آليات الخطاب الساخر في "رواية الثلاثة" لمحمد البشير الإبراهيمي
بقلم: سعدلي سليم –
ظلَّ الأدب مستعصياً عن الحصر، لأنَّ مفاهيمه تتعدد ولا تستقر على حال. فالأدب آداب والتعريف تعاريف، ومن ثم فإننا بإزاء مفهوم تاريخي متحول بتحول الأعصر، متبدل بتبدل مشاغل القراء وثقافتهم وأحوالهم وملابسات بيئتهم. ولا شك أنّ الانطلاق من هذه النظرة يدفعنا إلى القول إنَّ موضوع البحث- أي بحث- غير منفصل عن الأدوات النظرية التي تستخدم لفهمه. فهذه الأدوات تضطلع بدور كبير في تشكيل ملامح المادة المدروسة واستقصاء ما فيها من ثوابت ومتغيرات.
وإذا كانت بعض الآداب القديمة قد حظيت من عناية أهلها بنصيب من الدرس كبير فإنَّ النثر العربي الجزائري والنثر منه على وجه الخصوص- ما زال بحاجة ماسة إلى التحليل والاستقصاء. فعلى الرغم من غزارة ما حفظه لنا التاريخ منه في فنون متنوعة من قبيل الخطبة -المقامة- -الرسالة- الرواية، يظل الخوص في ساحته على قدر من العسر كبير. وما أكثر ما يتقلب الباحث بين هذه المصطلحات فلا يحقق معانيها ولا يحيط بخصائصها ولا يدرك ما بينها من وجوه الاتصال ووجوه الانفصال. ذلك أن العقبات لم تذلل واحدة واحدة ولم توضع لكل فن من هذه الفنون دراسة مفردة، وبالأحرى السرد الساخر عند البشير الإبراهيمي، مما يمكن الباحثين في هذا المجال من أن يستخلصوا صورة إجمالية واضحة عن هذا الفن الهزلي المهمش وعن منزلة هذا الأدب الذي لم يحظى بعناية من طرف النقاد، وأن يتبينوا النظام الذي يندرج ضمنه والمرتبة التي يحتلها بالنسبة إلى الأجناس الأدبية الأخرى. ومن هنا جاءت فكرة البحث عن آليات السرد الساخر في إحدى أعمال الإبراهيمي، ولقد وقع اختيارنا على "رواية الثلاثة". فهل ترانا سندرس هذا الجنس الأدبي كما كان القدامى يفهمونه أم إننا سنستخلص منه قسماً معيناً يدخل في إطار مفهومنا الجديد للمناهج النقدية المعاصرة، ونسقط ما يخرج عن ذلك؟. ذلك أن فهم الظاهرة الأدبية لا يكون دون إدراجها في سياقها التاريخي لمعرفة الظروف الحافّة ا والتي توجه في أكثر الأحيان الباحث إلى مواقع الأهمية فيها.
تمثل أرجوزة (رواية الثلاثة) حالة ثلاثة من الأساتذة، وكان لهم باع في مجال الأدب وتعليم الناشئة وتربيتها، " وكان لهم شيخ يقارضونه براً ببر، وتكرمةً بتكرمة، وكان لهم كالوالد يأبوهم ويحبوهم*، وكانت لهم من نفسه مترلةٌ، يعاملهم بِحَسَبِهَا حناناً ولطفاً وتثقيفاً وكانوا يعدنَ اجتماعهم به، لما يفيضه عليهم من طرائف الأدب، ولطائف الحكمة"1، ثم طرق الدهر بحادث حال بينهم وبينه وبين الناسِ، " إلاّ رسائلَ تنفض عليها القلوب ما تك ، وتودعها النفوس والعواطف ما تجن، فكان الظَّن بالثلاثة، أم يجلُّونَ في هذا المضمار، وسيبقون جميع الناس فيه، ولكنهم بدلاً من ذلك نسوه، وكأم الترابِ دسوه، وقطعوا حبل الاتصال الكتابي به البتة، فألقى الشيطانُ على لسان الشيخ أو ألقى هو على لسان الشيطان، هذه الأرجوزة الطويلة، ونحَلَ كل واحد من الثلاثة ما يستحقه من فصولٍ ومعان في صورِ مجالس يتجاذبونَ فيها أطراف الحديث عن هذه الزلة التي ارتكبوها" 2، فراح كل واحد منهم يلوم الآخر بعبارات ساخرة لا تخلو من التهكم والتحقير اللاذع.
نظم الشيخ هذه الرواية، وتخيلَ معانيها في أوقات متضاربة، "كانت الوحشةُ والملَلُ ألزم صفاتها فجعلها مذبةً للوحشة، ومجلَبةً للأُنسِ وأداةً للتسلية"3. الثلاثة: هم الشيخ السعيد بن حافظ مدير مدرسة التربية والتعليم الحرة بقسنطينة، والأستاذان :عبد الحفيظ الجنان، ومحمد بن العابد (الجلاّلي)، المعلمان بها، وشيخهم هو مؤلف الرواية.
كانت الفكرةُ التي بنيت عليها الروايةُ أنه لا سبب لانقطاع الثلاثة وجفائهم للشيخ إلاّ الفَرنك، أعني قيمة طابع البريد الذي يحملُ الرسالةَ إليه، وهو لا يطمع منهم في أكثر من هذه الصلَة، وهو في محنته التي هو بهاَ أحوج إلى المُقويات الروحية منه إلى المقومات المَادية. كلما روادتهم فكرة الكتابة جاء الفرنك اللعين ليقضي على كل شيء، ولا شك في أنهم يتألمونَ تألمُاً نفسانياً، وتخَرهم ضمائرهم، ولَكن شبح الفرنك يمسح كل شيء4.
آلية الحوار:
إذا كان الحوار هو عصب المسرحية، فإنَّ السرد هو لحمة العمل القصصي لأنه" الطريقة التي يصف أو يصور بها الكاتب جزءًا من الحدث أو جانباً من جوانب الزمان أو المكان اللذين يدور فيهما، أو ملمحاً من الملامح الخارجية للشخصية أو قد يتوغل إلى الأعماق ليصف عالمها الداخلي وما يدور فيه من خواطر نفسية أو حديث خاص مع الذات"5 وهو لا يقتصر على هذه الأدوار بل يضيف إليها كونه هو" الذي ينظم أحداثه وشخصياته وبالتالي فضاءاته وأزمنته ومن ثم انتسابه إلى الخطاب أو المبنى" . 6
والقارئ للحوار7 الذي دار بين المدير والمعلمين يستشف ذلك، لكون الحوار الساخر هي الركيزة التي بنى عليها الإبراهيمي خطابه الهزلي، فكأنّ الكاتب يدرك فحوى السخرية التي تعمل على إبراز العيوب ونقد الخصم واحتقاره بأشنع الألفاظ، والمثال الآتي خير مثال على ذلك:
الْمُدِيرُ: أَنَا النَّذِيرُ فَاسْمَعُوا نَصِيحَتِي … وَأَرْهِفُوا أَسْمَاعَكُمْ لِصَيْحَتِي
وَالدَّمُ لَا يُغْسَلُ بِالْأَبوَالِ … وَالنَّارُ لَا تُطْفَأُ بِالْأَقْوَالِ8
الْجَنَّانُ: ... أَنَا أَفُضُّ (الشَّقْلَلَهْ)
بِكَلْمَةٍ تَثْني الْفَصِيحَ مُفْحَمَا … الْحَقُّ سَدَّى وَالْبَيَانُ أَلْحَمَا
أَعْنِي بِهِمْ جَمَاعَةَ التَّعْلِيمِ … وَعُصْبَةَ التَّهْذِيبِ فِي الْإِقْلِيمِ
قَدْ وَضَعُوكَ أَيُّهَا الْمُدِيرُ … فِي رُتْبَةٍ أَنْتَ بِهَا جَدِيرُ9
الْمُدِيرُ:
صَرِّحْ أَبِنْ فَالْخَيْرُ فِي التَّصْرِيحِ … قَدْ تَبْرَأُ الْعِلَّةُ بِالتَّشْرِيحِ
الْجَنَّانُ:
أَقُوُلهَا فَصيحَةً صَرِيحَهْ … قَاطِعَةً لِصَاحِبِي مُرِيحَهْ
أَنْتَ امْرُؤٌ تَصْلُحُ لِلرِّئَاسَهْ… وَأَنْتَ أَهْلُ الْحِذْقِ وَالْكِيَاسَهْ
وَأَنْتَ تَدْرِي بِالْقَضَاءِ الْفَصْلِ … مِنْ أَيْنَ يُؤْكَلُ (الدِّمَاغُ الْمَصْلِي)
وَهَذِهِ فَرْعٌ عَنِ الْإِدَارَهْ … فَخُذْهُمَا بِالْحَقِّ عَنْ جَدَارَهْ
وَهَكَذَا فَلْيَكُنِ الْمُدِيرُ ... وَهَكَذَا فَلْيَكُنِ البَنْدِيرِ11
الْمُدِيرُ:
مَا لَكَ لَا تَفْتَأُ تَزْدَرِينِي … وَبِكَلَامِ السُّوءِ تَعْتَرِينِي
أَمَا عَلِمْتَ أَنَّنِي أَمِيرُكْ … وَأَنَّنِي مِنْ قَبْلِهَا مُديرُكْ12
وتكتسب رواية الثلاثة خصوصية تجعلها تقف وسطاً بين القصة والمسرحية، الحوار فيها يزيد عن حجم الحوار القصصي، ويقلُّ عن الحوار المسرحي الذي يستغرق المسرحية كاملة ولذا يجب التعامل مع هذا اللون وفق هذه الخصوصية، بمعنى أننا لا ندخل على هذا الفن وفق القواعد القصصية ولا ضمن القوانين المسرحية.
