يوم العلم وذكرى رحيل رائد النهضة الإصلاحية في الجزائر
بقلم: منصر خالد-
ولد الامام عبد الحميد بن باديس يوم 04 ديسمبر1889 بقسنطينة, أبوه اسمه محمد بن مصطفى بن مكي بن باديس , ينتمي ابن باديس إلى أسرة كبيرة تمتد جذورها إلى قبيلة صنهاجة البربرية , ويعتبر المعز بن باديس أحد أجداده الذين خلصوا البلاد من السيطرة الفاطمية
دراسته:
كان الشيخ محمد المداسي أول معلم لعبد الحميد بن باديس , الذي أعجب بذكائه مما جعله يقدمه لإمامة المصلين في صلاة التراويح لثلاث سنوات كاملة في المسجد الكبير بقسنطينة, ثم درس على يد الشيخ حمدان لونيسي مبادئ اللغة العربية و العلوم الإسلامية وفي سن 19 التحق بن باديس بجامع الزيتونة بتونس فتحصل على شهادة العالمية بعد أربع سنوات و قد التقى هناك بعديد العلماءالذين كان لهم أثر في شخصيته و توجهاته مثل الشيخ محمد النخلي القيرواني والشيخ محمد الطاهر بن عاشور الذي درس على يديه اللغة العربية و الشيخ بشير صفرالذي درس علر يديه التاريخ العربي و الإسلامي و الشيخ العالم الكبير محمد النخلي الذي درس على يديه تفسير القران, ثم عاد بن باديس إلى قسنطينة و هو مسلح بالعلم , فشرع في تعليم الناس بالمسجد الكبير بقسنطينة لكن الاستعمار منعه من ذلك لأنه يحمل أفكارا جديدة ترفض الاستعمار و الظلم والجهل والتخلف, مما جعله يتجه نحو الحجاز من أجل اكتساب العلم و الخبرة و الالتقاء ببعض العلماء الرافضين للاستعمار من أجل لم شملهم و التخطيط في كيفية مواجهة هذا الاستعمارالغاشم .
التحاقه بالحجاز ثم عودته إلى الجزائر:
كانت هجرته ليست هروبا من التجنيد الإجباري وإنما وفق منهاج تراجع خطوة للوراء لتقدم خطوات للأمام وقد وجد في الهجرة ذريعة للهروب من التجنيد الإجباري , و بعد أدائه لفريضة الحج مكث الشيخ ابن باديس ثلاثة أشهر بالمدينة المنورة ألقى خلالها دروسا في المسجد النبوي و قد التقى بأستاذه حمدان لونيسي الذي ترك فيه أثرا بليغا وأوصاه وصية مفادها اقرأ العلم للعلم لا للوظيفة و نصحه بالعودة إلى الجزائر من أجل خدمة العروبة و الإسلام اللذين يهددهما الاستعمار و قد كان بن باديس يلتقي يوميا بالبشير الإبراهيمي والطيب العقبي و قد كانت تلك اللقاءات هي الممهد للقيام بحركة إصلاحية في الجزائر
أهداف جهاده:
عاد بن باديس إلى الجزائر سنة 1913 فوجد شعبا يعيش تحت ويلات الجهل و التخلف و عروبته و دينه الإسلامي مهددين بالزوال فرأى أن الانطلاق من هنا أي من تغيير الإنسان وإخراجه من الجهل و الانحطاط و جعله قادرا على مواجهة الاستعمار مستقبلا و أهداف جهاده تكمن في مايلي:
*تكوين إنسان جزائري متعلم و مسلم
* الحفاظ على الشخصية الوطنية و مقوماتها الممثلة في اللغة العربية و الإسلام
* محاربة الشعوذة و الخرافات و قد ذهب أحد الطرقيين بعيدا واعتبر قتله جهاد ايفتح الطريق إلى الجنة , فحاولوا اغتيال ابن باديس أواخر سنة 1926 لكن الله أنجاه
*الحفاظ على وحدة الأمة و الوطن و ذلك ليطفئ نار الفتنة والخلاف و النزاع بين العرب و البربر
الأساليب التي انتهجها ابن باديس في حركته الإصلاحية
*إنشاء جمعية العلماء المسلمين و التي كان الهدف منها هو لم شمل العلماء لتحقيق الإصلاح.
