مدرسة الفلاح التابعة لجمعية العلماء بإينوغيسن، تأسيسها ونشاطها (ديسمبر 1934م/جوان 1955م)
بقلم: نجيب بن لمبارك-
هذا المقال هو عبارة عن مساهمة مني للتعريف بما بذلته منطقة إينوغيسن التابعة وقتها لإقليم الأوراس في بسط العلم، ودحر الظلال بفترة كانت الشعوذة سائدة، فكان لأعيانهم فضل السبق واستضافة مدرسة الفلاح منذ شهر ديسمبر 1934 م، واستقدام الشيخ الدراجي ميهوبي (جد وزير الثقافة الحالي السيد عز الدين ميهوبي الذي اصطفاه الشيخ عبد الحميد بن باديس لهذه المهمة).
لذا ارتأيت أن أسلط بعض الضوء ذاكرا ما قدمته المدرسة بفضل أعيانها الذين سبقوا زمانهم بانتمائهم لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وفتح باب المنطقة وضواحيها لهذا التيار الحضاري، فكان أن تأثر الكل بهذه الخطوة وانتقلوا للمدرسة كبارا وصغارا.
كما لا أنسى أن أثني ثناء خاصا على جدي محمود بن لمبارك المدعو "المقدم"، وبالرغم من عدم توفره على مستوى دراسي إلا أنه يجل العلم والعلماء، ولذلك كان صاحب الفكرة التي أقنعت الأعيان فكان التأييد ثم التجسيد.
سخر الشيخ محمود بن لمبارك لذلك وقته، وماله وأملاكه في خدمة المشروع، فتبرع بأرضه لبناء المدرسة ومنزله لإسكان الشيوخ وعائلاتهم لغاية غلقها (شهادة الشيخ جمال ميهوبي نجل الشيخ الدراجي الذي نشأ ودرس بالمنطقة التي أتى إليها وعمره لا يتعدى الشهرين، فبقي بها لغاية 1946 م)، فرحم الله من مات رحمة واسعة، وحفظ الله من أطال الله في عمره من طلبتها، وأجر الجميع على الله.
تقول الحكمة المتوارثة:"من علمني حرفا كنت له عبدا"، فما بالك بمن وفر الظروف المادية والمعنوية لتأسيس مدرسة.
لهؤلاء الأعيان وتلامذة وشيوخ المدرسة الشكر الجزيل والتقدير، وإن شاء الله يقتدي الأجيال المتلاحقة ليكونوا خير خلف لخير سلف خدمة للبلاد والعباد.
الحيز الجغرافي ولمحة تاريخية عن المنطقة
تتميز منطقة الأوراس بمناخها وتضاريسها الوعرة، كما توارث سكانها عبر التاريخ الصمود والتصدي لكل دخيل مهما كان وآخرهم الاستعمار الفرنسي، أين ضرب مع هذا الأخير رقما قياسيا في عدد الثورات، كما كانت المنطقة ملجأ الثوار ومعقل الأحرار.
هكذا تاريخها عبارة عن تواصل مستمر ليكون ختامها مسكا بثورة التحرير واسترجاع السيادة الوطنية.
من مناطق الأوراس: نذكر إينوغيسن وهو موضوع مقالنا.
أنشئت بلدية إينوغيسن حسب التقسيم الإقليمي بتاريخ 01 ديسمبر 1984م، وهي جزء من منطقة زلاطو تتبع حاليا ولاية باتنة، بها سكان ينتمون لعرش بني بوسليمان.
حدودها:
- من الغرب: بلديات آريس وتيغانمين وتكوت.
- من الشرق: بلديتا يابوس وبوحمامه (التابعتان لولاية خنشله).
- من الشمال: بلدية إشمول.
- من الجنوب: بلديتا كيمل ولمصاره.
نظرا لكون تاريخ المنطقة حافلا بالأمجاد والبطولات فلها في ذلك أسماء لامعة في كل الميادين.
خلال المقاومة بالقرن العشرين نذكر المسعود بن زلماط (1894م-1921م) الذي مهد الطريق ليسير على منواله جماعة أطلق المستعمر عليهم اسم "الخارجون عن القانون الفرنسي" أو "مجرمو الشرف"، بسبب رفضهم الانصياع لقوانينها منها عدم أداء الخدمة العسكرية الإجبارية، فأسسوا مجموعة مسلحة تتكون من 16 عضوا متخذين غابات "بني ملول " و"القابل" ملجأ لهم.
وبفضل إجادتهم استعمال السلاح وحرب العصابات عادت المنطقة محرمة على فرنسا دركها وحراس الغابات وعساكرها، أين نشروا بربوعها الأمن والطمأنينة بين السكان، كما أسسوا نظاما سيروا من خلاله شؤون الأهالي ومنها المحاكم للفصل بين المتخاصمين.
