الأديب المصلح محمَّد الطَّاهر التليـلي رحمه الله (1328هـ ـ 1424هـ)
بقلم: محمد طالبي-
الفرع الأوَّل ـ اسمه ونسبه ومولده:
أوَّلاً ـ اسمه ونسبه:
هو محمَّد الطَّاهر بن بلقاسم بن الأخضر ابن عمر بن أحمد بن قاسم بن أحمد التّليلي الفرياني(1)، ولقد اشتهرت أسرة الشَّيخ بلقب: «التّليلي»، وهو نسبة إلى أولاد تليل، وكلُّ منسوب إليها يسمَّى «تليلي».
ومـن هنا سمِّـي وعُرِف شيخنا بمحمَّد الطـَّاهر ابن بلقاسم التّليلي(2)، وقد ذكر الشَّيـخ أنَّ جدَّ الأسرة «تليل» يتَّصل عمود نسبـه وأصل شجـرته بالخليفة الثَّالث(3) عثمان بن عفَّان رضي الله عنه.
ثانيًا ـ مولده:
وُلِد التّليلي في بلدة قمار، عند منتصف اللَّيلة السَّادسة من شهر ذي الحجَّة، أي قبل عيد الأضحى بأربعة أيَّام، سنة 1328هـ من هجرة النَّبيِّ المصطفى صلى الله عليه وسلم، الموافق لسنة 1910 ميلاديَّة(4).
الفرع الثَّاني ـ نشأته ووفاته:
أوَّلا ـ نشأته الأوَّليَّة:
لقد نشأ الشَّيخ محمَّد الطَّاهر بين أحضان أسرة عريقة شريفة، دينيًّا ودنيويًّا، وقد كان من عادة أهالينا بوادي سوف أنَّ الطِّفل إذا بلغ خمس سنوات يهيِّئه والده للدِّراسة في الكتاتيب(5) ـ خاصَّة إذا ظهرت عليه عوامل النَّجابة ـ، وهذا بالفعل ما وقع لشيخنا التّليلي.
قال رحمه الله: «... أدخلني والدي(6) بإشارة جدِّي لأبي(7) كتَّابَ القرية المعروف إذ ذاك بجامع الطَّلبة(8)وكان المؤدِّب فيه الشَّيخ المرحوم السَّيِّد أحمد بن حمّ الأخضر بن المحنّط، المتوفَّى حوالي سنة 1342هـ»(9).
وقد قضى الفتى التّليلي في هذا الكُتَّاب سنة كاملة، ولكن جدُّه الشَّيخ الأخضر ابن عمر أمرَ بإخراجه من الكتَّاب ليباشر تعليمه بنفسه على حسْب ما يراه الأنجح والأصوب.
قال الشَّيخ رحمه الله: «خرجت من الكتَّاب المذكور بأمر من جدِّي إذ لم يرَ فائدة في الاستمرار على هذه الطَّريقة المختارة عندنا(10) وأخذ هو على نفسه أن يباشر تعليمي مباشرة»(11).
ومن حسن حظِّ الفتى أنَّ جدَّه كان من حفظة كتاب الله عز وجل ـ ومن الَّذين جعلوا الدُّنيا وأشغالهَا وراء ظهورهم ـ، فواصل معه في الحفظ إلى سورة الأعراف، وبعد ذلك لم يستطع الجدُّ مواصلة التَّعليم، قال الشَّيخ رحمه الله: «وعندها ـ بعد حفظ خمسة وأربعين حزبًَا من القرآن ـ عجز الجدُّ كلَّ العجز عن إتمام ما كان يؤمِّله من تأديبي وتعليمي مباشرةً وعلى يده، فأشار عليَّ بالذَّهاب إلى كتَّاب الشَّيخ الطَّيِّب بن الحاج عليّ بن الزَّا(12)»(13).
ومن حسن حظِّ الفتى ـ أيضًا ـ أنَّ هذا المؤدِّب كان تقيًّا، ورعًا، عالِمًا، فقيهًا، له إلْمَام بمبادئ العلوم العربيَّة؛ فاستفاد منه كثيرًا، وواصل معه حِفظ القرآن وبقي على هذا سنة كاملةً، ومع ذلك لم ينقطع الفتى عن الشَّيخ الجدّ الَّذي كان يتفقَّد تَكراره وأعماله المرَّة بعد المرَّة، إلى أن عجز رحمه الله عن التَّفقُّد تمامًا، عندئذ وجَّه الفتى وِجهته كلَّها إلى الشَّيخ الطَّيِّب، وكان مع ذلك يحضر دروس الشَّيخ محمَّد بن السَّائح اللقاني(14) وكذا دروس الشَّيخ العلاَّمة عمَّار بن الحاج عبد الله ابن الأزعر(15)، الَّذي قدم إلى قمار سنة 1342هـ، ولَمَّا كان للفتى ميول ورغبة إلى تعاطي العلوم العربيَّة بسبب التَّحفيز الَّذي وجده من جدِّه، لازم دروس الشَّيخ أحمد القا(16)رحمه الله في النَّحو خصوصًا.
