذلك إلى كونه لم تكن كتاباته في العقيدة تأليفا ابتدائيا، أو ردا على شبهة أو إجابة على سؤال أو غير ذلك من بواعث التأليف التي عرفت عند القدامى.ومما تميزت به طريقة الشيخ طاهر في عرضه لقضايا العقيدة عرضها بكيفية تعليمية تربوية بعيدة عن الطابع التنظيري الذي تميزت به كتب العقيدة عند الأوائل، فلم نجده يثير مسائل متميزة اجتهد في مناقشتها، بل اكتفى بعرض أصول الإيمان في الجواهر الكلامية، فجاء هذا الكتاب في شكل سؤال وجواب، وهذا لكون كتاباته في العقيدة كتابات مدرسية بالدرجة الأولى وهي طريقة نادرة في الكتابة في العقيدة على هذا النحو. ومن المعلوم أن الكتابات المدرسية يراعى فيها الطابع البيداغوجي التربوي، وهذا ما يقتضي عملية الحوار التي تكون بين المعلم والطالب، والتي أداتها الأساسية السؤال والجواب أو الطرح الإشكالي كما يعرف في المناهج الحديثة. وقد جاء على هذا النحو كتابه الجواهر الكلامية؛ فهو كله سؤال وجواب.فمثلا نجده يسأل ما أركان العقيدة الإسلامية؟ ويجيب أركان العقيدة الإسلامية ستة أشياء، وهي: «الإيمان بالله تعالى، والإيمان بملائكته، والإيمان بكتبه، والإيمان برسله، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر».(33). وفي هذه الإجابة دليل على بعد الشيخ طاهر عن التنظير في مسائل العقيدة؛ فمن المعلوم عند علماء العقيدة أن مسألة القضاء والقدر من أصعب المسائل، إذ إنها أثارت جدلا كبيرا عند القدامى وأسفرت مجادلاتهم على بروز ثلاث نظريات في هذا الموضوع هي: نظرية الجبر التي قالت بها الجهمية، ونظرية الخلق التي قالت بها المعتزلة، ونظرية الكسب التي قال بها الأشاعرة.إذا عدنا إلى الشيخ طاهر فلا نجد الحديث عن هذه النظريات، ولا الإشارة إليها، ولا إلى طرحها من وجهة نظر جديدة، ثم نجده في هذه المسألة يسأل مرة أخرى، كيف الاعتقاد بالقضاء والقدر؟ ويجيب: «بأن نعتقد أن جميع أفعال العباد، سواء كانت اختيارية مثل القيام والقعود والأكل والشراب، أو اضطرارية مثل طول الإنسان، وقصره، وبياضه وسواده ، كائنة بإرادة الله تعالى وتقديره في الأزل وعلمه بها قبل وقتها» (34).
4 ـ التبسيط: مما تميزت به نظرة الشيخ طاهر لتدريس العقيدة أيضا تبسيط مسائلها، وليس هذا الأمر خاصا بعلم العقيدة فقط بل اعتبرت هذه إحدى خواص منهج الشيخ طاهر في تعاطيه مع مسائل العلوم بشكل عام، بل اعتبر من أهم أعماله الإصلاحية فمن «أجلّ أعماله تبسيط العلوم الشرعية، وعرضها على الناشئة بأسلوب جذاب، يدفع العقول إلى التفكير»(35)، وإذا كانت هذه صبغة كتاباته بشكل عام في مجال العلوم الشرعية فإنها كانت بشكل خاص في مجال العقيدة، وهذا رغم صعوبة مسائل العقيدة وحساسيتها مما يدل على استيعابه لمسائلها؛ لأن تبسيط مسألة من مسائل العلم لا يتأتى ما لم يكن صاحبها من المحيطين بمسائل ذلك العلم.