والسخرية باعتبارها موجهاً للسرد لها السطوة الكبرى في كشف مشاهد التهكم واستحضار" النص الهزلي أو النص الساخر الذي يخضع كل ما في الوجود من الطبيعي إلى الغرائبي لقوة واحدة فقط هي قوة الخيال المبدع المبتكر الذي يجوب الوجود بإحساس مطلق وهي المتحكمة في الحوار أيضاً بحيث لا يرد إلاّ بالحرية المطلقة يعجن العالم كما يشاء" 13 ضمنها، ولا يستقل الحوار عن السرد، ويعلل أحد الباحثين لهذا المزج بقوله: "إنها إحدى نتائج الإبداع الساخر الذي يعتمد على الحوار لإدراكه، فيجبر على استعمال الربط السريع بين أجزائه"14.
على أن ذلك لا يعني أنَّ الحوار في "الرواية"لم يؤد أدواراً فاعلة، فهو قد أسهم بشكل واضح في تطوير الأحداث، والسعي به نحو حلقات جديدة، بالإضافة إلى أنَّ الكاتب اتخذه وإذا كانت السخرية هي الأداة وسيلة " يكشفها عن شخصياته، ويمضيها في الصراع" 15، إذا يصب أفكاره و" تنطق الشخصيات السردية التي يبدع من خلالها الأديب في أعماله16 وتتكشف الأدوات وتتضح البيئة، ويتعرف القارئ على طبيعة التجربة المرحة (الساخرة) التي فإنَّ "البشير الإبراهيمي" قد أولاها عناية كبيرة وحرص فيما يتعلق يعبر عنها الكاتب" 17 بالمفردة الساخرة على انتقاها، ومحاولة استغلالها في البناء السردي للرواية.
وألفاظه خالية من الدخيل فلا ترى أثراً للكلمات غير العربية إلاَّ في بعض المشاهد التي تسللت إليها كثيراً من الألفاظ (الأجنبية والعامية)، مثل: (الشقللة، الدماجا، الفرماجا، داكور )؛ لكن طبسي، صنقو، والكريز، زوالي (فقير)، أكريدي، التنبر، البيرو، المروك (المغربي)...)18 هذا التسلل لم يكن لولا أنّ الرواية كانت تفتقر إلى ذلك افتقاراً شديداً، فهي قد أسهمت- بشكل كبير- في توصيل الفكرة للقارئ.
ولأنَّ السجع هو الركيزة الأولى في الفن الأدبي فقد وشح الإبراهيمي أسلوبه الحواري الساخر بأسجاع لم يلتزمها دائماً، وإنما جاءت عباراته مراوحة بين السجع والترسل حتى تأتي متوازنة ومضبوطة على السمع والفهم معاً، وغالباً ما يلف السجع كلماته الأولى التي يستفتحها الأبيات ثم ينطلق متخففاً منه في سائره.19 كقول المدير في حواره مع الجنان:
وَأَنْتَ مِنْ حَمَلَةِ الْأَقْلَامِ … وَأَنْتَ لَا تُحْسِنُ رَسْمَ اللَّامِ
الْجَنَّانُ: أُحْجِيَّةٌ جَاءَ بِهَا الرَّئِيسُ … لَا يَسْتَطِيعُ حَلَّهَا إِبْلِيسُ20
ويختلف حجم المادة المسرودة في "الرواية" من مشهد إلى آخر، فطوراً يكون السرد لأحداث قصيرة وحينئذ لا مشكلة لدى الكاتب من الإغراق في التفاصيل كما في المشهد الأول أو التوقف لرسم بعض ملامح صور شخصياته كما في مشهد الرئيس الذي يستقبل ابن العابد بالتهكم الذي سنتطرق إليه فيما بعد أو وصف مشهد مكاني كما في مشهد يوم الاجتماع، لكن تلك التوقفات لا تعدو أن تكون" استراحة في وسط الأحداث السردية" . 21
وتارة تكون المادة التي سينهض السرد بحملها طويلة، وعندئذ لا مجال لأية استراحة من أي نوع، وإنما يحاول الكاتب ضغطها وفق البناء السردي مفيداً من قدرته على التشكل بحسب الأفكار السردية، وهذا واضح في المشاهد التي تتخللها الجلسات المتكررة.
وعلى أنَّ "المنولوج الداخلي" *، وله أهميته في الكشف من أبرز تقنيات الإبداع السردي 22، فإنه لم يظهر في عن" النواحي النفسية والشعورية التي تختلج في الأعماق الباطنية للشخصية" 23 مشاهد الرواية إلاّ على شكل ومضات سريعة أثرت المشهد ولم توقف السرد كقول الرئيس في مشهد يوم الاجتماع:
أَبْدَأُ بِأكْلِ مُصَلِّيًّا عَلَى … كَأْسٍ مِنَ التَّايِ اللَّذيذِ قَدْ حَلَا
وَأَفْتَحُ الْجَلْسَةَ بِالْفَطَائِرِ … مِنْ وَاقِعٍ فِي صَحْنِهِ وَطَائِرِ24
يمهد هذا الأسلوب الاستبطاني أو المونولوج للتعريف بشخصية جديدة وإدخالها في السرد، ويعد هذا المونولوج الَّذي يضم جملة من الأمنيات تنوع في أساليب تقديم (نفسية الرئيس)، وعلاقته ببقية الأشخاص الذين يذكرهم حسب ما يمثلونه من وظائف اجتماعية وغيرها تبرز سوء طباعه وضعف نفسه، يلجأ الكاتب إلى هذا البوح الداخلي للتهكم من الذات، لأنّ السخرية من الغير تتطلب السخرية من النفس في حد ذاتها، لذلك يجد القارئ بأنّ المدير يستخف من ذاته في كثير من المواضع، ويصرح بذلك حينما يقول:
وَأَكْثِرُوا الأَكْلَ فَإِنَّ الْمَعِدَهْ … لَيْسَتْ إِذَا مَا فَرَغَتْ بِالْمُسْعِدَهْ
فَأَشْبِعُوا بُطُونَكُمْ فَالْبِطْنَهْ … كَمَا أَتَى عَنْهَا تُثِيرُ الْفِطْنَهْ25
إلى جانب المنولوج نجد تقنية التوزيع التي نجد لها أثر فعال في تنشيط الحوار الساخر الذي تزخر به الرواية، تتفرع هذه الوظيفة المسندة إلى الراوي عن سابقها " ففيها يقوم الراوي بتوزيع محاور الوحدة الحكائية حسب وقوعها في الزمان، أو حسب علاقتها بالشخصيات، ثم ، حيث يقع كل حدث في ترابط 26 ينظم تتابع الوقائع في كل محور بما يجعل وقوعها متوازياً" 26 منطقي مع الحدث الذي يليه، وهذا يتجلى في كل المشاهد التي سطرها الكاتب لبناء روايته الهزلية، والمثال الأول يعطي لنا أهمية هذا التوزيع.
وتظهر هذه الوظيفة بوضوح في توزيع الراوي للحوارات بين الشخصيات، والتنظيم المحكم للمستويات السردية، ولاسيما السخرية الَّتي تعتبر من أهم الظواهر البارزة في أسلوب الإبراهيمي ككاتب وشاعر يقدر الحياة ويتأثرها، لأنها تتخلل أدبه كله وتكون أدق أنسجته وتشمله من السطح إلى الأعماق، بحيث يمكن أن نراها كل شيء في هذا العمل الإبداعي أو نراه في جملته يقوم عليها، ويتخذها منهجاً فكرياً ولغوياً يؤثر في مضمونه وفي أسلوبه على السواء27. إذ يستعين بفعل "أنظر" أو "قلت، "فقل" ليؤدي وظيفة التوزيع داخل السرد يتخذه أداة لإسناد الأدوار إلى بعض شخصياته، وإلى نفسية الرئيس التي أعطى لها الكاتب الحوار وجعله على لسانها، ويسيطر هذا الفعل على مجمل الأحداث السردية التي كانت السخرية من ورائها.
