بقلم: أ.د. عمر بن قينة -
كان عجبي منذ قرأت في الرابع والعشرين من رجب 1429 يوم الأحد (27-07-2008م) قبل الظهر بقليل نعي أحد أعلام الأدب والتربية والإصلاح الشيخ (محمد الصالح رمضان: 1914-2008م) رحمه الله! كنعاق غراب يتردّد، يدوي، وحده يدوي، ولا مجيب! فيتعمّق الإحساس بالأسى في النفس أضعافا مضاعفة. ولم أكد أشرع في سبل أخرى للاستفسار والاتصال حتى جاءني الخبر أن الشيخ توفي منذ أربعة أيام، ووري التراب يوم الخميس!
تكبر الفاجعة، من حالنا، من إعلامنا، واحد من ألمع تلاميذ (ابن باديس) وزملائه في الميدان التربوي يلقى الله، ولا خبر في تلفاز! ولا في جريدة!
سخرية الأقدار، أن يكبر العجب في شهر (رجب) شهر الرحيل لواحد من أعلام التربية والتعليم والأدب في (الجزائر) واحد من رجال (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) منذ تأسيسها الأول في 1931، تموقع: معلـّما مربيا ذا عطاء سخي بحب وإخلاص، في مدارس جمعية العلماء، إبّان الاحتلال الفرنسي، وفي التعليم الحكومي بعد الاستقلال، فضلا عن الجهود الإدارية (مدير مدرسة تلمسان) قبل الاستقلال وإطارا في وزارة الأوقاف بعده، وقبل ذلك وبعده الشاعر الأديب المبدع الرحالة، والإنسان الرائع الودود المتعاون في كلّ الجهود الفكرية والبحثية، فضلا عن الخيرية لوجه اللَّه وحبا في الوطن، وثقافته وأدبه.
من هنا، من هذه النقطة بالذات: بدأت تتوثق علاقتي بالشيخ محمد الصالح رمضان، ابتداء من سنة (1972) حين انطلقت أولى خطواتي في البحث للدراسات العليا، وشاءت الأقدار في الأخير أن يكون الاتصال به للتّهنئة بعيد الأضحى (1428هـ) آخر اتصال، كنت قبل هذا التاريخ: كدأبنا في مثل هذه المناسبات، حين أسهو فأتأخّر أنا الذي أعتبره والدا كريما شهما نصوحا مخلصا ودودا فيبادر هو بالاتصال يسأل مهنئا مشجعا، فإن لم يجدني استودع الأهل التحية، فيبادرني الأهل بالعتاب عن (السهو) وهو العتاب الذي لم أعف منه حتى وأنا خارج (الجزائر) فيقولون: كيف تتأخّر عن تهنئة الشيخ، فتضطره للمبادرة؟
كنت مغتبطا بالعتب، وكنت أدرك أن الشيخ محمد الصالح رمضان رجل عظيم، يقدر سهونا، كما رأيته وسمعته يصفح حتى عن ناكري جميله، زملاء له، وتلاميذ، و(باحثين) لم يبخل عن واحد منهم بعون يطلبه، رغم مسحة الألم التي كنت ألاحظها أحيانا على ملامحه، ممّا جعلني أسأله على مائدة الشاي في بيته ذات عصر: (هل أنت نادم على العطاء العلمي والتربوي التاريخي بإخلاص، وهو العطاء الذي يبدو لي أنّنا لم نثمّنه)؟ فانتفض قائلا: (أبدا.. أبدا)!
هكذا عظماء التربية والتعليم والأدب والفكر، فاللهم ارزقه حسن الثواب، وأسكنه جنتك التي وعدت بها عبادك المؤمنين المخلصين الصادقين!