وبقي الفتى على هذه السِّيرة إلى أن حان موعد الرَّحيل إلى الزَّيتونة طالبًّا للعلم محقِّقًا لأمنية جدِّه، قال الشَّيخ رحمه الله: «وإلى هنا ينتهي بي عُمر الكُتَّاب والمحضرة وحياة العصا والمؤدِّب»(17).
قلت: ومن هنا تبدأ نشأته العلميَّة وتلقي العلوم والمعارف كما سيأتي.
ثانيا ـ وفاته:
فاضت روحه الطيِّبة مساءَ ليلة الأربعاء الثَّامن عشر من شهر رمضان المعظَّم، عام ألف وأربعمائة وأربعة وعشرين من هجرة النَّبيِّ المصطفى صلى الله عليه وسلم، الموافق للثَّاني عشر من نوفمبر عام ألفين وثلاثة ميلاديَّة، نسأل الله أن يتغمَّده برحمته وأن يلحقه بمواكب أسلافه من الأنبياء والمرسلين والصِّدِّيقين والشُّهداء والصَّالحين وحسُن أولئك رفيقًا(18).
الفرع الثالث ـ نشأته العلمية(19) ورحلاته:
أوَّلاً ـ نشأته العلميَّة:
يمكن تقسيم هذه النَّشأة العلميَّة إلى مرحلتين:
1 ـ المرحلة الأولى: نشأته في بلدته بين من عاصرهم من المشايخ ـ خاصَّة عمَّار بن الأزعر ـ، وتبدأ من السَّنة الخامسة من عمره، أي سنة (1333هـ ـ 1915م) إلى سنة (1346هـ ـ 1927م).
2 ـ المرحلة الثَّانية: نشأته في تونس، بلد العلم والعلماء وقتئذ،وتبدأمن سنة (1346هـ، 1927م) إلى سنة (1353هـ، 1934م)، وتعدُّ هذه المرحلة في حياة الشَّيخ رحمه الله هي المرحلة الذَّهبيَّة، وكيف لا؟! وقد اتَّسعت فيها أفكارُه، وقوي فيها إدراكه، ونضج فيها عقله، ودامت سبع سنوات بالجامع الزَّيتوني بتونس.
ثانيًا ـ رحلاته:
سيرًا على سُنَّة الأوَّلين في الرِّحلة لطلب العلم، كانت وجهةُ الشَّيخ محمَّد الطَّاهر رحمه الله إلى تونس الخضراء، بلد العلم والعلماء وقتئذ، والَّتي كانت قِبلة طُلاَّب العلم من قرية قمار خاصَّة، لذا اكتفى الشَّيخ بالرِّحلة إليها، ولم يرحل إلى غيرها(20)، اللَّهمَّ إلاَّ رحلته لأداء فريضة الحجِّ، ولم يذكر أنَّه التقى فيها بعلماء، فضلاً على أنَّه تلقَّى عنهم، خاصَّةً وأنَّها كانت في سنين متأخِّرة عن أيَّام الطَّلب، بل بعد عزلته الَّتي اختارها لنفسه... وكان حجُّه سنة 1398هـ، الموافق لـ: 1978(21).
الفرع الرَّابع ـ شيوخه وتلاميذه:
أوَّلاً ـ شيوخه:
1 ـ شيوخه في بلدة قمار:
ـ أحمد بن حمّ الأخضر المحنط.
ـ الأخضر بن عمر بن ميدة.
ـ الطَّيِّب بن الحاج علي بن الزَّا.
ـ محمَّد بن البُريَّة الزُّبيري(22).
ـ محمَّد اللَّقاني بن السَّائح.
ـ محمَّد العزُّوزي بن الصَّادق الحُوحو.
ـ أحمد بن محمَّد القَا.
ـ عمَّار بن عبد الله بن الأزعر.
وهؤلاء الثَّمانية هم أبرز شيوخه بقمار، فمنهم تعلَّم وعليهم أخذ، خاصَّة جدُّه الأخضر ابن عمر ميده، والشَّيخ عمَّار بن عبد الله الأزعر(23).
