الأمير عبد القادر القائد الرائد: الأمير عالما ومؤلفا (4)
بقلم: أ.د. محمد بن سمينة-
عاش الأمير عبد القادر في القرن التاسع عشر، ومن ثم فقد سبق ظهوره بزوغ فجر النهضة الأدبية الحديثة في الجزائر التي تعود طلائعها إلى أوائل العشرينات من القرن العشرين، ولذلك فإن نتاجه الأدبي ينطبق عليه ما ينطبق على نتاج أدباء ما قبل هذه النهضة، (أواخر العهد التركي). إلا أن الأمير استطاع لوجوده على رأس المقاومة الوطنية أن يتحرر في تجربته الأدبية بعض التحرر- وخاصة في جانب المضمون- من بعض خصائص الأدب في ذلك العصر.
آثـاره:
أسهم الأمير بنتاجه في الصناعتين : النثر والشعر، فكان كاتبا وخطيبا وشاعرا . وقد ترك عددا من الأعمال في النثر وفي الشعر .
أولا - آثاره النثرية :
و من أهمها :
1-مذكراته : وقدكتبها الأمير أيام سجنه في (أمبواز) بفرنسا إجابة عن أسئلة وجهها إليه بعض الأساقفة الفرنسيين ، وشاركه في إخراجها كاتبه مصطفى بن التهامي .
وقد قام بتحقيقها وطبعها مؤخرا المرحوم الدكتور محمد الصغير بناني و آخرون. ( دار الأمة الجزائر 1985م)
2ـ المقراض الحاد لقطع لسان الطاعن في دين الإسلام من أهل الباطل والإلحاد : كتبه الأمير بالسجن في (أمبواز) بفرنسا ، و يعالج فيه موضوعا دينيا فكريا يشرح فيه بعض أصول العقيدة الإسلامية و يدفع عنها افتراءات المتعصبين ضدها .
3- ذكرى العاقل وتنبيه الغافل : ألفه الأمير بمدينة (بروسة) أثناء إقامته بها في أعقاب اقتراح تعيينه عضوا مراسلا في المجمع العلمي الفرنسي.دار اليقظة العربية بيروت 1966م.
4- المواقف : يشتمل على ثلاثة أجزاء، صنفه الأمير في آخر حياته بالشام بعد أن استقر به المقام بأرضها، فكان خلاصة تجربة رجل تقلب في كثير من ميادين الحياة عالما و قائدا و زعيما . وانتهى به موكب الجهاد على سفينة الأيام إلى التوجه نحو زاوية السلوك الصوفي والاعتكاف بين عرصات خلواته و الاستسلام لنوازعه وهواجسه . دار اليقظة العربية دمشق 1966.
ثانيا- آثاره الشعرية :
ديوانه : ويشتمل على الأغراض التالية: الفخر- الغزل- المساجلات- المناسبات- التصوف. وكان الأمير قد نظم معظم قصائده في مهاجره المختلفة. وقد قام بطبعه أول مرة ولده (الأمير محمد) في مصر بعنوان : (نزهة الخاطر في قريض الأمير عبد القادر)د-ت. ثم طبع طبعة ثانية بتحقيق الدكتور ممدوح حقي- دار اليقظة العربية-دمشق 1960م،ثم طبع طبعة ثالثة ورابعة.
إن المتأمل في محتوى ديوان الأمير ، يمكنه أن يسجل هذه الملاحظ :
1- إن معظم أغراض شعر الأمير، إنما هو فخر وتصوف وإخوانيات، وهذه الموضوعات- كما هو واضح- أغراض قديمة ، ذات اهتمامات خاصة لا يبدو من ورائها الحرص على التعبير عن العواطف الغيرية ، وتصوير القضايا الجماعية، كما لا ترقى معظم أعمال الديوان من حيث طرائق تناولها للمعاني ، ومن حيث وجوه الصياغة بهذه المعاني إلى أبسط مظاهر الحداثة، لمجيئها مثقلة بخصائص ما تقدمها من أشعار العصر التركي والعصر الذي سبقه : اضطرابا في التأليف ، ورتابة في التعبير ، واختلالا في الإيقاع ، فكانت بذلك تفتقر في معانيها وفي صورتها اللفظية إلى معظم مميزات طوابع المعاصرة في الأدب العربي الحديث، من تفتح على روح العصر ، ومسايرة لتطوراته و الاندماج في الواقع والتعبير عن قضايا المجتمع ، وتصوير طموحات أفراده ، مع شيء من الحرص على التحرر من بعض أغلال الصنعة والابتعاد عن بعض مظاهر التكلف والميل إلى شيء من السهولة والقرب والوضوح .
