ابن باديس
ألقاه الأستاذ الشيخ عبد الحميد بن باديس -
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله وصحبه ومن والاه
التعليم المسجدي: أصل مشروعيته واستمرار العمل به:
المسجد والتعليم صنوان في الإسلام من يوم ظهر الإسلام فما بنى النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم استقر في دار الإسلام، بيته حتى بنى المسجد، ولما بنى المسجد كان يقيم الصلاة فيه ويجلس لتعليم أصحابه، فارتبط المسجد بالتعليم كارتباطه بالصلاة، فكما لا مسجد بدون صلاة كذلك لا مسجد بدون تعليم، وحاجة الإسلام إليه كحاجته إلى الصلاة، فلا إسلام بدون تعليم، ولهذه الحاجة مضى النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- على عمارة المسجد بهما، فما انقطع عمره كله عن الصلاة، وعن التعليم في مسجده، حتى في مرضه الذي توفي فيه. ثم مضى المسلمون على هذه السنة في أمصار الإسلام يقفون الأوقاف على المساجد للصلاة والتعليم، ومن أظهر ذلك وأشهره اليوم، الجامع الأزهر وجامع الزيتونة وجامع القرويين.
نوع التعليم المسجدي:
كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يعلم أصحابه، يبين للناس ما نزل إليهم-، يفقههم في الدين، فما بيّن القرآن وما فقه في الدين فهو من التعليم الإسلامي وهو من التعليم المسجدي. ولما كان القرآن كتاب الإنسان من جميع نواحي الإنسان وكتاب الأكوان بما فيها من نعم وعبر وكتاب العمران بما يحتاج إليه العمران مما يصلح أحوال البشر وما يتصل بالبشر، وكتاب السعادتين الدنيوية والأخروية، كانت العلوم التي تخدم ذلك كله من علوم الإسلام ومن علوم المساجد. ولذا كانت مساجد الأمصار الإسلامية من أيام البصرة والكوفة إلى يومنا هذا مفتحة الأبواب، معمورة الأركان، بجميع العلوم وإذا خلت في العصر الأخير من بعضها، فذلك للتأخر العام وضعف المسلمين في أسباب الحياة.
الحاجة إليه:
الإسلام دين الله الذي يجمع بين السعادتين وإنما يسعدهما به من اعتقمد عقائده وتأدب بآدابه وارتبط بأحكامه في الظاهر والباطن من أعماله، ولا بد لهذا كله من التعليم الديني الذي محله المساجد وبدونه لا سبيل الذي محله المساجد وبدونه لا سبيل إلى شيء من هذا كله فصارت حاجة المسلمين إليه حاجتهم إلى الإسلام وصار إعراضم عنه، هو إعراض عن الإسلام وهجر له، ما انتهى المسلمون اليوم إلى ما انتهوا إليه إلا بذلك الهجر، وذلك الإعراض، ولن يرجى لهم شيء من السعادة الإسلامية إلا إذا أقبلوا على التعليم الديني فأقاموه في مساجدهم كما يقيمون الصلاة وكما كان النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- يفعل من إقامتهما بمسجده كما تقدم.
وجوب القيام به:
لما كانت الحاجة إليه عامة فوجوب إقامته، وجوب عام، على الأمة بجميع طبقاتها، ولا يسقط الوجوب عن أحد إلا إذا قام بالتعليم أهله، فكفوا الباقين. ومن الواجب على المتولي أمر العامة أن يبعث فيها من يعلمها أمر دينها كما كان النبي- صلى الله عليه وآله وسلم-
يفعل فإذا قصر ذلك المتولي كان على الجماعة أن تقوم به فإن قصرت لحق الإثم كل فرد منها.