ويأخذ الأمر أهمية خاصة إذا كان يتعلق بعلم بأكمله وهو علم العقيدة بشكل خاص؛ لتكامل العلوم الشرعية من جهة ولخطورة وصعوبة علم العقيدة من جهة أخرى، وعن هذه الخاصية - تبسيط الكتب- التي طبعت كتابات الشيخ طاهر بشكل عام ومنها كتاباته في مجال العقيدة عن هذه الخاصية قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: «إن الشيخ رحمه الله كان بارعا في رسائله وكتبه التعليمية، ومن حيث قدرته على تذليل صعاب العلم وتقريبه للمبتدئين، ولا يحسن هذا كل كاتب، وكان محققا في كتبه الكبيرة ولم يكن كغيره كحاطبي ليل» (36) ومن وجوه هذا التبسيط الذي تميزت به طريقة الشيخ طاهر في عرضه لقضايا العقيدة الابتعاد عن أساليب المتكلمين ومصطلحاتهم التي تستدعى تخصصا نوعيا لفهمها والأخذ بإجرائيتها، لقد كان بعيدا عن ذلك و اكتفى بالتركيز على أصول الإيمان وأركانه، وهذا خاصة في كتابه الجواهر الكلامية إذ أنه لم يزد عن أركان الإيمان التي تضمنها حديث جبريل(37) وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. لقد اكتفى بهذه الأركان أما غيرها فقد كان يرغب في الابتعاد عنه وتركه، ولذلك حينما تحدث عن مسألة الجوهر الفرد وهي من أهم المسائل التي ناقشها المتكلمون استحسن عدم الخوض في مثلها خشية القول بغير علم وذكر القاعدة النفيسة عند أهل النظر: خذ من زمانك ما صفا ودع ال ـ ذي فيه الك ـ در
5 ـ تجاوز الخلاف: ومن ملامح نظرته أيضا تجاوز الخلاف، فقد عودتنا الدراسات الكلامية حتى التي تقدم في الجامعات الإسلامية أنها في عرضها لأي مسألة من مسائل العقيدة تتعرض إلى آراء الفرق فيها وتبرز أدلة كل فريق إلى درجة أن القارىء يقف على عدة آراء متضاربة لا يقف على علم متكامل، أما ما فعله الشيخ طاهر الجزائري فقد تجاوز هذه الخلافات المذهبية وقد قدم أصول الاعتقاد كما هي مستوحاة من النصوص دونما خوض في هذه الخلافات. وهذا تماشيا مع المنحى التربوي الإصلاحي الذي كان الإطار العام الذي جاءت فيه كتاباته؛ فلم نجد ذكر لفرقة معينة وتصويبها وتخطئة الفرق الأخرى، ولم نجد ذكر للمسائل التي شذت فيها بعض الفرق وخالفت فيها غيرها، ولم نجد أيضا توظيف الأحكام من تفسيق، أو تبديع، أو تكفير... أو غير ذلك. بل كانت نظرته لهذه المسألة تتمثل في كونه يقرر المسألة المراد طرحها ويسعى على أن يكون الاستدلال عليها من الكتاب والسنة بعيدا عن الخلافات الكلامية التي تضمنتها كتب علم الكلام.بل كان نقده موجها لغير المسلمين؛ فمثلا حينما تكلم عن ثنائية الوحي والعقل لم نجده يذكر طائفة من الطوائف الإسلامية ممجدة للعقل وأخرى مناوئة له، بل ذكر غير المسلمين من يثير هذه الشبهة التي تزعزع يقين المسلم ويرد عليها فيقول: «... وطائفة قالت تتبعنا الشرائع فوجدناها مشتملة على ما ينبو عنه العقل فعلمنا أنها ليست من عند الله. والجواب على ذلك أنهم: إن أرادوا بما ينبو عنه العقل ما يدل برهان العقل على استحالته كخلق الله تعالى مثله والجمع بين ضدين فهذا ما لا يرد به الشرع، وإن أرادوا به ما يقصر العقل عن إدراكه، ولا يستقل بالإحاطة بكنهه فهذا لا يوجب هذا الإنكار، فليس كل ما يدركه العقل محالا في نفسه» (38) ويلاحظ على هذا كيف أنه يرد على غير المسلمين ولم يتطرق إلى الخلاف الداخلي، وهذا تماشيا مع طبيعة العمل الإصلاحي الذي جاءت في إطاره المقررات الشرعية التي وضعها الشيخ طاهر؛ لأن من أهم أهداف العمل الإصلاحي الحفاظ على وحدة المسلمين وعلم العقيدة أول العلوم التي يعول عليها في ذلك
