ابنة شقيقة المرحوم تروي مسيرة مالك بن نبي 2
ابنة شقيقة بن نبي

ابنة شقيقة المرحوم تروي مسيرة مالك بن نبي 2

حوار: عبد الناصر -

مالك بن نبي هذا القامة العملاقة في عالم الفكر، ألم يكن من الأجدر الاستعانة به في وضع أساس دولة فتية مثل الجزائر، ووضع لبنة بلد نال استقلاله حديثا، ثم لماذا غادرنا وهو دون سن السبعين، كما غادرنا بقية العظماء وهم في عز العطاء من أمثال الشيخ عبد الحميد بن باديس، تساؤلات طرحناها على ابنة شقيقة المفكر الراحل الحاجة زينب مسقالجي، فكانت هذه الإجابات.

 

بالنسبة لتهمة تشيّعه ربما لأنه كان يلتقي كثيرا بالإمام موسى الصدر؟

هذه من كتابات اللبناني عمر كامل مسقاوي، الذي قال إن الإمام موسى الصدر كان يستشهد في محاضراته عن مفاهيم عالم الغيب والشهادة بما كتبه مالك بن نبي في كتاب الظاهرة القرآنية، ويقول عمر مسقاوي أنه سأل موسى الصدر، فاكتشف أنه قرأ كل كتب مالك بن نبي دون أن يتعرف عليه وهذا في عام 1966، كما كتب مسقاوي بأن مالك بن نبي عندما كان مديرا عاما للتعليم العالي في أواخر الستينات أو بداية السبعينات من القرن الماضي زار لبنان والتقى بموسى الصدر، ووجهت له دعوة هناك لزيارة إيران ولقاء الحوزات العلمية فيها، وبالرغم من أنه لم يسافر إلى إيران إلا أن فكر مالك بن نبي كما كتب عمر مسقاوي كان يُتداول في الحوزات العلمية الشيعية كما في كل العالم الإسلامي، كما أنه عندما توفي مالك بن نبي في أواخر أكتوبر 1973 أقامت له الحوزات العلمية في لبنان تأبينية كبيرة برئاسة موسى الصدر الذي وصف مالك بن نبي بأعظم رجالات الإسلام في التاريخ وهذا في قصر اليونيسكو في العاصمة اللبنانية، وهذا المقال نشر عام 2004 في جريدة السفير اللبنانية، لكن هذه العلاقة هي إضافة لمفكر العصر ولا ترقى لأن تكون تهمة، لماذا لا نقول أن موسى الصدر هو من تحوّل إلى سني؟ ثم أن الفتنة بين السنة والشيعة لم تكن موجودة، بدليل أن عمر وهو اسم غير شيعي كان يصاحب موسى الصدر الشيعي، وأن يتوهم إنسان بأن مفكر بحجم مالك بن نبي بمجرد لقائه مع موسى الصدر وتبادل الأفكار قد تحوّل إلى شيعي، فهذا نقص نظر لا أكثر ولا أقل، ومالك بن نبي التقى أيضا بالكاردينال دوفال ولنا صورة للمفكر مع هذه الشخصية، هو مفكر يتعرف الآخر ولا أحد يزعزع تمسكه بدينه وقناعاته، أعود وأكرر أن عمر مسقاوي تعرّف فعلا على مالك بن نبي لكن أن يقول أنه وصي على كتاباته ويمتلك وصية بخطه، ويزعم أن الورثة نالوا حقوقهم من طباعته لكتب الراحل وهي ملايين النسخ، فذلك غير صحيح.

قلت في الجزء الأول من الحوار إن مالك بن نبي كان صديق بن بلة وصديق بومدين، وجمعته علاقة حتى بالرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، لكن المحيّر أنه لم يحمل أي حقيبة وزارية؟

ما أعلمه أنه لم يحدث وأن عرض هواري بومدين أو أحمد بن بلة على خالي أي منصب وزير، ولكنه كان رئيسا لجامعة الجزائر العاصمة وكانت الوحيدة في ذلك الوقت، كما تقلد منصب مدير التعليم العالي في عهد بومدين وهو أول من تقلد هذا المنصب، وهي مراكز علمية هامة جدا، وعرضوا عليه العمل كسفير في روما منذ تولي هواري بومدين الحكم عام 1965 ولكنه رفض، ورأى أن الديبلوماسية والابتعاد عن الجزائر غير مجد بالنسبة له، بالنسبة لبن بلة، كان يدعوه للعشاء عنده يوميا في القصر الرئاسي؟

