يا أبناء ابْنِ باديس
عيسى عمراني

يا أبناء ابْنِ باديس

بقلم: عيسى عمراني-

قصيدة في مائة وثلاثة أبيات (في قالب أنشودة)، تتناول ومضات من الجهاد التربوي والفكري للإمام بمناسبة الذكرى الواحدة والثمانين لوفاته (1940م- 2021م).

يا أبناء "ابْنِ باديــس * عبد الحميــد " الهُمام

أعيــدوا ذكرى الرئيس * للقلــوبِ والأذهـــان

ذكــرى العلاّمه الإمام * نُحييها في كلّ عــام

نورٌ يكشـــفُ الظلامْ * بالعلـــــومِ والعرفان

ذكــرى رئيس الجمعيه * العُلمائيــه السنّيــــــه

"خيـــر جمعيــه دينيــه * أُخرِجت في ذا الزمان"(1)

نحييها في يوم العلــمْ * باللســان والقلــم

قصـــد إنهـاض الهِمم * نحـــو آفـاق الزمـان

لا بالرقـصِ والطبــولْ * بالغناءِ المـهزول

والمشروبِ والمأكول * للأعيــــانِ والخلاّن

هذي كلّها سخافــــه * لا تزيدنــا إضافــه

بل تهريجًا وإسرافَا * "لِلثّـقافـــةِ عنـــوان"

*****

في السادس عشر أفريلْ * رحل الشيــخُ الجليل

بعد جهادٍ طويـــل * ضد الجهلِ والطغيان

من العــام الأربعيــن * لمّــا بلـغ الخمسيـــن

أكمـلَ إعلاء الديــن * ليُجــاور الديّــــان

ذاك مرجعُ الجميـع * للعاصي وللمطيع

للوضيـعِ والرّفيـعْ * كلّ من عليهـا فـان

عمره غير مديد * هكذا قضى المريد

إلا أنه عريض(2) * بفضل الله الرحمن

في هذا العمر القصيرْ * قام بجهدٍ كبيـــر

كان كالنّهرِ الغزير * يجري بدون نقصان

*****

عالــــمٌ فذٌّ وشاعــرْ * وخطيبٌ ومُناظــرْ

مصلــحٌ واعٍ وثائــرْ * ومؤدّبْ للصبيــان

عاش دومًا في ثبات * دأبُه نكران الذات

زاهدًا في الملذات * روحٌ تصفو بالحرمان

يقـتــاتُ بلُقيْمــات * وينـــامُ سُويْعات

ساعتيــن أو ثلاث * بشهــادة الإخـوان

قال يومًـا لتلميــذ * "بِتُّ مثلكَ سهـــران

كيف يحلو نومٌ لِي * في ذا الذلِّ والهوان؟!"(3)

يعمــل طول النهـار * والليــالي للأسحـــار

دون منٍّ وافتخــار * يقــــظٌ غير وَسنان

يعمل لله طاعــه * حوالي عشرين ساعه(4)

عن رِضى وعن قناعه * كان أمَّه في إنسان

والخمــيس للأسفار * لإزالـةِ الغبـــار

وتدارس الأفكار * مع الخلاّنِ الأعوان(5)

كان يجوب البلادْ * قصد تحرير العبـاد

مُشهِرًا سيف الجهاد * ضد اليأس والخذلان

قد قال: لمن أعيش * للإســـلام والجزائـر

وأنت ألا تعـــيش * مثلي في هذا الميدان؟!(6)

عاش من أجل القضيه * للإســلامْ والعربيــه

والجزائــرِ الأبيــه * ثلاثيــــة الأركــان(7)

أرسى أركان الهويّه * للشخصيــه الوطنيه

العربيه الإسلاميه * أمّــةٌ لهــا كيـــــان

لمّا أراد المستدمِر * طمْس آثار المستدمَر

قام شيخنــا يحرّر * أذهانًا قبل الأبدان(8)

