لا يتحدث إلا بالفصحى
بقلم: محمد الهادي الحسني-
اثنان من أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عرف عنهما أنهما لا يتحدثان إلا باللغة العربية الفصحى، وقد التقيت بأحدهما عدة مرات، وأما الآخر فلم ألتق به، ولكنني قرأت كل ما نشره في جرائد الجمعية ومجلة الإمام ابن باديس “الشهاب”، وكثيرا ما كان يوقع مقالاته باسم “الفتى الزواوي”. وذلك ردا على الدعاية الفرنسية – الإبليسية من أن “جمعية العلماء” هي جمعية لـ”العرب”..
فأما الذي التقيته عدة مرات فهو الشيخ – ثم الدكتور – أحمد بورزاق، المعروف في منطقة جيجل التي ينحدر منها باسم “أحمد بوروح” وكان من أساتذة “معهد ابن باديس” في قسنطينة.
وأما الذي لم ألتق به فهو الشيخ باعزيز بن عمر، رغم أننا كنا نسكن في حي واحد هو حي الأبيار، وكنت أتردد على مكتبة صهره الأستاذ اسماعيل زكري، المقابلة لساحة كيندي في الأبيار..
ولد باعزيز بن عمر في 1906 في بلدة آيت حماد، قرب مدينة آزفون، من ولاية تيزي وزو حاليا. وتعلم على يد والده: ثم التحق بزاوية الشيخ عبد الرحمن اليلولي، فمكث فيها مدة من الزمن أتقن حفظ القرآن الكريم، ودرس بعض المتون في الفقه واللغة العربية…
في عام 1928 التقى الإمام عبد الحميد ابن باديس في مدينة الجزائر عن طريق الشيخ أبي يعلى الزواوي، فأبدى الفتى الزواوي رغبته في الالتحاق بقسنطينة ليكون من تلاميذ الإمام، فرحّب به الإمام ابن باديس.
كان الفتى باعزيز يتميز بالحيوية والنشاط، وكان طلعة إلى المزيد من المعرفة، وتوسّم فيه الإمام الاستعداد، فكان يقرّبه إليه، ويصحبه في بعض تنقلاته.. ثم نصحه بالتوجه إلى تونس لمواصلة دروسه ففعل، ولكنه لم يمكث بها إلا فترة قصيرة، ورجع إلى مدينة الجزائر، حيث انضم إلى هيئة التدريس بمدرسة “الشبيبة الإسلامية”، ومن زملائه فيها محمد العيد آل خليفة – وكان مديرها.. وأحمد جلول البدوي وفرحات الدراجي، وعبد الرحمن الجيلالي.. ويشهد له بالتميز الإمام محمد البشير الإبراهيمي بأنه “من تلامذة الأستاذ – ابن باديس – النابغين، عصامي، كاتب جزل الأسلوب، وصّاف بارع، رافق قلمه النهضة في عنفوانها فحامى عنها وناضل وكان له في ميدانها جولات”. (مجلة الشهاب، جوان – جويلية 1938، ص 221).
بعد انتخاب الإمام الإبراهيمي رئيسا للجمعية، واستقراره في العاصمة أعاد نشر جريدة “البصائر”، واصطفى لمساعدته فيها كلا من حمزة بكوشة، وأحمد سحنون، وباعزيز بن عمر، وفرحات الدراجي.. إضافة إلى إشرافه على مدرسة في منطقة الأبيار تسمى “مدرسة الإقبال”..
وبعد استرجاع الاستقلال كان الشيخ باعزيز بن عمر من بناة المدرسة الجزائرية، فشارك في التأليف المدرسي وأصدر عددا من الكتب، وكان عضوا في اللجنة الوطنية الجزائرية لليونيسكو..
وعن ظاهرة تحدثه باللغة العربية الفصحى يقول الأستاذ محمد الحسن فضلاء: “ألف التحدث بالعربية الفصحى مطلقا، ومع جميع الناس، ولم يستعمل اللهجة العامية تماما، فمن القبائلية إلى العربية الفصيحة”. (محمد الحسن فضلاء: من أعلام الإصلاح في الجزائر، ج1، ص 196). وقد كان الشيخ يعرف اللغة الفرنسية ولا يعرف كيف تعلمها. وقد ترك الشيخ بعض المؤلفات ومنها كتاب عن الإمامين ابن باديس والإبراهيمي، ومسرحية تحت عنوان: “الجزائر الثائرة”. وقد توفاه الله في سنة 1977، وصلّى عليه وابنه الشيخ أحمد سحنون، ودفن في مقبرة “سيدي يحيى” رحمه الله.