استغل المناضل مصطفى بن بولعيد هذه الكفاءات فضمهم لخدمة القضية الوطنية حيث:
* كلفهم بحماية أعضاء المنظمة السرية الذين فروا للأوراس لوجود الأمن والأمان بعد اكتشاف أمرهم، من بينهم: المناضل والمجاهد عمار بن عودة الذي يقول(1):
كان ذلك مطلع الخمسينات، حيث كنا نتجه في شهر رمضان إلى منطقة "كيمل"، و"القابل" حيث نجتمع سويا نحن أعضاء المنظمة السرية على غرار زيغود يوسف، بن طوبال، حباشي وبيطاط، وعلاوة على ذلك فقد كنا نلتقي "الخماسية" وهم جماعة "الخارجون عن القانون الفرنسي" مثل حسين برحايل والصادق شبشوب ومسعود بن زلماط وغيرهم، وقد قضينا شهر رمضان في أعماق جبال الأوراس .
* استغل مهاراتهم في استعمال السلاح لتدريب المناضلين تحضيرا لاندلاع الثورة، فكانت المنطقة الميدان بكل أمان.
يقول المجاهد محمد عثامنة(2):
تلقى المجاهد تكوينه العسكري في بداية 1953 عن طريق ما يسمى بالخارجين عن القانون الفرنسي والفارين من الخدمة العسكرية الفرنسية بعدما قام الشهيد مصطفى بن بولعيد بتكليف الشهيد برحايل حسين والمجاهد بوستة مصطفى الخارجين عن القانون الفرنسي بالحزب لتشكيل مجموعات لتكوين وتدريب المناضلين على حمل السلاح،
كانت المنطقة خلال الثورة التحريرية أيضا محرمة على عساكر وموظفي العدو، أين ضمت للتقسيم العسكري للولاية الأولى التاريخية وسميت بالناحية السادسة، وعلى رأسها المجاهد محمد الشريف جار الله،
يقول عنها المجاهد محمد الشريف جار الله(3):
... قاموا (قيادة الولاية الأولى التاريخية) في هاته الفترة بتكوين ناحية في إينوغيسن، وسميت في ذلك الوقت بالناحية السادسة، وعينوني مسؤولا عليها وقد كنت في رتبة ملازم ثاني والشريف بوجنيفة ملازم أول، ومختاري إسماعيل كمساعد ومختاري بلقاسم كمساعد للكتيبة، والمكي مختاري كمساعد وحابة محمد بن إبراهيم ككاتب ولخضر سطايفي كاتب.
وكانت مسرحا لمواجهات ومعارك عنيفة كلما تجرأت قوات العدو للمغامرة بها، فيتقهقر عساكره ويحمل معه آثار الخيبة والخسارة المادية والبشرية، لتبقى الأمور هكذا لغاية الاستقلال.
هذا في ميدان الجهاد، أما في ميدان العلم شهدت المنطقة ميلاد أول مدرسة للإصلاح التابعة لجمعية العلماء وذلك شهر ديسمبر 1934 م، هي الأولى بربوع الأوراس.
تاريخ مدرسة الفلاح:
انتقلت في خريف 1934 م مجموعة من أعيان قرية إينوغيسن في بعثة لمدينة قسنطينة لمقابلة الشيخ عبد الحميد بن باديس والمطالبة بفتح فرع لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بقريتهم وانتداب معلم للتدريس.
يقول الشيخ محمد علاوي -من أعيان المنطقة وأحد تلامذة المدرسة الأوائل-(4):
وحدث أن كان صيت جمعية العلماء التي يترأسها الشيخ عبد الحميد بن باديس منتشرا في كل آفاق القطر الجزائري مما جعل المدارس الحرة التي تشرف عليها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تتأسس من حين لآخر وألهم الله بعض المصلحين من سكان قرى إينوغيسن أن يبعثوا وفدا إلى الشيخ عبد الحميد بن باديس بقسنطينة يطلبون منه أن يزودهم بأحد من تلامذته الممتازين لينشر فيهم نور العلم والمعرفة فصادف ذلك هوى في نفس الشيخ عبد الحميد بن باديس الذي وهب حياته لنشر العلم والمعرفة والأخلاق الإسلامية والروح الوطنية في المجتمع الجزائري فلبى رغبتهم وبعث إليهم الشيخ محمد الدراجي البريكي الأصل والذي هو من أبرز تلامذته معرفة وسلوكا وروحا وطنية.
كما حثهم الإمام على تأسيس جمعية دينية لدى المصالح الإدارية الاستعمارية قبل الشروع في فتح المدرسة لتفادي العرقلة.
