سلسلة من أعلام الإصلاح بمنطقة الحضنة: الشيخ موسى زقاق
ولد الشيخ موسى زقاق عام 1905، كان والده الشيخ الطاهر شيخ زاوية العلية بالجزار، فكان نشوءه في أسرة متدينة حافظة للقرآن الكريم، وبعد حفظه للقرآن الكريم بالزاوية، أرسله والده إلى زاوية الحداد بالقبائل الكبرى حيث تعلم مبادئ اللغة والأدب والعلوم الشرعية، ثم عرّج على قسنطينة ودرس على يد الشيخ عبد الحميد بن باديس، ثم انتقل إلى جامع الزيتونة بتونس لاستكمال دراسته، إلا أن مقامه لم يطل، وعاد إلى قسنطينة لاستكمال دراسته بالجامع الأخضر.
وبعد استكمال فترة تحصيله العلمي، قفل عائدا إلى مسقط رأسه بريكة مؤديا الرسالة العلمية والدينية، حيث يشهد العام والخاص على أن النهضة العلمية التي شهدتها المدينة كانت بفضل نشاط الشيخ موسى زقاق، والذي أسهم قبل ذلك في تعليم القرآن الكريم رفقة شيوخ المنطقة أمثال: الشيخ الصديق قراوي، الشيخ الدراجي حمادي، الشيخ براهمي محمد الطاهر وغيرهم من شيوخ الإصلاح، وخلال زيارة الشيخ عبد الحميد بن باديس إلى مدينة بريكة سنة 1931 معرجا عليها بعد زيارته إلى بسكرة، استقبل الشيخ بمنزل الشيخ موسى زقاق من طرف أهل بريكة، والذين احتفوا بهذه الزيارة بتلاوة القرآن من طرف شيوخ القرآن وأكرموا وفادة الشيخ والوفد المرافق له.
وبادر الشيخ موسى زقاق إلى تأسيس مدرسة حرة بعد تعيينه رئيسا لشعبة جمعية العلماء المسلمين بريكة سنة 1934، حيث تم تعيينه من طرف الشيخ عبد الحميد بن باديس وراسله بذلك أثناء زيارته لمدينة باتنة شهر ماي 1934 رفقة وفد من شيوخ الجمعية، فبادر الشيخ إلى تأسيس مدرسة لتعليم البنين والبنات في منزل السيد مسعود قوبابي الذي تبرع به في سبيل ذلك، وبالموازاة مع تأسيس المدرسة ربيع عام 1934، تخرجت “دفعة السعد” كما سمّاها الشيخ عبد الحميد بن باديس بقسنطينة، وكان من بين المتخرجين من منطقة بريكة سبعة تلاميذ، وأقبل سكان المدينة في تسجيل أبنائهم وبناتهم في المدرسة التي لم تسع أقسامها هذا الإقبال الواسع، فتبرع الشيخ أحمد واشم بقسم من بيته لتعليم البنات.
وفي ذي الحجة من عام 1354ه/1936م، زار الشيخ عبد الحميد بن باديس مدينة بريكة مرة ثانية على رأس وفد من رجال جمعية العلماء المسلمين، وكان الهدف من الزيارة تنصيب الشيخ موسى زقاق إماما على مسجد بريكة، وحظي الشيخ ابن باديس ووفده بتكريم وافر من أهل بريكة، فكان هذا التنصيب انطلاقة كبيرة للشيخ موسى زقاق في مجال الوعظ والإصلاح وتربية النفوس، حيث اتبع في ذلك النهج الباديسي في التربية والتعليم، فإلى جانب ما كان يقدم من دروس في المسجد وتحفيظ القرآن للناشئة وللكبار، فكان يقدم الدروس في المدرسة لتدريس علوم اللغة العربية وعلوم الشرع.
