بقلم: د. محمد سيف الإسلام بوفلاقة-
هو محمد الصالح رمضان؛ وُلد سنة (1332هـ/1914م) في (القنطرة) بولاية (باتنة) في الشرق الجزائري؛ تعلم مبادئ اللّغة العربية في مسقط رأسه،وتتلمذ على يد الشيخ (الأمين سلطاني)؛ خريج جامع الزيتونة، وأحرز الشهادة الابتدائية باللغة الفرنسية في المدرسة الرسمية، وفي عام: (1353هـ/1934م) التحق بمدينة (قسنطينة) ولازم مجالس الشيخ العلاّمة (ابن باديس)
وفي سنة: (1356هـ/1937م)عُيّن مدرساً في(مدرسة التربية والتعليم بقسنطينة)، وظلّ بها مُدرساً إلى غاية عام: (1362هـ/1943م)، وقد عُرف (محمد الصالح رمضان) بنشاطه المُكثف ضمن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وبعد وفاة العلاّمة (ابن باديس) عُيّن مُديراً ومُدرساً بمدرسة تابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مدينة(غيليزان)، وذلك عام: (1362هـ/1943م)، وفي سنة: (1365هـ/1946م) عُيّن مديراً لمدرسة (دار الحديث بتلمسان)، كما عمل مُفتشاً جهوياً بدائرة (تلمسان)، ولم يتوقف نشاطه مع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين قط؛ فقد رافق أنشطتها التعليمية والتربوية في عدة محطات، ففي عام: (1372هـ/1953م) تمّ تعيينه مُفتشاً عاماً لمدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كما كان عُـضواً في المكتب الدائم (للجنة التعليم العليا) في مركز الجمعية بالجزائر العاصمة، وأثناء ثورة التحرير المظفرة، عمل في صفوف جبهة التحرير الوطني (بقسمة القبة)، وكان عضواً في (المحكمة المدنية) لجبهة التحرير الوطني بالجزائر العاصمة، وبعد استقلال الجزائر عمل مديراً للتعليم الديني بوزارة الشؤون الدينية بالجزائر، وعمل أستاذاً بثانوية (حسية بن بوعلي بالقبة للبنات)، وتقاعد من مهنة التعليم سنة: (1399هـ/1979م)؛ كما عُيّن عُضواً في المجلس الإسلامي الأعلى خلال الثمانينيات من القرن المنصرم، وكان عُـضواً في المجلس الوطني للثقافة سنة: (1410هـ/1990م)، وفي سنة: (1412هـ/1992م) عمل مستشاراً لوزير الثقافة والاتصال، كما كان عُـضواً في اتحاد الكتّاب الجزائريين، وفي اللجنة الوطنية لليونسكو بالجزائر، وقد توفي سنة: (1429هـ/2008م).
وقد توزعت مؤلفاته بين الإبداع الأدبي، والتحقيق، والتراجم، والدراسات الإسلامية والتاريخية، ومن أهم مؤلفاته: مسرحية: «الناشئة المهاجرة»، و«ألحان الفتوة»، و«مُغامرات كليب»، «العقائد الإسلامية لابن باديس: تحقيق وتعليق»، و«الذكرى الأدبية لزيارة الفرقة المصرية»، و«مبادئ الجغرافية العامة وموجز جغرافية الجزائر»، و«جغرافية الجزائر والعالم العربي»، و«النصوص الأدبية للمعاهد الإسلامية» بالاشتراك، و«من هدي النبوة لابن باديس:تحقيق وتعليق»، و«شهيد الكلمة أحمد رضا حوحو»، ومسرحية«الخنساء»، و«المولد النبوي الشريف: رواية تمثيلية»، وغيرها من الأعمال الأدبية والدراسات المتنوعة.