بالتربيه والثقافه * والجولاتِ والصحافه

بالكلمـــــةِ الهدّافه تمّ تكوينُ الإنســــان

تمّ "تأليفُ الرجالْ" (9) * الأشاوس الأبطـــال

معقــــــلِ كلّ الآمال * بالعزيمه والإيمان

سلوا عنه"الجامعْ الاخضرْ"(10) * يخبرْكم عن دُرٍّ يُنثر

بالعلــــومِ كان يزخـــرْ * فـــاق حدود الزمان

ضاهى الزيتونه والأزهر * والقرويّيـــن المعطّر

بفضل الإمــــامِ الأكبر * واستيعابــــهِ القرآن(11)

كــان رمـزًا للتجديدْ * والثوره على التقليد

لخلق جيــــلٍ جديد * مقدامٍ رفيع الشـــان

خرّج جيــلا سليلا * لأسلافه مثيــــلا

أمينًا لهم أصيــلا * ومواكب الزمـان

و"التربيه والتعليمْ" (12) * مثالُ النهج القويم

ضد المنهج القديم * المشرِّد للأذهان

مدرسه أنموذجيه * للمقاصد العصريه

واكبتْ الفرنسيـه * في الطرائقْ والعُمران

أُسسـت في الثلاثينْ * بفضلِ اللهِ المعين

من قبـــلِ المحسنين * للبنــات والولدان(13)

انتقى لها الزعيم * ثله من المخلصين

الرجـال المعروفين * بالكفاءه والإتقان

أمثال الشيخ"الجلاّلي * والغسيري والزغداني

الورثيلاني وحمّاني * الاغواطي ورمَضان"(14)

كانــوا فعــلًا مربينْ * عُلــمــــاءَ عامليـــن

أدمجوا الدنيا بالدين * في تربية الإنســان

ظلّوا للنشء شموعا * وجذورًا وجذوعا

وحصونًا ودروعــا * ضد الزيغ والنسيان

ولا ننسى زعمــــاءْ * جمعيـــة العلمـــاء

هـؤلاء العـظمــاء * هم دعائـم البنيــان

اللهم ارحم الجميعْ * بجاه النبي الشفيـع

يا مجيب يا سميع * يا رحيم يا رحمان

*******

يا أبناء "ابْنِ باديس" * أحيُوا تراث الإمام

أنقِذوا الكنز النفيس * من ثقافة النسيــان

أبحِــروا في خبايــاه * واعملـوا بوصايــاه

وسيروا على خطا * تبلغـــوا برّ الأمـــان

حمّلـــوه واحملـوه * ولـلنــشءِ لقّنـــوه

عرّفــوه غرّفــوه * أرضِعوه كاللّبــان

أخرجــوه للعلـن * ينفعْ أبنـاء الوطـن

دُرٌّ غالــــيُ الثمن * صالحٌ مدى الزمـــان

"الشهابُ" و"البصائرْ" (15) * من مفاخـــر الجزائر

ملجأٌ لكلّ حائـــر * فهي مورد الظمـــآن

وخذوا العلم الغزير * من "مجالس التذكير"

من قولِ الله الخبير * ونـبيّنــــا العدنــــان

فمجالـسُ التذكيـــر * منبــعُ خيـرٍ كثيــر

"الموطّأ" والتفسير * شرح السنّه والقرآن(16)

"العقائـــد" و"السلف" (17) * اقــرأوها بشغــف

أحسنوا صوغ الهدف * ترتقـوا إلى العَنـان

و"عواصـم القواصـمْ" (18) * كان فيه خيرَ خادم

"لابن العربيِّ" داعمْ * بالدليل والبرهان

في عواصم الأسلافْ * ذكرٌ شافٍ للأسلاف

ومناقب الأشـــراف * عليهم منه الرضوان

******

هذا موجزٌ لعرضْ * خصّص لذا الغرض

إنه فيض من غيض * كشجيره في بستان

أريدَ منه التبيان * والتكريم والعرفان

لعلاّمة الزمان * من نظم"عيسى عمران"

اللهــم ارحم الإمــام * وعلمــاء الإســـلام

وأكرمهم يوم الديــن * بالنعيم في الجنــــان


نظمت القصيدة في مائة وثلاثة أبيات تكريما وعرفانا بجهود الإمام، وتمت بعون الله، يوم الإثنين 29 شعبان 1442هـ، الموافق 12 أفريل 2021م.

