أبو اليقظان … المقوم المعاند
بقلم: د. محمد بغداد -
الشيخ إبراهيم أبو اليقظان، أول جزائري يؤسس مطبعة حديثة في الجزائر، انتخب سنة 1932 نائبا للأمين العام لجمعية العلماء المسلمين، ولم يتمكن من الوصول إلى الهيئات القيادية للجمعية، في الجمعية العامة التأسيسية، بالرغم من مشاركته فيها، إلا أن جهود الرجل وأعماله وإنجازاته الكثيرة، تمت بعيدا عن جمعية العلماء، من قبل تأسيسها وبعد انطلاقها، فهل الأمر يتعلق بموقف الرجل من الجمعية، وبرنامجها، أم أن إطارها التنظيمي لم يستوعب خبرات ومكانة الرجل، أم أن أولويات الشيخ إبراهيم أبو اليقظان ومشاريعه، كانت غير قادرة على أن تستوعبها جمعية العلماء.
يقول عنه الشيخ التوفيق المدني، بأن (أظهرت الأيام أنه مقارع مجاهد، ومقوم معاند، صرع الاستعمار ولم يصرعه الاستعمار، ضرب بسهم في الجهاد الصحفي والفكري، ما لم يبلغ في الجزائر أحد شأوه)، إن وصول الشيخ إبراهيم أبو اليقظان، إلى تصدر المرتبة الأعلى في المخيال الجماعي، إلى موقع انعدام المنافسة، تم عبر العديد من المحطات مرّ بها الرجل، وجمع فيها بين العديد والكثير من العلوم والفنون والخبرات والتجارب، ساهمت في صناعة مثقف مميز يحتل مكانة استثنائية في الذاكرة الجماعية، وتستند عليه جمعية العلماء في إنجاز مشروعها التي تكون قد عملت على الإستناد على خبرات الشيخ إبراهيم أبو اليقظان، دون أن تتمكن من توظيفها ميدانيا، وبقيت مجرد إلتماس إعلامي وتوازن فكري واجتماعي، لم تظهر الكثير من نتائجه الواقعية.
فالرجل تتلمذ على يدي قطب الأئمة الشيخ طفيش، وتخرج من مدرسته (المذهب الإباضي)، وبعد ذلك ترأس أول بعثة علمية جزائرية إلى الخارج، وكانت وجهة البعثة إلى تونس سنة 1914، أين درس في جامع الزيتونة ثم الخلدونية، وفي تونس انخرط في العمل السياسي، أين كان عضوا في الحزب الحر الدستوري التونسي، وخلال نشاطه بالحزب تمكن من إقامة صداقة شخصية مع رئيس الحزب عبد العزيز الثعالبي، وقد استفاد الشيخ إبراهيم أبو اليقظان، كثيرا من المهارات السياسية وتزود من الخبرات التنظيمية، مما جعله وفي فترة وجيزة من أبرز شخصيات الحزب، وهي المكانة التي تكون قد منعت الشيخ إبراهيم أبو اليقظان من التأقلم الطبيعي مع جمعية العلماء، التي لم تجد للرجل مكانته السياسية والإعلامية التي تكون قد حرمت منها.
لقد قام الشيخ إبراهيم أبو اليقظان بمغامرة كبيرة سنة 1926حين قام بإصدار جريدة “وادي ميزاب”، التي كانت تُحرر في الجزائر ثم تطبع في تونس، ليتم توزيعها في الجزائر، ثم واصل مغامرته الإعلامية بإصدار جريدة “ميزاب”، ثم جريدة “المغرب”، ثم جريدة “النور”، “البستان”، ثم جريدة “النبراس”، ثم جريدة “الأمة”، ثم جريدة “الفرقان”، وبالرغم من الجرائد التي أصدرها كان يكتب في غيرها من الجرائد، منها جريدة “الفاروق” و جريدة “الإقدام” في الجزائر، و جريدة “المنير” و جريدة “الإرادة” في تونس، ومجلة “المنهاج” في القاهرة، ويحصل بذلك على مكانة مرموقة في سماء الإبداع الإعلامي العربي والإسلامي، مما يجعل المتابع يواجه الكثير من الأسئلة، في مقدمتها الأثر الغائب للشيخ إبراهيم أبو اليقظان، في حضور جمعية العلماء في الفضاءات العربية والإسلامية، استثمارا لهذه المكانة القوية والنفوذ الواسع، الذي كان بإمكانه تقديم الكثير من المساحات النوعية، التي تجلب الإنجازات النوعية.
الشيخ إبراهيم أبو اليقظان، يختفى نجمه في ظروف غامضة بعد الأربعينيات، وينقطع عن الصحافة ويتفرغ للكتابة والتأليف، ويترك للمكتبة أكثر من ستين مؤلفا، بين كتاب ورسالة، دون أن يفارق مدينة القرارة مسقط رأسه.
وعبر المسيرة الطويلة التي توقفت سنة 1973، لم تظهر ملامح ولمسات الشيخ إبراهيم أبو اليقظان في تاريخ جمعية العلماء، سوى ذلك الحضور في زمن التأسيس وزمن توليه لمهمة عابرة في هيئتها الإدارية، وهنا نواجه السؤال المحرج المتمثل في التجنب الدبلوماسي للخطاب التاريخي، في حاضرة الذاكرة الوطنية لتفسير هذا الغياب.