الشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي
بقلم: د. محمد بن إبراهيم الحمد-
لقد كُتِبَ العديد من الدراسات والأبحاث في سيرة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي الجزائري. والأجزاء الخمسة التي جمعها وقدم لها نجله الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي وسماها (آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي) حافلة بالمقالات التي رَقَمَتْهَا يراعة الشيخ، والتي تصور شخصيته، وأطوار حياته. كما أن تلك الأجزاء _ وخصوصاً مقدماتها _ قد تضمنت عدداً من الكتابات التي تناولت سيرة الشيخ بالدراسة والتحليل. بل إن الشيخ محمد البشير (رحمه الله) كتب عن سيرته الذاتية؛ حيث جاء في الجزء الخامس من (الآثار) ترجمتين كتبهما الشيخ عن نفسه.
أما الترجمة الأولى فهي في 5/163_170
وقد جاءت بعنوان (من أنا) وهي في أصلها جواب عن أسئلة مجلة المصور المصرية، ونشرت في 1955م.
وأما الثانية فهي في 5/262_291 من الآثار، وعنوانها: (خلاصة تاريخ حياتي العلمية والعملية) .
وقد كتب هذه الترجمة بطلب من مجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 1961م عندما عين عضو عاماً فيها.
كما تحدث بشيء من سيرته في مقابلة مع مجلة الشبان المسلمين 1962م وهذه المقابلة في الآثار 5/ 298 _302.
وفيما يلي خلاصة موجزة لبعض ما جاء في تلك الكتابات حول سيرة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي:
1_ ولد عند طلوع الشمس من يوم الخميس الثالث عشر من شهر شوال عام 1306هـ، الموافق للرابع عشر من شهر يونيو سنة 1889م في ولاية سطيف في الجزائر.
2_ وهبه الله حافظة خارقة، وذاكرة عجيبة تشهدان بصدق ما يحكى عن السلف، وكانتا معينتين له في العلم في سن مبكرة _ كما سيأتي نماذج من ذلك _.
3_ تلقى تعليمه في بيت أسرته، وقام على تربيته عمُّه الشيخُ محمد المكي الإبراهيمي الذي كان عَلامة زمانه في العربية.
يقول الشيخ محمد البشير (رحمه الله): عن نشأته، وبداية طلبه للعلم، ومحفوظاته:
نشأت في بيت والدي كما ينشأ أبناء بيوت العلم، فبدأت التعلم وحفظ القرآن الكريم في الثالثة من عمري على التقليد المتبع في بيتنا، الشائع في بلدنا.
وكان الذي يعلمنا الكتابة، ويلقننا حفظ القرآن جماعة من أقاربنا من حفاظ القرآن، ويشرف علينا إشرافاً كلياً عالم البيت، بل الوطن كله في ذلك الزمان عمي شقيق والدي الأصغر الشيخ محمد المكي الإبراهيمي (رحمه الله).
وكان حامل لواء الفنون العربية غير مدافع؛ من نحوها، وصرفها، واشتقاقها، ولغتها.
أخذ كل ذلك عن البقية الصالحة من علماء هذه الفنون بإقليمنا(1).
ويقول (رحمه الله): فلما بلغت سبع سنين استلمني عمي من معلمي القرآن، وتولى تربيتي وتعليمي بنفسه، فكنت لا أفارقه لحظة، حتى في ساعات النوم؛ فكان هو الذي يأمرني بالنوم، وهو الذي يوقظني على نظام مطرد في النوم، والأكل، والدراسة.
وكان لا يخليني من تلقين حتى حين أخرج معه، وأماشيه للفسحة، فحفظت فنون العلم المهمة في ذلك السن مع استمراري في حفظ القرآن؛ فما بلغت تسع سنين من عمري حتى كنت أحفظ القرآن مع فهم مفرداته وغريبه.
وكنت أحفظ معه ألفية ابن مالك، ومعظم الكافية له، وألفية ابن معطي الجزائري، وألفيتي الحافظ العراقي في السير والأثر، وأحفظ جمع الجوامع في الأصول، وتلخيص المفتاح للقاضي القزويني، ورقم الحلل في نظم الدول لابن الخطيب، وأحفظ الكثير من شعر أبي عبد الله بن خميس التلمساني شاعر المغرب والأندلس في المائة السابعة، وأحفظ معظم رسائل بلغاء الأندلس مثل ابن شهيد، وابن برد، وابن أبي الخصال، وأبي المطرف ابن أبي عميرة، وابن الخطيب.
ثم لفتني عمي إلى دواوين فحول المشارقة، ورسائل بلغائهم، فحفظت صدراً من شعر المتنبي، ثم استوعبته بعد رحلتي إلى المشرق، وصدراً من شعر الطائيين، وحفظت ديوان الحماسة، وحفظت كثيراً من رسائل سهل ابن هارون، وبديع الزمان.
وفي عنفوان هذه الفترة حفظت بإرشاد عمي كتاب كفاية المتحفظ للأجدابي الطرابلسي، وكتاب الألفاظ الكتابيه للهمذاني، وكتاب الفصيح لـ:ثعلب، وكتاب إصلاح المنطق ليعقوب بن السكيت.
وهذه الكتب الأربعة هي التي كان لها معظم الأثر في مَلَكتي اللغوية.
ولم يزل عمي (رحمه الله) يتدرج بي من كتاب إلى كتاب تلقيناً وحفظاً ومدارسة للمتون والكتب التي حفظتها حتى بلغتُ الحادية عشرة، فبدأ لي في درس ألفية ابن مالك دراسة بحث، وتدقيق، وكان قبلها أقرأني كتب ابن هشام الصغيرة قراءةَ تفهُّمٍ وبحث، وكان يقرئني مع جماعة الطلاب المنقطعين عنده لطلب العلم على العادة الجارية في وطننا إذ ذاك، ويقرئني وحدي، ويقرئني وأنا أماشيه في المزارع، ويقرئني على ضوء الشمع، وعلى قنديل الزيت في الظلمة حتى يغلبني النوم.
ولم يكن شيء من ذلك يرهقني؛ لأن الله _تعالى _ وهبني حافظة خارقة للعادة، وقريحة نَيِّرة، وذهناً صيوداً للمعاني ولو كانت بعيدة.
ولما بلغت أربع عشرة سنة مرض عمي مرض الموت، فكان لا يخليني من تلقين وإفادة وهو على فراش الموت؛ بحيث إني ختمت الفصول الأخيرة من ألفية ابن مالك عليه وهو على تلك الحالة (2).
ويقول في موضع آخر: =ولقد حفظت وأنا في تلك السن _الرابعة عشرة_ أسماء الرجال الذين تَرجم لهم نفح الطيب، وأخبارهم، وكثيراً من أشعارهم؛ إذ كان كتاب نفح الطيب _ طبعة بولاق _ هو الكتاب الذي تقع عليه عيني في كل لحظة منذ فتحت عيني على الكتب.
وما زلت أذكر(3) إلى الآن مواقع الكلمات من الصفحات، وأذكر أرقام الصفحات من تلك الطبعة.
وكنت أحفظ عشرات الأبيات من سماع واحد، مما يحقق ما نقرؤه عن سلفنا من غرائب الحفظ.