2 ـ شيوخه في جامع الزَّيتونة بتونس:
ـ محمَّد العربي الدرعي.
ـ إبراهيم النيفر.
ـ عثمان بن المكي التَّوزري(24).
ـ محمَّد البشير النيفر.
ـ محمَّد العزيز النيفر.
ـ محمود بن قاسم ساكيس.
ـ محمَّد الزغواني.
ـ معاوية التَّميمي.
ـ محمَّد الصَّادق الشطِّي.
ـ حسن بن يوسف.
ـ عثمان بن الخوجة.
ـ الطَّاهر بن عاشور.
ـ محمَّد بن يوسف.
ـ علي بن الخوجة الأصهب.
هذه أسماء أبرز شيوخه بجامع الزَّيتونة، فمنهم المشتهر بالفقه؛ كالشَّيخ معاوية التَّميمي، والشَّيخ صالح العسيلي، ومنهم من اشتهر بجمع علوم القرآن والتَّفسير؛ كالمفتيين محمَّد الطَّاهر بن عاشور، ومحمَّد بن يوسف، ومنهم المشتهر بالأدب والتَّاريخ.
3 ـ شيوخه بتونس خارج جامع الزَّيتونة:
لم يكتفِ شيخنا بالدُّروس الَّتي كان يأخذها بجامع الزَّيتونة؛ لأنَّ همَّتَه في طلب العلم كانت أكبر من ذلك؛ لذا كان يلازم الحضور والمثابرة على محاضرات ودروس:
ـ الشَّيخ العربي الكبادي.
ـ الشَّيخ عثمان بن الكعاك(25).
ـ حسن حسني عبد الوهاب.
ـ الحسن بن شعبان.
ـ حمد بن عمار التَّوزري.
ثانيًا ـ تلاميذه:
لقد تتلمذَ على يد شيخنا جيش من المتعلِّمين في المدارس النِّظاميَّة بالعاصمة، وتقرت، وعنَّابة، والوادي، وخاصَّة بمدرسة النَّجاح التَّابعة لجمعيَّة العلماء المسلمين الَّتي تخرَّج منها ثلَّة من المثقَّفين هم اليوم عُدَّة البلاد في ميادين مختلفة من العلوم الدنيويَّة كالفيزياء وغيرها(26)، وأمَّا العلوم الدِّينيَّة فلا أعلم أحدًا برز فيها.
الفرع الخامس ـ عقيدته ومذهبه الفقهي:
أوَّلاً ـ عقيدته:
إنَّ ما وقفتُ عليه من مؤلَّفات الشَّيخ رحمه الله لم أرَ فيه صريح عبارةٍ، أو وُضوح إشارةٍ تُنمي عن انتسابه إلى فرقةٍ من الفرق أو جماعةٍ من الجماعات(27)، بل كان رحمه الله يوطِّنُ نفسه ويدعو غيره للعمل بالإسلام الصَّحيح، القائم على كتاب الله عز وجل وسُنَّة نبيِّه ﷺ.
قال رحمه الله: «وأمَّا أنا فالَّذي يهمُّني هنا والَّذي أعتقدُه وأرجو أن ألقى الله به وأن يرضاه منِّي وأن يثبِّتني عليه؛ هو إخلاصٌ في اعتقادي أنَّ الدِّين عند الله الإسلام، وأنَّ من يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه، وأنَّ الله أكمل لنا ديننا، وأتمَّ نعمته علينا بهذا الدِّين يومَ هدانا إليه ورضيه لنا دينًا، وأنَّ أصول هذا الدِّين وقواعده وأمَّهات مسائله وكلُّ ما يحتاجه المسلم من أمور الدُّنيا والآخرة كلُّها مستوعبة بوضوح وبيانٍ في كتاب الإسلام ودستوره العظيم ألاَ وهو القرآن العزيز الَّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد»(28).
ثانيًا ـ مذهبه الفقهي:
إذا نظرنا إلى الكتب الَّتي تتلمذَ عليها الشَّيخ من صباه على يد جدِّه وشيخه عمَّار ابن الأزعر إلى تخرُّجه من جامع الزَّيتونة بتونس، لا يشكُّ أحد أنَّه مالكيٌّ حتَّى النُّخاع، لكن من اطَّلع على كِتابه مسائل فقهية ـ هو مجموعة من فتاويه ـ ليَرَى أنَّه مالكيٌّ إذا كان الدَّليل من الكتاب والسُّنة يوافق مذهب المالكيَّة، وإلاَّ فإنَّه يدُور مع الدَّليل حيث دَارَ.