الحالة التي هو عليها:
إن الذي يراجع عقود الأحباس المسجدية يجد أكثر الذين أسسوا المساجد- وخصوصا مساجد الجمعية- حبسوا من الأملاك ما يصرف للتعليم فيها، كما حبسوا ما يصرف للقائمين بالصلاة. مما يدل على أن الأمة كانت تتلقى دينها في مساجدها وقد أدركنا بعض المساجد في بعض البلدان، وقد أبقي فيها بعض التعليم فقسنطينة- مثلا- أبقي فيها معلمان أحدهما بالجامع الكبير والآخر بالجامع الكتاني، وعطل الجامع الأخضر مع أنه مكتوب على لوحة تحبيسه أنه أسس للصلاة والتعليم حتى أذن لهذا العبد الضعيف بالتعليم فيه وكان في أول الأمر الذين يقومون بالتعليم في ذلك القدر القليل من المساجد في القليل من البلدان، يقومون بالتعليم الديني، من فقه وتوحيد وعربية للطلاب، وللعامة، بقدر الحال، ثم من نحو ثلاثين سنة صدر أمر اقتضى تبديل وضعية تلك البقية من التعليم المسجدي وخلعها من المعنى الديني وصبغها بصبغة غير صبغتها المسجدية، فقضى ذلك على البقية من التعليم المسجدي وأصبحت العامة وليس عندها من يعلمها أمر دينها وأصبح الطلاب وليس عندهم ما يدرسون فيه، ما يفقههم في الدين ويهيئهم للقيام بوظائفه على الوجه الصحيح المشروع. هذه هي الحالة اليوم في هذا القطر الجزائري الذي يسكنه من خمسة ملايين من المسلمين اللهم إلا ما يقوم به بعض أفراد أكثرهم من رجال هذه الجمعية متطوعين، أو مع إعانة جماعة إعانة قليلة الجدوى غير مأمونة البقاء وأين يقع هذا القدر القليل من التعليم في ذلك العدد من الأمة ..
كيف ينبغي أن يكون:
لا بد للجزائر من كلية دينية يتخرج منها رجال فقهاء بالدين يعلِّمون الأمة أمر دينها وأستطيع أن أقول أن نواة هذه الكلية هم الطلاب الذين يردون على الجامع الأخضر بقسنطينة من العمالات الثلاث- فلو أن الجمعية سعت لتوسيعها بترسيم معلمين ورعاية مدد المتعلمين ووضع خطة التعليم لقامت بأعظم عمل علمي ديني للأمة فيحاضرها ومستقبلها. ثم لا بد مع هذا من حث كل شعبة من شعب الجمعية على ترسيم مدرس للتعليم في مسجدهم إن كان لهم مسجد ثم تسعى الجمعية لدى الحكومة لترسم في كل مسجد من المساجد التي لنظرها مدرسا فقيها بالدين، ليعلم الناس ما يحتاجون إليه من أمر دينهم، فكلية تخرج المعلمين الدينيين، ومعلمون في المساجد التي لنظر الحكومة والتي لنظر الجماعات تلك هي الحالة التي يجب أن تكون عليها الأمة الجزائرية المسلمة لتبقى مسلمة. أما كيف يكون التعليم وما هي الفنون التي تعلم والكتب التي يتعلم فيها فهو موضوع مستقل لا يحسن أن يتناوله بالبحث إلا لجنة من أهل العلم وسيكون ذلك إن شاء الله تعالى يوم تباشر الجمعية ما ذكرنا من أمر الكلية والتعليم في المساجد أعانها الله على القيام بهذا العمل العظيم ويسر لها أسبابه.
عبد الحميد بن باديس
سجل مؤتمر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1354هـ ص 95 - 98.
بقلم: ناصر حمدادوش - يؤكد “مالك بن نبي” في كتابه “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي”…
بقلم: محمد الهادي الحسني - منذ عشر حِجَجٍ، وفي يوم 14-12- من سنة 2013 جاء…
بقلم: د. علي الصلابي- كانت نفسية ابن باديس وأشواقه الروحية تواقة إلى التضحية في سبيل…
بقلم: د. علي الصلابي- استعمل عبد الحميد بن باديس في العديد من مواضيع شعره ونثره،…
بقلم: د. توفيق جعمات- لم تكن مدارس جمعية العلماء المسلمين مجرد فصول تعليمية أو كتاتيب…
بقلم: عبد الحميد عبدوس- تعرفت على الكاتب المفكر والطبيب المجاهد الدكتور السعيد شيبان في سنة…