الوحدة العربية: هل بين العرب وحدة سياسية

بقلم: الشيخ عبد الحميد بن باديس -

إذا قلنا العرب فإننا نعني هذه الأمة الممتدة من المحيط الهندي شرقا إلى المحيط الأطلانطيقي غربا، والتي فاقت سبعين مليونا عدّا تنطق بالعربية وتفكر بها وتتغذى من تاريخها وتحمل مقدارا عظيما من دمها وقد صهرتها القرون في بوتقة التاريخ حتى أصبحت أمة واحدة.

الوحدة السياسية لا تكون إلا بين شعوب تسوس نفسها فتضع خطة واحدة تسير عليها في علاقاتها مع غيرها من الأمم، وتتعاقد على تنفيذها، وتكون كلها في تنفيذها والدفاع عنها يدا واحدة، فهي مقتدرة على الدفاع عنها كما كانت حرة في وضعها، وأما الأمم المغلوبة على أمرها فهذه لا تستطيع أن تضع أمرا لنفسها فكيف تستطيع أن تضعه لغيرها، ولا تستطيع أن تدافع عن نفسها فكيف تستطيع ان تدافع عما تقرره مع غيرها. وهي لم تستطع أن تعتمد على نفسها في داخليتها فكيف يعتمد عليها في خارجيتها؟ فالوحدة السياسية بين هذه الأمم أمر غير ممكن ولا معقول ولا مقبول.

واذا نظرنا إلى الأمة العربية على ضوء هذه الحقيقة فإنا نجد منها شعوبا مستقلة استقلالا حقيقيا فهذه تمكن بينها الوحدة السياسية وتجب. وقد وقعت في هذه الأيام- والحمد لله- فعلا بين المملكة السعودية والعراق واليمن ومن المنتظر انضمام مصر والشام إليهم يوم يتم استقلالهما. ثم نجد شعوبا أخرى وهي شعوب الشمال الإفريقي المصابة بالاستعمار فهذه لا وحدة سياسية بينها ولا بين غيرها ولا يتصور أن تكون. ومن الخير لها أن تعمل كل واحدة منها في دائرة وضعيتها الخاصة على ما يناسبها من الخطط السياسية التي تستطيع تنفيذها بالطرق المعقولة الوصلة، مع الشعور التام بالوحدة القومية والأدبية العامة والمحافظة عليها والمجاهرة بها، ونحن نعلم أن الواقع اليوم في شمالنا الإفريقي العربي هو هذا بعينه، فنقول- بكل صدق وصراحة- أن كل شعب من شعوب هذا الشمال مستقل تمام الاستقلال بخططه في سياسته، لا نعرف هيئة منهم تتصل بهيئة مع عمل الجميع على تغذية الشعور بالوحدة القومية والأدبية العامة.

والأمير شكيب الذي تعده الدول المستعمرة ألد أعدائها وتنسب إليه- ظلما وزورا- كل حركة تقع في الأمم المصابة باستعمارها، يصرح في خطابه بعدم الوحدة السياسية بين شعوب العرب المغلوبة على أمرها وشعوبهم المستقلة، لأنه- وهو أكبر مدافع عن العرب والإسلام في الغرب والمشرق- رجل عملي ليس بخيالي، وسياسي مجرب خبير يعرف ما يقول ويفرق بين العمل المثمر والقول الفارغ الذي يثير الضجيج لينسب صاحبه إلى الغيرة والحماس، وإن كان يثير الغبار ويكدر الجو في نواح أخرى. هذا رأينا في الوحدة السياسية بين شعوب العرب. ونحن نعتقد أنه هو رأي جميع إخواننا العاملين في هذا الشمال (1).

عبد الحميد بن باريس


(1) ش: ج 11، م 13، ص 472 - 473 غرة ذي القعدة 1356هـ- جانفي 1938م.

admin

المقالات الأخيرة

مالك بن نبي والزَّعامة الصَّنمية

بقلم: ناصر حمدادوش - يؤكد “مالك بن نبي” في كتابه “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي”…

سنة واحدة قبل

في ذكرى وفاة الأستاذ سعد الله

بقلم: محمد الهادي الحسني - منذ عشر حِجَجٍ، وفي يوم 14-12- من سنة 2013 جاء…

سنة واحدة قبل

دعوة ابن باديس للثورة

بقلم: د. علي الصلابي- كانت نفسية ابن باديس وأشواقه الروحية تواقة إلى التضحية في سبيل…

سنتين قبل

الثورة في شعر ابن باديس ونثره

بقلم: د. علي الصلابي- استعمل عبد الحميد بن باديس في العديد من مواضيع شعره ونثره،…

سنتين قبل

الإشراف التربوي في مدارس جمعية العلماء المسلمين ج1

بقلم: د. توفيق جعمات- لم تكن مدارس جمعية العلماء المسلمين مجرد فصول تعليمية أو كتاتيب…

سنتين قبل

لمحة عن مسار الدكتور سعيد شيبان مع العلم والإيمان والنضال

بقلم: عبد الحميد عبدوس- تعرفت على الكاتب المفكر والطبيب المجاهد الدكتور السعيد شيبان في سنة…

سنتين قبل