بالنسبة للأكل هل كان يشتهي الأطباق التقليدية؟

لم يعش كثيرا في قسنطينة ولكنه كان يشتهي ما يسمى بتريدة الطاجين، وكان يطلب دائما من والدتي أطباقا أكلها في مدينة تبسة مثل البودشيش وهو طبق من الشعير الطري ويتم طهيه مثل الكسكسي، إضافة إلى المرمز والتريدة المخبوزة التبسية التي يوضع في مرقها قطعة من طحين التمر، والرفيس، وكان يحبّ من أيدي والدته في صباه رغيف الرخسيس، وحتى زوجته الفرنسية تعلمت طهي كل ما يشتهيه من أطباق جزائرية تقليدية، أثناء حضورها إلى الجزائر سألت وأخذت طرق الطهي المختلفة والمقادير معها إلى فرنسا.

هل كان يستمع للأغاني وللموسيقى؟

ما أعلمه أنه أول من أدخل أسطوانات أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب إلى مدينة تبسة منذ الثلاثينات، كان أحيانا يختلي بنفسه ليستمع إلى روائع الطرب والموسيقى الكلاسيكية، وحتى المذياع الذي استقدمه من فرنسا كان كل سكان تبسة يستمعون عبره لأخبار الثورة الجزائرية، واستمعوا عبره لخطاب المارشال جوان، وعلمنا أنه التقى بعيسى الجرموني وتابع حفلته في الأولمبياد، كل عائلة بن نبي تتذوق المالوف، وهو يحب كل ما هو أصيل ويعني الهوية.

يقال إنه كان مناصرا لفريق مولودية قسنطينة؟

له عم يدعى محمود بن نبي من مؤسسي نادي مولودية قسنطينة الذي يعلم الجميع أن الشيخ عبد الحميد بن باديس ساهم في تأسيسه، لكنه لم يكن مشغولا أبدا بالكرة، لم تكن له هوايات واضحة، ربما الزمن الذي عاش فيه كانت فيه كرة القدم آخر الاهتمامات بالنسبة للجزائريين.

حدثينا عن الكتب التي ألفها ولم تنشر لحد الآن؟

هذه حكاية تحتاج لكتاب وليس لصفحة من جريدة، لدينا كتاب العفن في جزأين وهو آراء صريحة في أوضاع وشخصيات جزائرية وعالمية، وكراسات مالك وهي كتابات وخواطر تشبه إلى حد بعيد كتاب فيض الخاطر لأحمد أمين، إضافة إلى الجزء الثاني من كتاب وجهة العالم الإسلامي، وفي هذا الكتاب القيّم يتحدث عن مخاطر الصهيونية وعن المشروع اليهودي الكبير، وأعتقد أنه لا أحد فهم اللعبة الصهيونية، مثل مالك بن نبي، كان يتحدث عن الدولة العبرية قبل سنوات من قيامها عام 1948، ولم يقل ذلك في مؤلفاته فقط، وإنما أيضا في جلساته الحميمية والعائلية، كان يقول دائما إن الأمور خطيرة وأن القدس يتهددها الخطر إلى أن أفقنا على فاجعة النكبة الكبرى في ماي 1948 فكانت المأساة الكبرى، يبقى السؤال الكبير هو لماذا يحتفظ نور الدين بوكروح بالكتاب الذي أخذه من زوجته خدوجة دون أن يطبعه؟

قرأنا مذكرات مالك بن نبي، لم نصادف تعرضه لأي وعكة صحية لا خفيفة ولا خطيرة، ألم تكن وفاته مفاجئة؟

فعلا كانت مفاجئة، الرجل رحل عنا قبل السبعين من العمر، لم يشتك في حياته من أي مرض، فجأة تحدث عن جلطة دموية في رأسه قبل شهر من رحيله، وساعده وزير المواصلات في زمن هواري بومدين الراحل آيت مسعودان للتكفل بعلاجه في باريس، فسافر وعاد بعد بضعة أيام معافى، ونسينا الحكاية نهائيا، ولكن فجأة تحدثوا عن نزيف دموي داخلي تعرّض له ولم يطل الوقت لنتفاجأ بوفاته؟

هل أجرى عمليات جراحية على مستوى العينين، وهل حمل طاقم أسنان؟

كان يرتدي منذ شبابه نظارات طبية، ولكن لم يحدث وأن أجرى أي نوع من العمليات الجراحية، وسبب نقص بصره هو القراءة باستمرار، وعلمنا أنه حمل طاقم أسنان أثناء تواجده في فرنسا، وعندما عاد إلى الجزائر عام 1946 لاحظت تغيّر ملامح وجهه الذي كان منتفخا، وأخبرني بحمله طاقم أسنان وأعاد تركيبه في نفس العام.