لما عادت البعثة انطلق في التحضير لتأسيس الجمعية، وكذا ظروف إقامة وعمل الشيخ فاختاروا قرية تاجرة أولاد لمبارك لبداية العمل، فحضروا له منزلا ملكا للسيد بن لمبارك محمد بن عبد الرحمن-(استشهد).
تتكون الجمعية الدينية وقتها من: محمد الأخضر عايشي-الرئيس-(كونه أكبرهم سنا)، أحمد بن عمارة عايشي (أبناء عم) -أمين المال-، محمود بن لمبارك-المعروف بالمقدم، البشير بوكريشة، إبراهيم بن بلقاسم بن دايخة.
بعدها كان أمر ترحيل الشيخ محمد الدراجي ميهوبي من مدينته بريكة.
عن تاريخ مقدم الشيخ الدراجي ميهوبي إلى تاجرة؟
يقول الشيخ جمال ميهوبي - نجل الشيخ ميهوبي الدراجي -(5):
أنا من مواليد 22 سبتمبر 1934 م، وبعد شهرين من ولادتي أي في شهر ديسمبر 1934 م انتقل الوالد والوالدة وأنا للاستقرار بقرية تاجرة، وبها انطلق الوالد في التدريس، وهذا كله حسب ما رواه لي والدي فيما بعد.
كان بقرية تاجرة أولاد لمبارك كسائر قرى المنطقة وقتها تعطي دروس تحفيظ القرآن فقط، وخصصت لأفرادها ومعلمها كان الشيخ بلقاسم بن علي بن امحند بن لمبارك.
وكانت الطريقة الرحمانية هي السائدة بالمنطقة، وفرعها بخيران، وأما مقدمها بالمنطقة فكان السيد محمود بن لمبارك.
عن تحول المنطقة عن خدمة الزاوية الرحمانية وفتح فرع لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بالمنطقة، وقعت لمقدم الزاوية هذه الحادثة، يقول الشيخ الهادي بن لمبارك-نجل محود بن لمبارك مقدم الزاوية بالمنطقة -(6):
كانت رسالة الزاوية ترتكز على المحافظة على مريديها، وهناك من الزوايا من لم يهتم بهم، ولا بعامة الشعب، فينتهزون الفرص بين الحين والآخر، وذات يوم اكتشف المقدم أن هناك من هو فقير فيتبرع بما يملكه رغم قلته مقابل دعوة أو نذر، وفي يوم من الأيام رأى المقدم أحد الفقراء يجر بقرته ليهديها للشيخ فقصده ودار هذا الحوار بينهما:
المقدم للفقير: ماذا تفعل بهذه البقرة؟
أجاب الفقير: أهديها للشيخ.
فرد عليه المقدم: هل تملك غيرها؟
فأجاب الفقير: لا.
فرد المقدم: أنصحك أن تعود بالبقرة لعائلتك وأولادك أفضل من أن تقدمها للشيخ لأن الشيخ لديه ما يكفيه وزيادة عكسك.
لم يأخذ الفقير بنصيحة المقدم وواصل سيره مع بقرته صوب الشيخ وحكى له بالتفصيل ما جرى له من حديث مع المقدم.
تأثر الشيخ كثيرا لتصرف المقدم هذا، وتأثر المقدم بدوره من تصرف الشيخ الذي قبل الهدية من الفقير ومن وقتها كان.
الطلاق النهائي بين المقدم والزاوية.
تزامن هذه الحادثة مع إنشاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين فكان من المقدم أن طلب من أهل قرية إينوغيسن التفكير في تشكيل خلية لـ الجمعية بالقرية.
توسع أفق التعليم بالمنطقة بعد مجيء الشيخ محمد الدراجي الميهوبي فأصبحت تلقن دروس اللغة العربية ومختلف موادها لأول مرة ، وكان مواطن التدريس بـ:
* دار ضياف وهي بيت تابعة لأملاك عضو اللجنة الدينية محمود بن لمبارك، أيام البرد.
* بطحة مكشوفة قبالتها معروفة بـ "هيمناشارين" أيام الدفء والحر.
عادت بذلك قرية تاجرة مقصد ومحج طلاب العلم من كل المنطقة والمناطق المجاورة. ومع ازدياد العدد أصبح المكان لا يفي فكان لزاما لكبار القوم آل لمبارك وكذا أعيان المنطقة أن يحضروا مكانا بديلا أفسح، لذلك قررت اللجنة الانتقال لقرية إينوغيسن وبناء فضاء يتكون من قاعتين بأرض تبرع بها عضو اللجنة الدينية السيد محمود بن لمبارك.