وشرع الشيخ في تسجيل الناشئة حيث اعتبر سكان بريكة هذا الأمر فتحا عظيما، ولكن الاستعمار الفرنسي لم يترك الأمر يسير ببساطة، فطلبت من الشيخ إصدار الرخصة من الإدارة الفرنسية وإلا ستغلق المدرسة، وواجه الشيخ موسى هذا الأمر بتحد وواصل مشواره التعليمي، واصطدم مرة أخرى مع بعض المغرضين الذين أرادوا إجهاض هذه التجربة خاصة بعد أن سجل الشيخ البنات للدراسة بالمدرسة رفقة الذكور، فكان المغرضون يواجهون الأمر بتهكم “هذا علم إبليس”، فاضطر الشيخ إلى فصل الإناث عن الذكور، ولم يتردد الشيخ في إرسال النجباء من التلاميذ إلى قسنطينة لاستكمال تحصيلهم العلمي.
وفي سنة 1936 عينه الشيخ عبد الحميد بن باديس في لجنة الدعاية، فيذكر الشيخ العربي التبسي أن: “المجلس الإداري لجمعية العلماء المسلمين قرر في جلسته المنعقدة في 14 رجب 1355ه الموافق ل01 أكتوبر 1936م تأسيس أربع لجان فرعية لأعمال خصوصية وهي: لجنة الأدب، لجنة الدعاية، لجنة التعليم ولجنة الإصلاح الاجتماعي، وقُسم المشايخ على هذه اللجان مراعيا كل عضو واختصاصه القريب بأعمال اللجنة التي نسب إليها وكفاءته المشهودة المبنية على التجارب في العمل الخاص باللجنة والقوة النفسية التي يعهدها في كل عضو، فكان الشيخ موسى زقاق والشيخ محمد بعلي الشريف بلجنة الدعاية، والشيخ عيسى يحياوي بلجنة التعليم… ” .
ثم أنشأ الشيخ مدرسة السُنة ربيع سنة 1937 وكان مقرها بالشارع الرئيسي للمدينة، وبالموازاة مع ذلك تأسست الجمعية الدينية الإسلامية البريكية ونادي الإصلاح برئاسة السيد موصلي حمو، وواجهت هذه المدرسة اضطهادا من السلطات الاستعمارية أدت إلى غلقها لمدة خمسة أشهر، واستقبلت المدرسة في عامها الأول حوالي 250 تلميذا وتلميذة، واستمر الشيخ في أعماله الخيرية والثقافية، حيث كان ينفق من ماله في سبيل إصلاح شؤون الناس، وذُكر في جريدة البصائر أن الشيخ موسى زقاق كان من المتبرعين لصندوق الطلبة بقسنطينة منذ سنة 1934.
وفي سنة 1942، وحين اشتد عليه المرض في آخر أيامه، قام بجمع أعضاء الشعبة وأوصاهم بإحضار الشيخ عيسى يحياوي إلى بريكة إماما على مسجدها ومدرسا و مشرفا على مدرستها قائلا: “لن يصلح لمدينة بريكة إلاّ الشيخ عيسى يحياوي”، وتوفي الشيخ موسى زقاق رحمه الله، ومازال الكثير من أهالي بريكة يذكرون الشيخ وخصاله الحميدة، فيذكر تلميذه سلالي السعيد: “لقد كان شيخنا مثالا نادرا في الأخلاق الحسنة وقدوة في الكرم والجود وطيب الخاطر، فقد كان يقضي جل وقته مع طلبته سواء في المدرسة أو المسجد، فقد تفرغ للعلم وأناب عنه ابنه في شؤون الحياة الأخرى كتدبير أمور البيت”، ويذكر الشيخ الساسي دراجي أنه لما اشتد المرض بالشيخ موسى زقاق تم إخراجنا من المدرسة ونحن تلاميذ في صفين وتوجهنا إلى بيته بالشارع المغلوق، وصرنا نقبله على جبينه ونسلم عليه وهو متأثر بهذا المنظر.