وكان عمي يشغلني في ساعات النهار بالدروس المرتبة في كتب القواعد وحدي أو مع الطلبة، ويمتحنني ساعة من آخر كل يوم في فهم ما قرأت، فيطرب لصحة فهمي.
فإذا جاء الليل أملى علي من حفظه _ وكان وسطاً _ أو من كتاب ما يختار لي من الأبيات المفردة، أو من المقاطيع حتى أحفظ مائة بيت، فإذا طلبت المزيد انتهرنِي، وقال لي: إن ذهنك يتعب من كثرة المحفوظ كما يتعب بدنك من حمل الأثقال، ثم يشرح لي ظواهر المعانِي الشعرية، ثم يأمرنِي بالنوم(4).
ثم يقول (رحمه الله) بصدق وصراحة: =مات عمي سنة 1903م ولي من العمر أربع عشرة سنة، ولقد ختمت عليه دراسة بعض الكتب وهو على فراش المرض الذي مات فيه وأجازني الإجازة المعروفة عامة، وأمرنِي أن أخلفه في التدريس لزملائي الطلبة الذين كان حريصاً على نفعهم، ففعلت، ووفق الله، وأمدتني تلك الحافظة العجيبة بمستودعاتها، فتصدرت دون سن التصدر، وأرادت لي الأقدار أن أكون شيخاً في سن الصبا.
وما أشرفت على الشباب حتى أصبت بشرِّ آفة يصاب بها مثلي، وهي آفة الغرور والإعجاب بالنفس؛ فكنت لا أرى نفسي تَقْصُر عن غاية حفَّاظ اللغة وغريبها، وحفاظ الأنساب والشعر، وكدت أهلك بهذه الآفة لولا طبع أدبي كريم، ورحلة إلى الشرق كان فيها شفائي من تلك الآفة (5).
هذا وقد أشار (رحمه الله) في بعض المواضع إلى أنه كان يحفظ المعلقات، والمفضليات، وكثيراً من شعر الرضي، وابن الرومي، وأبي تمام، والبحتري.
وأشار إلى أنه يحفظ موطأ مالك وغيره من الكتب(6).
4_ بعد موت عمه خلفه في الدروس على تلامذته، وغيرهم، واستمر على ذلك إلى أن جاوز العشرين من عمره.
5_ بيته عريق في العلم، خرج منه جماعة أفذاذ في علوم الدين والعربية في الخمسة قرون الأخيرة بعد انحطاط عواصم العلم الشهيرة في المغرب.
6_ رحل إلى المدينة هو ووالده، مهاجرين فراراً من الاستعمار الفرنسي، فكان من مدرسي الحرم النبوي الشريف، وتلقى فيها علم التفسير، وعلم الحديث رواية ودراية، وعلم الرجال، وأنساب العرب، والمنطق، ومكث في المدينة قريباً من ست سنين، ثم انتقل إلى دمشق في أثناء الحرب العالمية الأولى؛ فكان من أساتذة العربية في المدرسة السلطانية مدة سنتين في عهد حكومة الاستقلال العربي.
7_ بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى رجع إلى بلده الجزائر، وبقي فيها ينشر العلم في فترات منقطعة إلى سنة 1931م.
8_ يرجع الفضل _ بعد الله _ إليه وإلى الشيخ عبد الحميد بن باديس في تكوين جمعية العلماء في الجزائر.
9_ وكان في طليعة العاملين على إحياء العلوم الدينية والعربية في الجزائر من الابتدائية إلى العالية.
10_ وكان أبرز المشيدين لأربعمائة مدرسة في مدن الجزائر وقراها.
11_ وكان في طليعة المجاهدين في سبيل الإصلاح الديني، ومحاربة الدجل، والبدع، والخرافات، والشركيات.
12_ كان من الشجعان الحكماء الذين يحسب لهم ألف حساب، ومواقفه في ذلك لا تكاد تحصر، ومنها على سبيل المثال ما حدث له عام1940م إبان الاستعمار الفرنسي للجزائر عند ما أصدر الوالي العام أمر اعتقال الإبراهيمي في ساعة مختارة طبقاً للإجراءات المقررة؛ حتى لا يقع تجمع في الشوارع.
وقبيل اعتقال الإمام الإبراهيمي جرب الفرنسيون وسيلة كانوا يستنْزلون بها الهمم، ويشترون الذمم، وهي وسيلة الترغيب التي تعودوا استعمالها مع الذين أخلدوا إلى الأرض، وأتبعهم الشيطان؛ فلم يعيشوا لمبدأ، وقضوا حياتهم يأكلون ويتمتعون كما تأكل الأنعام.
فبعثوا إليه القاضي ابن حورة يعرض عليه منصب شيخ الإسلام الذي سيحدث لأول مرة في الجزائر في مقابل تصريح يؤيد فيه فرنسا التي كانت طرفاً في الحرب العالمية الثانية، والمشاركة في تحرير صحف أنشأوها، وفي كتابة محاضرات تسجل للإذاعة مقابل مِنَحٍ مغرية، فخيب ظنهم، ورفض كل تعاون معهم.
وكرر الفرنسيون المحاولة، واستدعت إدارة تلمسان الشيخ، وحاولت إقناعه بسداد طلب الحكومة، فرفض، فقيل له: ارجع إلى أهلك،وودعهم، وأحضر حقيبتك _ يعني أنك ذاهب إلى السجن _.
فقال لهم: قد ودعتهم، وها هي حقيبتي جاهزة.
ولما علم الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس بموقف أخيه الإمام الإبراهيمي ازداد إكباراً له، وإعجاباً به، وكتب إليه رسالة عام 1940 قبيل وفاته _أي ابن باديس _ بثلاثة أيام، ما نصه:
الأخ الكريم الأستاذ البشير الإبراهيمي _ سلمه الله _.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد بلغني موقفكم الشريف الجليل العادل فأقول لكم : الآن يا عمر (7) .
فقد صنت العلم والدين، صانك الله وحفظك، وتَرِكَتـَك، وعظَّمتها عظَّم الله قدرك في الدنيا والآخرة، وأعززتهما أعزك الله أمام التاريخ الصادق، وبيضت محُيَـَّاهما بيض الله محياك يوم لقائه، وثبتك على الصراط المستقيم، وجب أن تطالعني برغباتك، والله المستعان.
والسلام من أخيك عبد الحميد بن باديس (8).
كما أنه قد زج به في السجن بعد أحداث مايو 1945، وبقي فيه عاماً كاملاً ذاق الأمرين في زنزانة تحت الأرض؛ حيث الظلمة، والرطوبة مما استدعى نقله إلى المستشفى العسكري بقسنطينة؛ فتحمَّل هذه المحنة بصبر المجاهد، ويقين المؤمن(9).
13_ كان ذا شخصية فذة، فقد أوتي مواهب عديدة، فكان خطيباً مِصْقعاً، وشاعراً مُفْلِقاً، وكاتباً لا يكاد أحد يدانيه في وقته، يشهد له بذلك كل من عرفه، وقرأ له.
كما أنه ذو نفس مرهفة، وذو خلق عال، وأدب جم، ووفاء منقطع النظير.