بعد إتمام البناية انتقل إليها الشيخ محمد الدراجي الميهوبي وتلامذته فعمل بها بمساعدة الشيخ سي الصادق رحماني المعروف بالصادق بن العابد، ومعلم القرآن الشيخ علي أوخبزقة.
من طلبة الشيخ بـتاجرة ثم إينوغيسن- الرعيل الأول- نذكر:
* محمود بن أعمر أو لخضر درنوني.
* بلقاسم مالكي.
* مختاري مصطفى بن الصالح.
* محمد الشريف بن لمبارك.
* الهادي بن لمبارك (ابن المقدم).
*الطاهر قرفي (آل بشقة).
* سي المسعود أوشن أزحاف-أومجر.
* حمزة أحمد.
* موسى بن محمد بن أحمد مرداسي.
* أمحند بن الطيب درنوني.
* الصادق بن اعمارة عايشي.
* محمد بن أحمد علاوي (حاليا رئيس لجنة الإفتاء بمدينة باتنة).
* سي بلقاسم مالكي.
* سي المصطفى مختاري.
* عاجل عجول-من أوائل المناضلين ومفجري ثورة أول نوفمبر1954م بالأوراس رفقة مصطفى بن بولعيد-.
* مصطفى بن شعايب.
* محمد بن شعايب -أقارب-.
في وصف قرية إينوغيسان وقتها؟
يواصل الأستاذ الشيخ الهادي بن لمبارك ويقول(7):
لقد كانت قرية اينوغيسان مؤلفة من عدة قرى متناثرة قائمة على منابع وادي الأبيض العليا انطلاقا من: ايش ايليا شرقا، إلى زلاطو غربا، معناه: شليا واينوغيسان كلمة أمازيغية تطلق على الأودية واحدها نوغيس، وجمعها إينوغيسان. وظلت هذه القرية معزولة خالية من مرافق الحياة باستثناء سوق أسبوعية تقام كل يوم الثلاثاء، وللالتحاق بها ينبغي قطع سبع أميال ذهابا وأخرى إيابا، لا مدرسة تربوية تتكفل بالأولاد، ولا مركز صحي يقدم الإسعاف الأولية للسكان، ولا فرع بلدي يقوم بتشغيل اليد العاملة، ولا طريق معبد يربط بينها وبين مركز السلطة بـ أريس سوى طريق السابلة الذي أبدعته سنابك الخيل، وحوافر البغال التي تغدو وتروح قوافلها في اتجاه مشونش لجلب التمر، عاصمة النخيل، ومأوى الكريم والبخيل.
إلا أن الليالي حبالى يلدن العجائب فتطورت القرية فجأة إثر التهاب التنور بما حشاه ابن باديس من يابس الصنوبر بقسنطينة فأضاءت ناره ما حولها من المدن والقرى بنور العلم والمعرفة، فأدى ذلك إلى يقظة القرية.
فاجتمع أهلها وغالبوا فقرهم، وتعاونوا على البر والتقوى فأسسوا مدرسة للتربية والتعليم، ففكوا العزلة عنهم وربطوها بحيل جمعية العلماء وزودتهم بمدرس من خيار تلامذة الشيخ عبد الحميد علما وأكرمهم وجها .
لما انتقلت الدراسة لقرية إينوغيسن انتقل معها الشيخ محمد الدراجي ميهوبي عائليا، فسكن بداية بمنزل عضو اللجنة الدينية السيد محمود بن لمبارك الذي تبرع بها لفائدة الجمعية والمتواجد بـ إيسران-إينوغيسن-، بعدها انتقل الشيخ الدراجي وعائلته لمسكن يملكه السيد بلقاسم بن علي بن امحمد بن لمبارك.
كان وقتها الشيخ يعمل على جبهات هي:
* التدريس بالمدرسة المكونة من قسمين وجلوس الطلبة على الحصير.
* فلاحة الأرض ليدر مما يجنيه من مورد ليعول العائلة.
* الإمامة للصلوات الخمس ومنها صلاة الجمعة بالجامع الوحيد بالمنطقة.
