شموع تأبى الذوبان.. الشيخ والشاعر أبو الحسن علي بن صالح القراري
بقلم: الصالح بن سالم-
من أعلام الجزائر المغمورين والمغيبين على الساحة الشيخ والعلامة والشاعر أبو الحسن علي بن صالح بن عمر من مواليد القرارة بغرداية سنة 1906م..
بعد تحصيله لمختلف العلوم اللغوية والشرعية انتقل لتونس سنة 1917م صحبة والده لطلب العلم، أين تتلمذ بمدرسة السلام ثم الخلدونيّة وأخيرا بجامع الزيتونة، وبعد نيله لشهادة التحصيل العلمي عاد للجزائر أين ساهم سنة 1928م في تأسيس أول مدرسة عربية حرة وبالضبط في مدينة بسكرة، فكان معلما قبل أن يصبح مديرا لهاته المدرسة، وقد انخرط الشيخ علي بن صالح في الثورة التحريرية سنة 1955م مدافعا عن الجزائر بقلمه ولسانه، وبعد الاستقلال تفرغ للتدريس والنصح والارشاد والتأليف لغاية وفاته رحمه الله بالقرارة سنة 1994م، وقد ترك الشيخ علي بن صالح رصيدا معتبرا من المؤلفات لعل من أهمها ديوانه الشعري الذي بين أيدينا والذي عنونه بـ (مآسي وأين الآسي؟)، والذي صدر سنة 1988م عبر المؤسسة الوطنية للكتاب في حدود 138 صفحة أين جمع مختلف قصائده -53- التي طرحها بالساحة الوطنية منذ 1929م لغاية 1986م، وقد تنوعت هاته القصائد الرائعة بين القضايا الوطنية والعربية والاسلامية والعالمية.
ومن أجمل قصائده التي ألفها سنة 1929م حول سقوط غرناطة مرثية في حق ملكها عبد الله يقول فيها:
يا أبا عبد الله مالك نادب ... قد عهدناك لا تخاف النوائب
قد عهدناك بين أهلك لاعب ... أم رأيت الزمان والملك ذاهب
فجرى الدمع نادب الآمال ... أين تاج الابا ؟ أبا عبد الله
غرك اللهو والهوى المتناهي ... سقط التاج آن ما كنت لاهي
ما يكون الجواب عند الله ... يوم تبدو مناقشات السؤال ؟
هكذا الدهر يسقط التيجانا ... ويذل الأمير والسلطانا
لا يسير الزمان حسب هوانا ... تارة عزة وطورا هوانا
يتزين بسائر الأشكال ... إبك مثل النساء ملكا مضاعا
واندب القصر عاليا والقلاعا ... وأترك الأمر لست شهما شجاعا
أو تبغي الاعزاز والارتفاعا ... لم تحافظ عليه مثل الرجال ؟
إيه يا ابن الملوك أين علاكا ... أين تلك الجيوش تحمي حماكا ؟
نهر شنيل فاض طوع هواكا ... عين دمع همت لفرط جفاكا
أنت والله عبرة الأجيال ... يا مليك الجزيرة الخضراء
جنة الأرض غادة الغبراء ... أصحيح ما قيل: أنك نائي
عن بلاد الأجداد والآباء ... بعد ما كنت سيد الأقيال ؟
قصرك الأحمر الرفيع العماد ... كعبة الوافدين والقصاد
ما له يرتدي قميص حداد ... لم يزل في نحيب والتعداد
باكيا شاكيا صروف الليالي ... إيه قصر الحمرا الذي تاه دهرا
رافعا رأسه علاء وفخرا ... فقت سر الجمال شمسا وبدرا
غير أن الزمان ينظر شرزا ... كل ذي نعمة هنيء البال
أيها القصر أين جند الدفاع ؟ ... أمضى راحلا بدون وداع ؟
أم تردى في الموت بعد صراع ؟ ... بعد بذل الأرواح بعد امتناع
بعد تحطيم هامة الأبطال ... جنة الريف والعريف تباهت
وشموس الجمال فيها أضاءت ... رفلت في النعيم دهرا وسادت
ما لأركان مددها قد تداعت ... بعد ذاك البها ذاك الكمال ؟
إيه غرناطة المقال العالي ... مهبط العز والهنا والمعالي
خبرينا عن العصور الخوالي ... أين سلطانك البعيد المنال ؟
عز سلطان ربنا المتعالي ... جبل الثلج هل لديك خبايا ؟
أكشف السر عن بطون الزوايا ... أين تلك الجيوش أين السرايا ؟
أللج البحار تلك الضحايا ... أم أبيدوا بصارم القشتال ؟
العبرة:
كل من بات سابحا في الملاهي ... غائصا في غمار بحر المناهي
زعزعته صواعق ودواهي ... ليس يجدي نداؤه أواه
أو بكا ... أو تحسر ... أو مالي.
رحم الله الشيخ والشاعر أبو الحسن علي بن صالح القراري، ومن أجمل أبياته عن الوحدة الاسلامية يقول:
إلى وحدة الاسلام تحت لوائها ... نعيش كراما رغم كل الكوافر
أنرضى هوانا يلصق الأنف بالثرى ... ونحن الأباة الصيد شم المناخر ؟