مالك بن نبي بعض الذكريات
بقلم: أنور الجندي -
كانت فترة إقامة العلامة مالك بن نبي في القاهرة فرصة ذهبية و طيبة للفكر الإسلامي من عدة جوانب: أولا: من حيث فتحت له آفاق التعرف إلى مثقفين كانوا قد قرأوا له مؤلفاته التي تدور حول الحضارة مترجمة من اللغة الفرنسية إلى العربية و كان الدكتور عبد الصبور شاهين هو المترجم و ربما شاركه الأستاذ مسقاوي الباحث الإسلامي السوري.
ثانيا: من حيث أطلقت طاقات العلامة مالك بن نبي الروحية الدفينة و كان من مكاسبها مؤلفاته الأخيرة التي كتبها باللغة العربية نفسها. ذلك بعد أن اتصل بالمجتمع العربي و حضر عشرات الندوات و الاجتماعات و ناقش عديدا من علماء مصر و علماء الإسلام الذين كانوا يلقونه أحيانا في أمسيات الجمعة في ندوة الشيخ أحمد حسن الباقوري.
و كانت سعادتنا كبيرة بهذا اللقاء حيث كان يحدثنا عن مطالع حياته الفكرية و ظروف المثقف المسلم في المجتمع الذي كان واقعا تحت السيطرة الفرنسية و الثقافة الفرنسية.
و لما كان العلامة مالك بن نبي قد أعد نفسه منذ اليوم الأول ليحمل لواء الأصالة و التميز الإسلامي مهما كلفه ذلك من ثمن فقد واجه مضايقات شديدة وصلت إلى حد منعه من المنح و الترتيبات الخاصة بالبعثات الرسمية بل و قد أهين والده في ذلك لعدم تجاوب ابنه (مالك) في فرنسا مع القوى التي تريد احتوائه و لما كان مالك بن نبي قد درس الهندسة فقد كان حفيا بأن يتعرف إلى الأعمال الهندسية في مصر في صحبة المهندس المصري أحمد عبده الشرباصي الذي كان من أبرز المهندسين في مجال الري و الزراعة و لقد كانت له صداقة وافرة معه و لقاءات و أحاديث استطاع خلالها من دراسة السد العالي و قناطر أسوان و غيرها.
و قد كشفت علاقاته مع الذين عاملوه في باريس على تصميم غريب على الوطنية و الكرامة و الإسلام و قد احتمل في سبيل ذلك عنتا كبيرا حتى أني لأذكر أنه عقدت مقارنة بينه و بين طه حسين و كلاهما ذهب ليتعلم في فرنسا فكان أحدهما متماسكا مضحيا بكل ما يتصور أنه وسيلة للرفاهية في سبيل التمسك بالقيم بينما اتجه الآخر إلى الولاء الكامل للقوم و ثقافتهم،
و قد أمضى مالك بن نبي في مصر فترة طويلة فلما تولى الثوار الحكم ظننا أنه سيطلب إليه العودة ليتولى عملا ثقافيا كبيرا موجها غير أن ما حدث كان بخلاف ذلك فقد أسندت إليه إحدى الوظائف الثقافية و انتهى أمره بأن أصبح قعيد البيت و قد زاره الدكتور محمود ديات في منزله في أيامه الأخيرة و كان قد أقام ما يسمى بالملتقى الإسلامي السنوي فلما عزل عنه لم يذكره الإخوة الذين أشرفوا على الملتقى من بعد في مرحلة عصيبة كانت المواقف فيها غير موجهة لتقدير الأعلام السابقين أمثال عبد القادر الجزائري و عبد الحميد بن باديس و مالك بن نبي و لكن لا ننسى أن كثيرا من الشباب المثقف أعد أطروحات و أعمال عن الدور الذي قام به مالك بن نبي و ظل اسمه مرتفعا بنظريته المعروفة و قد كتب عنه كثيرون من خارج وطنه منهم الدكتور عبد السلام الهراس من المغرب و غيره من الشمال الإفريقي.
رحمه الله رحمة واسعة