رأي الشيخ ابن باديس في الأشاعرة
بقلم: عماد بن عبد السلام -
ينتسب الأشاعرة إلى أبي الحسن الأشعري المتوفى:324 هـ مؤسس المذهب، حيث ذهب في باب الأسماء والصفات إلى إثبات سبعة جمعت في قولهم: حي عليم قدير والكلام له إرادة **** وكذلك السمع والبصر على رغم تبرأ أبي الحسن الأشعري من مذهبه قبل مماته، وألف كتابه (الإبانة في أصول الديانة) الذي يبين فيه بوضوح عدوله عن مذهبه القديم ورجوعه إلى مذهب السلف في الإثبات والتنزيه، ولهذا يكون انتساب الأشاعرة إليه من باب الخطأ، ولمن أرد المزيد فليطلع على كتب:”أبو الحسن الأشعري” للعلامة حماد الأنصاري.
وكما يجدر التنبيه: أن الأشاعرة يعتبرون أهل سنة في مقابلة الشيعة والجهمية في باب الخلافة، أما في باب الأسماء والصفات يعتبرون من أهل الكلام، كما قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.
إن موقف ومذهب الشيخ عبد الحميد بن باديس من الأسماء و الصفات هو مذهب أهل الحديث والأثر، مقررا نهج السلف في الإثبات والتنزيه ومصرحا بعقيدته السلفية.
قال رحمه الله مثبتا أن دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وكل الرسل جاءت لتنزيه الرب عن الشريك والشبيه قال: ((وهذا التنزيه وإن كان داخلا في الدعوة الى الله- فإنه قد خصص بالذكر لعظم شأنه فإنه ما عرف الله من شبيه بخلقه أو نسب إليه ما لا يليق بجلاله أو أشرك به سواه وإن ضلال أكثر الخلق جاءهم من هذه الناحية، فمن أعظم وجوه الدعوة وألزمها تنزيه الله تعالى عن الشبيه والشريك وكل ما لا يليق، والمسلمون المتبعون لنبيهم صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله على بصيرة ومتبعون له في هذا التنزيه عقدا وقولا وعمالا وإعلانا ودعوة)). الآثار1/175
وقال كذلك تحت عنوان (عقيدة الإثبات والتنزيه): كما في العقائد الإسلامية ص:59
((نثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه وعلى لسان رسوله من ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله وننتهي عند ذلك ولا نزيد عليه وننزهه في ذلك عن المماثلة أو مشابهة شيئ من مخلوقاته، ونثبت الاستواء والنزول ونحوهما ونؤمن بحقيقتهما على ما لا يليق به تعالى بلا كيف وبأن ظاهرهما المتعارف في حقنا غير مراد، لقوله تعالى:((وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ)).[أل عمران:28] ولقوله تعالى:(( تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ)).[المائدة:116] )).
قال أستاذ محمد الصالح رمضان في تعليقه على هذه القاعدة: ((روينا البيتين التاليين عن أستاذنا الإمام وقت الدرس ولا ندريهما لمن؟ وهما:
فنحن معشر فريق السنة ***** السالكين في طريق الجنة
نقول بالإثبات والتنزيه**** من غير تعطيل ولا تشبيه
ويزيد ذلك وضوحًا تضلل الشيخ عبد الحميد بن باديس طريقة المتكلمين في إثبات العقائد الإسلامية، فقد انتقدها انتقادا أتى على بنيانها من القواعد حيث قال: ((نحن معشر المسلمين- قد كان منا هجر كثير في الزمن الطويل وإن كنا به مؤمنين.
