جمعية ابن باديس وأساطير “الأقلام السوداء!”
بقلم: كمال أبوسنة-
لا تأتي ذكرى وفاة باعث النهضة الجزائرية الإمام عبد الحميد بن باديس-رحمه الله-المرتبطة بيوم العلم إلا ورفع بعض مرضى القلوب والعقول عقيرتهم عاليا محاولين تشويه صورة زعيم الجزائر وإمامها وجمعية العلماء، خير جمعية أخرجت للناس، التي أسسها هو وصحبه العلماء الكرام على تقوى من الله... وإنني لأزداد اقتناعا، كل يوم، بأن هؤلاء المخاصمين للجمعية ومؤسسها ورجالها، يستقون شبهاتهم من منبع آسن واحد، ويشتركون في كيدهم المستمر، وخصومتهم الفاجرة الكاذبة الخاطئة، بسبب إيديولوجيتهم التي تلقوها من عدو خرج من الأرض، ولكنه ترك بيوضه لتُحضن على عينه، وتُفرّخ كائنات غريبة تعيش لتكيل التهم لرجالات الجزائر العظام الذين أفنوا حياتهم في مدافعة الاستعمار، وبث روح المقاومة في الأجيال اللاحقة، فكان لسان حالهم يوصي بما أوصى به الشاعر الوطني محمد تقي الدين الهلالي أحبابه:
أعادي فرنسا ما حييتُ وإن أمت
فأوصي أحبائي يعــادونها بعـدي
إنني أتابع وأقرأ منذ سنوات عديدة لبعض الأقلام في الداخل والخارج من المحسوبين على الاتجاه العلماني و"الحداثاوي"، ومنهم من رددنا عليه بعلم، ومنهم من تجاهلناه عن عمد، فوجدناهم يرددون نفس الأكاذيب، ويشيعون في الناس الفاحش من التهم الخرقاء، ومنكرا من القول وزورا، باتفاق عجيب يوحي بأنهم يؤدون أدوارا مدروسة لتعفين تاريخ الإصلاح في الجزائر الذي تزعمته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ورجالاتها الذين جاهدوا الاستعمار بنشر العلم، ومحاربة الجهل، وإعداد جيل التحرير بعد التنوير، فمنهم من توفاه الله ولم يعاين شمس الحرية بمقلتيه، ومنهم من توفاه الله شهيدا وهو ثابت فما وَهَن لِمَا أَصَابَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا ضَعُف وَمَا اسْتَكَان، ومنهم من نَسَأَ اللّهُ في أَجَلِه حتى عاش لحظة طرد "الاستعماري العسكري" من الوطن ولم يُغيّر ولم يُبدّل، وواصل معركة تحرير العقل واللسان من "الاستعماري الثقافي" الذي شايعته "كائنات استعمارية" منها التي احترفت صناعة الكتابة المشبوهة لخدمته بإخلاص منقطع النظير، فإذا كان للاستعمار العسكري "أقدام سوداء" فإن للاستعمار الثقافي "أقلام سوداء"، والقاسم المشترك بينهما حبّهما لفرنسا، وإخلاصهما الكبير في خدمة مصالحها...
إن عودة جمعية العلماء سنة 1991م بعد منع دام سنوات طويلة كان تقديرا ربانيا ليغيظ بها خصوم القيم والثوابت، وقد استطاع أبناء باديس أن يعيدوا نشر شُعَب الجمعية في كل ولايات الوطن لتستأنف مناشطها في مجالات كثيرة منها التعليم والدعوة والإرشاد والإعلام والإغاثة وغيرها...إلا أن بعض المنتسبين إلى الإيديولوجية العلمانية و"الحداثويين" ساءهم أن يُذكر اسم جمعية العلماء مرة أخرى في البلاد، فاستلوا أقلامهم المسمومة للكيد للجمعية وعلمائها وأبنائها، ومن هؤلاء أمين الزاوي الذي يكتب بين الحين والآخر متحاملا على جمعية ابن باديس بخبول لشيء في نفسه يعلمه ونعلمه، وآخر خزعبلاته ما كتبه في العدد الصادر يوم 14/04/2019 من "جريدة العرب" التي تفتح صفحاتها لأكثر الأقلام الحداثوية والعلمانية، وتضيق بالرأي الآخر المخالف للعلمانية المتطرفة في خطابها حيث قال:
"من الأساطير المؤسسة للأمة الجزائرية والتي انتهك سريرها أيضا، جمعية" العلماء المسلمين الجزائريين"، والتي يجب تحريرها من مغتصبيها المعاصرين، خاصة ونحن في مرحلة أصبح فيها "الإسلام السياسي" مركبا لكل من هب ودب، والدعوة إلى إعادة "جمعية العلماء المسلمين" للمدرسة التاريخية هو مساهمة في تحرير الديني من السياسي".
تالله إن أمين الزاوي لن يتوب من ضلاله القديم-إلا أن يشاء الله-، ولا بد أن يدرك هو وأمثاله أن جمعية
لعلماء ما انقطع سندها الذهبي إلى ابن باديس وصحبه بعد عودتها، فقد أعادها رجال تربوا في مدرسة الإصلاح الباديسية أمثال المشايخ حماني ومغربي ومزهودي ومطاطلة وشيبان وبشنون ورمضان وقسوم وغيرهم مئات من العلماء والمشايخ المتخرجين من هذه المدرسة العريقة، وهم بدورهم أعدوا جيلا من الباديسيين الذين سيستأنفون المسيرة-بإذن الله- على نفس النهج الوسطي المعتدل الذي يفهم الإسلام فهما شاملا بعيدا عن "الدروشة" والتدين المغشوش بالأساطير والشعائر المزيفة، هذا الجيل الذي يرى في الإسلام وشريعته منهاجا صالحا لسياسة الدولة التي تحترم الإنسان وحقوقه، وتربطه بربه الذي له الخلق والأمر رغم أنف الزاوي والعلمانية..!