يقول ابنه الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي: لقد سمعت الشيخ العربي التبسي _ نائب البشير في جمعية العلماء (رحمه الله) _ يردد كثيراً في مجالسه: إن الإبراهيمي فلتة من فلتات الزمان، وأن العظمة أصل في طبعه.0662049375
ثم يواصل الدكتور أحمد قائلاً: والعظمة في رأيي تكمن في القلب، والحقيقة أن الإبراهيمي كان عظيماً بعقله، ووجدانه، وبقلبه ولسانه؛ فكل من تقلب في أعطافه نال من ألطافه؛ فالقريب، والرفيق، والسائل والمحروم، والمريد والتلميذ يجد فيه الأب الشفيق، والأخ الصديق الذي لا يبخل بجهده، وجاهه وماله _ وإن قل _ لتفريج الكروب، وتهوين الخطوب.
وما تقرَّبتَ منه إلا ملك قلبك بحلمه، وغمر نفسك بكرمه قبل أن يشغل عقلك بعلمه، ويسحر لبك بقلمه.
وكانت الخصال البارزة فيه الإيثار، والحلم، والوفاء. (10)
14_ وكان عالماً بالحديث وروايته؛ حتى إنه كان يعطي الإجازات في ذلك.
15_ وكان مفسراً للقرآن في دروس عمومية، ودروس للطلبة الخواص، أتى فيها بإبداعات سجلتها عنه ذاكرة الرجال، وإن لم تجمعها المكتوبات.
16_ وكان مُعَلِّماً للتاريخ الإسلامي في براعة وتحليل، وسعة نظر؛ حيث تطرق إلى فلسفة التاريخ، وعلم الاجتماع، والأخلاق؛ لينير التاريخ بمنظار الإسلام.
17_ وكان _ مع هذا كله _ قدوة في سهولة المعاملة، والاتصال، بشوشاً، مرحاً في مجلسه، واسع الصدر في ممارسة المسؤوليات، متدفق الحيوية في الأنشطة الثقافية.
18_ وكان _أيضاً _ متميزاً بثقافة عصرية عالية.
يقول ابنه الدكتور أحمد: سألني في إحدى ليالي عام 1948م وأنا بقسم الفلسفة في خاتمة تعليمي الثانوي عن آخر درس تلقيته في علم النفس، فأخذ رأس الموضوع، وشرح لي آراء (وليم جامس) أحد مؤسسي المذهب العملي (البراجماتي)، وتحدث عن كثير من مفكري الغرب ممن لم أكن أسمع بهم قبل ذلك اليوم مثل: داروين، وجون لوك، وجون ستيوارات.
كما أوضح لي مساهمة العلماء المسلمين في كثير من الجوانب (11).
19_ وكان على جانب كبير من عزة النفس، والترفع عن الدنايا.
20_ وكان شديد العناية بقضايا المسلمين في شتى البلدان، وعلى رأسها قضية فلسطين، وكذلك قضية كشمير، وقضايا المسلمين عموماً؛ فلقد كان يتابع تلك القضايا بدقة، ويكتب عنها، ويسبرها.
ولم تشغله قضيته الأساس، وهي قضية تحرير الجزائر عن بقية قضايا المسلمين في كل مكان.
21_ وخلاصة القول أن الله _ عز وجل _ قد فتح عليه أبواباً عظيمة من الخير من علم نافع، وعمل صالح، وخلق كريم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وإليك _ في خاتمة الحديث عن سيرته _ هذه الكلمة التي تبين كثيراً من صفات الإبراهيمي مما قد مر منها ومما لم يمر.
وهي كلمة قالها أحد رفاقه، وهو الأستاذ أحمد توفيق المدني (رحمه الله) وذلك عندما تبوأ الإبراهيمي كرسيه في مجمع اللغة العربية في القاهرة، يقول الأستاذ أحمد: فتقدم الإبراهيمي الأمين يحمل الراية باليمين، لا يأبه للمكائد والسجون، ولا يبالي بالمنافي في الفيافي.
بل دخل المعمعة بقلبِ أَسَد، وفكرٍ أَسَدّ، ووضع في ميزان القوى المتشاكسة يومئذ تلك الصفات التي أودعها الله فيه:
_ علماً عزيزاً فياضاً متعدد النواحي، عميق الجذور.
_ واطلاعاً واسعاً عريضاً يخيِّل إليك أن معلومات الدنيا قد جمعت عنده.
_ وحافظة نادرة عز نظيرها.
_ وذاكرة مرنة طيِّعة جعلت صاحبها أشبه ما يكون بالعقل الالكتروني.
_ كدائرة معارف جامعة سهلة التناول من علوم الدين التي بلغ فيها مرتبة الاجتهاد بحق، إلى علوم الدنيا مهما تباينت واختلفت، إلى شتى أنواع الأدبين القديم والحديث بين منظوم ومنثور، إلى أفكار الفلاسفة والحكماء من كل عصر ومصر، إلى بدائع المُلح والطرائف والنكت.
كل ذلك انسجم مع ذكاء وقَّاد ونظرات نافذة، تخترق أعماق النفوس، وأعماق الأشياء.
_ وفصاحة في اللسان، وروعة في البيان، وإلمام شامل بلغة العرب لا تخفى عليه منها خافية.
_ وملكة في التعبير مدهشة جعلته يستطيع معالجة أي موضوع ارتجالاً على البديهة إما نثراً أونظماً.
_ ودراية كاملة بجميع ما في الوطن الجزائري، يحدثك حديث العليم الخبير عن أصول سكانه وقبائله، وأنسابه، ولهجاته، وعادات كل ناحية منه، وأخلاقها، وتقاليدها، وأساطيرها الشعبية، وأمثالها، وإمكاناتها الاقتصادية، وثرواتها الطبيعية.
_ كل ذلك قد تُوِّج بإيمان صادق، وعزمة لا تلين، وذهن جبار، منظم، يخطط عن وعي، وينفذ عن حكمة، وقوة دائبة على العمل لا تعرف الكلل ولا الملل.
هذا هو البطل الذي اندفعنا تحت قيادته الموفقة الملهمة، نخوض معركة الحياة التي أعادت لشعبنا بعد كفاح طويل لسانه الفصيح، ودينه الصحيح، وقوميته الهادفة(12).
نموذج من نثره:
يعد الشيخ محمد البشير الإبراهيمي آية من آيات البيان والكتابة في العصور المتأخرة _كما مر_ والأجزاء الخمسة من الآثار شاهدة بذلك سواء كتب في مجال السياسة، أو الاجتماع، أو الرسائل الإخوانية، أو غير ذلك.
وفيما يلي نموذج من نثره، وهو عبارة عن مقامة كتبها البشير في رثاء رفيق دربه الشيخ عبد الحميد باديس (رحمه الله) وعنوانها "مناجاة مبتورة لدواعي الضرورة".
وقد قدم لهذه المقامة تلميذُ البشيرِ الأستاذُ محمدُ الغسيريُّ؛ فإليك شيئاً من مقدمة الغسيري، ثم مقامة البشير:
يقول الغسيري:
الوفاء قليل في البشر، وأوفى الأوفياء من يفي للأموات؛ لأن النسيان غالباً ما يباعد بين الأحياء وبينهم، فيغمطون حقوقهم، ويجحدون فضائلهم.
وما رأينا في حياتنا رفيقين جمع بينهما العلم والعمل في الحياة، وجمع بينهما الوفاء حين استأثر الموت بأحدهما _مثلما رأينا إمامي النهضة الجزائرية عبد الحميد ابن باديس، ومحمد البشير الإبراهيمي، رحم الله الميت، وأمد في عمر الحي حتى يحقق للجزائر أمنيتها.