من خلال علاقة فكرية أدبية سامية عبر 35 سنة بالشيخ (محمد الصالح رمضان) استقرت صورته الإنسانية في الذهن كأروع ما تكون صور الرجال الجادين الوطنيين المخلصين: الكاتب الصادق، والأديب الذواقة الوصاف، وفي الأخير الإنسان الصريح الودود الذي يضيق بالمكر والماكرين، لكنه يصفح عنهم الصفح الجميل!كم كان ضيقه شديدا بالسلوك المشوب بالنيات غير الطيبة، والخلفيات غير الثقافية، وهو يبلغني وأنا في (جدة) قائلا ما خلاصته: أنت مبرمج للتكريم، فمتى تكون في (الجزائر)؟ هم لا يعرفون عنوانك في (الجزائر)!
حين حضرت وزرته في بيته أولا وثانيا أدركت شعوره بحرج في أمر شابته فيما يبدو نيات غير شريفة، وحمدت الله على السلامة، وقمعت العبارة التالية على لساني (يشرفني غضبهم) أنا ابن أمتي ووطني مدار تفكيري وحبي!
ما أوسع صدر الشيخ رمضان! ألم أقرّر إنه مثال للرجل المخلص الصادق مع نفسه ومع الناس؟ لكنه الذي يصفح عنهم جميعا، يصفح عن أولئك يكذبون، ينكثون العهود، كما صفح عنهم عن (أشباه الباحثين) يستعيرون منه كتبه، ولا يعيدونها إليه ، بل يتجاهلونه! هكذا قدر الرجال أمثال (محمد الصالح رمضان) اطرد حتى والموت يطويه، فلا خبر يدوي! إلا بأسماء المغنين الصكاكين المتفسخين ( يزعرطون) بما يسمى أغنية( الراي) يا وطننا المغدور! حماك اللَّه من كيد الكائدين!
عاش (محمد الصالح رمضان) عاملا مؤمنا جادا مخلصا صادقا نظيفا في حب وطنه، ومات على ذلك من دون منّ ولا أذى، ولن يضيره صمت إعلام ومؤسسات، باستثناء المؤسستين الوطنيتين الثقافيتين: المجلس الإسلامي الأعلى وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فلهما الشكر الجزيل!
خصته هذه بعدد: 402 من جريدة (البصائر) الصادر في 25 رجب - 2 شعبان 1429هـ (28 جويلية-4 أوت 2008م) إشادة جزئية بدوره وجهوده ومكانته، وخصّه هذا - كما عودتنا وطنيته - بملتقى تكريمي مساء يوم الخميس 4 رمضان 1429هـ (4-9-2008م).
فالشكر الجزيل لهما، وهذا طبعهما وطنية ووفاء، لمن عملوا من دون انتظار جزاء ولا شكور، فأخلصوا وصدقوا، من دون منّ ولا أذى. التعبير عن العرفان بالجميل من لدن الشرفاء فيه التعويض عن صمت ناكري الجميل، مثلما يغني عن أطنان الثناء من لدن (المنافقين) حين يحضرون أو يكتبون، فينطقون بما لا يضمرون!
رحم اللَّه الشيخ المجاهد (محمد الصالح رمضان) وجزاه وسائر الرجال العاملين المخلصين خير الجزاء، نكررها في ذكرى وفاته تعكس ذكرا عطرا في الدنيا ونعيما إن شاء اللَّه في الآخرة!
- بتصرف-
بقلم: ناصر حمدادوش - يؤكد “مالك بن نبي” في كتابه “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي”…
بقلم: محمد الهادي الحسني - منذ عشر حِجَجٍ، وفي يوم 14-12- من سنة 2013 جاء…
بقلم: د. علي الصلابي- كانت نفسية ابن باديس وأشواقه الروحية تواقة إلى التضحية في سبيل…
بقلم: د. علي الصلابي- استعمل عبد الحميد بن باديس في العديد من مواضيع شعره ونثره،…
بقلم: د. توفيق جعمات- لم تكن مدارس جمعية العلماء المسلمين مجرد فصول تعليمية أو كتاتيب…
بقلم: عبد الحميد عبدوس- تعرفت على الكاتب المفكر والطبيب المجاهد الدكتور السعيد شيبان في سنة…