وقد اهتم الشيخ (محمد الصالح رمضان) في أعماله بالأديب الشهيد (أحمد رضا حوحو)، وأنجز عنه عدة دراسات وأبحاث، ومن بين الدراسات التي نشرها عنه دراسة موسومة بـ: «الأديب الشهيد حوحو وآثاره، مجلة الثقافة؛ مجلة تصدرها وزارة الثقافة والإعلام بالجزائر، السنة التاسعة، العدد: 54، ذو الحجة-محرم1400هـ/نوفمبر-ديسمبر1979م»، أكد من خلالها على أن «للأستاذ حوحو براعة خاصة في الشعر الهزلي الساخر، وفي قلب الشعر الجاد الهادف إلى شعر عابث ساخر، غير أنه لم ينشر شيئاً من هذا ولا ذاك حفاظاً منه على روح التحفظ السائدة…وله محاولات متكلفة في الشعر الشعبي(الملحون)، ولعل هدف الأستاذ حوحو فيما كان يكتب ويُقدم في تمثيلياته هو محاولة إصلاح بعض العادات الاجتماعية الفاسدة، وكثيراً ما كان يُركز على المرأة باعتبارها الركيزة والدعامة لكل مجتمع…».
كما أسهم الشيخ (محمد الصالح رمضان)في مجال أدب الرحلة، فألف كتاب: «سوانح وارتسامات عابر سبيل:رحلة إلى مهرجان الشباب والطلاب العالمي في فرصوفيا، سنة: 1955م»، الذي يصفه بالقول: «وفي هذه الرحلة العصرية (سوانح وارتسامات عابر سبيل) يقف القارئ على نتف وطرف من السياسة والأدب، ومن التاريخ والجغرافيا، وحتى الدين والاجتماع، زيادة عن وصف المشاهد، وذكر الانطباعات، وبعض المناقشات والمحاورات التي وقعت في هذه الرحلة العابرة الملأى بالعبر، والآراء والفكر،وفيها خواطر تسُر الخاطر، ومناظر تُبهج الناظر، نُحيي بها أدب الرحلة الذي اندثر أو كاد يندثر في مغربنا العربي».
ويرى الدكتور (عمر بن قينة) أن هذه الرحلة تُعبر عن «تجربة إنسانية ذات عمق مختلف الأبعاد (سواء الشخصية منها أو العامة)، ورغم حرص الكاتب في رحلته على إفادة قارئه بمعلومات علمية (تاريخية وجغرافية وسياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية)، فإن ذلك لم يجعل منها نصاً تاريخياً جافاً،كما لم يحل بينها وبين الطلاوة المرغوبة في كل رحلة أدبية مُعاصرة في الجزئيات الصغيرة نفسها، والكاتب يلوذ بالتأمل في منظر طبيعي، أو في حركة إنسانية، أو في عناق حميمي بين زرقة البحر، واخضرار الطبيعة على الساحل، وما يتخلل ذلك مع مغان جميلة ساحرة أو من علاقات إنسانية ودودة في سمو رفيع، أو من انسياب القطار في السهول والجبال في الظلمة الحالكة كخيط ضوء دقيق يشق العتمة في صمت مطبق يعطي اللحظة نكهتها، وجمالها وجلالها، والرحلة بذلك وبسواه مما قيل، ومما لم يقل معلم من معالم الرحلة الجزائرية الحديثة في القرن العشرين».
ومن بين الدراسات والكتب التي تطرقت إلى أعماله وجهوده:
1- د. عمر بن قينة: صوت الجزائر في الفكر العربي الحديث: أعلام وقضايا ومواقف.
2- د. عبد الملك مرتاض: فنون النثر الأدبي في الجزائر (1954-1931م).
3- د. عبد الملك مرتاض: معجم الشعراء الجزائريين في القرن العشرين.
يقول عنه الأستاذ الأديب (حمزة بوكوشة): «عرفت الأستاذ محمد الصالح رمضان أول ما عرفته من تلامذة الجامع الأخضر، فكان من التلامذة الجادين النابهين، وعرفته مربياً في مدارس جمعية العلماء، وفي مدرسة ابن باديس بقسنطينة بالخصوص (التربية والتعليم)، التي تعتبر أم المدارس، فكان من أنجح المربين وخيرة المعلمين، ومن أجل ذلك أسند إليه أستاذنا الشيخ البشير الإبراهيمي الإشراف على مدرسته (دار الحديث) بتلمسان، فكان من خيرة المعلمين والمديرين…وعرفته مديراً للتعليم الديني في أول وزارة للأوقاف بعد استقلال الجزائر، فكان من أولي الحزم والعزم والمبادرة، وفي عهده أنشئت (المعاهد الإسلامية) التي قامت بدور عظيم في التعريب والتعليم الإسلامي. وكان أول من فكر وسعى في إحياء التراث الإسلامي الجزائري…».