من أعلى ما امتاز به أستاذنا الجليل، ورئيسنا الأكبر، محمد البشير الإبراهيمي من شرف الخلالِ نكرانُ الذاتِ؛ فهو لا يزال يعمل الأعمال التي تعجز عنها الجماعات وتنوءُ بها العُصَب، وهو مع ذلك لا ينسب الفضل إلا لإخوانه ورفقائه الأموات والأحياء.
يصرح بذلك في خطبه الدينية، ومحاضراته الجامعة، ويقول: إن كل فضل في هذه الحركة العلمية النامية يرجع إلى جمعية العلماء، وإنه لولا جمعية العلماء لما كان هو.
ونحن _ أبناؤه _ نشهد، وإخوانه يشهدون أنه لولا علمه، ولسانه، وصبره وتأثيره الذي يشبه السحر _ لما كانت جمعية العلماء، ولولا براعته في التصريف والتسيير لما سار لجمعية العلماء شراع في هذه الأمواج المتلاطمة من الفتن.
مات ابن باديس، في حين كان رفيقه في الجهاد وقسيمه في العلم والعمل محمد البشير الإبراهيمي منفيّاً في قرية (آفلو) من الجنوب الوهراني، بحيث لم يحضر دفنه، ولم يؤبّنه بكلمة، فعوّض ذلك برسائل تعزية كتبها إلى إخوانه بثَّ فيها حزنه للمصيبة، وصوّر فيها آثارها، ولم تنسه الفجيعة ما يجب من النصائح بالثبات، واستمرار السير، فجاءت رسائلَ من ذلك الطراز الساحر الذي لا يحسنه إلا الإبراهيمي، ولا أدري أيحتفظ إخواني بتلك الرسائل الفنية أم ضيّعوها؟!
ولما مضت على موت الأستاذ سنة، ورفيقه لا يزال في المنفى، أرسل الرئيس الجليل من منفاه هذه المقامة؛ فأبكت العيون، وجدّدت الأسى.
رغبنا إلى أستاذنا أن ننشر هذه المقامة فأذن _ أبقاه الله _ بعد امتناع؛ لأن أستاذنا _حفظه الله_ لا يرى السجعَ معبّراً عن النوازع العميقة، وإن كان هو إمامَ العصر بلا منازع في هذه الطريقة الأندلسية البديعة التي لا يحسنها إلا من جمع بين الطبع والصنعة، وملك أزمة اللغة والغريب…
وحلّت في الأخير رغبتنا منه محل القبول؛ حرصاً على هذه المقامة أن تضيع إن لم تسجل، وكم نفائس مثل هذه المقامة، وكم من رسائل، وكم من تحف فنية من أدب الهزل والنكتة، وكم من ملاحم شعرية، بلغت الآلاف من الأبيات ما زالت مطمورة في أوراق الأستاذ، وفي حافظته العجيبة.
وإذا لم يحرص أمثالنا من تلامذة الأستاذ على استخراجها ونشرها ضاعت، وخسر الأدب والعلم خسارة لا تعوّض، وهاهي ذي المقامة الباديسية، وننبِّه إلى أن الأستاذ حذف منها كثيراً مما لا تسمح الظروف بنشره.
تلمسان
محمد الغسيري
وإليك أيها القارئ الكريم نص المقامة:
مناجاة مبتورة لدواعي الضرورة (13)
سلام يتنفس عنه الأقاحُ بإزهاره وإيراقه، ويتبسم عنه الصباحُ بنوره وإشراقه.
وثناءٌ يتوهج به من عنبر الشجر عبيرُه، ويتبلج به من بدر التمام على الركب الخابط في الظلام منيره.
وصلوات من الله طهورها الروح والريحان وأركانها النعيم والرضوان، وتحيات زكيات تتنزل بها _ من الملأ الأعلى _ الملائكة والروح، ونفحات ذكيات تغدو بها رسل الرحمة وتروح، وخيرات مباركات يصدّق برهانُ الحقِّ قولَها الشارحَ بفعلها المشروح.
وسلام من أصحاب اليمين، وغيوث من صوادق الوعود، لا صواعق الرعود لا تخلف ولا تمين،(14) وسحائب من الرحمات تنهل سواكبها، وكتائب من المبشرات تزجى مواكبها، وسوافح من العبرات تنحلّ عزاليها، ولوافح من الزفرات تسابق أواخرها أواليها _ على الجدث الذي التأمتْ حافَّتاه على العلم الجم والفضل العد، ووارَى ترابُه جواهرَ الحِجا والذكاء والعزم والجد، وطَوى البحرَ الزخار في عدة أشبار، فأوقف ما لا حدّ له عند حد، واستأثر بالفضائل الغُزْر،(15) والمساعي الغرّ،(16) والخلال الزُّهر، فلم يكن له في الأجداث ند، وأصبح من بينها المفردَ العلم كما كان صاحبه في الرجال العلمَ الفرد.
وسلام على مشاهدَ كانت بوجوده مشهودة، وعلى معاهد كانت تحت ظلال رعايته وتعهّده عليها ممدودة، وعلى مساجد كانت بعلومه ومواعظه معمورة، وعلى مدارس كانت بفيضه الزاخر، ونوره الزاهر مغمورة، وعلى جمعيات كان شملها بوجوده مجموعاً، وكان صوته الجهير كصوت الحق الشهير مدوّياً في جنباتها مسموعاً.
مشاهد كان يراوحها للخير والنفع، وكانت آفاقها بأنواره مسفرة، ومعاهد كان حادي زُمَرها إلى السلم، وهادي نُزَّاعها إلى الإحسان والعلم؛ فأصبحت بعده مقفرة.
ومدارس، ما مدارس؟ مَهَدها للعلم والإصلاح مغارس، ونَصَبَها في نحور المبطلين حصوناً ومتارس، وشيّدها للحق والفضيلة مرابطَ ومحارس.
وسلام على شيخه الذي غذّى وربّى، وأجاب داعيَ العلم فيه ولبّى، وآثر في توجيهه خير الإسلام، فقلّد الإسلام منه صارماً عضباً، وفجّر منه للمسلمين معيناً عذباً، فلئن ضايقته الأيامُ في حدود عمره فقد أبقت له منه الصيت العريض، والذكر المستفيض، ولئن سلبته الحلية الفانية فقد أَلْبستْه من مآثر حُلل التاريخ الضافية، ولئن أذاقتْه مرارة فقده فقد متّعته بقلوب أمّة كاملة، ولئن حرمته لذة ساعات معدودة فقد أسعدته به سعادةً غير محدودة.
وسلام على إخوان كانوا زينة ناديه، وبشاشةَ واديه، وكانوا عمَّار سامره، والطِّيبَ المتضوع(17) من مجامره، والجوارحَ الماضيةَ في تنفيذ أوامره.
وسلام على أعوان كانوا معه بناة الصرح، وحماة السرح، وكانوا سيوف الحق التي بها يصول، وألسنة الصدق التي بها يقول.
أبت لهم عزة الإسلام أن يضرعوا أو يذلّوا، وأبتْ لهم هداية القرآن أن يزيغوا عن منهاجه أو يضلّوا، تشابهت السبل على الناس فاتخذوا سبيل الله سبيلاً، وافترق الناس شيعاً فجعلوا محمداً وحزبه قبيلاً.
