عبد الرحمن شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين في حوار لجريدة البيان الإماراتية
ولد عبد الرحمن شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في قرية الشرفة التابعة لولاية البويرة بمنطقة القبائل الكبرى عام 1918، تعلم في كتاتيب بمسقط رأسه ثم دخل مدارس الجمعية في الثلاثينات من القرن الماضي وتتلمذ على يد مؤسسها ورئيسها الشيخ عبد الحميد بن باديس، قبل أن ينتقل إلى تونس حيث استكمل دراسته في جامع الزيتونة الشهير، ومنه نال أعلى الإجازات العلمية لذلك الوقت .
ولما عاد إلى الجزائر انخرط في مهنة التعليم بمعهد الشيخ عبد الحميد بن باديس بطلب من الرئيس الثاني للجمعية الشيخ البشير الإبراهيمي الذي تنقل شخصيا إلى بيت والد عبدالرحمن شيبان ليطلب منه خدمات ابنه وهو ما تلقاه الوالد بكثير من الاحترام والتقدير ..
لما اندلعت الثورة التحريرية في الجزائر سنة 1954 التحق بها عبدالرحمن شيبان إلى غاية حصول البلاد على استقلالها. فأصبح عضوا في المجلس التأسيسي (أول برلمان جزائري) وفيه شارك في اللجان التي عكفت على صياغة الدستور الجزائري .
بعد ذلك اختير ليشغل منصب المفتش العام للتربية الوطنية قبل أن يعين وزيرا للشؤون الدينية. أما اليوم وبعد التقاعد من الخدمة العمومية اختاره زملاؤه لرئاسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. في هذا الحوار الذي أجرته معه «البيان» بمكتبه في العاصمة الجزائرية تحدث شيبان عن دور الجمعية في غمرة كفاح الشعب الجزائري من أجل الانعتاق من الاحتلال الأجنبي واسترجاع سيادته ومقومات شخصيته
ونشرها العلم الصحيح المبني على الاعتزاز بالأصول والتفتح على التقدم وعن العمل الخيري في الجزائر و المحنة التي مرت بها البلاد في السنوات الماضية حين استفحل بها العنف المسلح فأثر أيما تأثير على العمل الدعوي وعلى دور المسجد في المجتمع وأشياء أخرى تجدونها في صلب الحوار.
وكان أول سؤال طرحناه على الشيخ عبدالرحمن يتعلق بالدور الذي يمكن أن تؤديه في جزائر اليوم جمعية تأسست في مطلع الثلاثينات خصيصا لمواجهة حملة التغريب التي مارسها الاستعمار الاستيطاني الفرنسي في الجزائر؟ ـ فأجاب: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيد الخلق أجمعين. جمعية العلماء تأسست في الخامس من مايو 1931 إثر مرور قرن كامل على احتلال فرنسا للجزائر.
وكانت فرنسا الاستعمارية قد أقامت عرسا ضخما دام أكثر من ثلاثة أشهر، زعمت فيه أن الجزائر أصبحت فرنسية عقيدة ولغة وشعبا. لكن الله سبحانه وتعالى شاء أن يقيض لهذا الشعب كوكبة من العلماء كما جاء في الحديث الشريف «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها». لذلك جاءت هذه الجمعية لترد على الاستعمار مزاعمه.
فالجميع يعلم أن الاستعمار كان يزعم أن الجزائر أرض فرنسية ولغة شعبها هي الفرنسية ودينها هو المسيحية، فكان رد الجمعية مدوياً وهو الشعار الشهير «الجزائر أرضنا والعربية لغتنا والإسلام ديننا». فنحن وإن كنا نؤمن بضرورة التفتح على اللغات الحية، فإننا نؤمن إيمانا يقينيا أن اللغة الأصلية للشعب الجزائري هي العربية وديننا هو الإسلام والجزائر وطن للجزائريين وليس للفرنسيين.