الفرع السَّادس ـ آثاره الإصلاحيَّة:
أوَّلاً ـ منشأ حياته الإصلاحيَّة:
قال شيخنا في ترجمته لنفسه: «والفضل الأكبر في تأديبي وتثقيفي وتربيتي التَّربية الإصلاحيَّة الدِّينيَّة الوطنية يرجع إلى الشَّيخ عمَّار بن الحاج عبد الله الأزعر، فهو الَّذي نشر الإصلاحَ والدِّين الصَّحيح في الأوساط الصَّحراويَّة بسوف، وعلى الأخصِّ بقمار، وتخرَّج عليه الكثير من طلبة قمار، علمًا وأدبًا وإصلاحًا وخلقًا؛ فكان حامل لواء الجهاد العلمي والإصلاحي في سوف، وكنَّا جنودًا له ومن ورائه، وكان شديد الوطأة على المبتدعين والطُّرقيِّين والقبوريِّين ومن لفَّ لفَّهم وجرى خلفهم، وبتلك الشِّدَّة، وهاتيك الوطأة؛ ترك أثرًا إصلاحيًّا في قمار، لا يمكن أن يُمحى منها مهما طالتِ السُّنون وتعاقبت الأجيال، وكانت قِبلة قمار وعامَّة قُرى سوف عشَّ البدع والضَّلالات ووكْرَ الطُّرقيَّة الضَّالة المُضِلَّة؛ فكان الصِّراع في قرية قمار بين الحقِّ والباطل والإفساد طويلاً ومستمرًّا...»(29).
ثانيًا ـ أبرز مواقفه الإصلاحيَّة:
1 ـ من مواقفه الإصلاحية في المجال الدِّيني:
ـ سعيُه الحثيث المتواصل في الدَّعوة إلى اتِّباع الحقِّ ونبذ الابتداع، كما في رسالته الشِّعرية الَّتي بعث بها إلى أحد الشُّيوخ ينصحُه قائلاً:
أيُّهـــا الـطّـــالـب مَهـلاً *** لا تُضف للجهلِ جهلاً
واسألــنْ للــعـلـمِ أهلاً *** إنَّـهــم أهلُ اليقـينْ
إلى أن قال:
أيُّــهـــا الرَّاعـــي يراعِــي*** أنْــــت مَـــســــــــؤولٌ وراعِ
فـــاتــَــــــــقِ الـلــه وراعِ *** وقــفــةً فــــي يــــومِ ديـــنْ
إلى أن قال:
لا تــــكـــنْ مـخـــتـرعًـــــا *** شـــــــارعًــــــا مُـبـــــتـدعًــــا
أو لــــه مُــــتــــبـعًــــــــا *** فتُرى في الخاسريــــنْ(30)
ـ وقال في قصيدة أخرى تفكَّر فيها ماضيه القديم ودعوته النَّاس إلى الاستقامة على الكتاب والسُّنَّة ونبذ ما خالفها:
طريقةُ الله في القــرآنِ واضحةٌ *** لو استقمتُم عليها نلتمُ الأرجــــا
دعُوا الطَّرائق والسُّبل التي ابتعدت*** عـن السَّبيل سبيـلِ الله منتهجا
وجانبُوا ما استطعتم كلَّ محدثــة *** فمــن تجنَّبهــا فـي نعلــهِ فلجــا
فكلُّ محدثـة في الدِّين مرجعُها *** إلى الضَّلال فويلٌ للذي دَلجـا(31)
ـ حثُّه في دروسه ومنظوماته على حفظ القرآن الكريم كما قال في ديوانه:
ومن يحفظِ القـــرآنَ كــان دليلَهُ *** وحـــجَّــتــه يــوم التَّكلـم بــالحُجج
وكـان له سيفًـا حسامًـا لمنْ لهُ *** تصدَّى بإلقاء الشـُّـكوك من الهمج
وكان لــــه عــنــدَ التَّـــفكر عبرة *** وموعظة تهديـه إلى الطِّيب الأرج
وكــان له وقـتَ الـمشِيب عبادة *** وذكرًا به تحيَا الموات منَ المهج(32)
ـ توليه منصب الإمامة والخطابة بالمسجد الكبير(33)، وفيه رتَّب رحمه الله برنامجًا علميًّا تربويًّا نافعًا، أين جعل دروس التَّفسير ليلة الأحد وليلة الاثنين، ودروس الأحاديث النَّبويَّة ليلة الثُّلاثاء والأربعاء، ودروس الفقه ليلة الخميس والجمعة، وأمَّا الخطب؛ فإنَّها تدور حول التَّصفية والتَّربية أو كما عبَّر عنها الشَّيخ رحمه الله: «التَّخلِّي والتَّحلِّي»(34)، يعني التَّخلِّي عن العادات الجاهليَّة والتَّحلِّي بالأخلاق المرضيَّة، ومنهج التَّخلِّي والتَّحلِّي هو في الحقيقة ما يعبِّر عن كلِّ مواقف الشَّيخ الإصلاحيَّة.