(أبو فاتح)


الهوامش:

1- يثني أستاذنا "محمد الهادي الحسني" على جمعية العلماء بمقولته الشهيرة: "خير جمعية أخرجت للناس "ولعلها مقتبسة من قوله تعالى: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" آل عمران: من الآية 110، والأستاذ مشهود له بالتعبير القرآني الراقي.

2- عمر عريض: حافل بالإنجازات، كان الفيلسوف الطبيب "ابن سينا" يقول في دعائه: "اللهم إنّي أسألك عمرا عريضا".

3-لمّا كان الشيخ عمار مطاطلة (1915- 2015) طالبًا بالجامع الاخضر، أخذته سِنة(نُعاس) في إحدى الحصص، وسقط الكتاب المقرر من يده، فنظر إليه شيخه "ابن باديس"متأملاً ثم قال: "أتظن أنك الوحيد الذي بحاجة إلى نوم، فإني لم أنم من الليل إلاّ ساعتين" ثم أضاف: "..كيف ينام من أمته في مثل هذا الذلّ والهوان..

4- ...كان الإمام يشتغل خمس عشرة ساعة يوميا وقد تصل إلى ثماني عشرة، ينال منها التعليم القسط الأكبر،يقدم فيها من عشرة إلى ثلاثة عشر درسا يوميا ،ويختمها بالعمل الصحفي ، والرد على الرسائل وغيرها ،فلا يعود إلى بيته إلاّ في ساعة متأخرة من الليل.

5- يستغل الإمام العطلة الأسبوعية وكذا الصيفية في التنقل بين مدن الجزائر وقراها للتعرف على أحوال البلاد والعباد، فيقوم في أثنائها بإلقاء دروس الوعظ، ونشر الدعوة الإصلاحية، والفصل في النزاعات، وفتح المدارس التي تؤسسها جمعية العلماء، أو الالتحاق بمقر الجمعية بالعاصمة، ليتابع شؤونها ويتدارس مع أعضائها تطورات المجتمع الجزائري، فكانت هذه الزيارات في عمومها "للتعارف والتذاكر" كما عبّر عن ذلك.

6-ألقى الإمام محاضرة على أعضاء جمعية التربية والتعليم الإسلامية عنوانها: لمن أعيش؟ ثم أجاب عن سؤاله قائلا: أعيش للإسلام والجزائر...فهل تعيشون مثلي للإسلام والجزائر؟.. فلنقل كلّنا: ليحي الإسلام لتحي الجزائر".( ابن باديس عبد الحميد، آثار الإمام عبد الحميد ابن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، منشورات وزارة الشؤون الدينية، دار البعث للطباعة والنشر، الجزائر ط1، ط1، ج 4، 1985، ص 109 وما بعدها).

7- المقصود بثلاثية الأركان: شعاره الثلاثي المتمثل في: "الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا".

8- تحرير الأذهان قبل تحرير الأبدان، تحرير الفكر من القابلية للاستعمار إلى القابلية للاستقلال، يقول الشيخ البشير الإبراهيمي: "..وإن تحرير العقول لأساس لتحرير الأبدان وأصل له ،ومحال أن يتحرر بدن يحمل عقلا عبدا". (الإبراهيمي محمد البشير، آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي، دار الغرب الإسلامي، بيروت- لبنان، ط1، 1997، ج3، ص56).

9- أجاب الإمام عن سؤال أحد تلاميذه لمّا استفسره عن سبب عدم تخصيص جزء من وقته لتأليف الكتب قائلا: "إنّ الشعب يا بنيّ ليس اليوم في حاجة إلى تأليف الكتب، بقدر ما هو في حاجة إلى تأليف الرجال.." (محمد الهادي الحسني، أعلام وأعمال، دار الإمام مالك، البليدة الجزائر، ط1، 2018، ص 222، نقلا عن باعزيز بن عمر، من ذكرياتي عن الإمامين الرئيسين منشورات الحبر، ص 26 ).

