حَسَن ابن الحاجّ عُمَر السّيناوّني
بقلم: عبد المالك حداد-
الشّيخ حَسَن ابن الحاجّ عُمَر السّيناوّني هو أحد العلماء المغمورين، الذين لم ينالوا حظهم من الترجمة والتعريف بهم وبمكانتهم العلمية ومؤلفاتهم، بل لا تمدنا كتب التراجم إلا بمعلومات شذرية عن تاريخ حياتهم، رغم أنه كان من شيوخ الإقراء المشهورين بجامع الزّيتونة المعمور، ونَبَغَ في علم القِراءَات والتّجويد وفي غيره وصنَّف كتبا علمية نادرة، ويكفيه فخرا أن أبرز علماء تونس وليبيا والجزائر درسوا على يديه، منهم باني النّهضة العلمية والفكرية بالجزائر العلاّمة الشّيخ عبد الحميد بن باديس، الذي انتظم في سلك دروسه مدّة مديدة من الزّمان، وأجازه في قراءات السّبع البدور، لذلك رأيت تناوله في هذا المقال للتعريف به بالتزامن مع إطلاق اسمه على الدورة الخمسين للمسابقة الوطنية السنوية لحفظ القرآن الكريم التي تنظمها الرابطة الوطنية للقرآن الكريم بتونس.
اسمه ونسبه:
هو الشّيخ حَسَن ابن الحاجّ عُمَر بن عبد الله بن عُمَر ابن الحاجّ يوسف الشريف السّيناوّني الغدامسيّ الزّيتوني المالكيّ. تنحدر أصوله من بلدة سِيناوِن التي تقع غرب ليبيا في الشمال الشرقي من غدَامِس بنحو 212 كلم عن طريق دَرْجْ، وجنوب نَالوت في جبل نفوسة بنحو 123 كلم.
ولادته ونشأته وطلبه للعلم:
وُلِدَ يوم الخميس 13 ربيع الأوّل 1288 ﻫ/1 جوان 1871 م بمحلّة القصر اللوطاني في قرية سِيناوِن، وفيها نشأ وترعرع. تلقّى أول مراحل تعليمه في زاوية سِيناوِن حيث حفظ القرآن الكريم ونهل من علوم الدّين واللّغة، وعندما بلغ التاسعة عشرة من عمره سنة 1307 ﻫ/1890 م ارتحل صحبة والده وأخيه مُحَمَّد إلى تونس التي كان والده يتردد عليها للتجارة، ومكث بها ثم التحق بجامع الزّيتونة وانخرط في سلك تلامذته في فاتح شهر جمادى الآخرة عام 1308 ﻫ/جانفي 1891 م، حاملاً دفترا خاصا بشهاداته عدده 2637، فأظهر نبوغًا واقتدارًا في علم القِراءَات والتّجويد، حيث قرأ القرآن كله رواية بعد رواية إلى أن جمع السّبع البدور على شيخه عمّار بن صُمَيدَة، وختمه عليه في 6 شعبان 1308 ﻫ/16 مارس 1891 م، ثم أجازه في قراءات السّبع البدور إفرادا وجمعًا من طريق حرز الأماني وغيث النفع في أوائل شهر رمضان عام 1308 ﻫ/أوائل أبريل 1891 م.
تقدم بعدها لمجلس امتحان في التّجويد رواية ودراية (في علم التّجويد بالروايات السّبع وفي دراسة شرح ابن القاصح على الشَّاطبيّة) وأثبت أنه مستحقا لمنحة الإعفاء المستمر من أداء المجابي الشخصية والتكاليف العسكرية مع ضميمة إعفائه من أداء بحق عام التاريخ حيث استكمل نصاب دروسه فيه ابتداء وانتهاء بتاريخ يوم السبت 28 ذي القعدة 1311 ﻫ/2 جويلية 1894 م. ثم قرأ القرآن العظيم كله بالعشر الكبير عن طريق الشَّاطبيّة والدرّة على الشّيخ مُحَمَّد بن يالوشه الشريف، وختمه عليه وأجازه في القِراءَات العشر الكبير في ذي القعدة عام 1312 ﻫ/أبريل 1895 م.
كما درس على يد علماء أفذاذ بالجامع الأعظم في شتى الفنون، وهم الشيوخ: مُحَمَّد الصادق صفر، ومُحَمَّد صالح الشريف، وإبراهيم المارغني، وعثمان بن المكي، ومُحَمَّد الشاذلي بن مراد، وصالح الهواري، ومُحَمَّد النّجّار الشريف، وحسين بن مُحَمَّد، ومصطفى بن خليل.
