مذكرات مالك بن نبي: الشيخ مبارك الميلي العالم الوحيد الذي ترك لدي انطباعا بأنه صادق
بقلم: مالك بن نبي-
ولم تكن محاضرتي التي ألقيها أيام الأحد دون جدوى أيضا، رغم أن الحضور لم يكن كثيفا كما يمكن تخيله.
وهناك بالطبع نشاط الإدارة الاستعمارية التي تعرف، كما تعرف دائما، جميع أسرار وخفايا عقلية (الاندجين). فقد كنت استمد القضايا التي تتناولها محاضرتي من حياة إخواننا في شارع شابولييه. ومن هنا كان من السهل تأليب ضدنا جميع المصالح القذرة لأصحاب المطاعم الوسخة ومقاهي العرب الذين كان من السهل تصوير نشاطنا -نشاطي ونشاط تلاميذي- بأنه يضر بمصالحهم. فأصبح أعضاء المكتب أنفسهم يتغيبون عن الاجتماعات، ثم استنكفوا تدريجيا عن دفع ثمن إيجار المحل، نادي التربية والتعليم. فاعتقدت من الواجب أن أتوجه لجمعية العلماء ممثلة في شخص الفضيل الورتلاني لإنقاذ نادينا الموجه للتربية والتعليم.
رد على رسالتي ردا دبلوماسيا ووعدني بعون الله، كنت بالطبع أتفهم موقفه، فقد كان يدعو لـ (الثقافة الإسلامية) بينما كنت أدعو للإسلام والحضارة. ولم تكن هناك صلة مشتركة بين العقليتين. في غضون ذلك، مر علينا الشيخ مبارك الميلي (عليه رحمة الله) فاستبقيناه بمرسيليا ليقدم لنا درسا. كان مريضا وعائدا من فيشي. غير أنه قبل الدعوة. كان (العالم) الوحيد الذي ترك لدي انطباعا بأنه صادق. ولم يخف عني قلقه إزاء الوضع الذي تتخبط فيه جمعية العلماء منذ زيارتها المشهودة لباريس، فالعقبي الذي أفرج عنه اتخذ بكل وضوح موقفا مع الإدارة. أصبحت الجزائر تتأرجح بين بن جلول ومصالي. وتمكن مييو (Millot) الذي خلف ميرانط (Mirante) من فرض عقلية ماسينيون نهائيا في الإدارة الجزائرية. لم يتمكن والدي لحد الآن أن يعود لعمله رغم مساعيه الحثيثة.
من مذكرات مالك بن نبي (العفن).