حدثينا عن يوم وفاته؟

كنا نقطن في وهران عندما بلغنا النبأ، كان إلى جانبه الشيخ عبد الرحمان شيبان رحمه الله، الذي قال إن الجزائر كانت حينها تحتفل بالذكرى التاسعة عشرة لثورة ، وصادف تسليم روحه لبارئها إطلاق أول طلقة من المدفعية في منتصف الليل في الواحد والثلاثين من شهر أكتوبر 1973 ومات في بيته الكائن بشارع فرانكلين روزفلت بالجزائر العاصمة، وهو المسكن المتواجد قرب مقر المجلس الأعلى للغة العربية.

هناك من يقول أن موته غامض، وهناك من يتجه صراحة إلى فرضية الاغتيال، سمعنا أنه كان عندما ينزل من بيته يتعرض للسقوط بسبب وضع الصابون في الأدراج مما تسبب له في نزيف داخلي على مستوى دماغه؟

نحن أيضا سمعنا مثل هذه الأقوال، خاصة من تلامذته، لكن لا أدلة على هذه الأقوال.

البعض يتهم الشيوعيين صراحة؟

لا دليل على ذلك أيضا، لكن كل الذين يعرفونه يشكّون في سبب وفاته، كان نشطا يقدم دروسه دون كلل ثم اختفى فجأة، زوجته أيضا وجهت سهام تهمها لجارة فرنسية كانت تسكن في نفس المبنى بالطابق العلوي، وقال كثيرون أنها كانت جاسوسة على المفكر بن نبي.

هل الدولة متهمة أيضا؟

ما أعلمه أن والده الذي كان على قيد الحياة تلقى رسالة عزاء من الراحل هواري بومدين، سبق لي أن قرأتها كانت مكتوبة على ورق من الحرير وفي أعلى الرسالة العلم الجزائري، الرسالة هي ضمن أشيائه الموجودة في تونس حاليا، كما نقل التلفزيون الجزائري مشهد جنازته في تلك الفترة.

على حد علمنا لم يبق لقب بن نبي نهائيا في قسنطينة وفي كامل الجزائر؟

هي فاجعة فعلا، فقد رُزق جد مالك وكان وحيد والده، بثلاثة ذكور هم ساعد والد مالك ومحمد الذي توفي في العشرينات دون أن يتزوج ومحمود الذي ولد وعاش ومات في قسنطينة عام 1922 دون أن يرزقه الله بالولد رغم أنه تزوّج في مناسبتين، وبقي الأمل في والد مالك الذي أعطاه الله طفلا واحدا، وتزوج مالك من فرنسية لم تعطه الولد، وأعاد الزواج من خدوجة الجزائرية التي تزوجت قبله ورزقت بطفل، ولكنها لن تعط لمالك بن نبي سوى ثلاث بنات لقبهن طبعا بن نبي وسافرن جميعا إلى الولايات المتحدة، مما يعني أن لقب مالك بن نبي انتهى مع نهاية المفكر مالك بن نبي عام 1973، ولا أظن أن اللقب موجود في مكان آخر في الجزائر.

نعود إلى لغز بناته المحيّر؟

مأساة بنات مالك الثلاث أنهن فقدن والدهن وهنّ صغيرات، وكانت آخر مرة يزرن العائلة وهن دون الخامسة عشرة من العمر، ربما عام 1976، مؤلم أن تكون لي بنات خال، وأي خال، ولا تجمعني بهن أية علاقة، ما أعلمه أن والدتهن زوجتهن من سوريين، حيث تم تزويج إيمان وهي توأم لنعمة من مواليد أفريل 1962 والصغيرة رحمة التي ولدت في ديسمبر 1963 من أخوين سوريين، وما أعلمه أن نعمة أصرت أن تعيش في الجزائر وتتزوج من جزائري، لكنها تزوجت بإجبارها من أمها على الزواج من ابن خال الأخوين السوريين، وسافرن جميعا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهن الآن من جنسية أمريكية، "تتنهد بألم" حتى رحمة توفيت رحمها الله عام 2002 في أمريكا ودفنت هناك وعمرها أربعون سنة فقط، بعيدا عن قبر أبيها الذي كان يحبها بجنون، كن ناجحات في الجزائر وذكيات جدا، حصلن جميعا على شهادة البكالوريا بتفوق، والوحيدة التي أكملت دراستها هي نعمة التي حصلت على دكتوراه في الطب من الجزائر العاصمة، ولمالك بن نبي أحفاد ولدوا جميعا لبناته الثلاث في الولايات المتحدة وهم من جنسية أمريكية وآباء سوريين وبالتأكيد لم يزوروا الجزائر أبدا.

