الشهيد العربي التبسي من رواد النهضة الجزائرية 1888-1957م
بقلم: منصر خالد-
سنعرج على شخصية تاريخية إصلاحية علمية قدمت الغالي والنفيس في سبيل محاربة الجهل والبدع أيام الاستعمار الفرنسي في الجزائر وهاته الشخصية هي شخصية العلامة والمصلح العربي التبسي الذي كتب بفضل الجهود التي بذلها تاريخا ناصعا، وقام بدور كبير في ميدان النهضة ونشر التعليم وفتح المدارس الحرة.
المولد والنشأة:
ولد سنة 1891 بقرية السطح التابعة لمدينة العقلة، اسمه الكامل العربي بن بلقاسم ابن مبارك بن فرحات وقد روى الشيخان العيد مطروح و الحفصي الجدري الشقيق الأصغر للشيخ العربي للأستاذ أحمد عيساوي صاحب أطروحة دكتوراه عنوانها الشيخ العربي التبسي مصلحا أن ولادة الشيخ العربي التبسي كانت سنة 1888م وأن والداdه لم يريدا تسجيله في قائمة المواليد الرسمية التي تحويها البلدية الاستعمارية الفرنسية الموجودة بدوار السطح حوز العقلة التابعة لبلدية الشريعة وذلك خشية تجنيده الإجباري في الجيش الفرنسي والشيخ العربي التبسي ينتمي لعشيرة الجدور وهي إحدى قبائل النمامشة.
دراسته:
مرت دراسة الإمام العربي التبسي بعدة مراحل ففي المرحلة الاولى ما بين عامي 1895-1904م تلقى تعليم القرآن من طرف كتاب عشيرته وذلك في خيمة جده وعمه القرآنية، إذ حفظ السور القرآنية الأولى عندهما ولتنتهي لما بلغ الشيخ العربي عشر سنوات تقريبا سنة 1901م ثم انتقل إلى الشيخ الطيب بن الحفناوي في زاوية أولاد رشاش بمنطقة زوي فمكث هناك سنتين وبضعة أشهر وليحفظ على يدي الشيخ الطيب بن الحفناوي القران الكريم، أما في المرحلة الثانية والتي كانت ما بين سنتي 1904-1909م وبعد رجوعه إلى دوار السطح عند أهله قرر آنذاك الشيخ الطيب الرشاشي نقل الشيخ العربي معه إلى زاوية خنقة سيدي ناجي قرب مدينة بسكرة و قد مكث هناك ست سنوات أتقن فيها حفظ القران الكريم بالقراءة المغربية و تعلم أحكام العلوم الدينية و العربية وقد درس هناك على يد الشيخين سيدي حامد مدرس الفقه و اللغة العربية و سيدي سالم المتخصص في تدريس القراءات.
أما في المرحلة التعليمية الثالثة و التي كانت ما بين سنتي 1909-1912انتقل الشيخ العربي ليزاول دراسته في زاوية سيدي مصطفى بن عزوز النفطي الجريدي الرحماني بمنطقة الجريد التونسي جنوبا و بها حفظ متون العقيدة و علم الكلام و الفقه و علم الأصول و الأدب و الشعر و قد درس هناك على يد كبار علماء الزاوية مثل الشيخ إبراهيم بن الحداد و الشيخ محمد بن احمد النفزاوي و غيرهم و قد قضى الشيخ العربي في تلك الزاوية مدة ثلاث سنوات و بضعة أشهر ليعود بعدها إلى أهله بدوار السطح في صيف سنة 1912 و ذلك بعدما تمت تزكيته من قبل شيوخه و ذلك للالتحاق بجامع الزيتونة ، و أما في المرحلة التعليمية الرابعة و ذلك بين سنتي 1913-1927 فقد التحق الشيخ العربي بجامع الزيتونة المعمور فنال شهادة الأهلية سنة 1915 و ذلك بعد سنتين من الدراسة و التحصيل ثم نال شهادة التحصيل سنة 1917 ثم نال شهادة التطويع و التي تركها سنة 1919 بسبب هجرته إلى مصر و لينالها سنة 1927 بعد عودته من مصر و في دولة مصر درس هناك بجامع الأزهر و ليحصل هناك على العالميتين ، عالمية الأزهر و الخاصة بالغرباء و ذلك سنة 1925، ثم عالمية الأزهر الكبرى سنة 1927، و في جامع الأزهر درس هناك الشيخ العربي على يد كبار الشيوخ مثل الشيخ يوسف الدجوي والشيخ مصطفى المراغي والشيخ محمد شاكر و عبد الرحمن قراعة وحسين والي و غيرهم و في مصر تابع الشيخ العربي أخبار بلاده وواقع الإصلاح و المصلحين فيها وراسل الشيخ عبد الحميد بن باديس يهنئه بنجاته من حادث الاعتداء عليه الذي تعرض له من أحد أنصار إحدى الطرق الصوفية أواخر سنة 1926م.
نشاط الشيخ العربي التبسي الإصلاحي بعد عودته للجزائر:
وبعد عودة الشيخ العربي التبسي إلى الجزائر اتصل بالشيخ ابن باديس لتنسيق الجهود معه وبدا الشيخ العربي جهاده ضد الاستعمار في مسجد ابن سعيد الذي يقع في وسط مدينة تبسة فكان يدعو من خلال دروسه الدينية الدعوية في الحديث والفقه والتفسير والسيرة والتاريخ الإسلامي وخطبه إلى العودة إلى الدين الإسلامي الصحيح وكان يكشف حقيقة المشعوذين والدراويش وأمام تزايد الناس وعدم اتساع المسجد طلب من الشيخ العربي أن ينتقل إلى المسجد الأكبر في المدينة التابع للحكومة الاستعمارية لكن الاستعمار وعملائه حتى من رجال الإصلاح و الأئمة الرسميين مثل الشيخ سليمان بن طيار ومحمد الصالح جلالي منعوه من ذلك وأمام ذلك الوضع نصحه ابن باديس بالانتقال إلى مدينة سيق لزرع الأفكار الوطنية والإصلاحية و قد استقبله أهل سيق استقبالا عظيما وقد شغل هناك الشيخ العربي التبسي مدير مدرسة سيق ما بين سنتي 1929-1932.
