دور المسجد عند حركة الإصلاح
بقلم: الأستاذ نور الدين رزيق
إن وظيفة العلم أشرف الأعمال قدراً، وأسماها منزلةً، وأرحبها أفقاً، وأثقلها تبعةً، وأوثقها عهداً، وأعظمها عند الله أجراً.
وقد ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجلان رجل عالم ورجل عابد أيهما أفضل؟..
وهم ورثة الأنبياء آخذين بأهم تكاليف النبتة وهي الدعوة إلى الله عز وجلّ وتوجيهه الخلق وتزكيتهم بالعلم وترويضهم على الحق.
فإذا كان خلق الجبال أوتاداً للأرض ورواسي حتى تستقر وتستمر الحياة على ظهرها، قال تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا﴾[النبأ: 6/7].
فإن العلماء هم أوتاداً لهذه الأمة حتى لا تميل، ورواسي حتى لا تحيد عن مبادئها وقيمها الحضارية، فشموخ الأمة ورفعتها في رفعة علمائها، يقول علامة الجزائر محمد لبشير الإبراهيمي:" إن هذه الجبال آخر من أسلم وآخر من استسلم، وإنما أنبتت رجالا يشار إليهم بالبنان، ولا يجر عليهم أذياله النسيان".
هذه مناسبة طيبة وصدقة جارية ولبنة عالية وبذرة مثمرة، تدشين بيت من بيوت الله، قال جلّ في علاه:﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ *رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾[النور:36/37].
الإبراهيمي يصف المسجد فيقول:" إن الإسلام إنما شرع العبادات لتكون شواهد وبيّنات على العقائد الإيمانية، ثم جعل المسجد بيته ليكون مظهراً لتلك الشهادة فكل ما يقع فيه من صلاة، واجتماع لها، ومجالس مُدارسة وخطب فهو إعلان لتلك الشهادة، وكل ما يتصل به من محراب ومنبر ومئذنة وإمام فهو مؤدّ لتلك الشهادة، فيجب أن تتظاهر هذه الأشياء كلّها على الحق، وأن يكون بناؤها على أساس الحق حتى تكون شهادتها حقا على عقائد الحق، وإن كل ما يؤديه المسجد في حكمته الإسلامية فهو إقامة لدولة القرآن وتشييد القرآن ورفع لمنارة القرآن.." انتهى كلامهُ.
وقد سمي هذا المسجد على بركة الله باسم رجل من رجال الإصلاح، ونبتت من هذه الجبال كما عبر الشيخ الإبراهيمي: وهو سعيد الصالحي سعادة السفير.
والملاحظ في هذه السنوات الأخيرة عدة مساجد أصبحت تحمل أسماء رجال الإصلاح من الشيخ الأستاذ عبد الحميد بن باديس إلى العلامة البشير الإبراهيمي، والعربي التبسي، وعبد اللطيف سلطاني، وأحمد سحنون، وأحمد حماني، والقائمة طويلة، وهذا دليل على صحوة ضمير وعودة للذات ونافذة على ترسخ المرجعية لدى النشء.
بعد سنوات من الخلل والاضطرابات والتناقضات وانفصام في الشخصية، فاسم المسجد هو عنوان أهله وتوجه مريديه، منهج القائمين عليه، بحكم أنّه أول عمل قام به صلى الله عليه وسلم في المدينة النبوية وحصنه الحصين.
سمعت يوماً الشيخ أحمد سحنون وهو يوجه كلمة لوم للقائمين على مسجد من مساجد العاصمة حيث طالت مدّة تشييده وبنائه:"حي بلا حي ما هو حي".
والشيخ السفير ولا نعمة هذه المهمة وهو على طريق سلفه السفير الأول في الإسلام مصعب بن عمير رضي الله عنه.
