المصلح الشهيد عبادة محمد السعيد 1907 / 1958
بوبكر كعوان

المصلح الشهيد عبادة محمد السعيد 1907 / 1958

بقلم: بوبكر كعوان-

هو محمد بن محمود بن محمد بن صالح عبادة وحليمة بنت محمد حشاني ولد يوم 07 مارس 1907 بدوار الخرفان بأولاد حبابة، توفي أبوه وهو لم يتجاوز 06 سنوات من عمره، فكفله عمه عبد العزيز أحسن كفالة.

انتقل بعدها عبادة إلى مدينة الحروش حيث حفظ القرآن الكريم عند خاله السعيد كافي ليتمكن من ختمه في سن مبكرة لا يتجاوز حينها 09 سنوات، ليشد الرحال بعد ذلك إلى حاضرة قسنطينة لزيادة التحصيل العلمي والتبحر في العلوم على يد الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس، حيث وما إن تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1931 اندمج فيها مباشرة وإلتحق بمدارسها.
الجانب التعليمي والإصلاحي
بعد تخرجه من مدارس الجمعية ودراسته عند الشيخ بن باديس رجع محمد السعيد عبادة إلى مسقط رأسه بدوار الخرفان بأولاد حبابة وأخذ على عاتقه التعريف بالجمعية ونشر مبادئها والتعريف بمشايخها وعلمائها، خاصة الشيخ عبد الحميد بن باديس، هذا ولم يكتف عبادة بمنطقة أولاد حبابة فقط، بل امتد نشاطه لنواحي كل من: زردازة ـ الحروش ـ برج الصاباط ـ الأربعاء بني مجالد ـ الهرية بن باديس حاليا….الخ.
كان للشيخ عبادة كتاتيب أو شبه زاوية بمنطقة الكرمات لتحفيظ القرآن وتعليم الصغار القراءة الكتابة واللغة، إضافة لمبادئ الفقه وأصول الدين وغيرها، ومن الذين درسوا عنده نذكر مثلاً: عياش عبد الله- بولمعيز الظريف بن العربي- بوعكاز- بن زيغود…الخ.
أما عامة الناس فقد كان يتعامل معهم بالوعظ والنصح والإرشاد والتوجيه في المسائل المستعصية، ناهيك عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصلح بين الناس وتقديم المساعدة للمستضعفين قدر الإمكان.
لقد حارب الشيخ عبادة البدع والخرافات والشعوذة ومختلف المظاهر الخارجة عن الدين متأثرا بأسلوب شيخه بن باديس، ومما تجدر الإشارة إليه أن الشيخ عبادة قام بمحاربة بعض الممارسات والعادات السيئة بدءاً بآل بيته؛ كمحاربة التبرك بالأضرحة والأولياء وغيرها، ثم امتد نشاطه لعامة الناس في محيطه ونواحيه، وكان من بين القضايا العاجلة التي تصدى لها منذ رجوعه من مدارس الجمعية هي عادة «الزردة»، حيث أرشد الناس من الإقلاع عنها وبدون تردد.
إن الشيخ عبادة وإن كان منشغلاً بالتعليم والتدريس وتكوين الناشئة فلم يثنه ذلك عن العمل لكسب قوته بيده، حيث مارس الزراعة وتربية المواشي لسد حاجياته، حتى تكون أعماله الخيرية بدون مقابل ولا تكون مصدرا لكسب قوت عائلته.
الجانب السياسي ( دوره في الحركة الوطنية )
انضم محمد السعيد عبادة لحزب الشعب الجزائري ثم حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية، كما أنه كان ترجمانا بمحكمة الحروش قبل الثورة، لقد كان الشيخ عبادة من بين المناضلين الذين حضَّروا لمظاهرات 08 ماي 1945 بقالمة، كما أنه كان من بين المشاركين فيها، وبعد المظاهرات أدرج إسم محمد عبادة ضمن تلاميذ السعيد كافي، وحكم عليه غيابياً بالإعدام، غير أن الشيخ عبادة فر إلى واد سقان قرب التلاغمة، ثم لجأ إلى زاوية عبد الرحمان بلحملاوي الرحمانية.
الشيخ محمد السعيد عبادة وعلاقته بالثورة الجزائرية
أسهم الشيخ عبادة للتحضير للثورة الجزائرية في منطقته وذلك قبيل اندلاعها سنة 1954، حيث اشترى بماله الخاص بعض قطع السلاح، ومع بداية الثورة سلمها لقائده زيغود يوسف؛ في حين ترك زيغود للشيخ عبادة مسدسا لحماية نفسه، هذا وتذكر إبنته عائشة نقلاً عن أمها طبول الزغدة بأن أباها كان يجتمع بمنزله مع قادة معروفين أمثال: زيغود يوسف – ديدوش مراد – قربوع عبد الحميد …الخ.
