الشيخ العربي كشاط وولده الشيخ محمد ودورهما في نشر القرآن الكريم بزمورة
عمر مشارة

الشيخ العربي كشاط وولده الشيخ محمد ودورهما في نشر القرآن الكريم بزمورة

بقلم: عمر مشارة-

إن الدور الذي لعبه كل من الشيخ العربي كشاط وولده الشيخ محمد -أفاض عليهما سحائب الرحمة والرضوان- لهو دور يستحق التنويه والإشادة، ويستحق بالتالي أن يبرز للملأ حتى يظهر فضلهما للعيان ويعرف الناس ما لهما من فضل على زمورة خاصة وعلى من تعلم على يديهما من غير أهل زمورة عامة، وها أنا ذاكر دور كل منهما بشيء من التفصيل:

الشيخ العربي رحمه الله:

الشيخ العربي رحمه الله من مواليد 1868، وتعتبر الفترة الممتدة من 1890 إلى غاية 1936 هي الفترة التي برز فيها نشاطه وغطاها بجهوده العظيمة في نشر القرآن في الناس، وكان القائم على تعليم القرآن في الفترة التي ولد فيها الشيخ العربي هو الشيخ الطاهر كالي علي، وقد جاء به والده لخضر إلى الكتاب ليتعلم وأجلسه بين يدي معلمه، ولم تطل فترة تعلم الشيخ العربي حتى تفتقت مواهبه وأظهر قدرة فائقة في حفظ القرآن الكريم.

الشيخ العربي يستخلف معلمه:

لما ظهرت علامات العجز بسبب الكبر على الشيخ الطاهر أدرك أنه لابد من إيجاد خلف له لأنه لم يعد قادرا على أداء المهمة على أكمل وجه فانتدبه الناس لهذه المهمة، لكنه كبر عليه أن يستخلف شيخه وهو لم يزل قائما بالمهمة، فلما رأى رغبة الناس فيه وأدرك من جهة أخرى أنه لم يعد قادرا على أداء المهمة دعاه إلى تولي المهمة وشجعه على ذلك.

بداية التعليم:

تعتبر سنة 1890 هي السنة التي بدأ الشيخ العربي رحمه الله مباشرة التعليم القرآني بمسجد ابن فرج، وقد جعل على يده الفتح فلم تمض إلا مدة وجيزة حتى أقبل الطلاب من كل مكان حتى غص يهم المسجد، وراح عدد الطلاب يتزايد بشكل لافت حتى أصبح قبلة للطلاب من كل جهة، ولم يعد المسجد مسجد السويقة وحدها بل مسجد زمورة بأكملها والشيخ العربي لم يعد نفسه إماما وشيخا لأهل السويقة وحدهم بل شيخا لأهل زمورة عامة، ومن اللافت أن مسجدا صغيرا بحجم ابن فرج راح يستوعب تلك الأعداد التي ظلت تتوافد من غير انقطاع، حتى أن اتساعه لتلك الأعداد في هذه الفترة يعد كرامة.

الشيخ العربي بنشاطه يضايق السلطات الفرنسية:

لما رأت السلطات الفرنسية الأعداد الغفيرة للمتعلمين الذين ظلوا يتوافدون على المسجد رأت في ذلك منافسة شرسة للمدرسة الفرنسية خشيت عواقبها وراحت تحسب لها ألف حساب. وهو ما دفع الحاكم وقد كان مقره بمجانة أن يستدعي الشيخ العربي ويستفسره عن سر توافد الطلبة بهذا الشكل المذهل ويقال أنه نهاه عن ذلك. ومن المرجح أن يكون هذا حدث في غضون 1922 ورغم ذلك فإن الشيخ العربي لم يأبه لتحذير الحاكم بل واصل رسالته في هذه الأثناء غير خائف ولا متردد، وقد صرف عنه عيون العدو فلم يشغلهم به حتى أكمل رسالته في سنة 1936 أي على امتداد أربعة عقود من الزمن وكان عدد المتخرجين على يده زهاء 250طالبا.

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد إلى أن الشيخ ظل فاتحا باب المسجد لكل الناس من دون استثناء ولم يوصد بابه في وجه أحد لأي اعتبار من الاعتبارات، وقد كان الناس عنده سواء فلا يهتم بابن غني على حساب ابن فقير، ولا يعنى بمن دفع الأجرة على حساب من لم يكن قادرا على ذلك بل كان الطلبة عنده في الاهتمام والعناية سواء وكان هذا سر نجاح الشيخ العربي رحمه الله وأكرم مثواه.

لما أدرك الشيخ العربي رحمه الله أن العجز بدأ ينال منه وأن المرض أخذ يتفاقم عليه راح يستعين بولده الشيخ محمد فكان إلى جنبه يعينه على أداء المهمة وأخذ هو ينسحب تدريجيا تاركا الميدان لولده ولم تأت سنة 1936 حتى ترك هذه الحياة وانتقل إلى جوار ربه ليجد عنده جزاءه الأوفى على الدور الذي أداه في خدمة القرآن ونشره بين الناس على امتداد أربعة عقود من الزمن.

تعتبر سنة 1936 سنة الحزن لأن الناس فقدوا فيها نجمين سطعا في سماء زمورة ثم اختفيا أما أحدهما فكان الشيخ العربي وأما ثانيهما فكان الشيخ أحمد بن قدور رحمها الله وأسكنهما فسيح جنانه.