وقد جندت الجمعية لهذا كل إمكانياتها وحشدت رجالاتها وزرعتهم في مختلف جهات الوطن وسخرت لهم أدوات العمل من مدارس للبنين والبنات والأندية للشباب والمساجد لعامة المسلين ولم تتخلف عن الصحافة حيث أسست جريدة أسبوعية باسم «البصائر»
وأخرى شهرية باسم «الشهاب» الغرض منهما واضح وهو بث الوعي لدى الجزائريين والجزائريات.وكان نشاط الجمعية مركزا أساسا على التعليم والإرشاد، انطلاقا من إيمانها الراسخ بأن العلم هو الذي يستنهض الهمم ويقود إلى الوعي المثمر مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم «من أراد الدنيا فعليه بالعلم ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم ومن أرادهما معا فعليه بالعلم».
* الجمعية تأسست للمقاومة ضد المحتل، لماذا حاربت الطرق الصوفية المنتشرة في الجزائر وقتها ؟
ـ في الحقيقة الكلام عن الحرب فيه الكثير من المبالغة، لأن الجمعية كان من مؤسسيها شيوخ بعض الزوايا لا داعي لذكر أسمائها، وهم من الطرق الصوفية. وبعد سنة من التأسيس تجدد المكتب الإداري للجمعية، فأوعزت السلطات الاستعمارية لممثلي بعض الزوايا بالانسحاب قبل أن يقدموا على تأسيس جمعية لهم تسمي جمعية السنة.
الشيخ عبد الحميد بن باديس كان قد انتخب في أول لقاء لمكتب الجمعية في مدينة قسنطينة مسقط رأسه وهو غائب، وفي أول خطاب له أمام منتخبيه قال «إنكم انتخبتموني لدوري في نشر التعليم فأردتم تكريم التعليم من خلال شخصي، وهو أحد أهم المقاصد من إنشاء الجمعية». الأمر الثاني الذي قاله «إنكم انتخبتموني لأن لي فكرة لا أحيد عنها وأبلغها بالتي هي أحسن مصداقا لقوله تعالى( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)، من قبل فكرتي فهو أخ في الله ومن ردها فهو أخ في الله، لأن الأخوة فوق ما يقبل وما يرد. والاختلاف في الأمر الخاص لا يضر الاتفاق في الأمر العام». ثم سأل الحاضرين إن كانوا موافقين على ما قال فرد عليه الشيخ الطيب العقبي رحمه الله بأنهم مع ما يدعو إليه وقال له «نعلن أننا نقاسمك أفكارك التي تدعو إلى التسامح كما نعترف أنك تفوقنا في التفاني في جهودك التعليمية» وهذه العبارات موجودة في مجلة الشهاب.
إذن فالرجل أعلن أنه لا يعادي الناس ولا يحاربهم وإن خالفوه رأيه وفكرته. وحدث مرة أن قال له أحد الطرقيين (من الطرق الصوفية) مالك تجافينا؟ فرد عليه ابن باديس أنه ليس ما يؤاخذه عليهم سوى ارتباطهم بالاستعمار، ونصحه بالقول «تحرروا من فرنسا ويداي ممدودة لكم».
والزوايا معظمها كان لها موقف مشرف تجاه العمل المعادي للاستعمار. فمراكز المقاومة في بداية الأمر كانت تنطلق من الزوايا، فالأمير عبد القادر الذي قاد الكفاح المسلح ضد الفرنسيين مع فجر الاحتلال لمدة تجاوزت خمسة عشر عاما كان ينتمي للزاوية القادرية والشيخ الحداد كان زعيما للطريقة الرحمانية عندما أيد ثورة الشيخ المقراني عام 1871. ولما أدرك الاستعمار خطورة الزوايا عمل إلى استمالتها إلى جانبه، فأصبح البعض منها وليس كلها أدوات بيده.