*التعليم و إنشاء المدارس و قبلها أسس بن باديس قبلها جمعية التربية و التعليم لتهتم بالتعليم, وبعد إنشاء جمعية العلماء المسلمين ركز على إنشاء المدارس بفضل أمواله و تبرعات الشعب فكانت تعلم الدين و اللغة و التاريخ , و كان الجامع الأخضر من أكثر مراكز التعليم
ومن المدارس التي أسسها ابن باديس دار الحديث بتلمسان و الذي تبرع لها ب 500 فرنك من ماله الخاص
* إنشاء النوادي و هو مركز ثقافي تلقى فيه الخطب و المحاضرات لنشر الأفكار الإصلاحية و الوطنية , مثل نادي الترقي الذي أنشأ سنة 1927 و قد ساهم ابن باديس في تاسيس نوادي لكرة القدم مثل نادي مولودية قسنطينة و سميت بمولودية وذلك تيمنا بالمولد النبوي الشريف , و أنشأ فرقا مسرحية و إنشادية وكان الهدف منها نشر الأفكار الوطنية و الإصلاحية و إخراج الشعب الجزائري من التخلف
* إنشاء الجرائد و المجلات و التي كان لها دور كبير في إيصال مطالب الجزائريين للمستدمر الغاشم مثل جريدة المنتقد و جريدة الشهاب و التي تحولت لمجلة سنة 1929و التي توقفت سنة 1939 بسبب الحرب العالمية الثانية و جريدة الشريعة و جريدة السنة و الصراط والبصائر
مؤلفاته:
في حياته لم يترك ابن باديس أية مؤلفات منشورة حيث اشتغل بتأليف الرجال قبل تأليف الكتب ، غير أنه ترك آثارا كثيرة جمعها تلامذته في أعمال منشورة أهمها
*تفسير ابن باديس طبعه احمد بوشمال سنة 1948 ثم طبعته وزارة الشؤون الدينية بالجزائر تحت عنوان مجالس التذكير من من كلام الحكيم الخبير عام 1982 ثم طبعته وزارة الشؤون الدينية بالجزائر مرة اخرى تحت عنوان مجالس التذكير من حديث البشير النذير سنة 1983 ، كما ترك كتاب العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية الذي طبعه تلميذه محمد الصالح رمضان سنة 1963 ثم على يد الشيخ محمد الحسن فضلاء سنة 1984، كما طبع كل من توفيق شاهين و محمد الصالح رمضان كتاب مبادئ الأصول والذي حققه و نشره الدكنور عمار طالبي سنة 1988
وفاته:
عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية سنة 1939 طلبت السلطات الاستعمارية من الشيخ عبد الحميد بن باديس إصدار بيان مؤيد لفرنسا , لكن الشيخ عبد الحميد بن باديس رفض ذلك و كيف يلبي ذلك وهو دائما يقول (لو قالت لي فرنسا قل لاإله إلا الله لما قلتها)
وبسبب رفضه ذلك وضع تحت الإقامة الجبرية بمنزله في قسنطينة حتى وافته المنية في 16 أفريل 1940.
يوم العلم الجزائري:
يحتفل الجزائريون في كل عام في 16أفريل بيوم العلم وذلك تمجيدا للعلماء الذين أفنوا حياتهم في نشر العلم وانتشال الشباب الجزائري من محاولات فرنسا الدؤوبة لتجهيلهم ويصادف هذا التاريخ ذكرى وفاة العلامة ابن باديس أحد أبرز علماء الجزائر و قد تم اختيار هذا التاريخ عرفانا بأثر ابن باديس في مجال العلم و التعليم في الجزائر أيام الاستعمار الغاشم.