عن مكانة المدرسة وقتها؟
يواصل الشيخ الهادي بن لمبارك -تلميذ مدرسة الفلاح بإينوغيسن- ويقول(8):
وكانت مدرسة "إينوغيسن" آنذاك أشبه ما تكون بمبخرة يتولى أمرها "الجمعية الدينية"، وكان أول من أحرق فيها بخور العربية هو الشيخ "محمد الدراجي" في أواخر الثلاثينات، وانتشر عبيرها عبر "وادي الأبيض" الخصيب، فاستنشق الأهالي أريجها فأقبلوا على تعلمها بعد أن كان التعليم في المداشر مقصورا على فن قراءة القرآن دون سواه،
هكذا أصبحت المدرسة قبلة الطلاب تقصد من كل حدب وصوب، كما فتح الشيخ بعمله هذا آمال أبنائها في غد أفضل على درب العلم الذي لم يعد حلما بل حقيقة في مواصلة التحصيل بمقصد العلم وطلبته وقتها جامع الزيتونة، لكن بالمقابل كان محل مراقبة من:
مضايقة العدو الفرنسي
يقول الشيخ جمال ميهوبي -نجل الشيخ الدراجي ميهوبي –(9):
هدد رجال الدرك الاستعماري الشيخ الدراجي ميهوبي لدرجة أن قالوا له بالحرف: ارجع لبريكة انتاعك، فاحتج أعضاء الجماعة الدينية لقرية إينوغيسن على تصرف رجال الدرك لدى حاكم أريس، لكن احتجاجهم لم يعط ثماره، فقرر الشيخ الدراجي السفر والاتصال بالشيخ عبد الحميد بن باديس بقسنطينة، أين قال له: جماعة الجدارمية يهينوني، فرد عليه الشيخ : أترك الأمر لي، فكان من الشيخ عبد الحميد والده وطلب منه التدخل لدى حاكم قسنطينة لإبعاد أذى درك أريس عن الشيخ الدراجي، فلبى الوالد الطلب وتدخل الشيخ مصطفى بن المكي لدى حاكم عمالة قسنطينة الذي بدوره أعطى أمرا لحاكم أريس بنقل الدرك الذين ضايقوا الشيخ لبسكرة، فلما نفذ تعجب الدركيون من هذا القرار فطلبوا من الشيخ أن يعطي لهم تفسيرا، فكان رده: أنكم ظلمتموني فشكوت لله ودعوته أن ينصفني، فاستجاب –دون أن يذكر تدخل والد الشيخ عبد الحميد بن باديس في الأمر- . وهكذا وبسبب تصرفهم هذا حول هؤلاء الدركيون لبسكرة.
لما جاء مستخلفوهم اتصلوا بالشيخ وطلبوا منه تفسير ما حدث لسابقيهم، فكان نفس رد الشيخ، ومنذ ذلك الوقت ابتعد أذى درك الاستعمار عن الشيخ خاصة والمنطقة ككل –حدث هذا عام 1936م (أو عام 1937م)-.
* مضايقة أصحاب الزوايا المناوئة لجمعية العلماء ورسالتها.
* أعلام من المنطقة لاختبار معلوماته ومعارفه، حتى يتعرفوا على مكانته العلمية.
عن مكانة الشيخ لدى سكان الأوراس؟
يواصل الشيخ الهادي بن لمبارك –تلميذ الشيخ الدراجي ميهوبي – ويقول (10):
أن الناس من شليا حتى مشونش وعرش السراحنة كيمل والشرفة القابل وفريق من أولاد عبدي، وغسيرة والتوابة وبني بوسليمان لا حديث لهم إلا الشيخ محمد الدراجي إذ كانوا يلجأون إليه في خصوماتهم ويستفتونه في شؤون دينهم بل إنهم يعرضون عليه قضايا معقدة، لكنه يجتهد إلى أن يفكها فيسترضي الغاضب وينصف المظلوم، ويرفع الضيم والحيف على المغبون، واشتهر الشيخ بأن الناس يطلقون عليه عندما يفد إليهم لفض خصومة جاء ربي والنبي أي أنه لا يفصل بغير القرآن والسنة وشرع الله. وكان حربا على الشعوذة والتدجيل والخرافات وسدا منيعا في وجه التنصير ودعوات الانسلاخ.
المواد المدرسة وقتها؟
يقول الشيخ محمد علاوي –تلميذ الشيخ الدراجي ميهوبي بمدرسة الفلاح-(11):
كنت من تلاميذه لعدة سنوات فدرست عنه النحو والصرف والفقه عبادات ومعاملات، وكان يدرس لنا الأجرومية والقطر، والألفية في النحو وبن عاشر والرسالة والعاصمية في الفقه والرحبية في الفرائض.
* التدريس بالمدرسة المكونة من قسمين وجلوس الطلبة على الحصير.
* فلاحة الأرض ليدر مما يجنيه من مورد فيعول العائلة.
* الإمامة للصلوات الخمس ومنها صلاة الجمعة بالجامع الوحيد بالمنطقة.
عن أول صلاة جمعة بالمنطقة؟
يقول السيد بن لمبارك لمبارك -تلميذ الشيخ الدراجي ميهوبي بمدرسة الفلاح-(12):
كانت أول جمعة بمسجد قرية "إينوغيسن" وبمنطقة "الأوراس "برمتها عام 1945 م، حيث استضاف أهل القرية بالمناسبة أعيان المنطقة وشيوخها يتقدمهم الشيخ "اشباح" الذي جاء خصيصا من "القصر"ليعرضوا عليه فكرة إقامة صلاة الجمعة بمسجد القرية الذي بني حديثا.