نأخذ مثلا لذلك، إن جمعية العلماء المسلمين طالبت بتحرير المساجد والأوقاف من السيطرة الفرنسية على غرار الأديان الأخرى مثل المسيحية واليهودية، ومطالبة الجمعية بذلك لم يكن من أجل أن تضع يدها على المساجد والأملاك الوقفية والسيطرة عليها وإنما لوضعها في يد المسلمين جميعهم حتى لا تبقى فرنسا هي التي تعين الأئمة وتستقبل الزكاة ومردود الأوقاف وتوجيه ذلك لخدمة أغراضها، غير أن بعض الزوايا انتفضت وطالبت فرنسا برفض ذلك، وكان موقفها ـ مع فارق الزمن واختلاف الظروف شبيها بالجهات العراقية التي تتشبث باستمرار وجود القوات الأميركية فوق أرضها. من هنا نفهم أن بغض الجمعية للزوايا لم يكن إلا لمواقفها السياسية الموالية لفرنسا على حساب الجزائر.
* هذا المشوار المشرف في زمن الاحتلال كان لإبقاء الجزائر على عروبتها وإسلامها أمام مخطط تغريبي استعماري بغيض، فرحل الاستعمار و واصلت الجمعية، فكيف هو نشاطكم اليوم؟
نأخذ مثلا لذلك، إن جمعية العلماء المسلمين طالبت بتحرير المساجد والأوقاف من السيطرة الفرنسية على غرار الأديان الأخرى مثل المسيحية واليهودية، ومطالبة الجمعية بذلك لم يكن من أجل أن تضع يدها على المساجد والأملاك الوقفية والسيطرة عليها وإنما لوضعها في يد المسلمين جميعهم حتى لا تبقى فرنسا هي التي تعين الأئمة وتستقبل الزكاة ومردود الأوقاف وتوجيه ذلك لخدمة أغراضها،
ـ بالفعل جمعية العلماء في عهدها الأول كانت تبني المساجد والمدارس للبنين والبنات والأندية للشباب لأن فرنسا كانت قد استولت عليها. أما اليوم فالدولة الجزائرية هي التي تعمر وأصبحت تبني المدارس وتهيئ الظروف اللازمة للتعليم وخلقت هيئة للاعتناء بالدين. لكن ومع ذلك تبقى المساجد بحاجة إلى عناية أكبر لتفادي الوقوع في بعض الأخطاء.
فأعضاء جمعية العلماء كثير منهم يشاركون في الإمامة والوعظ والإرشاد والتدريس. وهذه الأمور تحتاج إليها البلاد في الاستقلال كما قبل ذلك لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصائص الأمة الإسلامية ويستمر ما دامت السماوات والأرض.
وجمعية العلماء مطالبة بمواصلة العمل بالوعظ والإرشاد وتقديم معاني الإسلام الصحيح. وعلاقتها الآن مع التنظيمات الناشطة تحكمها ثلاثة عناصر تدفع من يؤمن بها إلى التعاون معه، وهي الإيمان بأن الإسلام دين الجزائريين واللغة العربية هي لغتهم والجزائر وطنهم. والجمعية من هذا المنطلق تتعاون مع كل من يعمل لصالح الإسلام واللغة العربية.
* هل للجمعية أتباع اليوم مثلما كان الأمر في السابق؟
ـ هناك البقية الباقية من ممن تعلموا على يد الرعيل الأول وهناك عناصر جديدة تتمثل في الشباب الجامعي وفي غيرهم من الأساتذة ومن المسلمين العاديين من تجار وصناع وسياسيين. ونحن نتعاون مع كل من يعمل لصالح الجزائر في دينها ودنياها.
* كيف كانت الجمعية تحيي رمضان في السابق؟
ـ كانت الجمعية تقيم وزنا كبيرا لرمضان بحيث أن دروس معهد ابن باديس بقسنطينة كانت تتوقف كي يتفرق العلماء والطلبة والأساتذة في مختلف أرجاء الجزائر للتعليم وترتيل القرآن وقيام الليل وتصحيح العقيدة وتقديم الدروس في الفقه والسيرة وغير ذلك.