2 ـ من مواقفه الإصلاحيَّة في المجال الاجتماعي:
وإليك أبرز مواقفه الإصلاحيَّة الاجتماعيَّة:
ـ سعيُه الدَّؤوب المشرق في جمع الكلمة واتِّحاد الصَّفِّ ونبذ التَّفرق بين أبناء الأمة الواحدة، وعلى هذا كان يربِّي تلاميذه بمدرسة النَّجاح، حتَّى إنَّه في سنة 1950م، وبمناسبة ختم الدُّروس كتب قصيدةً غايةً في الإبداع دعَا فيها إلى جمع الكلمة ووحدة الصَّفِّ؛ فقال:
ولتسمعُوا قبلها نصحي ينبِّهكُم *** فربَّ ناصح قوم نصحُه عذُبـــا
إنّي لأنصحُكم يا قوم فاتحدُوا *** وطاردوا عنكم الأحقادَ والغضبا
وكافحُوا كلَّ شيطانٍ يفرِّقكُم *** بالعفو طوْرًا وبالهجرانِ إن دأَبا
داء التَّفرُّق ما حلت جـراثـمه *** في الشّعب يا قوم إلاّ انحـلَّ وانشعَبا
وجنِّبُوا عنكم حمراءَ فتنتِكم *** فإنَّها النّارُ لا تُدنوا لها الحطَبَا
كفُّوا عن السُّوء واسعوْا في مفاهَمَة *** لخيـرِ أوطانكُـم فالأمرُ قد حزبا(35)
لَمَّا كان صلاحُ المجتمع ينبعُ من صلاح الأسرة، وصلاحُ الأسرة قائم على صلاح الأمِّ الرَّاعية في بيتها، كان الشَّيخ ينصحُ ويوصي الفتاة بالتَّديُّن الَّذي هو سمة عفَّتها وصلاحها، وممَّا قاله في وعْظه لها:
إنّ الــتّــديــــــــــن حــلـــيــــــــــة *** أجــمــل بــهـــــا عــنــد الفتاةِ
فــتــدِيـــن ديــــــن مــحـــمَّــــد *** دِيـــن الــتَّـــمــدن والحيــــــاةِ
إلى أنْ قال:
والأُسْــــوة الحـــســنى لـهـــا *** في نســوةِ السَّلف الثِّقــــاتِ
وبــــأمَّـــــــهــــات الـمــؤمِـــنيـ *** ــنَ في كلِّ شأنِ المؤمناتِ
في الدِّين أو في الخُــــلقِ أو *** في البـاقـيــــاتِ الصالحاتِ
وختمها بقوله فيمن اتَّصفت بما ذكره في أوَّل قصيدته:
وهي الَّتي يَسْمُو بهـــــا الـْـ *** إسلام في كلِّ الجهاتِ(36)
وفي سنة 1935هـ كتب شيخنا لتلاميذه بكمبيطة قصيدةً حثَّ فيها على اقتفاء منهج السَّلف في النُّهوض بالمجتمع الإسلاميِّ، مع الاهتمام بتربية الفتاة أمِّ الغد؛ فقال:
يا ابـــن الجـزائـــر لا تخـــفْ *** وانهضْ كما نهضَ السَّلفْ
فـالعــصْــر جـــاء وقــدْ سَلفْ *** يـسـتـنــهِـضُ الأجــيــالاَ
إلى أن قال:
واحرِصْ على أدبِ الفَتاةِ *** واسبَــحْ بها بحـرَ الحيـــاةِ
فهْــيَ السَّفينــةُ لـلنَّــجاةِ *** إنْ أُحكِمــــتْ أَوصــــــلاَ
الـبـنـتُ أمّ فـــي الـــغـــدِ *** وبهـا الــجزائــرُ ترتــــدِي
ثـوبَ العُـــــلا والـــسُّــؤددِ *** من فــوقِهَــا سِــــربـــالاً
ولـدِينـهَا فـــي نــفسِهـــا *** فـي أهلها فــي جِنسهَا
أدبٌ يُـحيـطُ بــقدسِهــــــا *** يستــوعــبُ الأعـــمــــال
فــالشَّعب إنْ لمْ يحتـــــذِ *** بفـــتـــاتِــــه حـذْوَ الـــذِي
سـادَ القـبــــائـلَ ذَا وذِي *** لــم يطْعـــمِ استـــقْـــلالا(37)
الفرع السَّابع ـ أهُّم مؤلَّفاته:
1 ـ منظومات في مسائل قرآنيَّة، وهو الكتاب الوحيد الذي طبع.