وظل الشيخ العربي في مدينة سيق معلما و مدرسا وواعظا وخطيبا وقاضيا بين الناس، إلى أن حل وفد من أهل تبسة ، ضم كلا من الصادق بوذراع وحواس بن إسماعيل ومحمد رسول وعبد الحفيظ مسقلجي بمدينة سيق صيف سنة 1933 وذلك بعد مرورهم على الشيخ ابن باديس مستأذنين و معتذرين للشيخ العربي ومرغبين له ضرورة العودة إلى تبسة بلدته ليكمل نشاطاته التربوية الإصلاحية الدينية التعليمية هناك وقد عاد بالفعل الشيخ العربي وتأسست جمعية خيرية والمسجد الجامع و مدرسة تهذيب البنين و البنات وظل الشيخ العربي مديرا ومعلما في النهار بمدرسة تهذيب البنين و البنات، و إماما وخطيبا وواعظا في الليل بالجامع، إذ يلقي دروسه للعامة بعد صلاة العشاء من كل يوم إلى أن ترك التدريس وإدارة المدرسة للشيخ علية معمر الذي أدارها إلى حين غلقها من قبل الإدارة الاستعمارية سنة 1956 وإيداعه مع جميع معلمي المدرسة في المعتقل الصحراوي الرهيب بأفلو إلى غاية 19 مارس 1962م وعند إنشاء جمعية العلماء المسلمين انتخب الشيخ العربي التبسي أمينا عاما مثلما تكفل بالتدريس ونشر الأفكار الإصلاحية في تبسة وما جاورها كما شغل الشيخ العربي التبسي منصب الكاتب العام للجمعية، ثم شغل منصب نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين ثم شغل الشيخ العربي التبسي منصب الرئاسة الفعلية لجمعية العلماء المسلمين وذلك ما بين عامي 1952-1956م.
في السجون الاستعمارية الفرنسية:
بعد وفات الشيخ عبد الحميد ابن باديس كان الشيخ الابراهيمي هو رئيسها والشيخ العربي نائبه وتكفل الشيخ العربي بأغلب الأعمال لان البشير الإبراهيمي كان منفيا فاختلقت فرنسا للشيخ العربي تهمة تمثلت في الاتصال بألمانيا النازية وذلك لوقف نشاطه فالقي عليه القبض عام 1943 وبقي شهورا في سجن لامبيز بباتنة ثم نقل إلى سجن الكدية بقسنطينة وبعد06 أشهر أطلق سراحه.
إدارته لمعهد الشيخ عبد الحميد بن باديس بقسنطينة:
إنشأ سنة 1947 وهو بمثابة ثانويه تتسع 1500 طالب وكلف الشيخ العربي التبسي بإدارته فعمل على تكوين الطلبة علميا وعقليا وروحيا وكان طلابه يتوافدون من كل فج عميق لتحصيل العلم ويتشابه منهاج المعهد مع منهاج مدارس جمعية العلماء من حيث الأهداف فهو يهدف الى تربية الجيل الجديد و غرس العقائد الصحيحة في ذهنه والحفاظ على اللغة العربية وتاريخ الجزائر في حين كان يهدف المستدمر الغاشم إلى إقناع الجزائريين بأن بلادهم رومانية في ماضيها فرنسية في حاضرها ومستقبلها وفي 1952 كلف بتسيير جمعية العلماء المسلمين بسبب رحلة رئيسها الشيخ البشير الإبراهيمي إلى المشرق.
جهاده أثناء الثورة:
عند اندلاع الثورة كان الشيخ العربي من الأوائل الذين باركوها ورحبوا بها وفي هذا الصدد يتحدث الرائد عثمان سعدي في مذكراته عن الدور الذي قام به الشيخ العربي التبسي في بداية الثورة التحريرية قائلا: “في أثناء حضور مجموعة محمد الشرشالي اتصل والدي بالشيخ العربي التّبسي في مدينة تبسة، وقابله، وأخبره بقضية المجاهدين، وبحاجتهم الماسّة للمساعدة، فأعطاه الشيخ مبلغ خمسين ألف فرنك قديم، وهو يقول: بلّغهم أنّني مع الثورة والثوار، وعندي أمل كبير في أنها ستنجح“. وكان يلقي الدروس والخطب في مسجد بلكور بلوزداد حاليا بالعاصمة يدعو فيها الشعب إلى الالتحاق والالتفاف بالثورة المجيدة ضد الاستعمار الغاشم.
استشهاده:
في 04 أفريل 1957م اختطف الشيخ العربي التبسي من طرف منظمة اليد الحمراء وقد نفت السلطات الاستعمارية أن لها أي علاقة ذلك فاستشهد الشيخ العربي التبسي بالزيت المغلي وهو في الثانية والستين من عمره ومنذ ذلك الحين أطلق عليه لقب شهيد بلا قبر ومن أشهر أقواله من عاش فليعش عدوا لفرنسا، ومن مات فليحمل معه عداوتها إلى القبر وذلك بسبب كرهه الكبير وحقده الدفين للمستعمر الغاشم.