يعمد الرئيس(المدير) إلى إسناد الأدوار الساخرة إلى نفسه من أجل تقوية الحوار، وقد يسخر "الرئيس" من نفسه " لينجو من حملة المجتمع عليه، وذلك حين ينتبه إلى عيب فيه، أو حين يشعر أن المجتمع منتبه لهذا العيب، وقد يسخر من نفسه حين يأتي بعمل يثير ضحكاً أو يبعث الآخرين على السخرية منه، فلا يشاء أن ينتظر حتى يحدث ذلك بل يبادر بسرعة إلى السخرية من نفسه ليمنع نفسه من أن يكون هدفاً للغير، في الوقت نفسه يوحي إلى المجتمع بأنه قد تسامى على عيبه عن طريق الاستخفاف به" 28 كقول المدير(الرئيس):
لَا تَبْتَئِسْ فَكُلُّنَا بَئِيسُ ... قِيَاسُهُ وَكُلُّنَا رَئِيسُ
كُلُوا عَلَى اسْم اللهِ وَاسْتَرِيحُوا … وَاسْتَمْتِعُوا إِنَّ الْحَيَاةَ رِيحُ
لَعَلَّنَا يَا قَوْمُ لَوْ فَصُحْنَا … لَمْ نَقُلِ الطُّبْسِي وَقُلْنَا الصَّحْنَا
وَكُلَّمَا تَأَسَّسَتْ جَمْعِيَّهْ … تَسْعَى إِلَى الْمَقَاصِدِ النَّفْعِيَّهْ
لَكِنَّهُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ … أَيَّامِ فَقْدِ الزَّيْتِ وَالطَّعَامِ
مُعْتَكِفٌ فِي سَيِّدِي الْمَبْرُوكِ … مِثْلَ اعْتِكَافِ السَّاحِرِ الْمَرُّوكِ29
استخدم الراوي تقنية الحوارات لنقل المشاهد والأحداث التي يريد التكلم عنها، وهذه الحوارات تجري بينه وبين الشخصية المختارة أو تجري بين شخصيتين، ويكون دور الراوي هو الاستماع ومن ثمة نقل الحوار للقارئ، وهذه الحوارات تتداخل أحياناً فيما بينها بحيث يخلق الحوار الأول مناسبة معينة للدخول إلى الحوار التالي، وأحياناً أخرى تنقطع ويبدأ حوار آخر لا علاقة له بما سبقه.
نلاحظ أنَّ معظم الحوارات التي ترد في هذا النص ممسرحة، بمعنى أنها مبنية على طريقة الحوار المسرحي، لكون نفس الإبراهيمي قريبة من الكتابة المسرحية الحديثة من حيث توظيف الرمز والسخرية، ومن حيث البساطة والارتجال، ومن حيث الجرأة والصراحة، ومن حيث اعتماد أسلوب الحوار، وتعدد المشاهد واللوحات والخلفيات التاريخية وهذه التقنية (تقنية الحوارات الممسرحة) تحول القارئ إلى مشاهد فعال، ومنتج بمعنى أنَّ عليه أن يتخيل فضاء النص في تلك اللحظة وانفعالات الشخصيات المتحاورة؛ أي أنَّ القارئ يتحول إلى مخرج للمشهد حسب قراءاته للحوار.
وكتوضيح على ذلك نختار الحوار التالي من الرواية: "
يَدْخُلُ تِلْمِيذٌ آَخَرٌ فِي يَدِهِ قُرْعَةُ شَمَّةَ مَلْفُوفَةٌ فِي قِرْطَاسٍ التِّلْمِيذُ:
هَدِيَّةٌ مِنْ رَجُلٍ بَرَّانِي … مثْلُ حِمَارِ جَارِنَا الْحَرَّانِي
كَلَّفَنِي مِنْ بَعْدِ مَا مَنَّانِي … بِحَمْلِهَا لِشَيْخِنَا الْجَنَّانِي
الْجَلَّالِي: قَدْ كَذَبَ الطِّفْلَ وَلَوْ قَدْ صَدَقَهْ … لَكَانَتِ الشَّمَّةُ أَيْضًا صَدَقَهْ
يَفْتَحُهَا وَيَذُوقُهَا بِأَنْفِهِ
الْجَنَّانُ: بُورِكَتِ الْأَيْدِي اللَّوَاتِي حَكَّتْ … دُخَانَهَا وَفَرَّكَتْ وَفَكَّتْ
الْجَنَّانُ: صَمَّطْتَهَا عَنِّي بِذِكْرِ الأَكْلِ … إِذْ لَيْسَ شَكْلُ الْآكِلِينَ شَكْلِي
أَعْذِرْ أَخًا تُطْرِبُهُ هَذِي النُّكَتْ … وَلَوْ جَدَعْتَ أَنْفَهُ لَمَا سَكَتْ
الْجَمْع لَا يُثْمِرُ إلَّا خَيْرَا ... وَالطَّرْحُ لَا يُثْمِرُ إِلَّا ضَيْرَا30
نلاحظ أنَّ الحوار لا يتخلله وصف للشخصية أو المكان، بل هو حوار مسترسل، وهذا ما نجده في بعض تعاريف السخرية كونها" كلام مسترسل أو خبراً أو أقصوصة صغيرة ترمز إلى عيب من العيوب أو تصوره سواءً كان منصباً على فرد أو طائفة معينة، أو ظاهرة خلقية ثابتة أو طارئة، وقد لا تعتمد السخرية على الكلمة بل تعتمد على التمثيل المبالغ فيه ويستخدمها المسرح التمثيلي كفن ساخر قائم بذاته أو كعامل مساعد يؤكد الفكرة ويدعمها"31.
يقوم السارد بنقل خطاب الشخصية حرفياً* ، لأنَّ السارد الساخر" حارس أمين لا تغيب عنه شاردة أو واردة، ولا تخفى عليه حركة أو همسة لأنه يحرس الحياة نفسها ويحرسها بحواسه ومواطن إدراكه، ومواهبه، وسلاحه الخاص الذي هو جزءٌ منه يرد به في سرعة وخفة، وهو في بعض صوره الساخرة كأنه موصل كهربائي لصدمات الحياة الَّتي توجهها إلى الخارجين عليها أو المتخلفين عن ركبها"32 بدون وجود أية إشارة تدل على تدخله فيه بالتعديل أو التحوير، وهذه الطريقة في تقديم الخطاب تحقق المشهدية في السرد بدلاً من الحكائية فالقارئ يتعرف، ويشاهد الشخصية من خلال خطابها الذي يختلف عن خطاب الآخرين لتتكون لديه في النهاية فكرة متكاملة عن كل شخصية، كما أنَّ هذه الطريقة يترتب عليها أن يكون السارد ذا مقدرة عالية في اختيار الخطاب الذي يناسب كل شخصية لأنه لا يملك أية أدوات أخرى لرسم الشخصيات، إنه يعطي الشخصية. مقدرة من خلال خطابها على التعريف بنفسها وبتوجهاتها وبرؤيتها للأحداث، ويكون دور السارد الأساسي هو نقل خطابها دون تحوير.
كما أنَّ الصيغة الَّتي اعتمدها "المدير" لنقل كلام الشخصية هي كلمة "قال، يدخل .." وتربط هذه الطريقة بين وظيفتين متمايزتين هما "الوظيفة الإشارية والوظيفة التصريحية فالوظيفة الإشارية تومئ عن طريق الضمير إلى الشخصية القائمة بالفعل الكلامي، حيث تتناول فيه ما، يتعلق بهوية المتكلم ووجوده وبخاصة علاقة التلفظ والملفوظ"33 وهذا من أجل إعطاء وظيفة إيديولوجية (idéologique fonction ( للقارئ، لكون هذه الوظيفة بمثابة خطاب تفسيري أو تأويلي يلجأ إليه الراوي عندما يكون بصدد تحليل شخصية البطل أو حدثاً ، اجتماعياً أو سياسياً معيناً"34 " أما الوظيفة " التصريحية، فإنها تصرح بفعل الكلام وبتعدد طبيعته"35.
يشير "جيرار جينيت" إلى أن إعادة إنتاج أقوال الشخصيات عادة يرتبط بنوع الحكاية فيفترض في التاريخ والسيرة الذاتية أن تعيد إلقاء خطابات ملقاة فعلاً، ويفترض في الملحمة، والرواية والخرافة والأقصوصة أن تتظاهر بإعادة إنتاج خطابات مختلفة36، وهذا يعني في نص رواية الثلاثة ـ اعتماداً على أنه نص متخيل ـ أن أقوال الشخصيات اختلقها "الإبراهيمي" لتتوافق مع فكرة النص، وإثارة جوانبه الخفية، ورصد علاقته الداخلية- لاشك في أن محاولة كهذه- " من شأنها أن تحقق قراءة بنائية تستقرئ الواقع الرؤيوي الاستشرافي الذي ينبغي أن يكون كما تتوخاه الرؤية الإبداعية حاضراً في أبجديات البعث المرتقب للواقع المتخيل المنتظر الذي لم يتجل إلاّ كعلامة أو سمة، والكتابة هي التي تضفي عليه معنى وتحوله إلى فضاء دلالي، لأنَّ الكتابة هي التي تكيف الواقع وليس العكس"37، لكن الراوي لا يجعل القارئ في هذا النص يشعر بأن الحوار مختلق( مصنوع )، بل يحاول الراوي أن يوظف بذكاء شديد معرفته بالشخصية ليبتكر خطاباً يشي بأنه صادر عنها فعلاً، وهكذا يكون الإبراهيمي قد أضاف شيئاً إلى الأدب الهزلي الخيالي لكونه الانتقال المتخيل الذي يقوم به الأديب عبر غربة الذات أو الخيال إلى عالم بعيد عن عالمه الواقعي، ليطرح في هذا القالب الفكاهي رؤاه وأحلامه الَّتي لم تتحقق في الدنيا38، كالمراسلة التي انتظرها طويلاً من أعز الأصدقاء إلاّ أنّ الفرنك اللعين وقف عائقاً بينهم، كأنّ الكاتب يبلغ من خلال روايته رسالة اجتماعية إلى كل الناس الذين حرمهم الفرنك من تعزية الأصدقاء، وعوضت المادة تلك المقومات الروحية التي وجهنا إليها الدين الحنيف.