2 ـ مجموعة تشتمل على مسائل في رسم القرآن وضبطه.
3 ـ قواعد وكلمات في الثَّابت والمحذوف في القرآن الكريم.
4 ـ رسائل في رسم الألف في القرآن كما في المصحف.
5 ـ التَّعليقات البيانيَّة على منظومات مسائل قرآنية.
6 ـ قواعد البيان في الثَّابت والمحذوف في القرآن على رواية ورش رحمه الله.
7 ـ منظومات تربوية للمدارس الابتدائيَّة.
8 ـ سلَّم الوصول إلى ورقات الأصول.
9 ـ نظم متن الاستعارات للسَّمرقندي.
10 ـ ديوان الدُّموع السَّوداء.
11 ـ شواهد الكلمات العاميَّة من اللُّغة العربيَّة الفصحى.
12 ـ بدائع الجنان واللِّسان في غريب الألفاظ ومسائل القرآن.
13 ـ زهرات لغويَّة من الألفاظ الكتابيَّة لعبد الرَّحمان الهمذاني.
14 ـ إتحاف القارِي بحياة خليفة بن حسن القماري.
الهاومش:
(1) هي نسبة إلى بلدة تونسية، تقع في الجنوب التونسي قرب مدينة قفصة، وقد ذكر الشَّيخ في ترجمته أنَّ أسرته انحدرت إلى سوف من هذه البلدة، والجدُّ الَّذي وصل إلى وادي سوف من هذه العائلة هو: أحمد التّليلي، انظر: «هذه حياتي»، محمَّد الطَّاهر التّليلي، (ص2).
(2) هي نسبة لأسرة «سيدي تليل»، الَّذين لهم زاوية بفريانة، قال الشَّيخ في ترجمته: «ما زالت ـ أي هذه الزَّاوية ـ حتَّى اليوم وبعد اليوم مشهورة بالعلم والتَّعليم وقد تخرَّج منها علماء كثيرون انتشروا في البلاد التونسيَّة وفي الشَّرق الجزائريِّ» اهـ. [«هذه حياتي» محمَّد الطَّاهر التّليلي (ص2).
(3) جاء في «مجلة العرب»: [(ج11 و12)، (س40) الجماديان سنة 1426هـ (ص739)]: «أنَّ الشَّيخ محمَّد الطَّاهر أصله عربيٌّ، من نسل الخليفة أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه»، وهذا يخالف ما أثبتناه في الأصل وهو الصَّحيح استنادًا إلى ما ذكره الشَّيخ في ترجمته لنفسه ولما ذكره الدُّكتور أبو القاسم سعد الله نفسه في تقديمه لكتاب «مسائل قرآنيَّة»، حيث قال عن سيدي تليل الَّذي من نسله ولد الشَّيخ محمَّد الطّاهر: «...والَّذي نسبَه النَّاسبون إلى الخليفة عثمان ابن عفَّان رضي الله عنه» فيكون ما جاء في تلك المجلَّة خطأ اقتضى التَّنبيه عليه.
(4) «هذه حياتي» لمحمد الطاهر التليلي (ص2).
(5) هذه الكلمة ونحوها كـ: «المُؤَدِّب»، كلُّها مشهورة بالدِّيار التُّونسيَّة، كما أخبرني بذلك الأستاذ محمَّد التِّجاني زغودة.
(6) هو بلقاسم بن الأخضر بن عمر والد شيخنا رحمه الله.
(7) هو الأخضر بن عمر بن أحمد جدُّ شيخنا رحمه الله.
(8) مازال هذا المسجد يحمل اسم «مسجد الطَّلبة» حتَّى اليوم، ولكن شهرته بغير هذا الاسم، فالكثير يسمِّيه «مسجد الغوَّار»، وهي نسبة لإمامه العيد غوري الذي تولَّى إمامته من سنة 1962م حتَّى أخذ تقاعده سنة 1996م، ثمَّ تطوَّع لإمامة المسجد (7 سنوات) بعد تقاعده، حتَّى أدركه العجز؛ فسلَّم الأمانة إلى أهلها في شهر جويلية (2003م).