2- إن معظم أعمال الديوان، كان الأمير قد نظمه في مهاجره المختلفة بفرنسا (1) وتركيا (2) . ثم بالشام أخيرا . وإن القليل فقط من ذلك كان الأمير قد قاله في الجزائر أيام كان على رأس المقاومة الوطنية، يقود جهاد الشعب الجزائري ضد الغزاة الفرنسيين من ذلك هذه القصائد : (بنا افتخر الزمان)(3) ،(لبيك تلمسان) (4)،(بي يحتمي جيشي)) (5) ،(شددت عليهم شدة هاشمية)) (6) (طال ليلي يا أحبائي) (7)، (الباذلون أنفسهم) (8).
وإذا كان في بعض أشعار الأمير ما تتضوع منه أقسام البيئة الجزائرية في بعض ألوانها ، ويصور شخصية الأمير الجهادية بوضوح بيانه ، ويهز الوجدان الإنساني بصدق أحاسيسه ويمنع الذوق ببساطة صنعته ، فذلك ما يظفر به المتلقي في هذا القليل من أشعار الأمير الذي استطاع الأمير- لوجوده على رأس المقاومة الوطنية يومئذ- أن يمد بصره فيه إلى بعيد ويوفر له بعض الطعوم وبعض الألوان المميزة .
القيمة العلمية والأدبية لآثار الأمير: يمكن القول أن معظم مصنفات الأمير-كما رأينا- باستثناء أشعار الديوان تعالج قضايا عقلية وسلوكية (توحيد ، فقه ، تصوف) . وهي بهذه الاهتمامات تصطبغ بصبغة عقلية واضحة، مما يجعلها أكثر قدرة على إبراز شخصية الأمير العلمية منها على تمثيل شخصيته الأدبية، باستثناء جملة من قصائد الديوان .
وإن المتأمل بموضوعية وأمانة في محتوى هذه الأعمال وفي صورتها التعبيرية، وفي الملابسات المختلفة التي اكتنفت ظهورها ودفعت الأمير إليها، يمكنه أن يميل إلى أن معظمها امتداد لما كان رائجا في الفترة المتقدمة عنها في ميدان التأليف والتصنيف، ويمكن تعليل ذلك بجملة من العوامل أهمها :
أن الأمير يكاد يكون بنوعية إسهاماته في حقل الكتابة، وبمواقفه في ساح الجهاد نموذجا فريدا في تاريخ الجزائر الحديث، إذ لم يعاصره في الجزائر، ولم يعقبه بعد رحيله عنها غيره، مما يمكن أن يضارعه في تلك المشاركة الكتابية على امتداد القرن التاسع عشر.
يؤكد ذلك أن التاريخ الأدبي في الجزائر لم يسجل في هذه الفترة ظهور أي عمل أدبي ذي مستوى راق سواء أكان ذلك شعرا أم نثرا ، يمكن أن يعود لأحد الجزائريين المعاصرين لهذه الفترة ، وما كان من ذلك يومئذ لا يعدو أن يكون –كما يرى بعض الدارسين - بعض قطع من النظم، أو بعض نتف من النثر ، تدور معظمها في فلك المساجلات والإخوانيات والمولديات.(9) يؤكد ذلك ما جاء في رأي للإمام محمد البشير الإبراهيمي شيخ أدباء الجزائر في العصر الحديث، يقيم فيه أدب هذه المرحلة بخاصة فيقول : » ليس من علم في القرن الثاني عشر والثالث عشر الهجريين، إلا رسائل إخوانية وتوافه من لغو الحديث يسمونه شعرا، وما هي من الشعر في شيء « (10).
وقد ظل الأدب على هذه الصورة مشدودا بقوة إلى الآثار القديمة طول القرن التاسع عشر ولم يستطع التخلص من بعض ذلك، إلا في أعقاب انبثاق النهضة الأدبية في العشرينات من القرن العشرين .
الهوامش:
1-2- ديوانه( 12– 47 – 58 - 99 ) (44_ 103 –109 – 115)
3-8- المصدر السابق : (15 – 17 – 28 – 20 – 89 -92)
9- د/ أبو القاسم سعد الله : تاريخ الجزائر الثقافي ج2: 178 ، 247
10- آثاره ج2 : 171 وما بعدها .