أحمد رضا حوحو الأديب الشهيد
عبد الحميد عبدوس

أحمد رضا حوحو الأديب الشهيد

بقلم: عبد الحميد عبدوس-

أحمد رضا حوحو أحد رجال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين المتميزين فهو كاتب ثائر ومثقف شامل وأديب متعدد المواهب يعتبر رائد القصة القصيرة في الجزائر وبالإضافة إلى ذلك فهو مؤلف مسرحي وكاتب صحفي وعازف موسيقي، عُرِفَ بمناهضته للاستعمار الفرنسي ودعوته لمقاومة المحتل. كتب عنه صديقه الحميم الرئيس السابق لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين الراحل الشيخ عبد الرحمن سيبان في سنة 1957 مقالا في جريدة الصباح التونسية قال فيه: «يحسن كاتبنا الفقيد إلى جانب مهارته في الأدب والصحافة والفن والإدارة فنونا تطبيقية عديدة، فقد باشر فن التمريض بمعهد ابن باديس أمدا طويلا، ويحسن الضرب على الآلات الكاتبة: العربية والفرنسية، ويتقن تجليد الكتب و يحسن استعمال وإصلاح أدوات المنزل العصرية كالراديو والكهرباء».

ولد أحمد رضا حوحو في 15 ديسمبر 1910 بقرية سيدي عقبة بولاية بسكرة. التحق بالكتاب وتعلم مبادئ اللغة العربية، وقواعد الإسلام على أيادي شيوخ البلدة، ولما بلغ السادسة التحق بالمدرسة الابتدائية الفرنسية سنة 1916، بعد النجاح في الابتدائية أرسله والده إلى سكيكدة ليكمل فيها دراسته لنيل شهادة الأهلية، ولم يتمكن من متابعة تعليمه الثانوي نتيجة السياسة الفرنسية التي تمنع أبناء الجزائر من مواصلة تعليمهم، عاد حوحو إلى مسقط رأسه وعمل بمصلحة بريد سيدي عقبة، وتعمقت خبرته بالحياة وظروف معيشة مواطنيه تحت سيطرة الاحتلال الفرنسي.
تزوج في سنة 1934 وفي سنة 1935 هاجر بصحبة أفراد أسرته إلى الحجاز بحراً وما أن استقر به المقام بالمدينة المنورة حتى التحق بكلية العلوم الشرعية التي تخرج منها عام 1938 بتفوق، حيث حصل على أعلى الدرجات، هذا التفوق أهّله إلى أن يعيَّن استاذا بالكلية نفسها. وكانت مجلة (الرابطة العربية) قد نشرت له في سنة 1937 أول مقال له بعنوان «الطرقية في خدمة الاستعمار».
في 1938عينته مجلة (المنهل) سكرتيرا للتحرير ونشر فيهاعدة قصص ترجمها من الأدب الفرنسي، ومجلة المنهل السعودية وهي من المجلات الثقافية الراقية التي ضمت صفحاتها مقالات لأساطين الأدب والفكر واللغة في العالم العربي والإسلامي على مدى عشرات العقود. في سنة 1940 استقال أحمد رضا حوحو من منصبه بالمجلة وانتقل إلى مكة المكرمة، وهناك اشتغل موظفاً في مصلحة البرق والهاتف بالقسم الدولي، واستمر في هذه الوظيفة إلى أن عاد إلى الجزائر سنة 1946 بعد وفاة والديه. بعد عودته إلى الوطن انضم لجمعية العلماء المسلمين وأصبح عضواً فعالاً فيها، وعيِّن مديراً لمدرسة «التربية والتعليم» التي كان الشيخ ابن باديس قد أسسها بنفسه في سنة 1930، وبقي فيها ما يقارب سنيتن، ثم انتدب لإدارة مدرسة «التهذيب» بمدينة «شاطودان» سابقا ( شلغوم العيد حاليا) التي تبعد عن قسنطينة بحوالي 50 كيلومتر ولم يمكث فيها إلا مدة قصيرة ليعود مجدداً لقسنطينة ليشغل منصب الكاتب العام لمعهد ابن باديس. وفي 25 سبتمبر من 1946 نشر أول مقال في البصائر بعد عودتها إلى الصدور تحت عنوان (خواطر حائر).
وفي سنة 1948 انتخب عضوا في المجلس الإداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين. في سنة 1949 شارك في مؤتمر باريس الدولي للسلام حيث مثل الجزائر، وفي 27 أكتوبر1949 قام بإنشاء جمعية (المزهر القسنطيني) الفنية التي عرض من خلالها مسرحيات مثل: ملكة غرناطة، بائعة الورود، البخيل.
في 15 ديسمبر 1949 أسس في قسنطينة مع مجموعة أصدقائه من العلماء الشباب الثائرين المجددين هم أحمد حماني والصادق حماني وأحمد بوشمال جريدة أسبوعية ذات طابع هزلي نقدي تحت اسم (الشعلة) وتولى رئاسة تحريرها صدر منها 54 عددا من 15 ديسمبر 1949 إلى 8 فيفري 1951، وقد جاء في افتتاحية العدد الأول منها أنها «ستكون سهاماً في صدور أعدائك وقنبلة متفجرة في حشد المتكالبين عليك».
