مالك بن نبي.. المفكر الذي بحث في أسباب تخلف الأمة

مالك بن نبي.. المفكر الذي بحث في أسباب تخلف الأمة

بقلم: هالة سويدي -

لطالما تساءل مالك بن نبي المفكر العربي الاسلامي الجزائري دائما، في كتبه وأطروحاته الحضارية عن سبب تخلف العرب في وقت يتفق فيه لكل على أن الأمة العربية تشهد حالة من الهوان والتردي، في فترة ما بين الثلاثينات والسبعينات، وهي فترة شهدت صراعا بين تيارين أساسيين تباينب فراءتهما لأسباب تخلف العالم العربي.

التيار التغريبي الذي يقتفي أثر الغرب ويسعى لاتباع نموذجه بحذافيره، ويرجع سبب تخلف الأمة العربية إلى تمسكها بالدين، من جهة، والتيار الأصولي الديني الذي يقوده زعماء المؤسسة الدينية، والذي أرجع تخلف الأمة العربية إلى التدخل الغربي المتمثل في الاستعمار والهجمات الصليبية واختصر ذلك في مفهوم المؤامرة، وهو أن الأمة العربية والإسلامية تتعرض لهجمة ومؤامرة غربية وصليبية.

بين هذين التيارين شق مالك بن نبي مساره الفكري، متجها لكيليهما بالنقد، للتغريبيين لتوجيه أصابع الإتهام باستمرار للاسلام فحاججهم بأن الدين الذين يعدونه مصدرا للشرور والبلاء قد أنتج حضارة عظيمة تدين لها الحضارة الغربية بالكثير. ثم انتقد الأصوليين في تنزيههم للتاريخ الإسلامي من أي دور في حالة التخلف واعتبار الإستعمار منطلقها وتمجيدهم له باستمرار، في حين أن ضعف الإبداع والعجز عن التجدد والركون للتقليد هو في رأيه ما أوهن المسلمين وتركهم فريسة للإستعمار، بمعنى أن الإستعمار هنا هو نتيجة للتخلف، لا مسببه.

ويعد مالك بن نبي من أهم المفكرين العرب وأحد رواد النهضة الفكرية الإسلامية في القرن العشرين، وقد اعتبره الكثيرون امتدادا لـ “ابن خلدون” وهو من أكثر المفكرين المعاصرين الذين نبّهوا إلى ضرورة العناية بمشكلات الحضارة.

كما  وقف بن نبي دائما في كتبه وأطروحاته قارئا وناقدا لإخفاقات الأمة وعلل تخلفها في هدي من رؤية قرآنية.

ولد مالك بن نبي في 5 ذو القعدة 1323 هـ الموافق لـ فاتح جانفي سنة 1905 بمدينة قسنطينة شرق الجزائر، وترعرع في أسرة إسلامية محافظة، فكان والده موظفًا بالقضاء الإسلامي حيث حول بحكم وظيفته إلى ولاية تبسة حين بدا مالك بن نبي يتابع دراسته القرآنية، والابتدائية بالمدرسة الفرنسية، وتخرج سنة 1925 بعد سنوات الدراسة الأربع.

البحث في أسباب تقهقر المسلمين

وكان لانتشار فكر بن نبي أثر بالغ في الكثير من مناطق العالم، التي اعتبرت أن ما قدّمه يليق بالتجربة الواقعية، كما هو الأمر في ماليزيا وإندونيسيا، فالسؤال عن أسباب تقهقر المسلمين كان هو المنطلق الرئيسي في أغلب كتاباته، “وكانت الإجابة عن هذا السؤال هي محور كتابات وأقوال الذين تصدوا لحركة الإصلاح والنهوض بالأمة على اختلافهم في القرب أو البعد عن الصواب، بل إن كثيرا منهم لا يعالجون المرض بقدر ما يعالجون أعراضه، وهو ما كان “مالك” يعترض عليه ويعتبره تحليلا جزئيا، لا يتمكن من جمع الأحداث في سياق كامل فيمكن المفكر من تحليل الواقع لاقتراح الأفكار.