ولقد أقول على عادة الشعراء _ وما أنا بشاعر _ لصاحبين من تصوير الخيال أو من تكييف الخَبال تُمثِّلهما الخواطر تمثيلَ صفاء، وتقيمهما في ذهني تمثالَ وفاء: بكِّرا صاحبي فالنجاح في التبكير(18) وما على طالب النّجْح بأسبابه من نكير، تنجحا لصاحبكما طِيةً (19) لا تبلغ إلاّ بشد الرحل وتقريب المطية، فقد خُتِمت _كما بُدئت_ الأطوار، بدولة الرحال والأكوار، فادفعا بالْمهريّة القُوْد(20) في نحر الوديقة الصيخود،(21) ولا تخشيا لذع الهواجر،(22) وإن كنتما في شهري ناجر،(23) ولا يهولنَّكما بُعْدُ الشُّقة، وخيال المشقَّة، ولا الفلَواتُ يُصِمّ صداها، ويقصر الطرف عن مداها، ولا السراب يترجرج رقراقُه، ويخدع الظامئ المحرور مُراقُه.
سيرا _ على اسم الله _ في نهار ضاح، وفضاء منساح، ضاحك الأَسَرَّة وضَّاح، وتخلَّلا الأحياءَ؛ فستجدان لاسم مَنْ تَنْتَجعانِه ذكراً ذائعاً في الأفواه، وثناءاً شائعاً على الشفاه، وأثراً أزكى نماءاً وأبقى بركةً على الأرض من أثر الغمام المنهل، فإذا مَسّكُما الملالُ، أو غشّى مطيّكما الكلالُ فاحدوا بذكراه ينبعث النشاط، وينتشر الاغتباط، وتَغْنيا بها عن حمل الزاد، ومَلءِ المزاد، وتأمنا غوْل الغوائل، من أفناء دارج ونائل. (24)
سيرا _ روحي فدائكما من رضيعي همة، وسليلي منجبة من هذه الأمّة _ حتى تدفعا في مَسِيَّ خامسٍ، له يوم الترحل خامس،(25) إلى الوادي الذي طرّز جوانبه آذار، وخلع عليه الصانع البديع من حَلْي الترصيع، وحلل التفويف(26) والتوشيع ما تاه به على الأودية فخلع العذار.
وائتِيا العُدوة الدنيا فثمَّ المنتجعَ والمرَاد، وثمّ المطلب والمراد، وثمّ محلة الصدق التي لا يصدر عنها الوُرّاد، وثمّ مناخ المطايا على حُلاّل الحق، وجيرة الصدق، وعُشراء الخلود، الذين محا الموت ما بينهم من حدود، اهتفا فيها بسكان المقابر عني:
أوَ ما استقلَّت بالسميع الواعي |
|
ما للمقابر لا تُجيب الداعي |
وخصّا القبر الذي تضمّن الواعيَ السميع، والواحدَ الذي بذّ الجميع، فقولا له عني:
يا قبر، عزَّ على دفينك الصبر، وتعاصى كسرُ القلوب الحزينة على من فيك أن يُقابَل بالجبر، ورجع الجدال إلى الاعتدال بين القائلين بالاختيار والقائلين بالجبر.
يا قبر، ما أقدر الله أن يطويَ عَلماً ملأ الدنيا في شبر!
يا قبر، ما عهدنا قبلك رمساً، وارى شمساً، ولا مساحة، تكال بأصابع الراحة، ثم تلتهم فلكاً دائراً، وتحبس كوكباً سائراً.
يا قبر، قد فصل بيننا وبينك خط التواء لا خط استواء، فالقريب منك والبعيد على السواء.
يا قبر، أتدري من حويت؟ وعلى أي الجواهر احتويت؟ إنك احتويت على أمة، في رمّة، وعلى عالَم في واحد.
يا قبر، أيدري مَنْ خطّك، وقاربَ شطّك، أي بحر ستضُم حافتاك؟ وأي معدن ستزن كفتاك؟ وأيَّ ضرغامةِ غابٍ ستحتبل كفتاك؟ وأي شيخٍ كشيخك؟ وأي فتى كفتاك؟ فويح الحافرين ماذا أودعوا فيك حين أودعوا؟ وويح المشيعين ماذا شيعوا إليك يوم شيّعوا؟ ومن ذا ودّعوا منك إذ ودّعوا؟ إنهم لا يدرون أنهم أودعوا بنَّاء أجيال في حفرة، وودَّعوا عامر أعمال بقفرة، وشيعوا خِدَن أسفارٍ، وطليعة استنفارٍ إلى آخر سَفْرة.
يا قبر، لا نستسقي لك كل وطفاء سكوب، تهمي على تربتك الزكية وتصوب، ولا نحذو في الدعاء لك حذو الشريف الرضي، فنستعير للنبت جنيناً ترضعه المراضع، من السحب الهوامع، تلك أودية هامت فيها أخيلة الشعراء، فنبذتهم بالعراء، وزاغوا بها عن أدب الإسلام ومنهاجه، وراغوا عن طينته ومزاجه، بل تلك بقية من بقايا الجهل، ما أنت ولا صاحبك لها بأهل.
قولا لصاحب القبر عني: يا ساكنَ الضريح، نجوى نِضْوٍ طليح، صادرةً عن جفن قريح، وخافق بين الضلوع جريح، يَتَأَوَّبُهُ في كل لحظةٍ خيالُك وذكراك، فيحملان إليه على أجنحة الخيال من مسراك اللهب والريح، وتؤدي عنهما شؤونه المنسربة، وشجونه الملتهبة، وعليهما شهادة التجريح.
إن من تركت وراءك، لم يحمد الكرى فهل حمدت كراك؟ وهيهات، ما عانٍ كمستريح!
يا ساكن الضريح، أأكني؟ أم أنت كعهدي بك تؤثر التصريح؟ إن بُعدك، أتعب من بَعدك.
لقد كانوا يلوذون من حياتك الحية بكنف حماية؛ ويستذْرُون من كفاءتك للمهمات بحصن كفاية، ويستدفعون العظائم منك بعظيم؛ وأيم الله لقد تَلَفَّتَتْ بعدك الأعناق، واشرَأبَّتْ، وماجت الجموع واتلأبَّتْ، تبحث عن إمام لصفوف الأمة، يملأ الفراغ ويسد الثلمة، فما عادت إلا بالخيبة، وصِفْر العَيبة.(27)
يا ساكنَ الضريح؛ مِتَّ فمات اللسان القوّال، والعزم الصوّال، والفكر الجوّال، ومات الشخص الذي كان يصطرع حوله النقد، ويتطايرُ عليه شرر الحقد؛ ولكن لم يمت الاسم الذي كانت تقعقع به البرد، وتتحلّى به القوافي الشُّرد، ولا الذكرُ الذي كانت تطنطن به الأنباء، وتتجاوب به الأصداء، ولا الجلال الذي كانت تعنو له الرقاب، وتنخفض لمجلاه العقاب، ولا الدوي الذي كان يملأ سمعَ الزمان، ولا يبيت منه إلا الحق في أمان.
مات الرسم، وبقي الاسم، واتفق الودود والكنود على الفضل والعلم.