وبأسلوبه الصحفي المتميز كتب الشهيد أحمد رضا حوحو في جريدة البصائر سلسلة من المقالات تحت عنوان: «في الميزان» تناول فيها ستة شخصيات من جمعية العلماء من أساتذة معهد ابن باديس هم: نعيم النعيمي، أحمد حماني، عبد الرحمان شيبان، عبد القادر الياجوري، العباس بن الشيخ الحسين، حمزة بوكوشة، ورسم لكل واحد منهم صورة شخصية مزج فيه بين الجد والفكاهة.
كانت باكورة أعماله الأدبية كتاب صدر سنة 1947 تحت عنوان: (غادة أم القرى) وهو عبارة عن قصة طويلة عن حياة المرأة الحجازية، وتعتبر من الارهاصات الأولى التي أسهمت في تأسس الرواية العربية الجزائرية. وألف سنة 1953 كتابه الشهير (مع حمار الحكيم) ويمكن القول أن هذا الكتاب الشيق هو ثمرة تواصل أدبي بين أحمد رضا حوحو وبين الشيخ عبد الرحمن شيبان الرئيس السابق لجمعية العلماء المسلمين حيث ربطتهما صداقة متينة منذ تعارفهما في سنة 1948 بمعهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة حيث كان أحمد رضا حوحو يشغل منصب الكاتب العام للمعهد ،وكان الشيخ شيبان يشغل منصب أستاذ الأدب العربي والبلاغة بالمعهد وكانا عضوين بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ومن محرري جريدة البصائر ومن مؤسسي الجمعية الأدبية (إخوان الصفا)، وقد قدم الشيخ شيبان كتاب (حماري قال لي) للأديب المصري الكبير توفيق الحكيم ،وعندما لاحظ الشيخ شيبان إعجاب أحمد رضا حوحو بكتاب الحكيم طلب من صديقه حوحو أن يجند قلمه ليخط بأسلوبه الطريف وروحه الناقدة كتابا يكون معادلا جزائريا لما انتجه قلم توفيق الحكيم في مصر، وكذلك كان الأمر بتأليف كتاب (مع حمار الحكيم) الذي هو عبارة عن مقالات حوارية ساخرة (بين حوحو وحمار توفيق الحكيم).
عام 1949 كتب مجموعته القصصية (صاحبة الوحي) التي تعد وثيقة أدبية وتاريخية هامة للعصر الذي عاشه الكاتب وصور فيها نظرة المجتمع لبعض القضايا العاطفية وعالج أوضاع المرأة العربية والسلوكات الاجتماعية، وقضايا أخلاقية كانت سائدة آنذاك، كما عرض فيها رأيه بصراحة في الأدب.
وفي سنة 1955 نشر مجموعته القصصية (نماذج بشرية) وهي عبارة عن نقد اجتماعي بمنظور واقعي وأسلوب ساخر، يقول أحمد رضا حوحو في مستهل مجموعته «… ثم إني لم أعمد في عرض هذه النماذج إلى الخيال فاستخدمه في التنميق والتزويق، أو إلى التحليل النفساني فأسخره لإثبات فكرة أو دحض أخرى، أجل إني لم ألجأ إلى ذلك وإنما التجأت إلى المجتمع، وانتزعت من مختلف طبقاته نماذج عشت مع بعضها، وسمعت عن بعضها، نماذج حية أقدمها للقارئ لعله يتوصل بها إلى تفهم بعض طباع مجتمعه، فيلمس أنبل نفس في أحقر شخصية، ويلمس الإيمان القوي في قلب الرجل الضال، والزيغ والإلحاد تحت عمامة رجل الشرع»..
يقول الشيخ عبد الرحمان شيبان في المقدمة التي كتبها لمؤلف حوحو (مع حمار الحكيم): «يمتاز أدب الأستاذ حوحو بطابع الخفة والصدق والانتقاد، فإنك لا تكاد تقرأ له فصلا من فصوله أو قصة من قصصه أو تشاهد له مسرحية من مسرحياته حتى يفاجئك هذا الثالوث الجميل الحبيب… فهو يعالج ما يعالج من الشؤون بكل صدف وينظر إلى كل ما تقع عليه عينه بروح نقدية تنفذ إلى صميم الأشياء، وبتعبير واحد جامع فإن رضا حوحو في أدبه هو نفس رضا حوحو في حياته من غير تعديل ولا رتوش».
بعد اغتيال محافظ الشرطة بقسنطينة في 29 مارس 1956 وألقت قوات الاحتلال الفرنسي القبض على الشهيد أحمد رضا حوحو في منزله على الساعة السادسة مساء واقتادته إلى سجن الكدية بعد اتهامه بالتحريض على العنف والتمرد على سلطة الاحتلال، ثم حول إلى جبل الوحش المشرف على مدينة قسنطينة وتم إعدامه هناك. وبعد استقلال الجزائر وجد جثمانه برفقة ثماني جثث أخرى مدفونة بشكل جماعي في حفرة واحدة بوادي حميمين ليعاد دفن رفاته بمقبرة الشهداء بالخروب، رحم الله الأديب الشهيد .

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.