لقد تفطنت حركة الإصلاح ممثلة في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين للخطر الداهم الآتي من وراء البحر، الناتج عن الهجرة الاضطرارية لسكان الجزائر والمناطق الجبلية بالخصوص حيث تجاوز العدد 150.000 شخص ومكوثهم هناك، وزواجهم بالأوربيات ينبت جيل لا صلة له بالوطن، ولا قيم أمته وثوابتها، نجد الجمعية توفد شخصية الورتلاني (أكتوبر 1936) إلى فرنسا لافتتاح فرع للجمعية وتأسيس نواد تهذيبية ثم عززت هذا النشاط بإرسال وفد من العلماء سنة 1937م ضم الشيخ السفير سعيد الصالحي اليعلاوي، ومحمد الصالح بن عتيق، وسعيد البيباني، والشهيد محمد الزاهي الميلي (جويلية 1960) حيث فتحت 15 نادياً بباريس وحدها.
فعمل الشيخ سعيد الصالحي ومرافقيه أيضا على فتح 7 مدارس بباريس تلقى فيه الدروس للطبقات المختلفة من قراءة وكتابة للعامة بالعربية والفرنسية ودروس لغوية ونحوية وجغرافيا وتاريخ فضلاً عن المواعظ والثقافة الإسلامية، ولم يكن هذا محصور بين الجزائريين بل شمل التونسي والمغربي وكل عربي مسلم.
الشيخ سعيد الصالحي في قصيدة وأنشودة ترحيب بالشيخ عبد الحميد بن باديس.
«أنشودة ترحيب بالشيخ عبد الحميد بن باديس»
أقبـل السعـد عـلـيـنــــــا والطربْ *** وتـراءى الـوفدُ فـي نـور القـــــــــربْ
وانـبرى يـنشـر مسكًا بـــــــــــالأدبْ *** فلـتعـشْ جـمعـيّةٌ للعُلَمــــــــــــــــا
أيـهـا الأعـلامُ طـال الـمـنـــــــتظَرْ *** فلهـيبُ الشـوق يرمـي بــــــــالشَّررْ
رغبةً فـيـمـا سنُحـيـي مـــــــن دُررْ *** فلـتعـشْ جـمعـيّةٌ للعـلـمـــــــــــــــا
هـاتِ يـا وفدُ الـبـيـانَ الأعذبــــــــا *** ذكِّرِ النشءَ بـمـا قـد ذهـبــــــــــــــا
وعـلى تطهـير ديـنٍ فـادأبــــــــــــا *** فلـتعـشْ جـمعـيّةٌ للعـلـمـــــــــــــــا
لا تَمِلْ يـا خـيرَ حـــــــــــزبٍ للفشلْ *** إن ديـنَ الله يـدعـو للعـمـــــــــــــلْ
فـارأبِ الصَّدع وأنِّبْ مَنْ كـــــــسِلْ *** فلـتعـشْ جـمعـيّةٌ للعـلـمـــــــــــــــا
عـاد ذا الـديـنُ غريبًا مـثلـمــــــــــا *** قـد بـدا [فلْنقتدٍ] بـالقُدَمـــــــــــــا
مـرحـبًا بـالغُربـاء العُظـمــــــــــــا *** فلـتعـشْ جـمعـيّةٌ للعُلـمــــــــــــــــا
يـا حُمـاةَ الـديـن قـد أبـهجنــــــــا *** مـوكبُ الإسلام إذ شـرَّفـنـــــــــــــــا
فلنكـنْ مـنكـم كـمـا كـنـتـم لنــــــــا *** فلـتعـشْ جـمعـيةٌ للعـلـمـــــــــــــــا
قـد قطعـنـــــــــــــا العهدَ لله بأنْ *** نهجـرَ النـومَ لإحـيـاء الــــــــــــوطنْ
فانْسنَـا يـا عصرَ شَرٍّ وفتــــــــــنْ *** فلـتعـشْ جـمعـيةٌ للعـلـمـــــــــــــــا
الشيخ سعيد الصالحي