Categories: لقاءات

المجاهد والباحث عثمان سعدي للبصائر: جمعية العلماء.. ضمير الثورة التحريرية وروحها الثائرة

حاورته: فاطمة طاهي-

هو الثائر الرافض للاحتلال الفرنسي، عثمان سعدي الذي عُرف بحامي العربية والعروبة كيف لا وهو الذي ناضل بروحه الثائرة في الملحمة التاريخية والثورة التحريرية إلى جانب رفاقه في الجهاد بعدما حاول الاستعمار الفرنسي طمس شخصيته العربية وتحويل بيئته إلى بيئة فرنسية بحثة، فآمن حينها ورفاقه بأن استعادة هذه الأرض والاسم والهوية لا يكون إلا بالرصاص والبندقية، فواصل المجاهد نضاله بوعيه الوطني بعد تحقيق الحرية والاستقلال لكن هذه المرة من أجل تحرير الهوية الوطنية فحمل القلم ودافع بكتاباته عن اللغة العربية والهوية الجزائرية، من خلال مجهوداته الرسالية والنضالية في سبيل قضايا الوطن والأمة. وفي حديث خص به جريدة البصائر الجزائرية يعود بنا الدكتور عثمان سعدي إلى محطاته التاريخية واسهاماته الوطنية.

المناضل في صفوف جبهة التحرير عثمان سعدي:

– هو الدكتور والمجاهد عثمان سعدي من مواليد 1930م بقرية ثازبنت ولاية تبسة، ناضل منذ شبابه المبكر في حزب الشعب الجزائري، وإنخرط في صفوف جبهة التحرير الوطني منذ تأسيسها وعمل في ممثليها بالمشرق العربي. متخرج من معهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة عام 1951، حاصل على الإجازة في الآداب من جامعة القاهرة سنة 1956م والماجستير من جامعة بغداد سنة 1979م، والدكتوراه من جامعة الجزائر سنة 1986م، مناضل في جبهة التحرير الوطني منذ تأسيسها. أمين دائم لمكتب جيش التحرير الوطني بالقاهرة أثناء الثورة المسلحة، رئيس البعثة الديبلوماسية بالكويت 1963 ـ 1964. قائم بالأعمال بالقاهرة 1968 ـ 1971. سفير في بغداد 1971 ـ 1974. سفير في دمشق 1974 ـ 1977. عضو مجمع اللغة العربية الليبي في طرابلس ـ ليبيا. عضو المجلس الشعبي الوطني من 1977 إلى 1982، عضو باللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني من 1979 إلى 1989، رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية منذ عام 1990. أشرف على إصدار كتاب: [الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية: خمس عشرة سنة من النضال في خدمة اللغة العربية، طبع الجزائر سنة 2005]. وهو المدير المسؤول على مجلة [الكلمة] لسان حال الجمعية. رئيس لجنة الإشراف العلمي على إعداد المعجم العربي الحديث، الذي تبنى إصداره الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بالثمانينيات، ولم يكتب له الصدور. حاصل على جائزة أهم مؤسسة فكرية عربية وهي مؤسسة الفكر العربي سنة 2005 ، وعلى جائزة الريشة الذهبية لبلدية سيدي امحمد بالجزائر. ينتمي الدكتور عثمان سعدي إلى أكبر قبيلة أمازيغية وهي قبيلة النمامشة، وهو يملك العربية والأمازيغية. عندما أصدر كتابيه عروبة الجزائر عبر التاريخ (1983) والأمازيغ عرب عاربة (1996)، أورد بهما مختصرين لغويين يؤكدان عروبة اللغة الأمازيغية.

بداية دكتور حدثنا عن مساركم النضالي بدءا من حزب الشعب إلى المنظمة السرية فثورة التحرير؟

-قبل الثورة كنت عضوا في المنظمة الخاصة السرية لحزب الشعب، وتلميذا في مدرسة تهذيب البنين والبنات بتبسة التابعة لجمعية العلماء المسلمين، ثم طالبا بمعهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة منذ تأسيسه سنة 1947م وتخرجت منه سنة 1952م وبشهادته تابعت الدراسة بجامعة القاهرة بمصر.

ناضلت في شبابي المبكر في صفوف «حزب الشعب» حيث انخرطت سنة 1948 في خلاياه السرية «لواس» وأنا في سن 18 من عمري وفي المنظمة كان لا بد للمناضل، أن يعرف من هو رئيسه ومن هو مرؤوسه وفقط، وأنا كان يرأسني يومها السيد أحمد بن دراعو من مغنية، أما مرؤوسي فكان السيد أحمد الدخيلي، ثم انخرطت بعدها في صفوف جبهة التحرير وعملت في ممثليتها بالمشرق العربي، حيث كنت أمينا دائما لمكتب جيش التحرير الوطني بالقاهرة أثناء الثورة والتي من خلالها دربت العديد من الشخصيات على السلاح وتمكينهم من الالتحاق بالثورة بالجزائر، أما عن نفسي فقد رأت القيادة أن أتفرغ للعلم فحصلت حينها على الإجازة من جامعة القاهرة في اللغة العربية سنة 1956، هذا ولا يفوتني أن أشير كذلك أنني خريج معهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة سنة 1951 وبعد خلاف وقع بيني وبين الشيخ عبد اللطيف سلطاني غادرت إلى القاهرة التي واصلت فيها النضال وتحصيل العلم.