(9) «هذه حياتي» محمَّد الطَّاهر التليلي (ص5) ـ مخطوط.
(10) وهي أنَّ الطِّفل يُلزم بتعلُّم الخطِّ والقراءة دون الحفظ.
(11) «هذه حياتي» محمَّد الطَّاهر التّليلي (ص6).
(12) هو الشَّيخ الطَّيِّب بن الحاج بن الزَّا، قضى أكثر عمره في تحفيظ القرآن وهو من تلاميذ الشَّيخ عمَّار ابن الأزعر، وكان يأكل من عمل يده؛ لأنَّه كان خيَّاطًا، وقد قرأ عليه الشَّيخ الطَّاهر القرآنَ من سورة الأعراف إلى البقرة، ثمَّ من البقرة إلى النَّاس، وعمل إمامًا للصَّلاة في مسجد يسمى «بيت الشَّريعة»، حتَّى عجز عن التَّعليم والإمامة؛ فقضى بقيَّة أيَّامه في داره، حتَّى توفَّاه الله في شهر ربيع الثَّاني من سنة 1389هـ عن عمر يناهز التِّسعين سنة، انظر: «مجموع مسائل تاريخية متفرقة تختصُّ بسوف» لمحمد الطَّاهر التليلي (ص98 ـ99) ـ مخطوط.
(13) «هذه حياتي» محمد الطاهر التليلي (ص8).
(14) هو محمد بن السَّائح اللقاني، ولد بنفطة، في تونس، سنة 1313هـ، وأصله من الطَّيِّبات، ودخل الزَّيتونة سنة 1334 هـ، وتخرَّج منها، ثمَّ درَّس في مسقط رأسه، ثمَّ عاد مدرِّسًا في الزَّيتونة، وله مجموعة هامَّة من الشِّعر الجزائري وأخرى من التُّونسي، وبقي مدرِّسًا حتَّى حضر أجله؛ فتوفيِّ سنة 1388هـ. انظر: «مجموع مسائل تاريخية» محمد الطاهر التليلي (ص104) ـ مخطوط.
(15) هو الشَّيخ العلامة عمَّار بن الحاج عبد الله بن الأزعر القماري السُّوفي، طلب العلم في الزيتونة ودرَّس بمسقط رأسه بعد عودته حتى كون حركة إصلاحية عظيمة، ولكنَّه اصطدم بعائقين منعاه من مواصلة دروسه؛ الأوَّل يتمثُّل في الطُّرقية، والثَّاني: الاستعمار الفرنسي الغاشم، هذا الأمر الَّذي جعله يرحل إلى المدينة النبويَّة ليُدرِّس فيها قرابة العشرين سنة حتَّى توفي بها سنة 1389هـ. [«مجموع مسائل تاريخية» محمَّد الطَّاهر التليلي (ص89 ـ 92 ـ مخطوط).
وانظر ترجمته في «مجلَّة الإصلاح»: عدد (7) [التَّحرير].
(16) هو الشيخ أحمد بن محمد القا، ولد سنة 1305هـ الموافق لـ: 1884م، كان ضريرًا، وذكاؤه خارقا للعادة، قرأ على شيوخ قمار كالشيخ عمار بن الأزعر، وكان يحفظ أغلب متون الكتب المقررة، توفي رحمه الله ربيع الأول 1360هـ الموافق لـ: 1939م. [«مجموع مسائل تاريخية» محمد الطاهر التليلي (ص89 ـ 92 ـ مخطوط).
(17) «هذه حياتي» محمد الطاهر التليلي (ص11).
(18) «العلامة المصلح محمد الطهر التليلي» مجموعة من المختصين (ص22)، «قراءات في سيرته وفكره وآثاره» إعداد مجموعة من المختصين، شركة مزوار، الوادي، د ط، د ت، (ص22).
(19) جميع المعلومات عن نشأة الشيخ العلمية أخذتها من كتاب «هذه حياتي» ـ مخطوط.
(20) لم يذكر الشيخ في ترجمته لنفسه أنه رحل إلى غير تونس لطلب العلم، وهذا ما أكَّده لي الأستاذان: محمد التجاني زغودة وعبد الرحيم سعد الله ـ حفظهما الله ـ.
(21) «الفوائد المنثورة من مطالعاتي المبتورة» محمد الطاهر التليلي (ص61).