عاد مالك بن نبي إلى الجزائر عام 1963 عقب الاستقلال مباشرة بعد غياب طويل عنها، حيث عُين مديرا عاما للتعليم العالي بوزارة الثقافة والإرشاد القومي الجزائري.

لكن تحفظاته واعتراضاته على النهج الذي كانت تدار وفقه البلاد آنذاك، وخصوصا ما تعلق منه باتجاه المنحى الاشتراكي، أدّى إلى توقفه واستقالته من المنصب.

وتفرغ بعدها كليا للعمل الفكري الإسلامي والتوجيهي، فساهم بمقالات متتابعة في الصحافة الجزائرية خصوصا في مجلة “Révolution Africaine” (الثورة الإفريقية) التي شارك فيها إلى سنة 1968 بمقالات في صميم تصوراته حول إشكالات الثقافة والحضارة ومشروع المجتمع، وقد جمعت هذه المقالات كلها في كتاب بعد وفاته.

وأوصى مالك بعض المقربين إليه من الطلبة الذين كانوا يتابعون حلقاته ببيته، خصوصا الذين كانوا يشتغلون بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، بتنظيم ملتقيات لتوعية الأجيال الصاعدة كما حث على فتح مسجد بالجامعة المركزية، وفي خضم الصراعات الفكرية والمذهبية، ولو كان ذلك بمقدار متر مربع واحد.

شروط النهضة

في كتابه شروط النهضة شبّه مالك العالم الإسلامي بمريض دخل صيدلية، فيعالجه السياسي بما ظهر من أعراض أمراضه السياسية والفقيهُ بما ظهر من أعراض أمراضه العقائدية فهو يتعاطى حبة هنا ضد الجهل وقرصا هناك ضد الاستعمار ويتناول عقارا يشفي من الفقر، ولكن لا خيط ناظمَ يذهب إلى أصل الأدواء و مبعثِها ليشتغل عليه بدل الانغماس في علاج الأعراض.

يؤكد بن نبي أن الحضارة هي التي تلد منتجاتها وليس العكس، فليس واجبا لكي ننشئ حضارة أن نشتري كل منتجات حضارة أخرى فذاك ممتنع كما وكيفا، فحتى يركِّب العالم الإسلامي حضارتَه في زمانه هذا وجب عليه أن يرجع إلى تلك الصيغة التحليلية التي تصنع كل ناتج حضاري.

كان بن نبي في كتبه التي ألفها يحاول دائما أن يجد في كل مرة الجواب، أو جزءا منه، لأسباب تخلف الأمة العربية الاسلامية، وتوصل إلى أن “القابلية للاستعمار”، هي السبب الأساسي لتخلفها، وهو مصطلح انفرد به بن نبي، في كتابه “شروط النهضة” الذي أصدره من فرنسا عام 1948 باللغة الفرنسية.

ففي الوقت الذي كان فيه رجال الفكر والدعوة المسلمون يدعون إلى تجديد الفكر الديني، بتجديد الدراسات الفقهية وعلمي التوحيد والسلوك، وإلى الثورة على الاستعمار الذي كان سببا في تخلفنا، وإلى ما هنالك من القضايا الظاهرة في حياتنا، كان بن نبي يدعو إلى البحث في أسباب كل ذلك، للوصول إلى إعادة صياغة الفرد المسلم، ومنه إلى صياغة المجتمع برمته؛

تحلَّى مالك ابن نبيّ بثقافة منهجيَّة، استطاع بواسطتها أن يضع يده على أهم قضايا العالم المتخلِّف، فألف سلسلة كتب تحت عنوان ” مشكلات الحضارة” بدأها بباريس ثم تتابعت حلقاتها في مصر فالجزائر.

وظل التخلف بالنسبة لمالك بن نبي هو نتيجة لمرحلة طويلة من الانهيار في عالم الأفكار والثقافة، وهاته المرحلة الطويلة من التخلف، يسميها مالك بن نبي مرحلة ما بعد الموحدين.

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.