رحلة الشيخ ابن باديس الى جبال الأوراس
بقلم: صلاح الدين تيمقلين -
في سنة 1965 إرتأى المفتش الجهوي للأوقاف " باتنة و عنابه " الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني - رحمه الله – ضرورة جمع تراث و آثار من أحيى الأمة و أنار لها الدروب و عبد لها السبل نحو الإنعتاق و التحرر ، الشيخ عبد الحميد بن باديس - طيب الله ثراه – إمام النهضة العربية الإسلامية في الجزائر ، في كل شبر من الشرق الجزائري ، فأرسل لكافة الأئمة و الشيوخ الذين نهلوا العلم و المعرفة من لدن الشيخ الإمام ، طالبا إياهم إفادته بأي وثيقة أو معلومة أو حادثة مكتوبة أو مروية عنهم أو عن غيرهم، لها علاقة قريبة أو بعيدة بالشيخ فكانت الردود متنوعة .
ففي يوم 06 ماي 1965 وردت رسالة من الشيخ – سي المولود بوزيد – إمام مسجد سريانة ، الذي زاول دروسه بقسنطينة مدة عام واحد – أي سنة 1939 - ، فتكلم عن طبيعة الدروس و مراكز التعليم المتفرعة عن الجامع الأخضر كسيدي قموش و سيدي بومعزة .... ثم تكلم عن نظام دراسة الطلبة و مراكز سكناهم و كيفية إجراء الاختبارات ...و منح الشهادات ....
ثم يأتي دور الرسالة – موضوعنا – فيقول : " أما بشأن الوثائق المكتوبة بخط بن باديس فلم تكن عندي و سألت أبي و هو تلميذ للشيخ باديس فقال موجودة و ضاعت لي في وسط الكتب ، ففتشنا جميع ما نملك من كتب فلم نعثر على رسالة مذكورة ، و إنه بلغني خبر عن هاته الرسالة نفسها بأنها موجودة عند الأخ – سي عبد المجيد بوزيد – إمام بتحمامت ، و لعل نتصل إليكم من طرف الشيخ عبد المجيد ، و هاته الرسالة كتبها الشيخ عبد الحميد إلى جدي محمد حسبما سمعت من أبي لما كان بينهما من المودة و الإخاء ، و لهذه الغاية تكررت زيارته إلى – بويخفاون – لما وجده الشيخ عبد الحميد من الحفاوة و التعاون في نشر الفكرة الإصلاحية و التأييد له ."
و في 06 جويلية 1965 وردت رسالة من الشيخ – عبد المجيد بوزيد – إمام مسجد المعذر يذكر فيها أنه قد اهتدى – في الأيام الأخيرة – إلى الرسالة ، التي كانت محفوظة في الكتب منذ أمد فبادر إلى إرسالها إلى الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني الذي عاجلته المنية – رحمه الله – فعادت الرسالة من جديد إلى طيات الكتب إلى يومنا هذا حيث عثرت عليها في كتاب – سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب - .
محتوى الرسالة :
كما هو مثبت في الأصل بخط الشيخ عبد الحميد بن باديس :
بسم الله الرحمن الرحيم . حمدا و صلاة و سلاما ، قسنطينة 14 ذو القعدة الحرام 1350 هـ .
الأخ الكريم الشيخ سيدي محمد بن سيدي مولى القرقور المعظم السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته .
أما بعد : فقد أحاطت بي ديون بسبب ما أنا قائم به من المشاريع الخيرية العامة لا بسبب شخصي . و لما ثقل علي حملها التجأت – بعد الله – إلى خواص أحبائي الذين أثق بمودتهم و تقديرهم للأعمال و كتمهم للأسرار فجعلت على كل واحد منهم ألف فرنك إن شاء عطية و إعانة على الخير و إنشاء سلفة إلى مدة عام .
و أنا أنتظر جوابكم شاكرا سواء أجبتم أو اعتذرتم .
دمتم سالمين . و السلام من أخيكم – إمضاء – الشيخ عبد الحميد بن باديس
التعليق :
الإطار الزماني للرسالة :
الرسالة – كما هي واضحة – عبارة عن طلب إعانة محددة بألف فرنك ، نظرا للأعباء الكثيرة التي كانت تحيط بالشيخ الإمام عبد الحميد من كل جانب و تثقل كاهله كثيرا ، و إذا ما حاولنا التعرف على إطارها الزماني نجده بالضبط – 14 ذوالقعدة 1350 هـ - ، أي بعد عام كامل من تأسيس جمعية العلماء المسلمين الذي كان في 17 من شهر ذي الحجة الحرام 1349 هـ الموافق لـ : 05 ماي 1931 حيث بدأت تدب فيها الحركة و أنتقل صداها إلى كل شبر من أرض الوطن شرقا و غربا ، و شرعت في تكوين الأساتذة و تشييد المدراس الحرة لإخراج الأمة من الغمة التي ظلت تتخبط فيها طيلة قرن من الزمن – 1830/1931 - .