وعزاء فيك لأمّة أردت رشادَها، وأصلحت فسادَها، ونفقت كسادَها، وقوّمت منآدها، وملكتَ بالاستحقاق قيادَها، وأحسنتَ تهيئتها للخير وإعدادَها، وحملتها على المنهج الواضح، والعَلَمِ اللائح، حتى أبلغتها سدادَها، وبنيت عقائدها في الدين والحياة على صخرة الحق، ومثلك مَنْ بنى العقائد وشادها؛ أعليت اسمها بالعلم والتعليم، وصيّرت ذكرها محل تكريم وتعظيم، وأشربتها معاني الخير والرحمة والمحبة والصدق والإحسان والفضيلة فكنت لها نعم الراحم وكنت بها البر الرحيم.
ولقد حييتَ فما كانت لفضلك جاحدة، ومتّ فما خَيَّبتْ من آمالك إلا واحدة.(28)
وهنيئاً لك ذخرك عند الله مما قدّمت يداك من باقيات صالحات، وعزاءاً لك فيمن كنت تستكفيهم، وتضعُ ثقتك الغاليةَ فيهم، من إخوانك العلماء العاملين، الصالحين المصلحين.
فهم _ كعهدك بهم _ رُعاة لعهد الله في دينه، وفي كتابه، وفي سنّة نبيه، دعاةٌ إلى الحق بين عباده، يلقَوْن في سبيله القذى كُحْلا، والأذى من العسل أحلى.
وسلام عليك في الأوّلين، وسلام عليك في الآخرين، وسلام عليك في العلماء العاملين، وسلام عليك في الحكماء الربّانيين، وسلام عليك إلى يوم الدين.
آفلو(29)، 22 ربيع أول 1360 هـ / 9 أفريل 1941.
نموذج من شعر الشيخ العلامة الإبراهيمي:
إليك هذا المثال من شعره، وهو أرجوزة عنوانها: "إلى علماء نجد" وهي من بحر الرجز، وفي قافية صعبة، ومع ذلك أتى فيها بالعجب العجاب، وهذه القصيدة موجودة في الآثار 4/126_130 وأبياتها 73 بيتاً، وقد قالها الشيخ الإبراهيمي (رحمه الله) مخاطباً بعض علماء نجد وقد تضمنت ثناءًا عاطراً على نجد، وعلى علمائه وأئمة الدعوة، ثم ثنى بالمعاصرين، وعلى رأسهم صديقه وأخوه سماحة الإمام الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وصاحب الفضيلة الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ _ رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آنذاك _ رحمهم الله _ وحثهم فيها على القيام بالدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومما قاله في تلك القصيدة:
إنَّا إذا ما ليلُ نجدٍ عسعسا |
|
وغربت هذا الجواري خُنَّسا(30) |
والصبح عن ضيائه تنفسا |
|
قمنا نؤدِّي الواجب المقدسا |
ونقطع اليوم نناجي الطُّرُسا |
|
وننتحي بعد العشاء مجلسا(31) |
موطَّداً على التقى مؤسَّسا |
|
في شِيخةٍ حديثهم يجلو الأسى(32) |
وعلمهم غيث يغادي الجُلسا |
|
خلائقٌ زهرٌ تنير الغلسا(33) |
وهمم غُرٌّ تعاف الدَّنسا |
|
وذممٌ طهر تجافي النَّجَسا |
يُحْيُون فينا مالكاً وأنسا |
|
والأحمدين والإمام المؤتسا(34) |
قد لبسوا من هدي طه ملبسا |
|
ضافٍ على العقل يفوق السندسا(35) |
فسمتهم مِن سمته قد قبسا |
|
وعلمهم من وحيه تبجَّسا(36) |
بوركتِ يا أرضٌ بها الدين رسا |
|
وَأَمِنَتْ آثاره أن تُدْرُسا(37) |
والشرك في كلِّ البلاد عرَّسا |
|
جذلان يتلو كُتْبَه مُدرِّسا(38) |
مصاولاً مواثباً مفترسا |
|
حتى إذا ما جاء جَلْساً جَلَسَا (39) |
منكمشاً مُنخذلاً مُقْعَنسسا |
|
مُبَصْبصاً قيل له اخْسأْ فخسا(40) |
شيطانه بعد العُرَام خنسا |
|
لما رأى إبليسه قد أبلسا(41) |
ونُكِّستْ راياته فانتكسا |
|
وقام في أتباعه مبتئسا |
مُخَافِتاً مِنْ صوته محترسا |
|
وقال إنَّ شيخكم قد يئسا(42) |
من بلد فيها الهدى قد رأسا |
|
ومعْلَمُ الشرك بها قد طُمِسا |
ومعهدُ العلم بها قد أسسا |
|
ومنهلُ التوحيد فيها انبجسا(43) |
إني رأيت والحجى لن يبخسا |
|
شُهباً على آفاقِهِ وحَرَسا |
فطاولوا الخَلْفَ ومدوا المَرَسَا |
|
وجاذبوهم إنْ ألانوا الملمسا(44) |
لا تيأسوا: وإن يئستُ: فعسى |
|
أنْ تبلغوا بالحيلة الملتَمَسَا |
وفيهمُ حظٌّ لكمْ ما وُكِسَا |
|
ومَنْ يجدْ تُرْباً وماءًا غَرَسَا(45) |
تجسسوا عنهم فمن تَجَسَّسَا |
|
تَتَبَّعَ الخطوَ وأحصَى النفسَا |
تدسَّسوا فيهم فمن تدسَّسا |
|
دَانَ لهُ الحظُّ القصِيُّ مُسلِسا(46) |
وأوضِعُوا خِلالهمْ زَكىً خَسَا |
|
واختلسوا فَمَنْ أضاعَ الخُلسَا(47) |
تَلقَونهُ في الأخريات مُفلسا |
|
أفدي بروحي التَّيِّهانَ الشَّكسا(48) |
يغدو بكل حمأة مرتكسا |
|
ومن يرى المسجد فيهم مَحْبِسا(49) |
ومن يديل بالأذان الجرسا |
|
ومَنْ يَعُبُّ الخمر حتَّى يخرسا(50) |
ومن يُحِبُّ الزَّمْرَ صبحاً ومسا |
|
ومَنْ يَخُبُّ في المعاصي مُوعِسَا(51) |
ومن يَشبُّ طِرْمذاناً شرسا |
|
ومَنْ يُقِيمُ للمخازي عُرُسا(52) |
يا عمر الحَقِّ وقيتَ الأبؤسا |
|
ولا لقيت _ ما بقيت _ الأَنْحُسا(53) |
لك الرضى إنَّ الشباب انتكسا |
|
وانتابه داءٌ يحاكي الهَوَسَا(54) |
وانعكستْ أفكاره فانعكسَا |
|
وفُتحت له الكُوَى فأسلسا(55) |
فإن أبت نجدٌ فلا تأبى الحسا |
|
فاقْسُ على أشْرَارِهم كما قسا(56) |
سميُّك الفاروق فالدين أُسى |
|
نَصرُ بْن حجَّاج الفتى وما أسا(57) |
غرَّبَهُ إذ هتفتْ به النِّسا |