لذلك أقام السيد "أمحند أومعوش" مأدبة غذاء على شرف الوفد ومرافقيه وبالمناسبة تصدقت "عمتي حفصية "-زوجة "المقدم" -من حر مالها الذي ورثته بثور قربانا للمناسبة السعيدة.
كان الشيخ "اشباح" ضد تأدية صلاة الجمعة بهذا المسجد لسببين اثنين هما:
- كون السكان رحالة لا يكتمل عددهم لتأدية "صلاة الجمعة".
- موقع مبنى المسجد بملتقى واديين (يشكل خطورة على المصلين)
فكان من أحد الحضور وهو من سكان "إينوغيسن" أن قام فأجاب الشيخ:
إننا سنشتري السكان للإقامة بقريتنا حتى يصل النصاب وتقام "صلاة الجمعة".
تحقق ذلك وصلى الشيخ "محمد الدراجي" أول صلاة جمعة بالمسجد وباقي صلوات "الجمعة" ما دام مقيما هناك.
استدعت السلطات الاستعمارية خلال الحرب العالمية الثانية الشيخ محمد الدراجي ميهوبي لإعادة تجنيده في حرب لا ناقة للشعب الجزائري فيها ولا جمل، حيث ضم لفصيلة السبايس أين بقي حوالي ستة أشهر، وعاد للقرية والمدرسة عام 1946 م فواصل مهمته التعليمية وإمامة المسجد.
عند رجوعه للتعليم بقي معه من قدماء المدرسة 04 فقط، والباقي كلهم جدد، والقدماء هم: الهادي بن لمبارك، عيسى درنوني، امحمد درنوبي ، الشيخ محمد علاوي.
أمام هذا الحال قرر الشيخ أن مواصلة العمل مع القدماء بتدريسهم ألفية ابن مالك والانطلاقة في عمل جديد مع الباقي لكن القدماء قرروا الانتقال لأفق أرحب لمتابعة دراستهم ومغادرة المدرسة والشيخ.
في شهر جوان 1946 م قرر الشيخ الانتقال للتعليم بمدرسة الحجاج، واستخلفه بالمنصب وإمامة المسجد الشيخ عبد الحفيظ بلمكي الخنقي.
عن ذهاب الشيخ الدراجي من المدرسة؟
يواصل السيد لمبارك بن لمبارك ويقول(13): في شهر جوان 1946 م ونهاية الموسم الدراسي وصادف هذا الظرف الزمني انتهاء الحرب العالمية وتدهور مستوى معيشة السكان، وأمام هذه الظرف المادي الصعب للجميع وتحضيرا للموسم الدراسي القادم انعقد اجتماع بجامع القرية ضم أعضاء الجمعية موسعة ببعض السكان مع الشيخ الدراجي لدراسة إمكانية بقائه ضمن هذه الظروف.
ممن حضر الاجتماع نذكر: محمود بن لمبارك، البشير بوكريشة، إبراهيم بن بلقاسم، أحمد بن عمارة، محمد لخضر عايشي، محمد لخضر بن فرح، وآخرون .
أخذ الكلمة أعضاء الجمعية شاكرين الشيخ على المجهودات التي بذلها لغاية اليوم في إطار عمله، طالبين منه المواصلة على أن يتفهم الظروف القاسية التي يعيشها سكان المنطقة، واعدين إياه أنه عند تحسن الظروف المادية فسوف يرفعوا مرتبه، لكن كان جواب الشيخ: أن الأجرة التي منحتموني إياها غير كافية، لذا فإما تزيدوا لي في المرتب وإلا سأرحل.
وكان رد الجماعة: نمر حاليا وكذا المنطقة بأعوام معيشية سيئة، وهي واضحة للعيان فنطلب منك الصبر علينا حتى تتحسن الظروف مستقبلا ونرفع لك في المرتب، لكن كان جواب الشيخ أن أصر على الرفض.
واتضح لاحقا مع مرور الوقت، أنه تلقى اتصالات من ممثلي مدرسة الحجاج وكللت بالاتفاق معه.
هكذا وبعد أكثر من عقد من الزمن وعمل مثمر رحل الشيخ واستقر بالحجاج أين واصل بمدرستها نشر رسالة الجمعية التي بدأها بقرية إينوغيسن.
من نشاطات المدرسة خلال المناسبات الدينية:
-23 جانفي 1948م الموافق لـ 11 ربيع الأول 1367هـ:
أقامت مدرسة قرية إينوغيسن ليلة المولد النبوي الشريف حفلا بهيجا حضره جمع غفير أتى من كل فج عميق من منطقة الأوراس.
