أبو القاسم سعد الله وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين
بقلم: أ.د. مولود عويمر-
لقد اكتشف الدكتور سعد الله مبكرا دعوة جمعية العلماء التي لمس تأثيراتها في بلدته قمار بوادي سوف بعد زيارتها من طرف الإمام عبد الحميد بن باديس وبفضل نشاط الشيخ محمد الطاهر التليلي، واكتشف آثارها في محيط عائلته التي تعاطفت مع حركة الإصلاح وبالأخص خاله الشيخ الحفناوي هالي الذي كان عضوا بارزا في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
وعاد إلى الجزائر بعد تحصيله العلمي ليدرّس عاما في مدارس جمعية العلماء: مدرسة الثبات بالحراش، ثم مدرسة التهذيب بالأبيار.
سافر الدكتور سعد الله إلى مصر عن طريق تونس وليبيا، وقد منحه الشيخ العربي التبسي ألف فرنك يستعين به على تسديد مصاريف السفر.
ووصل إلى القاهرة في نهاية سبتمبر 1954م، واتصل مباشرة بالشيخ محمد البشير الإبراهيمي الذي استقر بالقاهرة منذ عام 1952م، حاملا له رسالتين من نائبه الشيخ العربي التبسي والأمين العام للجمعية الأستاذ أحمد توفيق المدني.
وبقيّ الطالب سعد الله على صلة قوية بمكتب الجمعية بالقاهرة، وساهم في نشاطاتها الثقافية والكتابة في جريدة “البصائر” من خلال ركنه:”رسالة القاهرة”.
وبقي على صلة قوية بعدد من رجال الجمعية كالشيخ محمد البشير الإبراهيمي، وأحمد توفيق المدني، والعربي التبسي، ومحمد خير الدين، وعمر دردور، وإبراهيم مزهودي، ونعيم النعيمي وبخاصة الأستاذ محمد الحسن فضلاء الذي تأثر به كثيرا، فكان على اطلاع واسع على التراث العربي الإسلامي ومتفتحا على ثقافة العصر ومتواضعا مع زملائه وتلاميذه.
وقد ذكر الدكتور سعد الله أن هذه الجمعية تملك تراثا كبيرا في مصر تمنى أن يسترجع ويوضع في متناول الباحثين الجزائريين.
انتسب سعد الله إلى كلية دار العلوم فتحصل على شهادة الليسانس الأدب، ثم سجل لإعداد رسالة الماجستير حول شاعر الجمعية الشيخ محمد العيد آل خليفة.
وقد سافر الطالب سعد الله إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمواصلة دراساته العليا في الجامعات الأمريكية دون مناقشتها، وأوصى قبل خروجه من مصر الشيخ محمد البشير الإبراهيمي بطبعها بعد أن سلّمه نسخة من المخطوط.
وفعلا أدى الشيخ الإبراهيمي الأمانة ونشرها في دار المعارف الشهيرة، وأضاف إليها تصديرا نوّه فيه بجهد الطالب سعد الله، فقال:” وهذه الدراسة لشعر محمد العيد محاولة أولى نلمح فيها آثار الجهد الذي بذله الكاتب في استخراج طبيعة الشاعر ونوازعه النفسية من شعره، والحكم على الشاعر من شعره وعلى العالم من آثاره العلمية هو أقرب الطرق إلى الصدق والمعدلة، فإذا رزق الدارس حظا من دقة الملاحظة وسداد الاستنباط بلغت دراسته الغاية التي يتوخاها الدارسون ويرضى عنها المنصفون”.
كيف كان ينظر إلى هذه الجمعية التي ارتبط بها فكريا وإن لم ينخرط يوما في صفوفها وينظم إلى هيئاتها الإدارية؟
كان متحمسا لها ومدافعا عنها، ويكفي أن أحيل هنا إلى مقال كتبه الطالب الزيتوني بلقاسم (أبو القاسم) سعد الله في جريدة “البصائر” في العدد 212، المؤرخ في 9 جانفي 1953م لتأكيد هذه المعاني:”وإني لأنصح الذين ينتقدون سلوك جمعية العلماء ويحكمون على برامج سيرها في الحياة وخططها في الإصلاح الاجتماعي بأن لا يتسرعوا في الحكم، ولا يتعجلوا بالانتقاد وعليهم أن يتبيّنوا الرشد من الغي بالرأي السديد والتأمل العميق، وأن يتمعنوا في نتائج الأعمال قبل الحكم على أهلها في البداية فرب تأن أعقب سلامة، ورب تعجل جلب ندامة، ولن تتبدل سُنّة الله”.
هل احتفظ الدكتور سعد الله بهذه النظرة المشرقة حول جمعية العلماء أم تغيرت نظرته مع مرور الزمن وتطوّر تكوينه العلمي؟
إن المؤرخ يجب أن يكون مستقلا وغير منتسب لأي حزب حتى يبقى موضوعيا في كتاباته، لذلك رغم علاقته المتينة بجمعة العلماء –كما رأينا- فإنه لم يتردد فيما بعد، وقد اكتمل نضجه الفكري في الكتابة عن الصراعات السائدة داخلها، ويكشف عن تفاصيلها التي بقيت لمدة طويلة في حيز الكتمان.
قال في هذا الشأن:« لقد أصاب جمعية العلماء في هذه الفترة ما أصاب حزب الشعب الجزائري من خصومة على الزعامة ومزاحمة الجيل الجديد للجيل القديم وركود في الهياكل والتوجيه العام، غير أن انقسام حزب الشعب أصبح معلنا عنه ومعروفا بينما ظل ما أصاب جمعية العلماء في الخفاء لأنه لم يصل إلى درجة الانقسام العلني، ولولا الثورة التي لم تسمح ظروفها بعودة الإبراهيمي من مصر، ولا بعقد الاجتماع العام لكان من الممكن أن يحدث للجمعية ما حدث لحزب الشعب».
هذه ومضات من علاقة الأستاذ أبي القاسم سعد الله مع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، طالبا في مدرستها الفكرية، وكاتبا ومراسلا لصحيفتها “البصائر”، ومعلما في مدارسها، ومدافعا عن مشروعها الإصلاحي، ومؤرخا لتراثها العلمي وأعمالها التربوية ونضالها الوطني وتضامنها العربي الإسلامي. نأمل أن تتاح لنا الفرصة في المستقبل لتفصيل كل هذه الجوانب المتعددة بالبحث والدراسة لأنها جديرة بذلك.