وطبعا كنت في قيادة مكتب الرابطة التي تكونت قبل اندلاع الثورة في الخمسينيات من القرن الماضي، ولما اندلعت الثورة اتصلنا بالسيد أحمد بن بلة في ذلك الوقت، شخصيا تدربت على السلاح وقررت الدخول إلى الجزائر، لكن بن بلة لما رأى أنني أكتب في العديد من الصحف بمصر ولبنان أعجب بذلك فخاطبني بالقول: «من يحمل السلاح كثر، أما أنت فلتبق في القاهرة وأنت تملك القلم ونحن في حاجة لذلك».. فتحت مكتبا سريا لجيش التحرير بالقاهرة وهو ليس مكتب جبهة التحرير، مباشرة بعد ذلك عينت به الأمين الدائم ورحت أقوم بتوجيهات سياسية حول الثورة، بعض الجزائريين كانوا يأتون إلى القاهرة للتدرب على السلاح ثم يعودون ثانية إلى الجزائر وقد مر على يدي العديد من الشخصيات كما قلت لك، منهم المرحوم العقيد عبد الغني رئيس الحكومة السابق، وبقيت بالمكتب الدائم إلى أن اعتقل بن بلة في قضية الطائرة الشهيرة.

وأيضا وبتكليف من الراحل أحمد بن بلة خرجت أول بعثة طلابية جزائرية تجوب العالم، كانت من القاهرة في شهر أوت من سنة 1955 وكنت أنا من ترأس هذا الوفد لما توجه إلى فرصوفيا.
ومن المعلوم أنني أنتمي إلى أسرة مجاهدة بجبال النمامشة، والدتي أنجبت ستة أبناء، ولدان وهما المجاهد عثمان، وسليمان الذي توفي شهيدا وهو يجاهد ويناضل بجبال الجزائر، وأنجبت أربع بنات اثنتان منهن أرملتا شهيدين، وواحدة أم لسبعة قصّر، والأخرى أم لخمسة قصّر، قمت برعايتهم بعد الاستقلال. أما والدي فقد توفي قبل الثورة.

باعتباركم ابن جمعية العلماء المسلمين، ما هو تقييمكم لتجربتها في مجال تكريس قيم الهوية الوطنية؟

-أعظم مؤسسة جزائرية هي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. رأيي أن مؤسستين قادتا ثورة أول نوفمبر: حزب الشعب كدبزة الثورة، وجمعية العلماء كروح الثورة، حزب الشعب علم كيف يحمل السلاح للتحرير، الجمعية ساهمت في الثورة المسلحة بواسطة أبنائها وبثت روح الثوابت الوطنية وأبقت اللغة العربية حية في العهد الاستعماري عن طريق عشرات المدارس منتشرة في سائر المدن الجزائرية ومعهد عبد الحميد بن باديس الثانوي بقسنطينة.

لماذا دكتور كل مرة يتم استهداف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على أنها لم تشارك في ثورة التحرير؟

– الذي يستهدف جمعية العلماء هم الفرنكفونيون أعداء اللغة العربية والإسلام. إن جمعية العلماء المسلمين صانت الهوية الوطنية وحافظت على اللغة العربية وحمت الدين من الشعوذة في الوقت الذي سعى فيه الفرنسيون إلى تشويه الدين واللغة الوطنية، في رأيي كما ذكرت أن دبزة الثورة هو حزب الشعب، وأن ضمير الثورة هي جمعية العلماء، والوطنية الجزائرية عملة لها وجهان وجه حزب الشعب والوجه الآخر جمعية العلماء.

«تحت الجسر المعلق» هي أحداث حقيقية للثورة الجزائرية، قمتم بصياغتها في قالب قصصي، حدثنا عنها ولم اخترتم روايتها بهذا القالب؟

كتاباتي: «تحت الجسر المعلق» مجموعة بعض قصص عن الثورة التحريرية وهي حقيقية وغريبة صغتها في قالب قصصي ليقرأها الشباب الجزائري. بالنسبة لمذكراتي كتبتها في شكل رواية صدرت في جزأين 1 (في ظلال قِرطة) قِرطة تُنطق خطأ سِرتا أي قسنطينة. 2 (في ظلال الكِنانة وتحت أضواء الديبلوماسية ) الكنانة هي القاهرة.