ويصفه الشيخ (محمد الغسيري) بالقول: «الأستاذ محمد الصالح رمضان شاب كالشبان، ولكنه شاب محافظ كالشيخ،نحيل الجسم، مضيء القسمات وسط في القامات، ولكنه عظيم في القيم والمقامات، فهو الذي لم يكونه إلا مجهوده الشخصي، يحترف شؤون التربية، ولكنه حصل على كثير من المعلومات التي لا يحصل عليها إلا كاد جاد مجتهد مثله، وهو ما حصل بالفعل؛ شاب متواضع يأنف كل الأنفة من مظاهر الأبهة والغرور ولا يلاحظ عليه إلا إسرافه في هذا المعنى حتى ليخال أنه شيخ معمر بلغ من الكبر عُتياً، ولحد الآن ولما يتجاوز عمره الواحد والثلاثين لا يعيش إلا عيش بعض الزهاد الهنود،لا يشرب القهوة…ولا يهوى اللحم ولا أناقة المظهر، ولا يتظاهر بغير ما عرف به…».
ويصفه الدكتور (محمد بن سمينة)بالقول: «كان المرحوم أحد أعلام الحركة الوطنية الحضارية (الحركة الإصلاحية)، فساهم عن طريق هذه الحركة بفاعليه في مختلف جوانب النهضة الوطنية العامة: الإصلاحية والسياسية والاجتماعية والثقافية والأدبية، وكان له من هذا الطريق مشاركته في التمهيد لثورة نوفمبر المجيدة والإعداد لها، ولما حان وقتها واندلع بركانها كان من الأوائل الذين سارعوا-منذ عامها الثاني (1955م)-إلى تلبية ندائها والنضال في صفوفها…وواصل الفقيد جهاده في أعقاب الاستقلال الوطني في بناء أركان الدولة الجزائرية الفتية، وكان يُسهم في الميدان الاجتماعي والثقافي من خلال اضطلاعه بمهام عديدة في هذا المجال».
المصادر والمراجع المُعتمدة:
1- محمد الصالح رمضان: سوانح وارتسامات عابر سبيل رحلة إلى مهرجان الشباب والطلاب العالمي في فرصوفيا سنة: 1955م، منشورات المجلس الأعلى للغة العربية بالجزائر، الجزائر، 2004م.
2- د.عبد الملك مرتاض: فنون النثر الأدبي في الجزائر (1931-1954م)، منشورات ديوان المطبوعات الجامعية،الجزائر، 1983م.
3- د.عبد الملك مرتاض: معجم الشعراء الجزائريين في القرن العشرين، منشورات دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2007م.
4- د.عمر بن قينة: صوت الجزائر في الفكر العربي الحديث (أعلام وقضايا ومواقف)، منشورات ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1993م.
* د. محمد سيف الإسلام بوفلاقة- كلية الآداب، جامعة عنابة، الجزائر
بقلم: ناصر حمدادوش - يؤكد “مالك بن نبي” في كتابه “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي”…
بقلم: محمد الهادي الحسني - منذ عشر حِجَجٍ، وفي يوم 14-12- من سنة 2013 جاء…
بقلم: د. علي الصلابي- كانت نفسية ابن باديس وأشواقه الروحية تواقة إلى التضحية في سبيل…
بقلم: د. علي الصلابي- استعمل عبد الحميد بن باديس في العديد من مواضيع شعره ونثره،…
بقلم: د. توفيق جعمات- لم تكن مدارس جمعية العلماء المسلمين مجرد فصول تعليمية أو كتاتيب…
بقلم: عبد الحميد عبدوس- تعرفت على الكاتب المفكر والطبيب المجاهد الدكتور السعيد شيبان في سنة…