* هل الجزائر ما زالت بحاجة إلى الدعوة وما هي الأشكال التي يجب أن تأخذها، خاصة في ظل المواجهات التي شهدتها البلاد في العشرية الماضية؟
ـ الدعوة يجب أن لا تتوقف أبدا فهي ركن ركين في الدين الإسلامي مصداقا لقوله تعالى «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر..» فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يمكن أن يتوقف إلى غاية قيام الساعة.
* كيف تقيمون العمل الخيري في الجزائري؟
ـ من الظواهر التي تبشر بالخير وتدخل البهجة على القلوب أن الشعب الجزائري متمسك بدينه رغم ما يقال عنه وما يبث من مكائد، فهو متمسك بدينه حريص على أن يأتي شعائره ويمجد المبادئ القرآنية والسنة النبوية ويعظم الداعين إلى الشريعة والعاملين بها. ونسأل الله المزيد من التمسك بالدين والعمل به فهما وتفهيما وتطبيقا. ورمضان الشهر الذي أنزل فيه القرآن فرصة للمسابقة في الخيرات والصلوات وذلك بالصدقات التي يتضاعف أجر فاعلها في هذا الشهر.
* تكنى الجزائر بـ «بلد الـ 14 ألف مسجد» من الصعب استيعاب أن يحدث هذا الدمار الذي شهدته الجزائر؟
ـ ما حدث كان شذوذا والشاذ لا يقاس عليه، والحمد لله أن أغلبية الشعب الجزائري كان ضد تلك الممارسات وها هو اليوم يكرس اتجاه السلم والمصالحة الوطنية. والمساجد ما زالت تؤدي دورها المنوط بها، حيث ما زالت عامرة بالمصلين تقام فيها الدروس ويتلى فيها القرآن، كما أن الجزائريين ما زالوا يسارعون في بناء المساجد وتعميرها وهذا أمر يبشر بالخير، وما حدث في السابق نحن في طريق تجاوزه حتى وإن بقي مرحلة مؤلمة في تاريخ الجزائر.
* هل تعتقدون أن المسجد كان ضحية السياسة في وقت ما وهل تجاوز هذه المرحلة؟
ـ المسجد يحتاج إلى إطارات كفئة لأداء الإمامة وللوعظ والإرشاد والتعليم. وهناك بذلت الجزائر جهوداً كبيرة منذ الاستقلال إلى الآن للنهوض بالمساجد باعتبارها هي المصابيح التي تنار بها السبل السوية. وأعتقد أن ما قيل ويقال بخصوص المساجد والسياسة مجرد أراجيف ووساوس لا داعي لإيلائها اهتماما لا تستحقه، والإسلام بخير في الجزائر والحمد لله.
* بدأت في مساجد الجزائر قبل أسابيع القراءة السنوية لصحيح البخاري... ما سر هذه العادة؟
ـ نحن افتتحنا هذه العادة في الأحد الأول من شهر رجب، وكنت قد حضرت الموعد رفقة ثلة من رجال الجزائر منهم الشيخ عبدالرحمن الجيلالي، وهي سنة اعتدنا عليها في الجزائر، حيث يشرع في قراءة صحيح البخاري في أول أحد من شهر رجب من كل سنة ويختم في يوم السادس والعشرين من رمضان.
وأنا لم أتوصل إلى معرفة السر في ذلك مثلما لم أجد لذلك تفسيرا، لكن هذا الأمر توارثه الجزائريون وهو سنة حميدة اتبعناها وإن غاب عنا تفسيرها. وجاهة ختمه في العشر الأواخر من شهر رمضان يمكن تبريرها بالمسارعة في الفضائل في هذا الشهر الكريم.
* عن جريدة البيان www.albayan.ae
1