يقول عنه محمود مرداسي – من تلامذة المدرسة-(14):
أقامت مدرسة "نوغيسا" بأوراس حفلة رائعة ليلة عيد المولد النبوي الشريف وقام تلامذة المدرسة بتمثيل رواية هجرة الرسول من مكة إلى يثرب وبعدة محاورات طريفة، وألقى معلم المدرسة عبد الحفيظ ابن المكي الخنقي خطابا ممتعا فيحياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وختمه بالتنويه بجمعية العلماء وبجهود رئيسها في خدمة الإسلام والعربية في هذه البلاد.
25 ماي 1952م الموافق لـ01 رمضان 1371هـ:
استقبلت قرية إينوغيسن كسائر القطر الجزائري شهر رمضان المعظم لتصومه، وكان بالمناسبة الشيخ محمد الدرنوني إماما للوعظ خلال الشهر المعظم ممثلا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
03 ماي 1954م الموافق لـ 01 رمضان 1373هـ:
استقبلت قرية إينوغيسن كسائر القطر الجزائري شهر رمضان المعظم لتصومه، وكان بالمناسبة الشيخ عمار السلطاني كإمام الوعظ خلال الشهر المعظم ممثلا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
23 أفريل 1955م الموافق لـ01 رمضان 1374هـ:
استقبلت قرية إينوغيسن كسائر القطر الجزائري شهر رمضان المعظم لتصومه، وكان بالمناسبة الشيخ أحمد ميموني كإمام الوعظ خلال الشهر المعظم ممثلا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
طلبة المدرسة بمختلف حواضر العلم:
من الذين واصلوا تحصيلهم:
انتقل جماعة من تلامذة المدرسة وهم: عيسى درنوني، امحمد درنوني، محمد بلاح ، الهادي بن لمبارك لزاوية بلحملاوي، بعدها كانت وجهتهم لمدرسة الشيخ العربي التبسي بمدينة تبسة وهم:
امحمد درنوني، بن لمبارك الهادي(1923م-2018م)، محمد بلاح.
محمد علاوي(1923م-...).
من الذين درسوا بمعهد عبد الحميد بن باديس (قسنطينة) بعد الافتتاح نذكر:
إبراهيم درنوني (شهيد).
عمار درنوني (شهيد).
محمد درنوني (المدعو بلقاسم).
إبراهيم غقالي (1920م-1961م) شهيد.
حابة محمد بن إبراهيم (1936م-1960م )، شهيد.
عمار عاشوري (1932م-1961م)، شهيد.
الصادق بوكريشة (1932م-1958م) شهيد.
إسماعيل مختاري (1931م-1960م) شهيد.
بلقاسم منصوري (1938م-...).
أحمد مختاري (متوفي).
أحمد الصغير مختاري (1932م-1986م).
مسعود بن الطاهر مختاري،
الطاهر ساكري (شهيد).
محمد ساكري (شهيد).
عاجل عجول (1922م-1992م).
حمودة عاشوري (1930م- 1990م)، واصل دراسته بجامع الزيتونة.
عمار علاوي.
سليمان رابحي.
محمد بوسعد.
من الذين واصلوا الدراسة بجامع الزيتونة (تونس) نذكر:
امحمد درنوني- (شهيد)، شهادة التحصيل-.
بن لمبارك الهادي (1923م-2018م).
حمودة عاشوري (1930م-1990م)- شهادة الأهلية دورة ديسمبر 1951م، بعدها شهادة التحصيل.
محمد بلاح (توفى في حادث سيارة).
عمار عاشوري - (شهيد)، شهادة الأهلية(الدورة الثانية)-.
معلمو المدرسة:
- الدراجي ميهوبي.
- من ديسمبر 1934م لغاية سبتمبر 1946م - 12 سنة-.
- عبد الحفيظ الخنقي.
- من سبتمبر 1946م -إلى شهر جوان 1951م،-أين غادر المدرسة -05 سنوات-.
- امحمد درنوني
- (1951 م/1952 م)، بعد اختتام الدراسة بجامع الزيتونة وعودته لمسقط رأسه -عام واحد-.
- مسعود بن عبيد (1952 م/1953 م)-عام واحد-.
- عمار السلطاني (1953 م-1954 م)-عام واحد -.
- أحمد ميموني (1954 م-1955 م)-عام واحد-.
قالوا عن المدرسة:
الأستاذ بن لمبارك الهادي (15):
وكانت مدرسة "إينوغيسن" آنذاك أشبه ما تكون بمبخرة يتولى أمرها "الجمعية الدينية"، وكان أول من أحرق فيها بخور العربية هو الشيخ "محمد الدراجي" في أواخر الثلاثينات، وانتشر عبيرها عبر "وادي الأبيض" الخصيب، فاستنشق الأهالي أريجها فأقبلوا على تعلمها بعد أن كان التعليم في المداشر مقصورا على فن قراءة القرآن دون سواه.