بسط القرآن عقائد الإيمان كلها بأدلتها العقلية القريبة فهجرناها، وقلنا تللك أدلة سمعية لا تحصل اليقين فأخذنا في الطرائق الكلامية المعقدة وإشكلاتها المتعددة واصطلاحاتها المحدثة مما يصعب أمرها على الطلبة فضلا عن العامة)). الأثار/396
وقال محذرا من خطر أثر علم الكلام على عقائد الأمة الإسلامية فقال: ((وأما الإعراض عن أدلة القرآن والذهاب مع أدلة المتكلمين الصعبة ذات العبارات الاصطلاحية، فإنه هجر لكتاب الله وتصعيب طريق طلب العلم على عباده وهم في أشد الحاجة إليه، وقد كان من نتيجته ما نره اليوم في عامة المسلمين من الجهل بعقائد الإسلام وحقائقه)). الآثار1/261
وقال أيضا: ((قلوبنا معرضة لخطرات الوساوس بل للأوهام والشكوك، فالذي يثبتها ويدفع عنها الاضطراب ويربطها باليقين هو القرآن العظيم، ولقد ذهب قوم مع تشكيكات الفلاسفة وفروضهم ومماحكات المتكلمين ومناقضتهم، فلما ازدادوا إلا شكا وما ازدادت قلوبهم إلا مرضا حتى رجع كثير منهم في أواخر أيامهم إلى عقائد القرآن وأدلة القرآن فشفوا بعد ما كادوا كإمام الحرمين والفخر الرازي)). الآثار1/408
وقال رحمه الله في مقال: (صلاح التعليم أساس الإصلاح) بعدما تكلم على أن الفقه يكون بالكتاب والسنة، وهو أساس الإصلاح الديني: ((هذا هو التعليم الديني السني السلفي وإلا أين تعليمنا نحن اليوم وقبل اليوم منذ قرون وقرون؟ فقد حصلنا على شهادة العالمية من جامعة الزيتونة ونحن لم ندرس آية واحدة من كتاب الله ولم يكن عندنا أي شوق أو أدنى رغبة في ذلك، ومن أين يكون لنا ذلك ونحن لم نسمع من شيوخنا يوما منزلة القرآن من التعليم الدين والتفقه فيه ولا منزلة السنة النبوية من ذلك)). الآثار 3/207
وقال أيضا:((وفي جامعة الزيتونة -عمره الله- إذا حضر الطالب بعد تحصيل التطويع في درس التفسير، فإنه -ويا للمصيبة- يقع في خصومات لفظية بين الشيخ عبد الحكيم وأصحابه في القواعد التي كان يحسب أنه فرغ منها من قبل، فيقضي في خصومة من الخصومات لأيام أو شهور، فتنتهي السنة وهو لا يزال حيث ابتدأ، أو ما تجاوزه إلا قليلا دون أن يحصل على شيئ من حقيقة التفسير، وإنما قضى سنته في المماحكات بدعوى أنها تطبيقات للقواعد على الآيات، كأن التفسير إنما يقرأ لأجل تطبيق القواعد الآلية،لا لأجل فهم الشرائع والأحكام الإلهية، فهذا هجر آخر للقرآن مع أن أصحابه يحسبون أنفسهم أنهم قي خدمة القرآن)). الآثار1/398
بل صرح بفساد تأويلات الأشاعرة وعقيدة الجبر والصوفية، قال في ترجمته للشيخ محمد رشيد رضا تحت عنوان: (تخلص نسكه من الباطل والضلال). ((دعاه شغفه بكتاب الإحياء إلى اقتناء شرحه الجليل للإمام المرتضى الحسيني، فلما طالعه ورأى طريقته الأثرية في تخريج أحاديث الإحياء فتح له باب الاشتغال بعلوم الحديث وكتب السنة وتخلص مما في كتاب الإحياء من الخطأ الضار وهو قليل ولا سيما عقيدة الجبر والتأويلات الأشعرية والصوفية والغلو في الزهد وبعض العبادات المبتدعة)). الآثار4/191
]وشهد شاهد من أهلها[
شهادة أقرب الناس إليه وأعز أصدقائه ونائبه في رئاسة الجمعية ببرائته من العقيدة الأشعرية والطرق الكلامية، قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله- في تقديمه لكتاب (العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية) برواية الأستاذ محمد الصالح رمضان.
قال: ((والإمام رضي الله عنه كان منذ طلبه للعلم بتونس قبل ذلك وهو في الشباب- ينكر بذوقه ما كان يبني عليه مشايخه من تربية تلامذتهم على طريقة المتكلمين في العقائد الإسلامية، ويتمنى أن يخرجهم على الطريقة القرآنية السلفية في العقائد يوم يصبح معلما وقد بلغه الله أمنيته لإخراج للأمة الجزائرية أجيالا على هذه الطريقة السلفية، قاموا بحمل الأمانة من بعده وراءهم أجيالا أخرى من العوام الذين سعدوا بحضور دروسه ومجالسه العلمية.
وقد تربت هذه الأجيال على هداية القرآن فهجرت ضلال العقائد وبدع العبادات، فطهرت نفوسها من بقايا الجاهلية التي هي من آثار الطلائق القديمة في التعليم وقضت الطريقة القرآنية على العادات والتقاليد المستحكمة في النفوس وأتت على سلطانها… فجاءت عقيدة مثلى يتعلمها الطالب فيأتي منه مسلم سلفي موحد لربه بدلائل القرآن كأحسن ما يكون المسلم السلفي ويستدل على ما يعتقد في ربه بآية من كلام ربه لا بقول السنوسي في عقيدته الصغرى:أما برهان وجوده تعالى فحدوث العالم!)).