لقد كانت السخرية المفعمة بالحوار دافعاً لصنع رحلة خيالية يصور فيها الإبراهيمي من خلالها رؤيته للاجتماعات الإدارية، وكذلك رؤيته للصداقة التي يحرم منها أعز الأصدقاء من أجل الفرنك اللعين، وعبر من خلالها بسخط عن موقفه من قضايا عديدة: فساد الإدارة، القيم المحسوبية، والفوارق الطبقية، الأمراض الاجتماعية، والأخلاقية، أصحاب العلم الذين يتسترون وراء مظاهر خداعة، بينما الواقع انحراف وفسق؛ وأدب مخاطبة السادة والأعيان، وغير ذلك من القضايا التي يمكن أن يستنتجها كل قارئ لبيب
مظاهر الخرق البلاغي:
إنّ الإبراهيمي الذي رأى في الخرق* البلاغي منبعا آخر من منابع السرد، واتخذ من الفكاهة ميداناً لعرض الأعاجيب، كان يرى أنَّ الغرابة آلية من آليات السخرية. لقد أراد الكاتب إثارة الغرابة في روايته** أن يلفت نظر" القارئ إلى ما ينطوي عليه هذا العالم من إتقان الصنع الذي لا يلتفت إليه عادة، وهو يعلم أنَّ للنفوس كلفاً بالغرائب؛ فالناس يستجيبون لحكاية الوقائع الغريبة كما يستجيبون للمواقف الهزلية المضحكة" 39 للغرابة هنا- مثل الهزل والذم- وظيفة جمالية؛ يستوقف السرد بغرابته المتلقي لتأمل العالم من حوله والنظر فيه وتدبره، على نحو ما يستدعيه للاستماع بما يعرض عليه من أخبار وأحداث تنقلها الأحداث التي حدثت بين الثلاثة (ثلاثة أساتذة)؛ ليس وظيفة الغرابة في النهاية سوى استنفار الذهن لتأمل العالم المتخيل والاستمتاع بأسراره40.
ولعل "الإبراهيمي" كان واعياً بأن تشكل الحكي ينبغي أن ينبني على قاعدة مغايرة لتلك التي قامت عليها المقامات، ولأجل ذلك لم يتقيد بالقيمة التي عرفها النثر منذ زمن طويل " كان على النثر أن يتوسل بالغريب والمبالغة والغلو، ويعانق الهزل، وأن يستخدم الخرق البلاغي الذي يضفي على النثر صبغة متفردة تعمل على تكثيف بعض الغموض"41 ، لأنَّ طبيعة السرد في "رواية الثلاثة" " ليس مجرد رواية أحداث حقيقية أو تسجيل لوقائع شهدها أو سمعها بل هو ضرب من الإخبار المتلبس بالتخييل"42 يستوقف القارئ لتأمل استراتيجية التحول من الواقعي إلى الخيالي لخرق ما خلف الستار، باستعمال السخرية اللاذعة التي لا تكاد تخلو من الغريب لكونها " تأخذ صفة العجيب الذي يتميز بالحيل والمظاهر المتحولة التي لا تخلو منها السخرية" . 43
لم يشأ الإبراهيمي البقاء في الكتابة التي كان يمارسها في رسائله ومقاماته، مما حفزه على اختراق نمط الكتابة المألوفة؛ فالغرابة التي بثها في نصوصه السردية لم تتعد الخرق البلاغي، وهذا الضرب هو السائد في تصور البلاغيين العرب القدامى الذين استوقفتهم الغرابة في إبداع النصوص الهزلية، وأنزلوها المنزلة اللائقة بها. لقد نبه الجرجاني القارئ بأن مراده من الغرابة وإيجاد الائتلاف بين المختلفات ليس إحداث مشابهة " ليس لها أصل في العقل وإنما المعنى أنَّ هناك مشابهات خفية يدق المسلك إليها؛ فالحكي لا يصبح مقبولاً في الخطاب البلاغي القديم إلاّ إذا أمكن المتلقي أن يجد تفسيراً منطقيا لغرابتها، أي إذا استطاع رد البعيد الغريب إلى المألوف القريب" . 44
القضية نفسه يتوقف عندها السجلماسي، قائلا:" بالغ في الأمر يبالغ فيه إذا أفرط وأغرق واستفرغ الوسع. هذا هو موضوعه في اللَّغة وعند الجمهور، وهو منقول من ذلك على زيادة الحد والاستعمال والتضمين على ذلك المعنى إلى صنعة البلاغة وعلم البيان(...) وموضوع في ذلك على زيادة إغراق في الوصف وتمثيل الشيء الممثل أو الموصوف في كميتها أو كيفيته أو غير ذلك" 45 كما " يرادف الغلو الإفراط، ثم نقل من ذلك إلى الحد إلى علم البيان على ذلك الاستعمال والوضع فيوضع فيه على الإفراط في الإخبار عن الشيء والوصف له ومجاوزة الحقيقة فيه إلى إيراد الغريب والمحال المحض، والكذب المخترع لغرض المبالغة" . 46
يجمع ابن الأثير في حديثه عن الغرابة في البلاغة بين" الإغراق، والغلو والمبالغة" فقال: الإغراق والغلو والمبالغة هي ثلاث تسميات متقاربة، وردت في باب واحد لقرب بعضها من بعض(...). فأما الإغراق فهو الزيادة في المبالغة حتى يخرجها عن حدها ...وأما الغلو فهو الزيادة في الخروج عن الحد...وأمها المبالغة فهي مشتقة من بلوغ القصد من غير تجاوز الحد" 47. أما أبو هلال العسكري يعرف الغلو في قوله:" الغلو تجاوز المعنى والارتفاع فيه إلى غاية لا يكاد يبلغها" . 48
الغرابة في "رواية الثلاثة" آلية لجعل السخرية ضبابية، ففي هذه الدائرة صاغ الإبراهيمي نصه السردي. قد يستغرب القارئ من الأخبار الواردة فيه ولكنها في الوقت نفسه وقائع * تشكل جزءاً من الخطاب الفكاهي الذي لا يمكن أن يتحقق من دون خرق يكسر حدود الواقع ويسمو إلى اعتناق الجو الفكاهي الممزوج بالغريب49.
إنَّ تقليب النظر في أسلوب الغرابة الذي يعتبر محركاً للسخرية يعد مبحثاً من مباحث الدراسة في "الرواية". لذلك جاء الهزل ليفك شفرة تلك القضايا التي أراد الإبراهيمي معالجتها عن طريق السخرية التي جسدها في مشاهد الرواية لكون ذلك الغموض لن" نتخلص منه إلاّ باستحضار العالم الترفيهي الذي لا يشتغل إلاّ بالتهكم والاستخفاف " . 50
و للولوج إلى آليات الخرق البلاغي التي أعتبرها مرادفة لتقنية الغرابة*، نتوقف عند تقنية الإغراق في الوصف التي عدها "السجلماسي" ركناً من أركان البلاغة.
أ/: المبالغة في الوصف:
يعتمد نص "رواية الثلاثة" كغيره من النصوص على آلية الوصف المفرط، يهدف إلى تحديد صفات الأشياء والشخوص داخل النص السردي خارج أي حدث أو بعد زمني51 وبموجب تلك الصفات يتحرك السرد (الحدث)، فمثلاً وصف المكان بالضيق لا يتيح لحركة الأشياء داخله إلاَّ أن تتحرك وفقا لهذا الوصف المبالغ فيه. كما أنَّ الوصف يساعد على تخيل الشخوص والأمكنة والأشياء داخل الحكاية. الإبراهيمي لم يذكر تفاصيل كثيرة عن مكان وقوع الاجتماع وهو يوم اللقاء المتكرر الذي يعيشه "المعلم والمدير" اعتماداً على وجود مثل تلك التفاصيل مسبقا في ذهن القارئ من جهة، كما أنَّ السارد لا يريد أن يتحدث أساسها عن هذا اليوم، من جهة أخرى نلاحظ مع ذلك أنَّ الرئيس يستعيض عن وصف المكان بوصف حالته الشخصية، كقوله:
حَمْدًا لِمَنْ جَمَعَكُمْ في الْبِيرُو … وَهْوَ بمَا تَنْوُونَهُ خَبِيرُ
وَصَلَوَاتُهُ عَلَى الْبَشِيرِ … مَا صَفَّرَ الْقِطَارُ فِي أَشِيرِ
وَمَا جَرَى الْمِحْرَاثُ فِي الْهَنْشِيرِ … وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ فِي أَمْشِيرِ
يَا أَيُّهَا الْإِخْوَانُ أَهْلًا بِيكُمْ … إِنِّي قَبْلَ الِابْتِدَا أُنْبِيكُمْ
بِوَاجِبَاتٍ اسْمُهَا النِّظَامُ … قَدْ سَنَّهَا الْأَمَاثِلُ الْعِظَامُ
يَجِبُ أَنْ تَنْتَخِبُوا رَئِيسَا … لَكُمْ وَحَاشَوا الْمُمْلِقَ الْبَئِيسا52
هذا الوصف الذي يلتمس فيه القارئ بعض الغلو، لكون المدير يصف نفسه أهلاً للرئاسة، جاء** في بداية النص ليؤسس في مخيلة القارئ مشهداً عنيفا يناسب التصورات المسبقة التي توجد في ذهن القارئ، لكن يحول السارد هذا التصور إلى مسار آخر بإيراد وصف آخر يطفح*** بالسخرية كاسراً بذلك ما تشكل لدى القارئ من صورة عن هذه الشخصية التي تدعي بأنها أهل للمسؤولية " المدير: [لا تبتئس فكلنا بئيس...قياسه وكلنا رئيس .[ [
فاجتهدوا في غسل هذا العار... من قبل أن يخلد في الأشعار]
الوصف الأول: الجلاّلي: في وصـفه للمدير:
أَمَّا أَنَا فَلَا أَقُولُ حَرْفَا … فِي شُكْرِهِ، وَالْمُرْسلَاتِ عُرْفَا
فَمَا سَمِعْتُ غَيْرَ تَطْوِيلِ الْجُمَلْ … فِي مِثْلِ مَاقَالُوهُ فِي حَرْثِ الْجَمَلْ
(ص77 .مـن الرواية).
