ذكريات وشهادات محمد حمودة بن ساعي: لمين لعمودي

بقلم: محمد حمودة بن ساعي-

كان الفقيد لمين لعمودي أول أمين عام جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وكان مناضلا حازما في سبيل القضية الجزائرية التي خدمها دون كلل أو ملل بالكلمة والقلم، وتشهد جريدته “الدفاع” (La Défense) ، التي توبع قضائيا بسببها، على شجاعته المزدهية. كما كان منشطا متميزا لـ المؤتمر الإسلامي الجزائري” الذي كان أحد المنظمين له وكان دفتر مطالبه يطرح بإخلاص “المشكلة الجزائرية” بحقيقتها.

 خلال شهر أوت 1936، وبعد اغتيال مفتي العاصمة، الشيخ محمود بن دالي كحول (وكان حادثا مدبرا نصبته الإدارة الاستعمارية فخا ضد العلماء) تم توقيف الشيخ الطيب العقبي، الخطيب المفوه، المعروف في “نادي الترقي”، فانبرى لمين لعمودي إلى جانبي وبكل جرأة نندد بـــ”المؤامرة” المحاكة ضد العلماء. وقد أوصلنا صوتنا إلى صحفيين فرنسيين عملوا كل ما في وسعهم لتنوير الرأي العام الفرنسي بخصوص هذه القضية. وأذكر هنا أن شنآنا كان يعكر وقتها صفو العلاقة  بين الرجلين.

بباريس، لم نستجيب، أنا ولعمودي، إلا لضميرينا للدفاع عن شرف إيماننا الذي أريد تلطيخه، فبذلنا كل جهودنا للتنديد بالمؤامرة الدنيئة التي حيكت ضد العلماء. فاتصل هو بمحرر جريدة “مساء باريس”(Paris-Soir) واتصلت من جانبي بصحفيي بجريدة “العمل” (L’œuvre) فقدمنا لهما مساعدة متكتمة لتحرير مقالاتهما في موضوع الشيخ العقبي.

كان لهذه المقالات وقعا فعليا وتأثيرا في الرأي العام. واتضح الأمر على حقيقته للقاضي فايان (Vaillant)، الذي كلف بـ”قضية الشيخ العقبي” وكان مسيحيا نزيها.

استفاد الشيخ العقبي من سراح مؤقت. فعد الأمر بالنسبة لنا، نجاحا حقيقيا. غير أن القاضي فايان الذي أصبح فيما بعد رئيسا لمحكمة سطيف، حيث نال احترام السكان المسلمين، اغتيل في وسط الطريق خلال اضطرابات ماي 1945، إذ لم تغفر له قوى الشر التي تآمرت ضد العلماء إقراره ببراءة الشيخ العقبي والجهر بذلك أمام المحكمة الجنائية في الحزائر العاصمة سنة 1939.

أما لمين لعمودي الذي فقد جريدته “الدفاع” (La défense)  فسأجده في جوان من سنة 1950 مجرد “كاتب خطاط” بمحكمة الجزائري بفضل عطف القاضي شندرلي، بعد حياة حافلة بالمعاناة والفاقة (يذكرني حاله ببؤس صادق دندن الانسان الشجاع، مدير جريدة “الإقدام” وصديق الأمير خالد والذي مات معدما منسيا). قدر للمين لعمودي أن يموت خلال حرب التحرير الجزائرية. وبتاريخ 10 أكتوبر 1957، وجدت جثته ملقاة قرب السكة الحديدية بين البويرة والعجيبة.

مات القاضي فايان شهيدا في سبيل العدل، ومات لمين لعمودي الذي كان وطنيا من طراز فريد شهيدا في سبيل وطنه. كما مات الشيخ العربي التبسي، رفيق عبدالحميد بن باديس، وكما مات أحمد بوشمال الكاتب الوفي للشيخ بن باديس، وعلى غرار الكثير من معلمي القرآن الكريم الدين كانوا يحبون بلادهم.

إنهم يستحقون كلهم دعاءنا وتذكرنا لهم. 


* باتنة في 30 جويلية 1984 الموافق لــ12 ذو القعد

admin

المقالات الأخيرة

مالك بن نبي والزَّعامة الصَّنمية

بقلم: ناصر حمدادوش - يؤكد “مالك بن نبي” في كتابه “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي”…

سنة واحدة قبل

في ذكرى وفاة الأستاذ سعد الله

بقلم: محمد الهادي الحسني - منذ عشر حِجَجٍ، وفي يوم 14-12- من سنة 2013 جاء…

سنة واحدة قبل

دعوة ابن باديس للثورة

بقلم: د. علي الصلابي- كانت نفسية ابن باديس وأشواقه الروحية تواقة إلى التضحية في سبيل…

سنتين قبل

الثورة في شعر ابن باديس ونثره

بقلم: د. علي الصلابي- استعمل عبد الحميد بن باديس في العديد من مواضيع شعره ونثره،…

سنتين قبل

الإشراف التربوي في مدارس جمعية العلماء المسلمين ج1

بقلم: د. توفيق جعمات- لم تكن مدارس جمعية العلماء المسلمين مجرد فصول تعليمية أو كتاتيب…

سنتين قبل

لمحة عن مسار الدكتور سعيد شيبان مع العلم والإيمان والنضال

بقلم: عبد الحميد عبدوس- تعرفت على الكاتب المفكر والطبيب المجاهد الدكتور السعيد شيبان في سنة…

سنتين قبل