أسماء الناجحين في الامتحان السنوي للانتقال من السنة الرابعة للسنة الخامسة للسنة الدراسية 1947 م/1948 م تحت رعاية معلم المدرسة الشيخ محمد بن المكي الخنقي(16):
محمود بن المكي، إسماعيل مختاري، عمار درنوني، الحسين الوصيف، المبارك بن المبارك، بلقاسم درنوني، إبراهيم غقالي، المسعود مختاري، البشير عريفي، المسعود عايشي، عبد الحفيظ مداسي، بلقاسم بن عافية، عبد الحفيظ عايشي، عمار بن بومعراف، الصادق بوكريشة، مصطفى غقالي، الصالح بن أحمد زردومي.
- السنة الدراسية 1948 م/1949 م:
بعد اجتماع لجنة جمعية العلماء المخصصة في النظر بما يمس المعلمين من تعيين وتقرير ودرجات وتحديد مرتبات وفصل في الخلافات وتنظيم لأقسام المدارس ثبتت الشيخ عبد الحفيظ بلمكي الخنقي بمدرسة الجمعية بقرية إينوغيسن.
بقيت مدرسة الفلاح تؤدي رسالة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لغاية يوم 01 نوفمبر 1954 م واندلاع الثورة، بعدها قرر طلبة المدرسة مغادرتها والالتحاق بالثورة ومع إفراغها من تلامذتها نقص نشاطها لغاية إغلاقها تماما.
الهوامش:
(1) حوار نشر بيومية الشروق بتاريخ 03 جويلية 2016 م.
(2) رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه –قادة جيش التحرير الوطني-الولاية (1)-الجزء الثالث- بقلم الرائد عمار ملاح- دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع-2012 م.
(3) رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه –قادة جيش التحرير الوطني-الولاية (1)-الجزء الأول- بقلم الرائد عمار ملاح- دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع-2012 م.
(4) نبذة مختصرة عن حياة الشيخ أمحمد درنوني البوسليماني رحمه الله نسخة منسوخة بقلم الشيخ محمد علاوي زميله بمدرسة الفلاح بإينوغيسن.
(5) مكالمة هاتفية مع الشيخ جمال ميهوبي يوم 25 جويلية 2017 م.
(6) لقاء مع الشيخ الهادي بن لمبارك وحرمه زعرة بنت لمبارك بالمنزل العائلي بالرويبة يوم 01 نوفمبر 2012م.
(7) المنهجية في دمج الحركات بالحروف الهجائية ومواضيع أخرى، مخطوط بقلم الأستاذ بن لمبارك الهادي.
(8) المنهجية في دمج الحركات بالحروف الهجائية ومواضيع أخرى، مخطوط بقلم الأستاذ بن لمبارك الهادي.
(9) مكالمة هاتفية مع الشيخ جمال ميهوبي يوم 25 جويلية 2017 م، كان وقتها الشيخ محمد الدراجي ميهوبي يعمل على جبهات عدة.
(10) مكالمة هاتفية مع الشيخ جمال ميهوبي يوم 25 جويلية 2017 م،
(11) الشيخ محمد علاوي –تلميذ الشيخ الدراجي ميهوبي
(12) مكالمة هاتفية مع الشيخ بن لمبارك لمبارك يوم 08 جوان 2017 م،
(13) مكالمة هاتفية مع الشيخ بن لمبارك لمبارك يوم 08 جوان 2017 م، استغرب أعضاء الجمعية إصرار الشيخ على الرفض وعدم محاولة إيجاد أرضية لإيجاد حل وسط، وكان مرد ذلك أنه قد يكون تلقى عرضا أكثر إغراءا من جهات أخرى.
(14) جريدة البصائر، عدد 24، السنة الثانية من السلسلة الثانية، بتاريخ 23 فيفري 1948 م.
(15) المنهجية في دمج الحركات بالحروف الهجائية ومواضيع أخرى، مخطوط بقلم الأستاذ بن لمبارك الهادي.
(16) جريدة البصائر ، عدد 59، السنة الثانية من السلسلة الثانية ، بتاريخ 06 ديسمبر 1948 م.
(15) المنهجية في دمج الحركات بالحروف الهجائية ومواضيع أخرى، مخطوط بقلم الأستاذ بن لمبارك الهادي.
(16) جريدة البصائر ، عدد 59، السنة الثانية من السلسلة الثانية ، بتاريخ 06 ديسمبر 1948 م.