الوصف الثاني:
وَآفةٌ لِلْعَقْلِ وَالضَّمِيرِ … أَلْحَقَتِ الْإِنْسَانَ بِالْحَمِيرِ
وَقَدْ أَضَلَّتْ أُمَمًا فَزَلَّتْ … وَمِنْ عُلَا سَمَائِهَا تَدَلَّتْ
قَدْ مَلَكَتْهُمْ فِتْنَةُ الْكَرَاسِي … فَأَصْبَحَ الْجَارِي بِهِمْ كَالرَّاسِي
(ص77 .(
الرَّئِيسُ: إِذَنْ نَصِيرُ سِتَّةً بِصَوْتِي … فَلَا تُضِعْ حَقِّي بِهَذَا الصَّوْتِ
الْجَلَّالِي: لَوْ كَانَ هَذَا الصَّوْتُ صَوْتَ الْمَوْصِلِي … قَدْ زَلْزَلَ الْأَرْضَ بِضَرْبِ زَلْزَلِ*
أَوْ أَنَّ هَذَا الصَّوْتَ قَدْ كَانَ امْتَزَجْ … بِنَبَرَاتِ مَعْبَدٍ حِينَ هَزَجْ
لَمَا صَرَفْتَ فِيهِ كُلَّ الْجَهْدِ … وَلَزَهِدْتَ فِيهِ بَعْضَ الزُّهْدِ
) ص79 .(
الوصف الثالث:
أَنَا لَمْ أَسْتَفِدْ نَتِيجَهْا … صَادِقَةً كَالْغَرْسِ في مَتِّيجَهْ
وَهَلْ أُزَكِّي بَانِيًا لَمْ يَبْنِ … إِلَّا بِرَمْلٍ هَائِرٍ (عائق) وَتِبْنِ؟
وَرَأْسُنَا الرَّئِيسُ لَيْسَ يَفْقَهُ … شَيْئًا عَدَا فِي الِارْتفَاعِ أُفْقَهُ
فَكُلَّمَا تَنَاوَلَ الْأَعْدَادَا … بِالذِّكْرِ كَيْ يُذَكِّرَ الْعِبَادَا
تَنَاوَلَ الوِتْرَ وَخَلَّى الشَّفْعَا … هِدَايَةً لِخَلْقِهِ وَنَفْعَا
(ص 78-77)
إنَّ الوصف الثاني كان فاصلا تبريريا للوصفين المتناقضين؛ لقد جاء هذا الوصف ليحول السرد إلى جهة أخرى. إنَّ الجلاّلي (المعلم) ليست له قدرة على طرد المدير الذي لا يقوم بأعماله كما يرام، ووصف تلك الحوارات التي كان المدير يتبادلها معهم بلا جدوى، إنه يريد أن يستعيد سلوكه الهزلي، ويمارس مغامراته الطريفة التي اعتاد عليها في الحياة اليومية، لتكون بمثابة سلاح نقدي ساخر يؤدب به الرئيس(المدير)، وهذا ما عمد إليه "فرويد" أثناء تعليقه على السخرية، " إن العملية الأساسية في السخرية هي التكثيف المصحوب بتكوين بديل، وقد يكون هذا البديل بمثابة طريقة أخرى للهروب من عواقب الخصم"53 في الوقت نفسه فإن الراوي(الجلالي) ليس مبالياً بتوجيهات المدير الذي لا تهمه إلاّ المصالح الشخصية والارتفاع في المناصب. إنَّ رسالته في هذا النص تتحدث عن شيء آخر، هو نقد تصرفات القوى الفاعلة في المجتمع بما تمارسه من سيطرة فاضحة على النتاج الثقافي الذي لا يرقى إلاّ إلى السخف والابتذال.
إنَّ التحول في النص نتج عن استخدام تقنية الوصف أي أنَّ الوصف كانت له وظيفة رئيسة في حركة السرد تتجاوز وظائفه الاعتيادية. فوظيفة الوصف في هذا المثال هي تكثيف الأحداث، "وتلعب عملية التكثيف في الوصف54 (الإيجاز) دوراً مركزيا في الوصف"54 التكثيف يبدو لنا عنصرها مهماً ومميزاً للعمل السردي، مثله مثل تحويل الفكرة إلى موقف" 55 التي غالبا ما تنحوا إلى مساعدة القارئ على تخيل مكان الحدث أو صفات الشخصيات أو معرفة الوقت أي أنَّ السرد يتحرك طبيعيا وفق ما يتيحه الوصف عادة، لكن في المثال المذكور أعلاه نلاحظ أنَّ الوصف حول اتجاه السرد وقلب الأحداث على دلالة أخرى. إنَّ السارد يبالغ في وصف خصمه، يقدمه طامعاً للكراسي والارتفاع، وناسياً لأشغال الناس؛ وهذه هي سمة المبالغة في الوصف كونها " تصور موضوع معين، أو موقف معين، بأسلوب ساخر يتجاوز الواقع ويظهر ذلك مثلاً من خلال التحريف والتعبير المرواغ" . 56
من جهة أخرى يقدم لنا الوصف في الخانة الثانية، والثالثة ملامح شخصية المدير الذي رمت به الأقدار وسط هذا الجو الصعب المحتدم. فهو ضعيف العمل (جبان)، ولا صبر له (طاقة وقدرة) على تحمل استفزازات المعلمين، وهو شخص كان متعوداً على الإهمال، وهذا الوصف التقديمي للمدير في بداية الحكاية يعطي القارئ صورة عن طبيعة هذا الشخصية وبالتالي صورة * عامة عن طبيعة هذه الحكاية، "حكاية ظريفة" . *
في النص التالي يوظف المدير(الرئيس) الوصف أيضاً لأغراض أخرى كما سنبينه في الجدول التالي، حيث يعاتب في المربع الأول "الرفيقين(الجنان-والجيلالي)، وهو في أشد حالات الغضب، وفي المربع الثاني يحاول "المدير" ترهيب الرفيقين بذكر وصف طريف للمعلم الذي خالف الرئاسة:
أَعْطُوا الرِّئَاسَةَ حَقَّهَا … أَعْطُوا الرِّئَاسَةَ حَقَّهَا
إِنَّ الْعُقُوقَ مَزَلَّةٌ … تَعِسَ امْرُؤٌ قَدْ عَقَّهَا
الْحُرُّ يُعْلِي شَأْنَهَا … وَالْغِرُّ يَبْغِي مَحْقَهَا
(ص 80 .من الرواية)
وَعَلَيْهِمُ أَنْ يَفْلِقُوا … رَأْسًا يحَاوِلُ فَلْقَهَا
وَعَلَيْهِمُ أَنْ يَسْحَقُوا … خَلْقًا يُسَبِّبُ سَحْقَهَا
وَعَلَيْهِمُ أَنْ يَحْفَظُوا … أَبَدًا عَلَيْهَا رِزْقَهَا
وَعَلَيْهِمُ أَنْ يَجْرَعُوا … مَحْضَ الْحَيَاةِ وَمَذْقَهَا
ألْخَيْر مَا بيَّنْتُهُ … وَالشَّرُّ أَنْ لَا تَفْقَهَا
(ص.(82-80
في المربع الثاني يورد الرواي (المدير) وصفًا طريفًا لبعض صور العقاب الذي قد يعتري الرفيقين إذا خالفوا أمر الرئاسة، ويمكن أن نقول بأنَّ وظيفة هذا الوصف لم تكن مجرد وسيلة لامتصاص غضب الجلاّلي، بل إنه يحوي دلالة أعمق من ذلك؛ تتلخص في تسخيف سبب الغضب الذي كان مجرد اعتراض على أمر تافه، لقد تحول الوصف هنا إلى وظيفة مغايرة لوظيفته الجمالية أو الوصفية البحتة. إنَّ الوصف هنا قد تحول إلى معادل دلالي مضاد أو ما يسمى" بالتناقض أو التضاد contradiction ويتمثل في قلب الأشياء رأساً على عقب ومن ثم إنتاج التناقض في المعنى والتهكم المختلط بالتورية"* 57 للمعنى الإشكالي الذي طرحته الفقرة الأولى.
