مؤتمر قطر الدولي يناقش أسئلة النهضة في فكر مالك بن نبي
بقلم: محمد مصطفى حابس-
هل مالك بن نبي ضحية لأفكاره الجادة الأصيلة؟ أم لأسلوبه ومنهجيته الصارمة؟
أم للأمية الثقافية والحضارية التي كانت تعيش فيها قطاعات واسعة من الأمة؟
كيف تنهض المجتمعات والأمم وتحقق ريادتها وتأثيرها الحضاري؟ كيف تفقد المجتمعات والأمم نهضتها الحضارية وتدخل في ليل الغثائية والتبعية الحضارية المهينة؟ لماذا فقدت المجتمعات الإسلامية نهضتها الحضارية؟ وما هي التبعات المترتبة على ذلك؟ وكيف تستعيد هذه المجتمعات نهضتها الحضارية من جديد؟
تلك هي الأسئلة المحورية التي يدور حولها كتاب “شروط النهضة” الذي صدر منذ ما يزيد عن سبعين سنة حيث كان المفكر الكبير مالك بن نبي مهموما بشروط النهضة الحضارية للمجتمعات الإسلامية المعاصرة، وبمخاطر النزعة المادية والاستعمارية للحضارة الغربية المعاصرة. يشارك في هذا المؤتمر الدولي نخبة من الباحثين البارزين وتلاميذ مالك بن نبي مدة 3 أيام في جامعة حمد بن خليفة القطرية أي من 2 إلى 4 فبراير 2019م. من هذه الشخصيات معالي داتو سري أنور إبراهيم نائب رئيس الوزراء الماليزي الأسبق، ومعالي الدكتور أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء التركي الأسبق، والشيخ راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة التونسي، والدكتور عماد الدين شاهين رئيس المؤتمر وعميد كلية الدراسات الإسلامية، والمفكر الإسلامي الدكتور الطيب برغوث الذي قدم المحاضرة الرئيسية الأولى للمؤتمر، وبحضور مميز لبنتي مالك بن نبي وأصدقاء دربه يتقدمهم الأستاذ محمّد رفعت الفنيش الليبي، والأستاذ عمر مسقاوي المشرف على نشر كتب بن نبي.
فيما حضر من الجزائر وفد مكون من ستة أو سبعة باحثين من بينهم الدكتور عمار جيدل والشيخ توهامي ماجوري، فيما تغيبت قامات مهمة أمثال الدكتور عمار طالبي الذي زامل في القاهرة مالك بن نبي رحمه الله في خمسينيات القرن الماضي.
من بين الأوراق المشاركة “أطروحة شروط النهضة على خط السننية الشاملة” لـ الطيب برغوث، و”أمراض الثقافة الإسلامية في سؤال نهضة عند مالك بن نبي” لـ محمد عبد الحليم بيشي، و”نظرية الثقافة عند مالك بن نبي: قراءة في جدلية العلاقة بين نظام الأفكار وشروط النهضة” لـ أبو بكر إبراهيم، إلى جانب ورقة بعنوان “شروط نهضة المرأة في الحضارة الإسلامية في ضوء كتاب بن نبي” لـ صالحة عبد الله، و”مشروع النهضة في فكر بن نبي وتمثلاته لدى النخبة الجامعية الجزائرية” لـ طاهر سعود صاحب كتاب “الحركات الإسلامية في الجزائر”، و”جوانب اقتصادية في فكر بن نبي” لـ محمد علي الفنيش، و”هل توجد شروط النهضة في السياسة الدولية اليوم؟” لـ عبد الله الأحسن”، وغيرها من البحوث المهمة.
وكاتب هذه السطور لا يبوح سرا إذا قال أنه متأسف جدا لعدم تمكنه من الحضور مع هذه الكواكب النورانية، علما أن بحثه قبل من بين الـ30 بحثا الأوائل، وتعذر حضوره في آخر لحظة، أي بأسبوع قبل انطلاق أشغال المؤتمر، وكان بحثي مهتما بجانب غاية في الأهمية للناطقين بالفرنسية، بعنوان:”مالك بن نبي وسؤال الحضور والغياب في الساحة الثقافية الفرنكوفونية”.