6 ـ ترك التأويل: من ملامح نظرة الشيخ طاهر في تدريس العقيدة ترك التأويل، والدعوة إلى عدم الأخذ به، آخذا في ذلك بمذهب السلف في هذه المسألة معتبراً مذهبهم هو المذهب الحق، وهذه المسألة أخذت بعدا جدليا عند القدامى بين مجيز لها وناه عنها، وبين من وقف موقفا بين ذلك، وقد كانت من المواقف الشهيرة عند القدامى المنكر للتأويل موقف الإمام ابن القيم الذي أرجع كل المشاكل التي تعرضت لها الأمة إلى مسألة التأويل (39). وعن هذا الموقف الذي وقفه الشيخ طاهر قيل: «سلك إلى الحقيقة أحسن طريقة ونجا من غوائل المجاز، وسهل عليه فهم كثير مما يعده الخلف متشابها من آيات الكتاب المنزل وأحاديث النبي المرسل صلى الله عليه وسلم»(40) ولذلك نجده حينما تحدث عن الصفات وقف عند الصفات التي كانت محل خلاف بين مؤول لها وغير مؤول مثل صفة الاستواء الواردة في قوله تعالى:«الرحمان على العرش استوى»(طه/5) فبعد أن عرض آراء المتكلمين في المسألة بين موقفه فقال: «والأصل في هذا الباب أن الصفات كالذات، فكما أن ذات الحق سبحانه ثابتة حقيقة من غير أن تكون مشابهة لذوات الخلق، كذلك صفاته ثابتة حقيقة من غير أن تكون مشابهة لصفات الخلق»(41).
واستدل الشيخ طاهر على ذلك من خلال قياسه الصفات على بعضها بعضا فقال: «فإن قال قائل: لا أعقل استواء ولا نزولا إلا في الأجسام بناء على ما أدركه في الشاهد، قالوا له: كيف أدركت علما وقدرة في غير الأجسام وأنت لا ترى في الشاهد غير الأجسام؟ فإن كنت لا تبني إلا على ما تشاهد فالحال في النوعين واحد، فكيف أولت الاستواء والنزول، ولم تؤول العلم والقدرة، فإما أن تؤول في النوعين، أو تترك التأويل فيهما مثبتا لهما على وجه يليق بكمال ذي الجلال وجلال ذي الكمال»(42).
والأمر نفسه حينما تحدث عن صفتي الرحمة والغضب وعرض فيهما رأي الخلف وانتقده ثم عرض رأي السلف ـ الرأي الذي يدعو إلى ترك التأويل ـ ورجحه واعتبر أن ذلك هو الطريق الموصل إلى الحقيقة فقال عن طريقة السلف هذه: «من عرف الدخول في هذه الطريقة نجا من غوائل المجاز، ووصل إلى الحقيقة»(43). ولذا يعرض الشيخ طاهر موقف الذين دافعوا عن التأويل بحجة أن لا يقفوا عند التعطيل ويتجنبوا التجسيم ويرد عليهم بأن قولهم يؤدي إلى الاعتقاد بأن نصوص الوحي متشابهة في معظمها فقال: «وإن ظن ـ المؤول ـ أن ظاهره ـ أي النص ـ يقتضي ما يتصوره في الخلق، غير أن الدليل ألجأه إلى التأويل رعاية لجانب الحق أوقع في النفوس أن الشرع متشابه في أكثر المواقع، موهم لخلاف الواقع، وفي ذلك فتح لباب من المجاز يؤدي مهامه يظل فيها القطا، ولا ي ـ ؤمن من الخطا» (44) و يبدو من خلال هذا أن الشيخ طاهر في رده على المؤولة أن التأويل يفتح أبوابا لا يمكن أن تغلق ويضيع الهدف وتضيع الحقيقة، ولا شك أن ذلك من الأمور غير المحمودة، خاصة إذا لم يكن التأويل منضبطا بضوابط معينة تعين من يشتغل به على فهم المراد من النص أو أن هناك نصوص أخرى تؤكد المعنى الراجح، فالأولى ترك التأويل وأن ذلك أحسن الطرق في فهم صفات الله عز وجل، وهذا يقتضي من البداية معرفة أن صفات الله غير صفات المخلوقين ومن ثم فلا تقاس عليها فيقول: «وأما من عرف من أول الأمر أن صفات الخالق لا تشابه صفات الخلق، فحمل ما نسب إليه من صفات على ما يليق بكمال ذاته فقد سلك إلى باب الحقيقة أحسن طريقة»(45).