ويتخذ كذلك الوصف في الخانة الثانية سمة " المبالغة والتفريد Exaggeration Individuation and ومعناها التعبير من خلال رسم صورة وصفية، تبرز خصائص فريدة لشخص معين، أو مبالغة بعض الصفات، ويسمى بالوصف الكاريكاتوري، فبما أنَّ الرسم الكاريكاتوري يركز الانتباه على صفة جسمية أو أخلاقية في الكائن المصور؛ فكذلك السخرية تقوم مقام هذا الأخير" 58 فالسارد يحاول بكل براعة أن يرسم مشهداً سردياً يصف فيه سحق وتقسيم رأس يحاول مخالفة الرئاسة، كقوله:(وعليهم أنْ يفلقوا... رئساً يحاول فلقها). وظيفة هذا الوصف الكاريكاتوري الساخر هي استدراج الرفيقين وترهيبهما، لذلك يلجأ السارد لهذا الوصف كي يغير طريقة تصرف "الجلاّلي وصديقه" وجعله يحس بالخوف والأسلوب البلاغي المستعمل لبناء هذا الوصف الساخر هو أسلوب الاستدراج.
يستخدم الراوي الوصف أيضا كمدخل لتقديم مشاهد جديدة في الحكاية، فعند نهاية المشهد الذي التقى فيه مع " الجنان والجلالي"، يأتي مشهد آخر جديد يبتدئ بوصف ملامح شخصية أحمد بوشمال* ، ويتجلى ذلك من خلال قوله:
إِلَى الأَخِ الْبَرِّ الصَّفِيِّ الْأَمْجَدِ … آلْعُمْدَةِ الْحُرِّ الْأَبِيِّ الْأَسْعَدِ
يَبْحَثُ فِي الْخَرَائِبِ الْقَرِيبَهْ … وَيَدْرُسُ الْعَقَاقِرَ الْغَرِيبَهْ
وَيَقْتَنِي دَجَاجَةً وَعَنْزَا … لِيُحْضِر الْجِنَّ وَيُبْدِي الْكَنْزَا
وَلَا يَخُصُّنَا سِوَى اجْتِمَاعِ … بِكَ وَلَوْ في أَنْجَسِ الْبقَاعِ
في هذا المشهد يأتي الوصف كمدخل لتكوين باقي المشهد، وتخفت هنا قليلا حركة السرد، بحيث يقدم المشهد على أساس وصف ساخر لبعض مزايا "أبو شمال".
ب- الغرائبية:
الحديث الغريب في الخبر... الذي يورده الجنّان قائلاٌ:
وَلَيْسَ لِي مِنْهَا سِوَى فَرَنْكِ … أَعْدَدْتُهُ لِحَادِثٍ ذِي ضَنْكِ
فَاسْمَعْ أَحَادِيثَ الْفَرَنْكِ مِنِّي … وَارْوِ غَرَائِبَ الْغَرَامِ عَنِّي
لَمْ تُلْفَ فِي مَصَارعِ الْعُشَّاقِ … وَلَا حَوَتْهَا زِينَةُ الْأَسْوَاقِ
لَكِنَّهُ فِي الصَّوْتِ غَيْرُ رَنَّانْ … وَإنْ نَقَدْتَهُ بِرَأْسِ الزَّنَّانْ
قَدْ طَبَعَتْهُ غُرْفَةُ التِّجَارَهْ … وَجَعَلَتْ ضَمَانَهُ الْحِجَارَهْ
وَنَقَشَتْ شِعَارَهُ فِي وَجْهِهِ … فَجَاءَ نُورًا يَزْدَهِي فِي أَوْجِهِ
يَا حُسْنَهُ مُدَوَّرًا مُنَوَّرَا … لَا مُدْمَجَ الْخَلْقِ وَلَا مُكَوَّرَا60
يحدث الحدث استغراب المتلقي، ولكنه يظل حدثا سرعان ما يتضح جوابه، ليفهم قيمة الفرنك عند الجنان الذي كان وصفه للدرهم غريب.
الغرابة في هذا الخبر تثير في المتلقي تساؤلات كثيرة تجعله يتساءل عن مصير البخل الذي يقول في الخبر بأن (الفرنك غير رنان )، هذا الكلام يحتاج إلى تأمل، لأنَّ الجنان يراوغ ولا يصرح أو ما يسمى في السخرية بتقنية "التخفي Disguising وتتمثل هذه الآلية في إيراد الغريب من أجل الخداع والتمويه، وجعل بعض الأمور غامضة" 61 . لأنَّ السخرية الَّتي أراد الكاتب بناءَها كانت تحتاج إلى خرق أفق توقع القارئ. 16
اختار الكاتب أن يراوح بين حلية لغوية بديعة وحيلة أدبية ممتعة، فاللَّغة الساخرة أسلوباً إلى الكتابة قد احتفى بها الإبراهيمي أيما احتفاء.
إنَّ عبور الترسل إلى القص حينئذ خرق أدبي يحمل القارئ حيث لم يتوقع، وأنهى له أن يتوقع مادام ينقاد إلى مبدع يبصر بحدقة خياله وبصيرته، وهو من خلال تجديد جمالية الإبداع يحدد جمالية التلقّي بتجاوز آفاق الانتظار السائدة في عصره، والسعي إلى استحداث حساسية جديدة في المجال العلمي والمعرفي إجمالاً. وهذا الخرق الذي أنشأه بصميم خياله ومحض إبداعه، ولا نخاله إلاّ واعيا بذلك متقصداً السماح للجو الفكاهي الذي يسم الحدث بالانسحاب على المكان الواقعي الجاد، وإنما على الهزل أن يظهر بفهوم آخر لم يعهده القارئ 62.
إنَّ المتأمل في البداية التي كان الراوي(المدير) يخاتل بها الأساتذة(الجنان-الجلاّلي) يجد علامات بداية الخرق البلاغي الذي يجعل القارئ في حيرة ودهشة، فالقراء عامة" ينتبهون لهذا الخرق الذي يولّد في نفوسهم غرابة، توقظ فضولهم فيطمعون في معرفة المزيد عن الخرق وعن تفاصيل تتعلق بالبطل، والأحداث الخارقة، كتحويل الأشياء واستنطاق الجماد وطي المسافات، بأسلوب شعري، كما فعل الجنان حين أعطى للدرهمِ(الفرنك) وجها آخر غير الوجه المعتاد.
ونستخلص مما سبق أنّ الكاتب يرى في الحكاية الغريبة أحد الأشياء الّتي يجب على السرد أن يقوم عليها، تتميز بالحيل، وقد ساق غرائب أصدقائه(المعلمين)، في صنف من الحكي ينبني على المفاجأة والتلاعب بالألفاظ والمهارة في التعبير عن الموقف.
شكل الحكي في المعطيات السابقة مجالاً خصباً لتوليد الضحك، وكأنَّ ما يقصه علينا من أخبار ونوادر، قد خص هذه الوظيفة دون غيرها، والقارئ لا يرتاب في أنّ هذا القص الطريف الّذي استهوى الإبراهيمي، لا يقصد إلى التسلية المجردة من أي معنى، فالكاتب لم يتصور الهزل انحرافاً عن الصواب، إلاّ إذا عري من المعنى.
لم تمنعه الأدلة النقلية والعقلية لكي يثبت جدوى السخرية، وربما كان ذلك دعوة ضمنية لتأسيس الفكاهة، وإنشاء بلاغة جديدة قوامها الضحك والسخرية.
كان القص عند الإبراهيمي الوسيلة المحببة لتنفيذ سخريته وإضحاك قارئه ولأجل ذلك امتلأت مشاهده الحكائية بأنواع شتى من الحكي الساخر الذي شكل فيه الضحك مكوناً جمالياً ووظيفة بلاغية. الكاتب لا يبرح أن يؤكد في غير موضع من كتاباته، انشغاله بالقارئ يود كسبه واجتذابه للاندماج في عالمه، لأجل هذا لجأ إلى المزاوجة بين الجد والهزل.
لقد اتخذ الكاتب من الحكي الساخر صورة أخرى قوامها الفعل والحركة والصراع والإسهاب في الوصف واستقصاء الملاحظة. وقد رام الإبراهيمي إثبات أنّ للغة إمكانات تؤهلها لتجسيد الفعل، وتصويره على نحو يجعل القارئ يقتنع بالصورة التي صاغها السارد ويستطيبها كما لو أنه يرى الفعل مرأى العين.
تحتوي المعطيات السابقة على معظم سمات الحكي عند الإبراهيمي، فهناك الحادثة الساخرة والحوار ودلالة الكلام في الازدواجية اللغوية والمزج بين الفصحى والعامية في نص الكاتب؛ فكأنّ اللّغة في هذا النوع من الخطاب الساخر تكتسب قيمتها الفنية بتنوعها الأسلوبي الذّي يؤول إلى تعدد أصوات النص، من هنا كانت الحاجة إلى "السخيف المبتذل" من الألفاظ في بعض المواضع أقوى وربما أمتع بأكثر من "الجزل الفخم".
ولقد اعتبرنا هذه الازدواجية سمة النص المتناقض، فهذا النص يتجاهل قاعدة أنَّ المكتوب ينبغي أن يتضمن العربية الصافية التي أقرى بها النحاة واللغويين.
