كلكم جمعية العلماء…

بقلم: د.عبد الرزاق قسوم -

وتلك حقيقة ثابتة، لا يجادل فيها إلا منبت، منسلب الإرادة، أو عميل خائن لمقومات الوطنية والسيادة. ذلك أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين القديمة والجديدة، تقوم على نفس الثوابت الداعمة للبناء الوطني الصحيح، والحامية لمشروع الاستقلال الصريح، وهي في هذا الخط لا تزال وفية للقرآن الفصيح، والحديث النبوي الذي يدعمه العقل المليح والفهم الفسيح.

فجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، قديماً حاربت كل أنواع الرجس، من شياطين الجن والإنس، فطردتهم من الأنفس والعقول، وهي اليوم تطارد الأرجاس الدخلاء، الذين يفسدون في الشعب ولا يصلحون.

إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، اليوم الوفية للسلف الصالح، تقف بالمرصاد لكل ما هو تالف وطالح. فهي على نهج علمائها الأولين تقف بالمرصاد للمنسلين والمغزوين، باسم الوفاء لرسالتها التي هي تحرير العقول من الاتباعية بالوعي، وتجنيد العلماء، والعمال، لإنهاض الأمة بالسعي، وتنبيه الغافلين، لليقظة بحرية الرأي.

ولهذه المهمة النبيلة، كان لجمعية العلماء القديمة والجديدة، أضداد متعددي الانتماء، متنوّعي القناعة والاقتداء، لا يجمعهم إلا معاداة الجمعية، فهم يلوون ألسنتهم بسبها، ويتنافسون في التشنيع على قادتها، بالرغم من قصور أذنابهم، ونجاسة أنسابهم، وهشاشة أربابهم.

فهل إذا ذدنا عن ثوابت الأمة، لحمايتها من الذوبان في كيان الغير، بوصف خطابنا باللغط؟ إنه –والله- لأكبر غلط.

وهل إذا دافعنا عن المدارس القرآنية، وطالبنا بعدم إخراجها من أحضان الأمّة، وإبعادها عن أي إصلاح مشوه، يوصف منهجنا، بالمقدمة لخطاب الفتنة.. ألا في الفتنة سقطوا، وإنها –والله- للفتنة الكبرى.

أليس من الفتنة أن تقع محاولة إحلال الدارجة الجزائرية الهجينة، محل العربية الفصحى المتينة، التي توحدنا على أساس، وتربطنا بالقرآن والإسلام، لتبعدنا عن الوسواس الخناس؟

إنه ليؤلمنا، أن يلتقي من كنا نعدهم من الأخيار، بالناقمين على جمعية العلماء من العملاء، والدخلاء، والجبناء، والسفهاء، فيعيبون –مجتمعين- على جمعية العلماء دعوتها إلى الانتماء الأصيل لهذا الوطن، وإلى الكشف عن الوجه العربي الإسلامي الصحيح للوطن والمواطن.

إنه ليحز في قلوبنا –حقا- أن ينبرى من بين صفوفنا، من فقد كل أدب واحترام للعلم والعلماء، فيصف علماء الجمعية بالعصابة، وينفي عن الجزائر وجود علماء فيها، وما أولئك بالمنصفين.

لقد أدبنا الإسلام فأحسن تأديبنا، وربانا الوطن، فأحسن تربيتنا، ومما تربينا عليه ضرورة احترام المواطن، لأخيه المواطن، والمسلم لأخيه المسلم، والعامي للعالم، حتى وإن اختلف معه، قناعة، وتوجها، ولكن فقد البعض منا، كل معنى للإسلام، والوطنية، والأخلاق، فأصبح يكيل التهم جزافا، ظلما وبغيا لعلماء الأمة، وما ظلمناهم، ولكن كانوا هم الظالمين.

كنا نتوقع من كل مواطن، وكل مواطنة، بغض النظر عن قناعته، وانتمائه، أن يضع على جبين جمعية العلماء وسام الفخار والاستحقاق، لأنها منذ نشأتها الأولى، وهي تعمل على ستر عورات شعبنا بالقيم والأخلاق، وعلى تغذية القلوب والعقول بالوازع الديني، والمقوم اللساني، والمحصن الوطني، ولكن ما راعنا إلا كفر العشير، والتنكر للمسير.

ولو كان، الناقمون علينا، يملكون مثقال ذرة من الإنصاف، والموضوعية، لأنصفونا عندما يلاحظون استبسالنا، في سبيل حماية لغتنا من الغزو، وعقيدتنا من التطرف، وأخلاقنا من العنف والمجون، وبدل أن يناصبونا العداء، يساندوننا ولو بالكلمة الطيبة، في مجابهتنا لمختلف الآفات الاجتماعية والأخلاقية والدينية، التي تعاني منها الأمة.. لقد قادنا هذا الموقف المتنكر، والمتخاذل، من البعض إلى حقيقة مؤلمة ومرة، هي أن بعض الناس لا يحلو لهم الصيد إلا في الماء العكر، وأن ما يحملونه بين جنبهم من حقد وكراهية لإنصار القيم الصحيحة، يدفعهم إلى نصب الأحابيل، وضع المكائد، لأنهم يؤمنون بأن وجودهم لا يتم إلا بانعدام حماة القيم في هذا الوطن، وفي مقدمتهم جمعية العلماء.

ما ضر هؤلاء وأمثالهم، لو أنهم فاءوا إلى رشد الجمعية، فساندوها، باللسان أو العلم، أو العمل، لإنجاح رسالتها في صيانة الوطن من عبث العابثين، وانتحال المبطلين. وقديماً قال الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان:

وطن يُباع ويشترى      وتصيح فليحيى الوطن

لو كنت تبغي حقه      لبدلت من دمك الثمن

ولقمت تندب حظه     لو كنت من أهل الفطن.

فيا بني قومنا !

هلا راجعتم أنفسكم، ومواقفكم ! وهلا تبتم من غيكم، وضلالكم، وعدتم إلى الحضن الوطني الدافئ الذي يحمينا جميعاً، ويحصننا من الضياع والذوبان؟

فكلكم –بالقوة والفعل- جمعية العلماء إلا من أبى، ابتداء من الغني والوزير، وانتهاء بالشعبي والفقير.

ولا يأبى الانتماء إلى جمعية العلماء إلا عالِم موتور، أو سياسي مأمور، أو إعلاميّ مأجور، أو مثقف منخور، أو عامي مغدور.

أما جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فليعلم الجميع، إنها ستظل الحارس الأمين للقيم الدينية والخلقية، والمبادئ الوطنية والإنسانية، فمن آمن بهذه القيم وهذه المبادئ، فهو أخونا في الوطن والوطنية، ورفيق لنا في درب الإنسان والإنسانية، ومن أتى علينا، وعلى نفسه ذلك، فليدرك أننا ثابتون إن شاء الله على هذه الثوابت، وسنظل نقدم النهج للحاكم والمحكوم معاً، وللضال والمهتدي معاً، فقد وضعنا الله والوطن في هذا الصراط المستقيم، وسنظل –إن شاء الله- سائرين على هذا الخط، لن يثنينا كيد الكائدين، ولا عبث العابثين، رائدنا في ذلك قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾[سورة الأعراف/ الآية 128]، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾[سورة الشعراء/ الآية 227].

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.