اجتماع الرواد … الأوراق المنسية
بقلم: محمد بغداد –
يقول التاريخ، أن هناك اجتماع نظم في مدينة قسنطينة سنة 1928، حضره سبعة من الشخصيات، وهم الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ محمد البشير الإبراهيمي، والشيخ مبارك الميلي والشيخ الطيب العقبي والشيخ العربي التبسي والشيخ السعيد الزاهري والشيخ محمد خير الدين، هؤلاء السبعة اجتمعوا في قسنطينة، دون أن يتوقف التوثيق الوطني عند تفاصيل هذا الاجتماع، وما دار فيه ودون أن يحفل الأرشيف بوثائق ومحاضر هذا الاجتماع، ودون أن تقدم الكتابات التاريخية حيثياته من قبل وأثناء وبعده، الأمر الذي يفتح المجال لكثير الأسئلة، التي تشكل محاولة الإجابة عنها أهم المفاتيح المعرفية، التي تكشف عن الكثير من المواقف والسلوكات والقرارات، التي جاء بعد تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وهذا الغموض الذي يلف الاجتماع، يدفعنا للانتباه إلى مجموعة من الملاحظات، تساعد على التخفيف من ثقل الغموض ومنها.
نجد أن أعضاء الاجتماع، ينتمون إلى جهة واحدة من الوطن، وهي الجهة الشرقية من البلاد، دون أن يشاركهم بقية الشخصيات من المناطق الأخرى، ومن نفس الاتجاه الفكري والفقهي، فهل يكفي مجرد بعد المسافة وصعوبة التواصل مبررا لعدم حضور بقية الجهات الأخرى في الاجتماع، وهذا الاجتماع هو الثاني بعد لقاء المسجد النبوي في المدينة، بين ابن باديس والإبراهيمي سنة 1913، فهل تناول اجتماع الرواد 1928 بقسنطينة، دراسة تطورات الأحداث لمدة خمسة عشر عاما، وهي فترة ما بين الاجتماعين ما بين فكرة (القيام بعمل ما) في المسجد النبوي، وما جاء بعدها؟
عند الاطلاع على قائمة أعضاء اجتماع الرواد في قسنطينة، نجدهم من الذين اكتسبوا خبرات العمل الجماعي، وبناء التنظيمات الثقافية، وهي الخبرات التي ظفروا بها خلال تواجدهم في بلدان المشرق، وكل واحد منهم له خبراته وتجاربه ومهاراته، التي تفتقدها الساحة الوطنية، وتعوزها النخب الجزائرية آنذاك، ولكن هناك العديد من الشخصيات التي كانت تمتلك الخبرات المناسبة، وربما أفضل منها متواجدة في ولايات الشرق الجزائري، دون أن يتم دعوتها واشراكها في الاجتماع، ولا تسعفنا المراجع التاريخية، عن الكيفية التي تم التواصل بين هؤلاء الشخصيات، وطريقة اتفاقهم على عقد اجتماع قسنطينة، كون نفس المراجع لا تذكر وجود صلات سابقة وعلاقات قائمة، بين هؤلاء السبعة قبل موعد الاجتماع، فكيف تم ذلك، وفي أي سياق تم تنفيذ ترتيبات الاجتماع؟.
حسب ما تؤكد عليه العديد من البحوث والدراسات، التي تناولت تاريخ حركة الإصلاح الجزائري، فإن اجتماع قسنطينة، كان مهما ومصيريا، ولهذا أطلق عليه (اجتماع الرواد)، فإذا كانت له هذه الأهمية فلماذا لا تتوفر وثائقه ومحاضره، ومدته والمواضيع التي تم التطرق إليها، ولماذا حضره هؤلاء السبع فقط دون غيرهم من الشخصيات الوطنية، ذات الحضور في الساحة آنذاك، والتي ظهرت فيما بعد خلال تأسيس جمعية العلماء، وما الآسباب التي أخرت موعد تأسيس جمعية العلماء ثلاث سنوات، عن موعد اجتماع قسنطينة، إذا كان هذا الاجتماع هو اجتماع الرواد، ويكتسي هذه الأهمية البالغة أم أنه كان مجرد لقاء عابر، لم تتمخض عنه قرارات، وبقي مجرد لقاء مثل لقاء المسجد النبوي، قبل خمسة عشر عاما؟.
إن اجتماع الرواد، لا نجد له أثارا وتجليات فيما بعد، خلال مسيرة حركة الإصلاح الجزائرية، سوى تلك الإشارات القليلة لأتباع جمعية العلماء، وكل ما حدث فيما بعد لا يؤكد تلك الأهمية التي يتحدث عنها البعض، خاصة عند المفاصل والمنعرجات المهمة، وما برز منه هو تكريس تلك النجومية لشخصيات قليلة من أعضاء الاجتماع، وبناء قوة كارزماتية للشيخ البشير الإبراهيمي، في الوقت الذي نجد أن رجل مثل الشيخ السعيد الزاهري، يتم تنحيته جانبا ولا ينال موقعه في قيادة الجمعية، وتساعد التطورات اللاحقة على إبعاده من الصفوف الأولى، كما أن الشيخ محمد خير الدين، يكون له نفس المصير، إلا في المرحلة الثانية من تاريخ الجمعية، وتكاد مواقفه تكون متناقضة مع مواقف الصف الأول من قيادة الجمعية، والأمثلة كثيرة، التي تثير الأسئلة التي يشكل غياب أوراق اجتماع الرواد، أهميتها ويرفعها إلى مستوى القلق والإحراج التاريخي.