تكشف هذه الرواية (رواية الثلاثة) عن أمر هام، وهو أن استغلال طاقة اللّغة في تجسيد الحكي الساخر وتصوير الحدث، يظل إحدى السمات التي تراهن عليها النصوص السردية في كتابات الإبراهيمي. وعلى العموم ففي"الرواية" ابتكار جديد، وخيال جامع، وتصوير دقيق، وفكاهة طريفة، وتبحر في اللغة وغريبها، وذكر لكثير من العلم والفنون، فلا عجب أن أقبل الناس على اقتنائها وقراءتها، لأنها كتاب لا يستغني عنه دارس أدب أو طالب متعة.
الهوامش:
* - يأبوهم: يعاملهم معاملة الأب لأبنائه، يحبوهم يعطيهم. ينظر: آثار الإمام البشير الإبراهيمي، جمع وتقديم الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، ط1، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ج2:[1940-1952]، 1997، ص 59.
- م، ن، ص ن.
هو حدث نفي الشيخ البشير الإبراهيمي إلى مدينة "أفلو" (جنوب الجزائر )، في أثناء الحرب العالمية الثانية. -*
- م، ن، ص ن.
- م، ن، ص 60.
- م، ن، ص 60.
- طه وادي، دراسات في نقد الرواية، ط2، دار المعارف، القاهرة، 1993، ص 40 .
- أحمد فرشوخ، جمالية النص الروائي، ط1، دار الأمان للنشر والتوزيع، الرباط، 1996، ص 410 .
- آثار الإمام البشير الإبراهيمي، م، س، ص 68.
- م، ن، ص 68.
- م، ن، ص ن.
- م، ن، ص ن.
- م، ن، ص 68-69.
- كلمة أميرُك صالحة بلفظ واحد أن تكون وصفاً من الإمارة. والضمير مضاف إليه، وهذا هو الذي قصد إليه المدير. وأن تكون مضارع المتكلم من مارَ يميرُ إذا جلب الميرةَ وهي القوت. ومنه قوله تعالى: وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ يوسف: 65 وهذا المعنى هو الذي فهمه الجلاّلي وسبق إلى ذهنه، لأنه أقرب إلى تصوره، وأسبق إلى إحساسه. فبنى عليه ذلك الافتنانَ العجيب ولله دره. وهذه الكلمة تستخرج منها عدة تجنيسات تقول: أميرُك أعُولُكَ، وتقول أنا لعيالي أمير. قال الراجز:
أقُوتُهُم في المَحْلِ أو أَمِيرُهُمْ ولي عيالٌ وأنا أَمِيرُهُم
فإنْ طَلَبْنَا غَيْرَهَا فَدَبْزَهْ وقال: أَمِيرُناَ يَمِيرُناَ بخُبْزَهْ
لَكِنَّهُ في المحْلِ لَنْ يمَيرَناَ وقال: إنّ أبَا عمْرو غدَا أميرَناَ
بالصِّدق إنْ كُنْتَ لَنَا تمَيرُ وقال: لَقْدْ أطَعْنَا أيُّهَا الأميرُ
وأصْبَحَ الماَءُ القراحُ غوراَ وقال: إنّي إذا مَارَ السّحابُ مورَا
مجتهدًا ولا أميرُ الطَّيْراَ أميرُ جِيرَاني وأهلي مَيراَ
ينظر: الهامش، م، ن، ص ن.
- كمال أبوديب، الأدب العجائبي والعالم الغرائبي، ط1، دار الساقي للنشر والتوزيع، الأردن- عمان، 2007 ص8.
- محمد رشيد ثابت، البنية القصصية ومدلولها الاجتماعي، في حديث عيسى بن هشام، الدار العربية للكتاب ليبيا 1975، ص 87 .
- لاجوس أجري، فن كتابة المسرحية، ترجمة دريني خشبة، مكتبة الأنجلو المصرية، د.ت، ص 410 .
- ينظر: عبد الله رضوان، الأعمال النقدية( البنى السردية)، ط1، دار الكندي، عمان، 1995، ص 490
- عبد الفتاح عثمان، بناء الرواية ( دراسة في الرواية المصرية ) مطبعة التقدم، 1982، ص 199 .
- كثيرة الألفاظ العامية والألفاظ الأجنبية في رواية (أرجوزة) الإبراهيمي، فهي مبثوثة في ثانيا الرواية، أغلبها وظفت لتعزيز الخطاب الساخر، لأنّ السخرية تحتاج إلى مثل هذه الألفاظ المستوحاة من الواقع. ينظر: آثار الإمام البشير الإبراهيمي، جمع وتقديم الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، ج2 ص 90-102.
- التنظيم الداخلي للحوارات التي يعمد إليها المرسل يتم بطرائق من السجع ذات ركائز بنائية لتوطيد الديباجة في محك الخطابة والرسالة والكتابة...ينظر: واتيكي، كميلة، كتاب الإمتاع والمؤانسة، لأبي حيان التوحيدي بين سلطة الخطاب وقصدية الكتابة، ص 87.
- آثار الإمام البشير الإبراهيمي، م، س، ص 73.
- حميد لحمداني، بنية النص السردي، ط2، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1993، ص 79.
* - الحوار الداخلي: Monologue ويصطلح عليه بالمناجاة حيث " لا يشترط مشاركة خارجية في الحوار، ولا تعاقب في الإرسال والتلقي، بل يلقي من طرف واحد وإليه، فهو نشاط أحادي لمرسل في حضور مستمع حقيقي أو وهمي". أو هو عبارة عن عرض للحالة الداخلية للشخصيات، وكشف للمكان، إذاً هو الحوار الصادق بين الشخصيات ونفسها. ينظر: عمر محمد عبد الواحد، شعرية السرد، تحليل الخطاب السردي في مقامات الحريري ط1، دار الهدى المنيا، مصر، 2003، ص 63.
- ينظر: آمنة يوسف، تقنيات السرد في النظرية والتطبيق، د.ط، دار الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية- سورية 1997 ص76 .
- السيد محمد ديب، فن الرواية في المملكة العربية السعودية بين النشأة والتطور، ط2، المكتبة الأزهرية للتراث القاهرة 1995، ص 274.
- آثار الإمام البشير الإبراهيمي، جمع وتقديم الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، ج2، ص 95.
- م، ن، ج2، ص 95.
- عبد الله إبراهيم، السردية العربية ؛بحث في البنية السردية للموروث الحكائي العربي، المركز الثقافي العربي ،بيروت - لبنان، ط 1 ، 1992 ، ص 147.
- ينظر: حامد عبده الهوّال، السخرية في أدب المازني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1982، ص 3 .
- م، ن، ص 32.
- آثار الإمام البشير الإبراهيمي، جمع وتقديم الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، ج2، ص 67-84-69.
- م، ن، ص 84-85.
- حامد عبده الهوّال، م، س، ص 18.
* - أتكلم هنا عن السارد الضمني وليس السارد الحقيقي وإلا فإن كل ما ورد في النص هو من وضع الإبراهيمي.
- م، ن، ص32 .
- مويفن المصطفى، تشكل المكونات الروائية، ص 178.
- بوعلي كحال، معجم مصطلحات السرد، ط1، عالم الكتب للنشر والتوزيع، - الجزائر، 202، ص95 .
- مويفن المصطفى، م، س، ص 178.
- جيرار جينيت، عودة إلى خطاب الحكاية، ، ترجمة: محمد معتصم، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء 2000، ص 63 .
- عبد القادر فيدوح، الرؤيا والتأويل، مدخل لقراءة القصيدة الجزائرية المعاصرة، ط1، دار الوصال، 1994 ص 9.
- ينظر: محمد الصالح سليمان، الرحلات الخيالية في الشعر العربي الحديث، من منشورات اتحاد كتاب العرب، 2000 ص 9 .
* - إذا أردنا التعريف بمصطلح الخرق: فقد أورد ابن فارس في معجم مقاييس اللّغة: "الخاء والرّاء والقاف أصل واحد وهو مزق الشيء وجوبه إلى ذلك يرجع فروعه، فيقال خرقت الأرض أي جبتها. واخترقت الريـح الأرض إذا جابتها [...] ومن الباب الخرق وهو التحير والدهش والغريب" ينظر: أبو الحسن أحمد بن فارس ابن زكرياء: معجم مقاييس اللّغة تحقيق وضبط عبد السّلام محمّد هارون - دار الجيل، بيروت، د.ت، ج2 ص 172 - 173. وفي "تاج العروس" تتسع المادة المعرفيّة متفرّعة عن الجذر اللّغوي (خ.ر.ق) بمختلف اشتقاقاتها المعجميّة، ومنها " الخرق: الدّهش من خوف أو حياء أو استغراب. [...] أن يبهت فاتحا عينيه ينظر. خرق: إذا دهش (فهو خرق)". ينظر: محمّد مرتضى الحسيني الزّبيدي : تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق مصطفى حجازي - دار الهداية للطباعة والنشر والتوزيع 1989، ص 277. كما أورق "المعجم الوسيط" تفسيرا للخارق "يقال: سيف خارق: قاطع، و(عند المتكلمين): ما خالف العادة المألوفة، وهو معجز إن قارن التحدّي. يقال خرق الظبي وخرق الطائر: دهش ولصق بالأرض إذا رأى الصّائد فلم يقدر على النهوض ولا الطيران من خوفاً". ينظر: مجموعة من المؤلفين، المعجم الوسيط، ط2، القاهرة، 1960، ج1، ص 229.