وقد طبعت في الجزائر وبغداد سنة 1974، وقبلها نشرت في مجلة الآداب البيروتية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي وقد اطلع عليها حينذاك مصطفى الاشرف حينما كان بالسجن وقد راسلني حول الموضوع يبدي إعجابه بها، أما آخر ما صدر لي فهو رواية بعنوان «وشم على الصدر» سنة 2006 عن دار الأمة، وهي رواية تغطي أحداثها الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع بمنطقة الشرق الجزائري على مدى قرن بين القرن 19 والقرن 20، وتبرز صراع الإنسان الجزائري مع الزمن الصعب تحت حكم الاستعمار الاستيطاني البشع.

الثورة الجزائرية في الشعر العراقي: عمل ميداني قمتم به عندما كنتم سفيرا في بغداد، حيث جمعتم 107 شاعر وشاعرة من العراق، حدثنا عن أبرز محطاته؟

– كتابي «الثورة الجزائرية في الشعر العربي» في ثلاثة أجزاء الأول في الشعر العراقي، والثاني في الشعر السوري، والثالث في الشعر السوداني. هي مجلدات كبرى تضم شعرا لعشرات الشعراء العرب المشهورين وغير المشهورين لكنهم شعراء مبدعون. جمعت هذا الشعر بواسطة عشرات الإعلانات بالصحف العربية وهو عمل ميداني قمت به لمدة سنوات وأعتز به لأنه جمع شعر شعراء لو لم أجمعه لضاع في النسيان..
كما أصدرت عددا مهما من الكتب أهمها (الجزائر في التاريخ ) من العصر الحجري إلى 1954. عدت إلى عدة مراجع عربية وفرنسية وإنجليزية، وأخذ مني خمس سنوات من البحث والتقصي. جاء في 900 صفحة.

في ذكرى اندلاع الثورة التحريرية المجيدة، ماذا يرد المجاهد عثمان سعدي على التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي ماكرون بشأن ذاكرة الأمة الجزائرية؟

-ماكرون: تصريحات مراهق لا معنى لها.

ما رأيكم بتعليمات وزارتي الشباب والرياضة والتكوين المهني لتعميم استخدام اللغة العربية في المراسلات الرسمية، وقبلها مؤسسة بريد الجزائر؟

– تعليمات الوزارات عن اللغة العربية التي قامت بها كل من وزارة الشباب والرياضة، ووزارة التكوين المهني، ووزارة الصحة، من أجل تعميم استخدام اللغة العربية فقط في المعاملات الصادرة عنها. ونتمنى أن تحذو وزارات أخرى بهذا الموقف الوطني الجليل.

هل يمكن أن نقول أن اليوم إلى جانب الدفاع والحماية عن لغة الضاد نحتاج إلى مشاريع تطوير اللغة العربية الفصحى من خلال المؤسسات البحثية النظرية والتقنية، ومراكز ومختبرات الدراسات؟

– لابد من تدريس العلوم باللغة العربية في الجامعات الجزائرية كتدريس الطب والهندسة والعلوم بالجامعات، فعار على الجزائر أن تستمر في تعليمها بالفرنسية. الجامعات السورية تدرس الطب وسائر العلوم بالعربية وهي أنجح الجامعات بالوطن العربي. العلم يُتلقّى باللغة الأجنبية، ويُهضم ويُتمثّل باللغة الوطنية. وهذه قاعدة علمية.

في ذكرى اندلاع الثورة التحريرية بماذا يوصي المجاهد الثوري عثمان سعدي شباب الجزائر؟

– بمناسبة ذكرى اندلاع الثورة الجزائرية أوصي شباب الجزائر أن يتشبثوا بعنصري الهوية الوطنية: «اللغة العربية والإسلام»، وأن يحاربوا تحويل لهجات بربرية إلى لغة ضرة لمحاربة وحدة اللغة العربية ولخدمة اللغة الفرنسية.

admin

المقالات الأخيرة

مالك بن نبي والزَّعامة الصَّنمية

بقلم: ناصر حمدادوش - يؤكد “مالك بن نبي” في كتابه “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي”…

12 شهر قبل

في ذكرى وفاة الأستاذ سعد الله

بقلم: محمد الهادي الحسني - منذ عشر حِجَجٍ، وفي يوم 14-12- من سنة 2013 جاء…

12 شهر قبل

دعوة ابن باديس للثورة

بقلم: د. علي الصلابي- كانت نفسية ابن باديس وأشواقه الروحية تواقة إلى التضحية في سبيل…

سنتين قبل

الثورة في شعر ابن باديس ونثره

بقلم: د. علي الصلابي- استعمل عبد الحميد بن باديس في العديد من مواضيع شعره ونثره،…

سنتين قبل

الإشراف التربوي في مدارس جمعية العلماء المسلمين ج1

بقلم: د. توفيق جعمات- لم تكن مدارس جمعية العلماء المسلمين مجرد فصول تعليمية أو كتاتيب…

سنتين قبل

لمحة عن مسار الدكتور سعيد شيبان مع العلم والإيمان والنضال

بقلم: عبد الحميد عبدوس- تعرفت على الكاتب المفكر والطبيب المجاهد الدكتور السعيد شيبان في سنة…

سنتين قبل