و قد جاء في الرسالة كذلك ، و في الجانب الأيمن منها ، قائمة من خواص الخاصة الذين إتصل بهم الشيخ الإمام و هم – بلا ترتيب - :
عمر بن شيكو دفع عطية / حسين بن شريف دفع عطية / أحمد بن حربي دفع سلفا / محمد المصطفى بن باديس دفع عطية / حمراوي محمد الصالح ... / الأكحل عياط قيدوم .../ .
التعريف بزاوية القرقور :
أما بالنسبة لزاوية القرقور ، فهي المسماة كذلك بزاوية الشيخ الطيب الواقعة بدائرة سريانة ولاية باتنة ، و هي مشهورة معروفة و مقصودة من القاصي و الداني ، هدفها الأسمى تعليم القرآن الكريم و حفظه و كذا تدريس فنون العلوم الإسلامية عموما ، و تتبع الطريقة الرحمانية ، نهل منها العلم الكثير من الطلبة الذين تصدروا التدريس فيما بعد في العديد من المساجد بحوز أوراس ، و منهم على سبيل المثال – لا الحصر - الشيخ الطاهر مسعوداني الحركاتي .
وقد قال فيها : د. ن،س : نقلا عن الأرشيف الوطني الجزائري ما يلي :
" زاوية سيدي أحمد بن بوزيد ، المعروفة بزاوية مولى القرقور ، التي يعود تأسيسها إلى الولي الصالح سيدي أحمد بن بوزيد الذي انزوى بدشرة القرقور بجبل تلات للعبادة و الذكر ، بعد أن قضى شبابه في خدمة العلم عند عشائر الحراكتة ، و قد اكتسب عقبه سمعة كبيرة و احتراما فائقا لدى أهالي " بلزمة " ، و كان آخر شيوخ هذه الزاوية قبل الاحتلال الفرنسي هو سيدي محمد بن سي بلقاسم مقدم الطريقة الرحمانية بنواحي بلزمة "
علاقة الشيخ ابن باديس بزاوية مولى القرقور :
إن الشيخ بن باديس عندما ألمت به ظروف الحاجة ، نظرا لتلك الأعباء الضخمة التي أحاطت به ، شرع في سلسلة من الإتصالات بأصدقائه المقربين –خواص الخاصة – و كان من بينهم شيخ زاوية مولى القرقور ذلك لأن أواصر الصداقة بينهما كانت قديمة و متينة للغاية ، و لم تكن وليدة ذلك الظرف، و نستطيع أن ندرك ذلك من خلال ما كتبه الشيخ سي مولود بوزيد في رسالته المؤرخة في ماي 1965 – السابق ذكرها – التي تكلم فيها عن زيارة الشيخ الإمام بن باديس إلى منطقتهم حيث يقول :
" و قد شاركه أبي – يعني الشيخ علي بن محمد بن الطيب – في رحالاته إلى الأماكن التالية في سنوات- 18 و 20 و 1926 .
بويخفاون : و هو سكنانا – سابقا – وهو مكان تحيط به الجبال حلقة الأمن جهة واحدة و هو شرق سريانة ، و حدثني أبي بما سمعه عن أستاذه عبد الحميد بن باديس قال عندما يلقي نظراته على الجبال الشاهقة يقول : " أن الجزائر لا تحصل على حقها إلا بالدم " ، فزار مكتب القرآن العظيم و مدرسة للتعليم الديني ، و قد تكررت زيارته إلى بويخفاون ثلاث مرات في سنوات 18 – 20 – 1926 .
المتراس : و قد زارها سنة 1926 ، و هي قرية صغيرة خلابة بمناظرها الجميلة بما فيها من جبال و بساتين مثمرة و مياه متدفقة و هي غرب سريانه على نحو 4 كلم .
وادي الماء : الذي هو بين جبال مستاوة و جبال الحجرين المتصلة بالشلعلع و بات في هاته القرية ، ثم اتجه إلى:
* روس العيون : زار الشيخ صديقه الشيخ عبود باللونيسي الذي كان قاضيا بها ثم :
* نقاوس : ذات المياه المتدفقة و البساتين المثمرة و شاهد الآثار القديمة كمسجد سبع رقود و ألقى درسا في قوله تعالى :" و ما محمد إلا رسول قدخلت من قبله الرسل "