10- يعد الجامع الاخضر منارة التعليم المسجدي الباديسي، وهو أحد المساجد التي شيّدت بمدينة قسنطينة في العهد العثماني، حيث تم بناؤه العام 1743م من قبل الباي "حسن بن حسين " الملقب بـ"أبو حنك" .

11- كان للشيخ رأي في طرائق تدريس المواد التعليمية المختلفة، وقدّم اقتراحات في كيفية تقديم كلّ منها، ونادى بإصلاح التعليم في المعاهد الإسلامية، كالزيتونة والأزهر والقرويين، ووضع مشروع منهاج مفصل له، وتعرض لنقد التعليم القديم، الذي لا يزال مستمرا في عصره، فقال:" التعليم القديم غير نافع في زماننا لنقصانه، إذ تعليم القرآن وحده على الكيفية المألوفة عندنا بهذه الأقطار، لا يفيد المتعلم ولا آباءه، فلا بُدّ من معرفة العلوم النافعة في الدين والدنيا. (عيسى عمراني، المدرسة الباديسية ومناهجها الدراسية، إصدارات مؤسسة الشيخ عبد الحميد ابن باديس، دار الهدى عين مليلة، ط1، 2015).

12 المقصود بها: مدرسة التربية والتعليم بقسنطينة (نواة التعليم المدرسي الباديسي).

13- مرّ تأسيس مدرسة التربية والتعليم بمراحل، ابتداء من مقرها الأول بمسجد سيدي بومعزة سنة 1922، حيث تكفل به بعض المحسنين، ثم مكتب التعليم العربي بعده، إلى تأسيس جمعية التربية والتعليم سنة 1930، لتستقر ببنايتها الأخيرة الواقعة بنهج الشيخ "عبد الحميد ابن باديس" سنة 1936، وقد تم شراء محلها من قبل الجمعية المذكورة برئاسة الإمام، وما تزال مدرسة ابتدائية قائمة إلى يومنا هذا.

14- الأسماء الكاملة للأساتذة المذكورين: محمد بن العابد الجلاّلي (1899م- 1967م)، محمد المنصوري الغسيري (1915م- 1974م)، بلقاسم الزغداني (1901م – 1979م)، الفضيل الورثيلاني (1900م- 1959م)، أحمد حمّاني (1915م – 1998م)، أبو بكر الاغواطي (1912م-1987م)، محمد الصالح رمضان (1913م -2008م(.

15- كان للشيخ حضور بارز في النشاط الصِّحافي، فأصدر جريدة المنتقد، ثم الشهاب، التي تحولت إلى مجلة شهرية، وعند تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين العام 1931م أصدرت الجمعية أربع جرائد على التوالي: السنّة والصراط والشريعة والبصائر، وكان يحرّر فيها مقالاته ويرد على كتابات القرّاء.

16- قام الإمام ابن باديس بتفسير القرآن الكريم واستغرق فيه حوالي ربع قرن، وختمه العام 1938م، ولكن لم يدوَّن إلا الشيء القليل من تلك الدروس التي كان ينشرها فواتح لأعداد مجلة الشهاب ويسميها «مجالس التذكير» وقد جمعت بعد وفاته في كتاب تحت عنوان «مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير».

كما ختم شرح كتاب «الموطأ» في الحديث الشريف للإمام مالك بن أنس سنة 1939م، ولم يدون منه أيضا إلا القليل، كُتب افتتاحيات لمجلة الشهاب ثم جمعت في كتاب «مجالس التذكير من حديث البشير النذير».

17- المقصود كتاب "العقائد الإسلامية"، وكتاب "رجال السلف ونساؤه".

18- كما قام الإمام بتحقيق كتاب "العواصم من القواصم" للقاضي أبي بكر ابن العربي الأندلسي (468هـ- 543هـ) وقدّم له وطبعه العام 1928م.

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.