* - يصرح الإبراهيمي بذلك في قوله: " وفيها طائفة من الألفظ الغربية، التي لم يألف الكتاب والشعراء استخدامها وحبذا لو استعملوها وأكثروا منها ، فإنها زيادة ٌ في ثراء اللغة وتوسيع لها، وليس في الأراجيز العلمية التي امتلأت بها الدنيا شيئ سهل مستساغ إلاّ قليلاً من أراجيز فحول البيان، مثل رقم الحلل لابن الخطيب، ودول الإسلام لشوقي، وما رأيتُ قوما طاع لهم الرّجزَ وانقاد كلماء شنقيط وبعد، ولو نظمت هذه الرواية في عصور الإقبال على الأدب لطارت كلّ مطارٍ، وتلقاها الرواةُ والنقلةُ بما تستحقه من إجلال . ينظر: آثار الإمام البشير الإبراهيمي، جمع وتقديم الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، ج2، ص 64.
- محمد مشبال، البلاغة والسرد، جدل التصوير والحجاج في أخبار الجاحظ، منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية، جامعة عبد الملك السعدي، تطوان المغرب، 210، ص 87.
- م، ن، ص 87.
- محمد، مشبال، بلاغة النادرة، ط2، دار جسور للطباعة والنشر والتوزيع، طنجة- المملكة المغربية، 2001 ص 16-17.
- م، ن، ص 25.
- م، ن، ص 27.
- عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، تح: محمود شاكر، مكتبة الخناجي، بالقاهرة، د.ت ص 146.
- محمد القاسم الأنصاري السجلماسي، المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، ص 271.
-- م، ن، ص 273.
- أحمد مطلوب، معجم المصطلحات البلاغية وتطورها، مطبعة المجمع العلمي العراقي، 1987، ص 100.
- أبو هلال العسكري، الحسن بن عبد الله بن سهل، الصناعتين: الكتابة والشعر، تح: محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، ط2، دار الفكر العربي، 1971 ص 357.
*- المقصود بالخطاب الفكاهي:" هو خطاب يستحضر الحس المضحك بإدراك التناقض في المعنى، والفكاهة خاصية واقعية أو خيالية مضحكة، تتعلق بالملكة العقلية، تبحث عن الحيلة لاختراق خيوط الخصم بموهبة يضفي عليها خفة روحه بأسلوب ساخر". ينظر: سراج الدين محمد، موسوعة المبدعون، النوادر والطرائف الفكاهة في الشعر العربي، د.ط، دار الراتب الجامعية، بيروت، لبنان، د.ت، ص 5-7.
- ينظر: محمد مشبال، بلاغة السرد، ص 88-89.
- موريس ميرلوبونتي، المرئي واللامرئي، تر: سعاد محمد خضر، ط1، سلسلة المائة كتاب، دار الشؤون الثقافية العامة بغداد- العراق، 1987، ص 144.
*- يسوق محمد مشبال في تحليله لنصوص الجاحظ آلية الغرابة التي يعتبرها من الآليات التي يتكئ عليها الجاحظ في خطابه الهزلي، وفي نفس المقام أجده يساوي بين آلية الخرق وآلية الغرابة، يصرح" الخرق لا يكاد يتخلى عليه الجاحظ في نصوصه الهزلية"، نفس المصطلح يكرره" الغرابة آلية لا يكاد يتخلى عليها الجاحظ في نصوصه الهزلية" ينظر: محمد مشبال، م، س ص 87.
- ينظر: أيمن بكر، السرد في مقامات الهمزاني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1998 ص 37.
- آثار الإمام البشير الإبراهيمي، جمع وتقديم الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، ج2، ص 66.
**- يُنظر إلى الخوف الذي يعتري القارئ أو الشخصية، بأنه تردد، ويعقب بأن تردد القارئ هو إذن الشرط الأول للعجائبي(أو عالم الخوارق المزيف، فوق الطبيعي)، إن رد الفعل الذي يعمل السارد على خلقه، منه يكون العجائبي ينظر: تزفيتن تودوروف ، مدخل إلى الأدب العجائبي، تر: الصديق بوعلام، مراجعة محمد برادة، ط1 دار شرقيات للنشر والتوزيع، القاهرة، 1994، ص 48- 102.
*- يسمي تودوروف، هذا الكسر، بالتفسير الذي يلي التردد، " طالما يختار السارد هذا الجواب أو ذاك، فإنه يغادر العجائبي، كما يدخل في جنس مجاور هو الغريب (فوق الطبيعي المفسر)، ينظر: م، ن، ص 44-62.
* - ما أبرع هذه اللفتة من الجلالي وما أبدع هذه القطعة. إنه نقل كلمة الصوت من معناها الإصلاحي الغث الذي كان الكلام دائراً عليه في الجلسة إلى معناها الفني الساحر وبنى على ذلك التنكيت العميق، فهو يقول للرئيس: لو أنَّ هذا الصوت الذي تسعى جهدك لتحصيله كان صوتاً من أصوات أئمة الغناء من أقطاب هذا الفن لما حرصت هذا الحرص على تحصيله، واسحاق الموصلي وطريح الثقفي والغريض، هؤلاء من مشاهير بناة هذا الفن العربي الخالد، وأخبارهم وحدها تاريخ عامر. وزلزل ضارب نابغة ملهم وقد أصبحت هذه الأسماء مضارب أمثال في الأدب العربي الخالد. ينظر: آثار الإمام البشير الإبراهيمي، م، س، ص 79.
- شاكر عبد الحميد، معتز سيدي عبد الله، سيد عشماوي، التراث والتغيير الاجتماعي( الفكاهة وآليات النقد الاجتماعي)، تقارير بحث، ص 43.. www. Kotobarabia.com
- م، ن، ص 45.
- سيغموند فريد، الحلم وتأويله، تر: جورج طرابشي، ط1، دار الطليعة، للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1980 ص 31.
- شاكر عبد الحميد، م، س، ص 35.
- * في مقدمة الرواية يعلن الإبراهيمي عن هذه الأرجوزة(رواية) أنها ستكون هزلية وظريفة " وإذا أردنا التعريف بالحكي الظريف نجده" الظرف يكون في صَباحة الوجه، ورشاقة القد، وبلاغة اللسان وعذوبة المنطق، وطيب الرائحة، والأفعال المستهجنة، ويكون في ملاحة المزاح، وكأن الظريف مأخوذ من الظرف الذي هو الوعاء فكأنه وعاء لكل لطيف، وقال ابن الأعرابي: الظرف جودة الكلام وخرقٌ للبلاغة، وقال ابن سيرين: الكلام أوسع من أن يكذب ظريف" ينظر: أبي الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي أخبار الظراف والمتماجنين تح: بسام عبد الوهاب الجابي، ط1، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت لبنان، 1997 ص 42- 136.
- * التورية لغة: تورية شيء بشيء، وقيل: التوري والفحوى، يقال عرفت ذلك في معراض كلامه أي فحواه. اصطلاحاً: هو أن تذكر كلاماً يحتمل مقصودك وغير مقصودك، إلا" أن قرائن أحوالك تؤكد حمله على مقصودك. وفي تعريف آخر: كلام له وجهان من صدق وكذب أو ظاهر باطن. وقيل هو اللفظ الدال على معنى لا من جهة الوضع الحقيقي أو المجازي بل من جهة التلويح والإشارة فيختص بالفظ المركب". ينظر: أحمد بن محمد بن علي المغربي الفيومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، بيروت، المكتبة العلمية د.ت، ص 403. ينظر: كذلك أبي البقاء أيوب، أبي موسى الحسيني الكفوي، الكليات" معجم المصطلحات والفروق اللغوية"، قابله على نسخته الخطية، عدنان درويش، ومحمد المصري ط1، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1992 ص 762.
- شاكر عبد الحميد، م، س، ص 35.
- م، ن، ص 58.
- * شخصية أبو شمال هي الشخصية التي اقترحها المدير على الأساتذة(الجنّان-الجلالي)، لكونهما يعانيان من مشكلة تقسيم الفرنك اللعين إلى ثلاثة، لأنَّ التقسيم الثلاثي يعطي صنتيمات زائدة، فكان الحل هو إضافة شخصية رابعة ليكون التقسيم عادل. وما حكاية هذا الفرنك سوى التهكم من الأساتذة الذين جعلوا الطابع البردي مشكلاً وعائقاً منع المراسلة مع الشيخ (الإبراهيمي) الذي يحتاج إلى مقومات روحية(كانفي المنفى) من عند الأصدقاء.
- آثار البشير الإبراهيمي، جمع وتقديم الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، ج2، ص 92-93.
* - " الغريب ليس جنساً واضح الحدود، بخلاف العجائبي، وبتعبير أدق إنه ليس محدوداً إلاّ من جانب واحد، هو جانب العجائبي؛ أما من الجانب الآخر فهو يذوب في الحقل العام للأدب؛ يحقق الغريب، كما هو واضح شرطاً واحداً للعجائبي: وصف ردود فعل معينة"، ينظر: تزفيتن تودوروف، مدخل إلى الأدب العجائبي، ص 60.
- آثار البشير الإبراهيمي، جمع وتقديم أحمد طال الإبراهيمي، ج2، ص 1001.
- شاكر عبد الحميد، التراث والتغيير الاجتماعي( الفكاهة وآليات النقد الاجتماعي)، ص 36.
- م، ن، ص 218.