|
ولا تُبال عاتِباً تغطرسا |
أوْ ذا خَبالٍ للخنا تَحَمَّسا |
|
أو ذا سُعارٍ بالزِّنَى تَمرَّسا(58) |
شيطانه بالمُنديات وسوسا |
|
ولا تشَّمت مِنهمُ من عطسَا(59) |
ولا تقف بقبره إنْ رُمسا |
|
ولا تثقْ بفاسق تَطَيْلَسَا |
فإن في بُرْدْيهِ ذئباً أطلسا |
|
وإن تراءى مُحفياً مُقَلْنِسَا |
فَسَلْ به ذا الطُّفيتين الأملسا |
|
تأَمْرَكَ الملعونُ أو تَفَرْنَسَا(60) |
يا شَيْبَةَ الحَمْدِ رئيس الرُّؤَسَا |
|
وَوَاحِدَ العصرِ الهُمَامَ الكَيِّسَا(61) |
ومفتيَ الدِّينِ الذي إنْ نَبَسَا |
|
حَسِبْتَ في بُرْدَتهِ شيخَ نَسَا(62) |
راوي الأحاديثِ مُتُوناً سُلَّسَا |
|
غُرّاً إذا الراوي افترى أو دَلَّسَا |
وصَادِقَ الحَدْسِ إذا ما حَدَسَا |
|
ومُوقِنَ الظَّنِّ إذا تَفَرَّسَا |
وصادعاً بالحقِّ حين هَمَسَا |
|
به المُرِيبُ خائفاً مُخْتَلِسَا |
وفارساً بالمَعْنَيَيْنِ اقتبسا |
|
غرائباً منها إياس أَيِسَـا(63) |
بك اغْتَدَى رَبْعُ العلوم مُونِسَا |
|
وكان قبلُ موحشاً معبِّسَا |
ذلَّلْتَهَا قَسْراً وكانت شُمُسَا |
|
فأصبحتْ مثلَ الزُّلاَلِ المُحْتَسَا(64) |
فتحتَ بالعلمِ عيوناً نُعَّسَا |
|
وكان جَدُّ العلم جَداً تَعِسَا(65) |
وسُقْتَ للجهل الأُسَاَة النُّطُسَا |
|
وكان داءُ الجهلِ داءً نَجَسَا(66) |
رمى بك الإلحادَ رامٍ قَرْطَسَا |
|
وَوَتَرَتْ يد الإلهِ الأَقْوُسَا(67) |
وجَدُّكَ الأعْلَى اقْتَرَى وأَسَّسَا |
|
وتركَ التَّوحيدَ مَرْعِيَّ الْوَسَا(68) |
حَتَّى إذا الشركُ دَجَا وَاسْتَحْلَسَا |
|
لُحْتَ فكنتَ في الدَّيَاجِي القَبَسَا(69) |
ولم تَزَلْ تَفْرِي الْفَرِيَّ سَائِسَاً |
|
حتى غدا الليلُ نهاراً مُشْمِسَاً(70) |
يا دَاعِياً مُنَاجياً مُغَلِّسَا |
|
لَمْ تعْدُ نَهْجَ القوْم بِرّاً وائْتِسَا(71) |
إذْ يُصْبِحُ الشَّهْمُ نَشِيطاً مُسْلِسَا |
|
ويُصْبِحُ الفَدْمُ كسولاً لَقِسَا(72) |
كان الثـَّرى بينَ الجُمُوع مُوبِسَا |
|
فجئتَهُ بالغيثِ حَتَّى أَوْعَسَا(73) |
قُلْ لِلأُلَى قادوا الصفوف سُوَّسَا |
|
خَلَّوا الطَّريقَ لِفَتىً ما سَوَّسَا(74) |
وطَأْطِئُوا الهَامَ له والأَرْؤُسَا |
|
إنَّ النَّفِيسَ لا يُجارِي الأَنْفَسَا |
هذا وسترد أرجوزة أخرى له عند الحديث عن ترجمة سماحة الشيخ محمد ابن إبراهيم آل الشيخ (رحمه الله) عنوانها "إلى علماء نجد".
وهي لا تقل عن القصيدة السابقة جودةً وإتقاناً.
رحم الله الشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي، وأسكنه الفردوس الأعلى.
الهوامش:
[1] _ الآثار 5/273.
2_ الآثار 5/273_274.
3_ يقول هذا الكلام وعمره 66 عاماً.
4_ الآثار 5/165.
5_ الآثار 5/165.
6_ انظر الآثار 5/165، و 5/275.
7_ كلمة قالها النبي " لعمر بن الخطاب ÷ عندما قال له: =إنك أحب إليَّ من نفسي+ والحديث في صحيح البخاري.
8_ انظر الآثار 1/38_39.
9_ انظر الآثار 1/12.
10_ الآثار 1/16_17.
11_ الآثار 1/18.
12_ الآثار 1/17.
13_ قد لا يستغني القارئ الكريم عن اصطحاب أحد المعاجم إذا أراد قراءة هذه المقامة؛ لما فيها من كثرة الغريب، وإحكام التركيب، كما لا يستغني عن الإلمام بأمهات الكتب في الشريعة، والأدب، والدواوين الشعرية، والتواريخ، والعقائد؛ لما في تلك المقامة من كثرة التضمين، والبديع، ونحو ذلك من الألوان البلاغية، والإشارات التاريخية، وما جرى مجرى ذلك.
ولو شُرِحت ألفاظ تلك المقامة، وعُزيت إشاراتها _ لبلغت مجلداً ضخماً.
14_ لا تمين: المين هو الكذب.
15_ الغزر: الكثيرة.
16_ الغُر: الأفعال الكريمة.
17_ المتضوع: المنتشر، والمنبعث.
18_ هذا تضمين لبيت بشار بن برد، يقول فيه:
بكِّرا صَاحبيَّ قبل الهَجير |
|
إنَّ ذاك النجاح في التبكير |
19_ الطَّية : الحاجة والوطر.
20_ المهرية القود : هي الفرس الطويلة الظهر والعنق، والمهرية منسوبة إلى مَهَرة بن حيدان بطن من قضاعة، والقود الطوال، ومفردها قوداء وأقود، وهذا مضمن بيت المتنبي الذي يقول فيه:
ويُلِّمها خطة ويلمِّ قابلها |
|
لمثلها خُلِق المهرية القود |
21_ الوديقة الصيخود : الوديقة: هي حر نصف النهار، والصيخود: الشديدة، والمعنى: إدفعا بالفرس الطويلة في عز الهاجرة والحر الشديد.
والوديقة الصيخود: شدة الحر، أو الحر الشديد.
22_ لذع الهواجر: حرها الشديد.
23_ شهري ناجر: قيل: صفر، وقيل: رجب، وقيل: كل شهر في صميم الحر فاسمه ناجر؛ لأن الإبل تَنْجُر فيه، أي يشتد عطشها حتى تيبس جلودها.
24_ دارج ونائل: أولاد دارج مجموعة قبائل ترجع أصولها إلى هلال بن عاصم جد القبائل العربية التي أغارت على شمال أفريقيا.
وأولاد نائل مثلهم، ولكنهم أكثر عدداً.
وسكناهم ما بين المسيلة ( المحمدية ) وطنبة في مقاطعة قسنطينة.
25_ هذا تضمين لبيت أبي نواس:
أقمنا بها يوماً ويوماً ثالثاً |
|
ويوماً له يوم الترحل خامس |
26 _ التفويف : من الفَوَف وهو الزهر.