إن النشاط الثوري الذي يقوم به الشيخ عبادة جعله متابعا من طرف السلطات الإستعمارية والتي اعتدت على منزله بدوار الخرفان وحرقته وحرقت مكتبته الثمينة، وهو ماجعله ينتقل عبر العديد من المناطق كي لايكشف أمره؛ حيث تنقل ما بين: دوار الخرفان – الأربعاء بني مجالد – السمندو – الحروش – قسنطينة…الخ.
ورغم المضايقات التي تعرض لها الشيخ محمد السعيد عبادة من متابعات؛ وحرق منزله ومكتبته وتشريد عائلته، إلا أن ذلك لم يثنه عن عمله الثوري، حيث كان من المجموعة التي حضَّرت لهجومات الشمال القسنطيني بمنطقته تحت أوامر زيغود يوسف، لكن ولسوء حظ الشيخ عبادة ؛ فإنه تم القبض عليه من طرف الجيش الفرنساوي رفقة ستين شخصا آخرين صبيحة يوم 20 أوت 1955 (على السادسة صباحاً)؛ ليتم نقلهم إلى معسكر زردازة، وبهذا المعسكر اجتمع حوالي 400 معتقل من مختلف المناطق: كأولاد حبابة – زردازة – الأربعاء بني مجالد…الخ، وفي هذا المعسكر كلف المعتقلون بالأعمال الشاقة ومنها الحفر؛ وهنا تحدث للشيخ عبادة حادثة غريبة وشهيرة معروفة لدى العامة في تلك المناطق حيث أن الشيخ عبادة كلما يبدأ عملية الحفر إلا وتكسر فأسه؛ وكلما حفر بفأس آخر تكسر أيضاً؛ حدث ذلك ثلاث مرات متتالية، فاستغرب الحضور خاصة العساكر الفرنسيون اللذين اعتبروا الشيخ (marabou) – رجل دين – فتم إطلاق سراحه مع مجموعة من المعتقلين.
كما تنبأ الشيخ محمد السعيد عبادة رغم تلك الظروف القاهرة بأن ذلك المعسكر وتلك المنطقة سيتأسس فيها مسجد يوما ما، وقال مقولته الشهيرة: «يا ناس زرداذة إن الجزائر ستستقل ومن بقي منكم حياً؛ فليكن بهذا المكان مسجد؛ ووضع عصاه بمكان ذلك المعسكر أو المعتقل»؛ وهذا إن دل على شيء فهو يدل على قوة إيمان الرجل الدينية من جهة والنضالية لأجل وطنه من جهة أخرى…وفعلا تحققت مقولته بإذن الله وتم تأسيس مسجد هناك بعد الإستقلال، وقد سمي ذلك المسجد باسم الشهيد «عبادة محمد السعيد» إلى يوم الناس هذا.
لقد بقي الشيخ محمد السعيد عبادة في اتصال وثيق بالثورة والأوساط الشعبية مما أكسبه مكانة محترمة حتى لدى السلطات الإستعمارية ؛ فهذا القائد الفرنسي الشهير في تلك المناطق «القبطان فان تيار» fane tiare يستشيره في مسألة قتل الأهالي وما مصير تلك الأرواح بالنسبة إليه، فرد عليه الشيخ عبادة بأنها في ذمته أمام الله، خاصة وأنهم يقتلون ويعذبون دون محاكمة، في معتقل «هداج» الشهير بفنون التعذيب، كما عرض فان تيار fane tiare على الشيخ عبادة بأن يتولى منصب مسؤول «مير» على محتشد لمغاسل (قرب عين سلامات)، بكومين أولاد حبابة لكنه رفض.
استشهاده
لقد تعرض الشيخ عبادة للإعتقال مرة أخرى؛ حيث زج به في محتشد لغرازلة بأولاد حبابة أواخر سنة 1957م وحيداً بدون عائلة؛ لأن عائلته حينذاك كانت ساكنة بقسنطينة، وفي هذا المحتشد تدهورت صحته كثيراً؛ فتم إطلاق سراحه لكن دون رعاية صحية، فتوجه مباشرة إلى مدينة الحروش عند صهره طبول الطاهر حيث أوصاه على أبنائه وعائلته؛ ثم ذهب إلى عائلته بقسنطينة، ولدى وصوله للمنزل أغمي عليه؛ وخرج الدم من فمه، ليتم نقله إلى المستشفى من طرف العائلة والجيران؛ غير أنه لم يتلق العناية اللازمة ولا الإهتمام؛ بدليل أن زوجته طبول الزغدة لما ذهبت لزيارته وجدته ميتاً بإحدى غرف ذلك المستشفى وبدون ملابس لتقوم بتغطيته بلحافها (الملايا)، وتأخذه للمنزل؛ كان ذلك يوم 17 فيفري 1958، ليتم دفنه يوم 18 فيفري 1958 بالمقبرة المركزية بقسنطينة؛ وغير بعيد عن قبر شيخه «عبد الحميد بن باديس»، رحم الله الشيخ محمد السعيد عبادة وجعله من الشهداء، وجزاه عن دينه ووطنه خير الجزاء.

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.