خاتمة
بعد الوقوف على هذه الجوانب من حياة الشيخ طاهر الجزائري، وبعد الوقوف على أهم الملامح التي تشكل نظرته لتدريس علم العقيدة، بعد ذلك يمكن القول أن:
1 ـ الشيخ طاهر الجزائري شخصية لها حضورها القوي في مجال العمل الإصلاحي في العصر الحديث، ورغم ما كتب عن هذه الشخصية فهناك جوانب منها تحتاج إلى التعريف بها أكثر؛ فإذا كان إسهامه في تأسيس المكتبات قد تم التركيز عليه، فجهوده التي تمثل نظرته للبداغوجيا لا تزال تحتاج إلى دراسة.
2 ـ من أهم الجوانب التي بذل فيها الشيخ طاهر الجزائري جهدا معتبرا بل يمكن القول أنه سخر لها حياته كلها هو ميدان التربية والتعليم. وذلك لأهمية التعليم في حياة الأمة وفي الظرف الذي عاش فيه الشيخ طاهر الجزائري.
3 ـ من أهم إنجازات الشيخ طاهر الإصلاحية في ميدان التعليم جهوده في وضع المقررات المدرسية. خاصة الكتب المتعلقة بالعلوم الشرعية، وهذا ما تميز به عن الكثير من رجال الإصلاح في العصر الحديث؛ ذلك لأن العمل الإصلاحي يسعى بطبيعة الحال إلى إحياء العلوم الإسلامية.
4 ـ نظرة الشيخ طاهر لتدريس العقيدة كانت في الإطار العام للعمل الإصلاحي الذي عمد أصحابه إلى إحياء العلوم الإسلامية باعتبارها الأداة التي يعتمد عليها في تفعيل المرجعية الإسلامية في الواقع الإسلامي.
5 ـ هذه النظرة كانت قدر روعيت فيها الجوانب الأساسية لتبليغ وتعليم مبادئ العقيدة الإسلامية، وتجلى ذلك من خلال تركيزه على إعطاء تعريف للعقيدة يمكن أن يكون محل اتفاق عند جميع الفرق الإسلامية، كما يتجلى في الجوانب التي ركز عليها الشيخ طاهر والتي سبقت الإشارة على أنها ملامح رؤيته والتي منها ترك الخلاف، والتبسيط، والتركيز على النص...إلخ.
6 ـ إضافات الشيخ طاهر في مجال علم العقيدة بالإضافة إلى كونه وضع مقررات مدرسية كانت له إضافات متميزة كاعتماده على بعض الأدلة العلمية، وتوظيفها في درس العقيدة.
وبشكل عام يمكن القول إن نظرة الشيخ طاهر الجزائري لتدريس العقيدة، تعتبر تجربة يمكن أن يستفاد منها في مجال تدريس هذا العلم الجليل، خاصة عند من يهتم بمسألة التجديد في العلوم الإسلامية بشكل عام وفي علم العقيدة بشكل خاص.
الهوامش:
(*)كلية العلوم الإسلامية ـ جامعة باتنة ـ الجزائر
1ـ خير الدين الزركلي: الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت ط5(1980)، ج6، ص165.
2ـ أنظر الترجمة التي وضعها له محمد الصالح الصديق، في كتابه الجواهر الكلامية، طبعة ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر، بلا تاريخ، ص11.
3 ـ أبو القاسم سعد الله: الحركة الوطنية الجزائرية، دار الغرب الإسلامي ط4(1992)، ج2، ص198.
4 ـ سهيل الخالدي نقلاً عن أبي القاسم سعد الله، الحركة الوطنية الجزائرية، ج2، ص192.
5 ـ أنظر الترجمة التي وضعا الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، ضمن اعتنائه بكتاب توجيه النظر إلى أصول الأثر للشيخ طاهر. الجزائري، مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب، ج1، ص16.
6 ـ أبو القاسم سعد الله، الحركة الوطنية الجزائرية، ج2، ص195.
7 ـ نسبة إلى نائب دمشق سيف الدين جقمق.
8 ـ مقال من الأنترنت بعنوان: الشيخ طاهر الجزائري رائد التجديد الديني في بلاد الشام في العصر الحديث. أنظر موقع: www .isLamweb.net..
9 ـ عمر رضا كحالة: معجم المؤلفين، مؤسسة الرسالة، ط1(1414ه ـ /1993)، ص11.
10 ـ أنظر موقع: www.islamweb.net.