27 _ العَيْبَة: هي الوعاء الذي يوضع فيه المتاع.
28 _ هي القيام بثورة جارفة تكتسح الاستعمار الفرنسي، وتنتزع بها منه حريتها واستقلالها، فهذه هي الأمنية التي كان أهل الجزائر يتناجون بها، ويسعون لتصحيح أصولها، وقد حققت الأمة الجزائرية الماجدة هذه الأمنية بعد نحو أربع عشرة سنة على أكمل وجه.
29 _ آفلو: قرية نائية في جبل العمور من الجنوب الوهراني، وهذه القرية هي التي اختارتها السلطة العسكرية الفرنسية منفى لكاتب هذه الكلمات في أول الحرب العالمية الثانية فقضى فيها ثلاث سنوات.
30 _ عسعس الليل: مضى؛ أظلم، الجواري: الكواكب السيارة، الخنس: الرواجع، جمع خانس أي راجع.
31 _ الطروس، جمع طِرس: الصحيفة، والمراد بها الكتب، وحذف الواو للضرورة.
32_ الشِّيخة، جمع شيخ، والأسى: الحزن.
33_ الغلس: الظلمة آخر الليل.
34_ يريد بالأحمدين: الإمام أحمد بن حنبل، والإمام شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية، والإمام المؤتسى: هو الإمام محمد بن عبدالوهاب، المؤتَسى: المقتدى به.
35_ السندس: نوع من الحرير.
36 _ السمت: هيئة أهل الخير، تَبَجَّس: تفجر.
37_ يعني بها نجداً.
38_ عرَّس بالمكان: نزل به لاستراحة من السفر والمراد هنا أقام.
39_ جَلْسٌ: بلاد نجد (قاله في القاموس) يعني أن الشرك انكمش، وانخذل لما جاء إلى نجد.
40_ المقعنسس: من خرج صدره ودخل ظهره، بصبص الكلب: حرَّك ذنبه، اخسأْ: اذْهَبْ، وأبعد.
41_ العُرام : الشراسة والأذى، أبلس: يئس.
42_ قوله: (وقال): الضمير يعود إلى الشيطان، والكلام الآتي على لسانه.
43_ انبجس: انفجر.
44_ المَرَسُ: جمع مَرَسةٍ: الحبل_ فالمرس: الحبال
45_ الوكس: النقص ، ما وكس: ما نقص.
46_ دسَّ عليه وتدسَّسَ: اعمل المكر فيه.
47_ أوضع: أسرع، الزَّكا: العَدَد الزَوج، الخَسا: العدد الفرد.
48_ التيهان: المتكبر، الشكس: الصعب الخلق.
49_ الحَمْأة: الطين الأسود، والمراد هنا: الرذائل والأوساخ، المرتكس: المنتكس المنغمس.
50_ يَعُبُّ: يشرب بلا تنفس.
51_ يخُب: يهرول، مُوعِس: سارَ في الرمل.
52_ الطِّرْمِذَان: المباهي؛ المفاخر، وهنا انتهى الكلام الذي على لسان الشيطان، الذي يوصي أتباعه بالبحث عن الأوصاف الماضية.
53_ يعني به الشيخ عمر بن حسن _ رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آنذاك، الأبؤُس، جمع بؤس: الشدة والفقر، الأنحس، جمع نحس: ضد السعد.
54_ الهَوَسُ: ضرب من الجنون.
55_ أسْلس: انقاد.
56_ الحسا: بلد بنجد.
57_ الأسى، جمع أسوة: وهي القدوة، ونصر بن حجاج الخ... يشير إلى قصة عمر مع هذا الشاب الجميل الذي فتن النساء بجماله، فقد روي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ÷ كان ذات ليلة يعُسُّ بالمدينة فسمع امرأة تقول:
ألا سبيل إلى خمْرٍ فأشربها |
|
أم هل سبيل إلا نَصرِ بن حجَّاج |
فلما أصبح استدعاه، فإذا هو أصبحُ الناس وجهاً، وأحسنهم شعراً؛ فأمر بقص شعره، فبدا حسنه، فأمر أنْ يُعتمَّ فازداد حسناً، فقال عمر: =والله لا يقيم بأرض أنا فيها، وأمر له بما يصلحه وسيَّره إلى البصرة+.
يقول الشاعر: اقس على الأشرار كما قسى عمر بن الخطاب ؛ فالدين تأسٍّ واقتداء؛ فلك في عمر قدوة فهو سميُّك، لأنه يخاطب عمر بن حسن.
ويقول: إن نصر بن حجاج غربه عمر وما أساء نصر...
58_ الخبال: الفساد، والخنا : الفحش، السُعار: الحرُّ؛ شدة الجوع والعطش.
59_ المُنديات، جمع مُنْدِيَة: وهي الكلمة القبيحة التي يندى لها الجبين حياءً.
60_ ذو الطفيتين: نوع من الحيات الخبيثة، وقوله: تأمرك: صار أمريكياً، وتفرنس: صار فرنسياً.
61_ يعني بشيبة الحمد: سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم × وهذا شروع في الثناء عليه.
62_ يريد الإمام النسائي صاحب السنن ( 215 _ 303 هـ ).
63_ يعني إياس بن معاوية.
64_ قسراً: قهراً، الشُّمُس: بضم الشين والميم، جمع شموس، بفتح الشين: وهو الفرس الصعب الذي لا يُمكِّن من الركوب.
65_ الجد: بالفتح: الحظ.
66_ الأساة: جمع آس: الطبيب، النُّطسُ: الحُذَّاق الماهرون
67_ قرطس: أصاب المرمى. وتر القوس: جعل لها وتراً؛ شدَّ وترها. الأقوس: جمع قوس.
68_ جدك الأعلى: يريد به الشيخ محمد بن عبد الوهاب، اقترى البلاد: تتبعها وطاف فيها.
وقوله: وترك التوحيد مرعي الوسا: أي تركه محفوظ الجناب؛ حيث سد الذرائع المفضية إلى الشرك، والوسا في البيت: هي الوسائل، وإنما حذف آخرها ترخيماً؛ للضرورة الشعرية.
69_ دجا الليل: أظلم، استحلس: اشتد ظلامه.
70_ يقال فلان يفري: أي يأتي بالعجب في عمله؛ ومنه قوله _ تعالى _: [لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً]: أي شيئاً يُتحير فيه، ويُتعجب منه.
71_ الغلس: ظلمة الليل؛ أي داعياً مناجياً بالأسحار، البر: الخير والصلاح، الائتساء: الاقتداء.
72_ الشهم: السيد الذكي الفؤاد، المسلس: اللين السهل، الفدم: البليد العَيِيُّ، واللَّقِس: الغث النفس خبيثها.
73_أوعس: صار سهلاً ليناً، والوعس: الرمل اللين الذي تسوخ فيه الأقدام.
74_ الألى: الذين، سُوَّسا: جمع سائس، وسَوَّس الأخير: فعل ماض يقال سوّس الطعام: وقع فيه السوس، وتسويس الشخص: كناية عن كبره وهرمه، يقول: خلوا الطريق لفتى لا يزال جلداً قوياً لم يبلغ من الكبر عتياً ولم ينخر السوس عظمه من الهرم، وقد يراد بذلك أنه لم يخلِّط في أمره، ولم يُلبس حقّه بباطل.