وتأتي أهمية بحثي بالساحة الفرنكوفونية لعدة اعتبارات موضوعية، لأنه بحسب لغة الدراسة الجامعية وما قبل الجامعية لمالك بن نبي، وبحسب لغة التأليف والكتابة الصحفية، وبحسب القراءات المعرفية المبكرة وما بعدها، وبحسب لغة الاحتكاك الاجتماعي لفترة طويلة في عمق المجتمع الفرنسي، فإنه يعتبر فرانكفونيا من هذه الزوايا كلها، لأن اللغة التي كان يستعملها بتمكن، ويتواصل مع عالمها الثقافي الخاص بتمكن، ومع العالم الثقافي الغربي المعاصر بصفة عامة هي اللغة الفرنسية، ولن تفهم مؤلفات مالك إلا باللغة الأم التي كتبت بها في أول عهدها مهما كانت الترجمات.
لا ننسى أنه بالنظر إلى القدرات الفكرية العالية، وإلى اللغة الأدبية الراقية، وإلى المنهجية العلمية الدقيقة، وإلى جدية الموضوعات المطروقة، فقد كان يفترض أن يحتل مالك بن نبي مكانة مرموقة في الساحة الثقافية الفرنكوفونية، كغيره من كبار الأدباء والمفكرين الفرنسيين وغيرهم من أبناء المستعمرات التي كانت تدور في الفلك الفرنسي.
ولهذا فإن الأسئلة الكبيرة التي تطرح نفسها هنا بجدية في ورقتي وحاولت الإجابة على بعضها، وهي تحتاج إلى بحث ودراسة وتفسير واعتبار هي:
هل استطاع مالك بن نبي أن يسجل حضورا في الساحة الثقافية الفرنكوفونية في الجزائر والمغرب العربي خاصة، وفي العالم الفرنكوفوني عامة؟ أين هي تجليات هذا الحضور على مستوى النخب والمجتمع؟
وإذا كان لفكر مالك حضور فهل يتناسب مع الإمكانات الفكرية العالية والكتابات النوعية التي أنجزها باللغة الفرنسية؟ وإذا كان حضوره باهتا أو هامشيا أو غائبا..فما سر ذلك كله؟ وما هي الدلالات الثقافية والسياسية والحضارية لذلك كله؟
بعدها تطرقت في ورقتي إلى المسؤوليات، الفردية و/أو المشتركة، متسائلا عن ما هي مسئولية مالك بن نبي ذاته عن ذلك الغياب أو تلك الهامشية؟ وما هي مسئولية النخب الفكرية والسياسية الفرنكوفونية عن ذلك؟ وأين مسئولية تلامذته من ذلك كله؟ هل كان مالك بن نبي ضحية لأفكاره الجادة الأصيلة؟ أم لأسلوبه ومنهجيته الصارمة؟ أم للأمية الثقافية والحضارية التي كانت تعيش فيها قطاعات واسعة من الأمة؟
هذه هي الأسئلة التي حاولت دراستي هذه طرحها والمساهمة في الإجابة عنها قدر الإمكان، من خلال محاولة تتبع آثار فكر الرجل في الساحة الثقافية الفرنكوفونية في الجزائر والمغرب العربي خاصة، والساحة الثقافية الفرنكوفونية عامة.
وأنا بحكم ازدواجية لغتي العربية والفرنسية، ووجودي في أوروبا (سويسرا) منذ فترة طويلة، واشتغالي في المجال الثقافي والإعلامي، واهتمامي بفكر مالك بن نبي رحمه الله منذ أزيد من ربع قرن، وحرصي على ربط أجيال المهاجرين بما هو جوهري ومفيد في فكره، أردت أن استكشف هذا الموضوع بهذه الورقة لعله يلقي بعض الأضواء على هذا الجانب في حياة مالك بن نبي ومصير فكره وتراثه، علما أن هناك اليوم اهتماما منقطع النظير في صفوف الأجيال الأخيرة للشباب الإسلامي في أوروبا وآسيا خاصة، تحتاج إلى تنوير ورعاية، ندعو الله أن يوفق أهل الخير لكل خير، ويكلل المؤتمر المبارك بما هو نافع للبلاد والعباد، والله يهدي إلى سبل الرشاد.