أحرز رتبة التطويع في خصوص علم التجويد يوم السبت 24 ذي القعدة 1312 ﻫ/19 ماي 1895 م، بإشراف لجنة مكونة من أعضاء النّظارة العلميّة المشايخ النظار: أحمد بوخريص، ومُحَمَّد بيرم، ومحمود بيرم، ومُحَمَّد الطيب النيفر.
أعماله :
بعد حصول الشّيخ حسن السيناوني على ﺃﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺗﺐ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﺰﻳﺘﻮﻧﺔ رجع إلى بلدته سيناون، وتصدَّر للتدريس في الزاوية التي تعلم فيها، إلا أنه لم يطل المقام بها، إذ ﻗﻔﻞ ﺭﺍﺟﻌﺎ إلى تونس وأقام بداره بنهج جامع منوبة، وتصدى للتدريس بجامع ﺍﻟﺰﻳﺘﻮﻧﺔ، وكان تدرسيه أولا تطوعا ثم سمي مدرساً رسمياً من الطبقة الثّانية سنة 1325 ﻫ/1907 م، ثم من الطبقة الأولى سنة 1328 ﻫ/1910 م، ولمدة تربو على الأربعين عاما حافلة بطلب العلم والتدريس أفاد وأجاد وانتفع به من درسوا على يديه منهم أعلام من أهم علماء شمال إفريقية. كما تولى وظائف في القضاء وإمامة جامع الزّينونة.
وفاته:
توفّي الشّيخ حسن رحمه الله بتونس يوم الأحد 5 ربيع الأوّل 1353 ﻫ/17 جوان 1934 م، ودفن يوم الاثنين بمقبرة الزلاج في الجزء العلوي من طريق "سيدي أحمد سقا" على شمال الناظر إلى جبل سيدي أبي الحسن، وكانت جنازته مهيبة حضرها خلق كثير.
مؤلفاته وآثاره:
من أثاره مجموعة من الكتب العلمية النادرة تدل على مكانته العلمية الفائقة، وفي بعضها ربما يكون من الأوائل غير المسبوقين، وقد أجاز هذه المؤلفات كبار علماء عصره في تونس:
"الكواكب الدُّرية في إعراب الشَّاطبيّة" وهو أول مؤلفاته، حيث نشر سنة 1326 ﻫ/1908 م.
"الأصل الجامع لإيضاح الدُّرر المنظومة في سلك جمع الجوامع" وهو في علم الأصول، نشر سنة 1346ﻫ/1928 م.
"مواهب الجليل في تطبيق ما جرى به القضاء والعمل على معاملات مختصر الفتوى لخليل" طبع سنة 1349 ﻫ/1930 م.
"منح الفتاح في فتح أبواب تلخيص المفتاح" في علم البلاغة، طبع سنة 1352ﻫ/1933م.
"إنارة السالك على إيضاح الألفية المرصع بكافية ابن مالك" مخطوط.
المصادر والمراجع:
- دفتر شهادات التلامذة بالجامع الأعظم الخاص بالشّيخ حسن ابن الحاجّ عمر السّيناوّني رقم: 2637.
- معلومات قدمها لنا الشيخ حامد بوراوي رواية عن السيد الشاذلي السّيناوّني.
- الشّيخ حامد بوراوي: الدرر التونسية من الأسانيد القرآنية، بحث بإشراف وإثراء عمدة الفقهاء والقراء الشّيح مُحَمَّد مشفر رئيس الربطة الوطنية للقرآن الكريم بتونس, مدرسة عمر بن الخطاب لتعليم القرآن الكريم وترتيله بسكرة، تونس لمؤسسها المرحوم الشّيخ حسن الورغي، 2017 م.
- د.جمعة محمود الزريقي: العلاّمة الكبير الشّيخ حسن بن عمر السّيناوّني وكتابه الكواكب الدرية في إعراب الشَّاطبيّة (تـ1353 ﻫ/1934م)، مجلة كلية الدعوة الإسلامية، ع28، طرابلس ليبيا، 1435 ﻫ/2014 م ، ص: 417-449.
بقلم: ناصر حمدادوش - يؤكد “مالك بن نبي” في كتابه “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي”…
بقلم: محمد الهادي الحسني - منذ عشر حِجَجٍ، وفي يوم 14-12- من سنة 2013 جاء…
بقلم: د. علي الصلابي- كانت نفسية ابن باديس وأشواقه الروحية تواقة إلى التضحية في سبيل…
بقلم: د. علي الصلابي- استعمل عبد الحميد بن باديس في العديد من مواضيع شعره ونثره،…
بقلم: د. توفيق جعمات- لم تكن مدارس جمعية العلماء المسلمين مجرد فصول تعليمية أو كتاتيب…
بقلم: عبد الحميد عبدوس- تعرفت على الكاتب المفكر والطبيب المجاهد الدكتور السعيد شيبان في سنة…