الله أعطى للمفكر بن نبي البنات وهو تكفل بتربية طفلة حسب علمنا؟

تلك حكاية أخرى، فقد ربى الطفلة زهية وهي ابنة شهيد، لم يكن لها عائل وقد كبرت وتزوجت وتعيش حياة مستقرة في بيتها الآن، كان مالك كلما وجهوا له انتقادا بسبب تكفله بتربية هذه الطفلة يصيح بالقول أن قطرة من دم من والده أغلى من كل الناس.

علمت أنه كان يقضي أوقات فراغه في لعب الشطرنج؟

المؤكد أن لا وقت فراغ لخالي منذ أن دخل المدرسة إلى أن توفي، ولا أعلم إن كان لعب الشطرنج، لكنها لعبة كان يمارسها الكثير من أفراد الأسرة ولا أستبعد ممارسته إياها.

لنختم حوارنا بالحديث عن مسكنه في العاصمة المتواجد في مكان استراتيجي؟

ما يؤلم أن ابن زوجته يقوم بكراء هذا المسكن لشركات أجنبية، ولا نفهم لماذا يتم التصرف في مسكن عالم على شكل جامعة في الأعمال التجارية، على الدولة أن تتدخل لأن الوقت قد حان ليتحوّل مسكن مالك بن نبي الذي تخرّج منه الكثير من رجالات الجزائر إلى متحف لأحد أكبر مفكري العالم، يؤلمنا كما قال صديق مالك بن نبي المصري محمد رفعت الفنيش أن جامعة ميرلاند الأمريكية تقدم في مقرراتها فكر مالك بن نبي ونحن نعجز عن المحافظة على جدران كان يُدرّس فيها.

المشكلة ليست في الجدران فقط؟

مسكن والده الموجود في تبسة تعرّض للسرقة عام 1970 في ظروف غامضة، أصغر خالاتي لم ترزق بالأبناء فربّت أولادا، لم يعيروا لهده الكنوز أية أهمية، قدموا بعض أشياء مالك بن نبي كهدية لمن طلبها ومنهم نور الدين بوكروح، البيت مشمّع منذ مدة، وبه كنوز مثل رسائل تبادلها مع فرحات عباس، ونحن أخطرنا مصالح الأمن وراسلنا كل الهيئات بما في ذلك رئاسة الجمهورية، لإخطارهم بمشكلة كنوز مالك بن نبي.

مالك بن نبي لم يترك ولدا، ويتعرض الآن لتغييب أفكاره في المقررات الدراسية بما في ذلك الجامعية، وحتى في الجامعة الإسلامية الأمير عبد القادر بمدينته قسنطينة، وزاد من المأساة ضياع أشيائه والكثير من أعماله.. كيف العمل؟

كل دول العالم تحسدنا على مفكر بقيمة مالك بن نبي، من تركيا وماليزيا وأندونسيا إلى موريتانيا والمغرب، كلهم يصفونه بداهية العصر، والرجل الذي يُمكن من أفكاره صناعة دول متحضرة، أظنه حان الوقت لأجل الالتفات لهذا العظيم الذي عاش لأجلنا جميعا، حان الوقت لنرد بعضا من هذا الجميل بتحويل المساكن التي عاش فيها إلى متاحف ليس للزيارة، وإنما للتذكير والتعريف بأفكاره، حان الوقت لاسترجاع مخطوطاته وصوره من تونس وخاصة من فرنسا، مالك بن نبي هو شاهد على القرن فعلا وجزء من تاريخ الجزائر المعاصرة، كان يدعوا للثورة منذ ثلاثينات القرن الماضي وساهم ولو بالنصيحة في بناء الجزائر المعاصرة وساهم في ملتقيات الفكر الإسلامي التي ميّزت الجزائر وبعثت الصحوة الإسلامية الحقة، ليس في الجزائر وإنما في كل العالم الإسلامي، حان الوقت لمساعدتنا في بعث مؤسسة مالك بن نبي ليس للزردات والبهرجة، وإنما لتكون مؤسسة فكرية تكمل رسالة مفكر العصر، سؤال لا أظن جزائري عاقل لا يطرحه وهو لماذا لا يُطلق اسم مالك بن نبي على جامعة كبرى.. ألا يستحق رجل مثل هذا العملاق التفاتة حقيقية؟.

انتهى

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.