من أشهر المتخرجين على يده:

نشير في هذا الصدد إلى أشهر المتخرجين، ولما كان المتخرجون على يده لا يحصيهم عد كان لابد من الإشارة إلى بعض المتخرجين وهم:

الشيخ علي بوبكر، الشيخ محمد شوتري، الشيخ داود الشريف، الشيخ لخضير داود، الشيخ صالح النجاعي، الشيخ نصر الدين بن جاب الله، الشيخ عبد الحفيظ بن زغيبة، الشيخ عبد الرحمن بن زغيبة، الشيخ السعيد بوبترة، الشيخ الحاج علي بوبترة، الشيخ الطاهر بن ناصف.

تولي الشيخ محمد المهمة بعد والده:

الشيخ محمد –رحمه الله- كان من مواليد 1912، وتعلم على يد والده، وبمجرد وفاة الشيخ العربي رحمه الله تولى ولده المهمة بعده مباشرة، ويعتبر عهد الشيخ محمد امتدادا لعهد الشيخ العربي، لأنه سار في تعليم القرآن سيرة أبيه لم يحد عنها قيد أنملة، محافظا على نهجه وأسلوبه، وظل المسجد في عهد الشيخ محمد يسجل إقبالا متزايدا من طرف رواد القرآن الكريم، وقد جعل الله سبحانه الفتح على يده كما جعله على يد والده من قبل، لذلك، لذلك لم يخب قط من جلس بين يديه وتعلم عليه. وكما كان الأمر على عهد الشيخ العربي فإن أعداد المتخرجين ظل يزداد حتى بلغوا من الكثرة حدا لا يمكن حصره. وقد كان عددهم في نهاية عهده زهاء 130 طالبا أو يزيدون، وابتداء من سنة 1962 بدأ عدد الطلبة بمسجد ابن فرج يتناقص بشكل لافت والسبب يعود إلى مزاحمة المدرسة القوية للتعليم القرآني، وقد تقول ألم تكن المدرسة من قبل في عهد الشيخ العربي تزاحم المسجد فلماذا لم تؤثر فيه هذا التأثير؟ والجواب أن الأمر هنا يختلف عنه هناك، فهناك كانت المدرسة فرنسية قلبا وقالبا ولذلك زهد فيها الناس وعزفوا عنها بينما هي هنا مدرسة جزائرية والمقتضيات تقتضي من الناس أن يعلموا أبناءهم لذلك كان لهذه المزاحمة أثرها على التعليم القرآني، ولكن الشيخ محمد ظل كما عهدناه من قبل يواصل رسالته حتى سنة 1976، وهي السنة التي توقف فيها نهائيا بعد أن قضى في خدمة القرآن ونشره في الناس أربعين سنة ولذلك يكون عهد الشيخين في التعليم القرآني بمسجد ابن فرج ثمانين سنة ونيفا.

وفاة الشيخ محمد رحمه الله:

توفي رحمه الله يوم التروية من سنة 1994 ودفن يوم عرفة وقد كانت جنازته يوما مشهودا لم تشهد زمورة مثيلا له، والأعداد الغفيرة من المشيعين الذين جاءوا من مختلف الجهات كانوا يذرفون الدموع وهم في حالة ذهول من هول الفاجعة وجلال الخطب، وذلك يكشف لك بكل صدق عن مكانة الشيخ محمد في قلوب الناس كما كشف ذلك من قبل عن مكانة الشيخ العربي في قلوب الناس أيضا.

أشهر المتخرجين على يده، نشير إلى أشهر المتخرجين على يده وهم:

الشيخ كالي علي عبد الحميد، الشيخ كالي علي الرشيد، الشيخ كالي علي عبد الله، الشيخ العربي كشاط وأخوه الشيخ عبد الرحمن، الشيخ عمر مشارة، الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ، الشيخ محمود بوبترة، الشيخ دالي محمد محمد، والشيخ علي شوتري.

الوظائف التي كان يقوم بها كل من الشيخين:

من خلال المهمة التي كانا يقومان بها كان كل من الشيخين العربي وابنه الشيخ محمد يقومان كذلك بعدة وظائف أثناء تأديتهما لمهمة التعليم القرآني بمسجد ابن فرج. وتتمثل هذه الوظائف فيما يلي:

- الإملاء على الألواح للصغار والكبار.

- تصحيح الألواح.

- الاستظهار ومراقبة الحفظ.

- التجويد وتعليم أحكام التلاوة.

-الإشراف على الحزب الراتب.

- تأدية الصلوات الخمس بالناس.

- أداء صلاة الجمعة بالناس.

- إصلاح ذات البين.

- أداء الوظائف الاجتماعية (إبرام عقود الزواج، مراسم الجنائز، جلسات الصلح)... الخ

وهذه الوظائف هي من صميم المهمة التي كانا يقومان بها وليس هناك من يتولاها غيرهما، وهذه الوظائف على كثرتها لم تكن تثني أيا منهما عن مهمته بل ظلا على امتداد تولي كل منهما لمهمته يؤديها بكل حزم وصبر وجلد وبكل شدة وبأس حتى توفاهما الله.

درس وعبرة:

وأنا أريد هنا أن أهمس هنا في آذان العاملين في الحقل الديني إلى ضرورة أن يبلوا مثل هذا البلاء ويجاهدوا مثل هذا الجهاد، وأن يضحوا مثل هذه التضحية التي أعطى كل من الشيخين نموذجا حيا فيها، فإذا أراد شبابنا أن يبارك لهم في أعمالهم وأن يوفقوا إلى الخير ويبلغوا ذروة النجاح فهذا هو الطريق ولنا في الشيخ العربي وابنه وأمثالهما الأسوة الحسنة.

رحم الله الشيخين وأفاض من كرمه وإحسانه عليهما ما تقر به عيناهما لقاء ما قدما للأمة وما أبليا في سبيل نشر القرآن بين الناس.

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.