(22) هو الشيخ محمد بن أبي القاسم الزبيدي المعروف بـ (سي محمد بن البرية) ولد سنة 1226هـ الموافق لـ: 1874م، كانت قراءته وثقافته في بلدة قمار، لم تكن له رحلة في طلب العلم وإنما درس على شيوخ قمار كالشيخ المكي بن عزوز والشيخ الأخضر بن الحسين، وله عدة أعمال أدبية ولكنه ما أظهرها هو في حياته ولا ظهرت كذلك بعد وفاته، فقد توفي سنة 1368هـ الموافق لـ: 1949م. [«مجموع رسائل تاريخية» محمد الطاهر التليلي (ص80 ـ 86).
(23) هذا الإمام هو أبرز شيوخه وقد سبقت ترجمته باختصار، ومن أراد التوسع أكثر فعليه بالجزء الثاني من كتاب، أعلام من أرض النبوة، لمؤلفه حسن بن يعقوب إبراهيم الكتبي الحسني، ففيه ترجمة وافية له رحمه الله.
(24) انظرْ ترجمتَه في «مجلَّة الإصلاح»: عدد (12) [التَّحرير].
(25) هو عثمان بن محمد الكعاك المؤرخ الأكاديمي الإداري من أكثر المشتغلين بالتاريخ الإسلامي في العصر الحديث ولد سنة 1321هـ الموافق لـ: 1903م بضاحية (قمرن) باحوز ـ تونس الشمالية تعلم بالمدرسة الصادقية، تحصل على عدّة شهادات كما تقلّد مناصب كثيرة لدى وزارة الشؤون الثقافية وغيرها وهو أول من كتب موجز التاريخ العام للجزائر 1344هـ، وأعظم أعماله: «الموسوعة العربية الكبرى»، وكذا «تاريخ الشمال الإفريقي»، وقد ألّف ما يناهز الأربعين كتابًا ، توفي رحمه الله سنة 1398هـ الموافق لـ: 1978م، انظر: «تتمة الأعلام للزركلي» محمد خير رمضان يوسف (2/ 44).
(26) «منظومات في مسائل قرآنية» محمد الطاهر التليلي (ص09).
(27) أخبرني ابنه عمر أن الشيخ رحمه الله كان يحزنُه انشقاق البلد الإسلامي الواحد إلى فرق وأحزاب وجماعات، قلتُ: رحم الله الشيخ فإنّه يدرك حقًا معنى قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾[آل عمران:103]، وقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِين * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون﴾[الروم:31-32]، فنسألُ الله -جل وعلا- أن يجمع قلوب المسلمين وكلمتهم على توحيد ربهم واتِّباع سنَّة نبيهم ﷺ، ومما يناسب ذكره هنا أن الشيخ رحمه الله ردّ في ديوانه على الزّمخشري المعتزلي حين مدح كشافه بقوله:
إنّ التّفاسير فـــي الدّنيـــــا بلا عددٍ *** ولـم أر فــيهـــا مـــثــل كشـافـــي
إنْ رمتَ الـــهـدى فـالـــزم قراءتــــهُ *** فالجهلُ كالدّاء وكشّافي كالشّافي
قال الشيخ في الرد عليه:
لو امَّحى منه ما قدْ ساء من أدبٍ *** لكان أولى بإنصافٍ من الصَّافي
لولا اعتزالٌ وطعنٌ من مـــؤلِّــفـــه *** لقلتُ بحرٌ ولكن موردٌ صــافــي
الصافي: هو تفسير لإمام من الشيعة محمد مرتضى المعروف بالشيخ ملا محسن الكاشي (ت1090هـ) فيه جزآن، انظر: «ديوان الدموع السوداء» محمد الطاهر التليلي، (2/ 26).
(28) «الهيئة المرعية في الأذكار الشرعية» محمد الطاهر التليلي (ص60 ـ 61) ـ مخطوط.
(29) «هذه حياتي» محمد الطاهر التليلي، (ص13 ـ 14/ مخطوط).
(30) «ديوان الدموع السوداء» محمد الطاهر التليلي (1/ 136 ـ 137).
(31) المصدر السابق (2/ 37).
(32) المصدر نفسه (2/ 27).
(33) وكان ذلك في 20 محرم 1357هـ/ الموافق لـ: 18 مارس 1938م.
(34) «هذه حياتي» محمد الطاهر التليلي (ص52).
(35) «ديوان الدموع السوداء» محمد الطاهر التليلي (1/ 10).
(36) «الدموع السوداء» محمد الطاهر التليلي (1/ 31).
(37) المصدر السابق (1/ 164 ـ 165).
* منقول من مجلة الإصلاح «العدد 13»