11 ـ نقلا عن الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، أنظر توجيه النظر، ج1، ص22.
12 ـ أنور الجندي، نقلا عن الشيخ عبد الفتاح أبوغدة، توجيه النظر،ج1، ص22/23.
13 ـ أنظر الترجمة التي وضعها الشيخ عبد الفتاح أبوغدة، توجيه النظر، ج1، ص19.
14 ـ أنظر الترجمة التي وضعها له محمد الصالح الصديق ضمن كتاب الجواهر الكلامية، ص21.
15 ـ المرجع نفسه، ص21/22.
16 ـ المرجع نفسه، ص21.
17 ـ أبو القاسم سعد الله، آراء وأبحاث في تاريخ الجزائر، دار الغرب الإسلامي، ط1(1996)، ج4، ص198.
18 ـ أنظر الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، توجيه النظر، ج1، ص17.
19 ـ أنظر الترجمة التي وضعها محمد الصالح الصديق ضمن الجواهر الكلامية، ص16.
20 ـ لمرجع نفسه، ص.22
21 ـ الفارابي: إحصاء العلوم، مركز الإنماء القومي، (1991)، ص 41.
22 ـ ابن خلدون: المقدمة، دار القلم بيروت لبنان، ط7(1409/1989)، ص462.
23ـ عبد الرحمن حسن حبنكه الميداني: الوجيزة في العقيدة الإسلامية، دار القلم دمشق، ط1 (1403/1983)، ص8.
24 ـ أنظر الجواهر الكلامية في إيضاح العقيدة الإسلامية، ص36.
25 ـ الشيخ طاهر الجزائري : الجوهرة الوسطى في قواعد العقائد، تصحيح وتعليق حسن السماحي سويدان، دار القلم دمشق، الدار الشامية بيروت، ط1(1421ه ـ /2000)، ص58
26 ـ المرجع نفسه، ص47
27 ـ المرجع نفسه، والصفحة.
28 ـ المرجع نفسه، ص48
29 ـ المرجع نفسه، والصفحة
30 ـ المرجع نفسه، ص65
31 ـ المرجع نفسه، ص37
32 ـ المرجع نفسه، ص73
33 ـ الشيخ طاهر الجزائري: الجواهر الكلامي في إيضاح العقائد الإسلامية، ص 36
34 ـ المرجع نفسه، ص 91.
35 ـ أنظر الترجمة التي وضعها حسن السماحي سويدان ضمن كتاب الجوهرة الوسطى، ص11
36 ـ الشيخ عبد الفتاح أبوغدة: توجيه النظر، ج1 ص28
37 ـ حديث جبريل رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان والإسلام. أنظر صحيح مسلم، دار ابن حزم، بيروت ط1(1416ه ـ /1995م)، ج2، ص46/47.
38 ـ الشيخ طاهر الجزائري: الجوهرة الوسطى، ص111
39 ـ ابن القيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين، ط2(1977) ج 4، ص251.
40 ـ الشيخ طاهر الجزائري: الجوهرة الوسطى، ص103
41 ـ المرجع نفسه، ص100
42 ـ المرجع نفسه، ص100/101
43 ـ المرجع نفسه، ص103.
44 ـ المرجع نفسه، 104/103.
45 ـ المرجع نفسه، ص104.
المصادر والمراجع
ـ آراء وأبحاث في تاريخ الجزائر، أبو القاسم سعد الله، دار الغرب الإسلامي ط1،1996
ـ إحصاء العلوم، الفارابي، مركز الإنماء القومي، 1991.
ـ الأعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت ط5، 1980.
ـ توجيه النظر إلى أصول الأثر للشيخ. للشيخ عبد الفتاح أبو غدّة. مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب.
ـ الجواهر الكلاميّة، محمد الصالح الصدّيق، ديوان المطبوعات الجامعيّة للجزائر.دت.
ـ الحركة الوطنية الجزائرية، أبو القاسم سعد الله، دار الغرب الإسلامي، ط4، 1992.
ـ معجم المؤلفين، عمر رضا كحالة، معجم المؤلفين، مؤسسة الرسالة ط1، 1993.
ـ المقدّمة، ابن خلدون، دار القلم، بيروت لبنان، ط7، 1989.
ـ الوجيزة في العقيدة الإسلاميّة، عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني، دار القلم، دمشق، ط1، 1983م.