من آخر ما كتب وقال “الإمام”
بقلم: محمد الهادي الحسني-
كلمة “الإمام” هي ما يسمِّيه الإمامُ الإبراهيمي “المشترَك اللفظي”؛ أي يشترك فيها عدّة أشخاص، ولكنّ قيمة كلّ واحدٍ منهم كقيمة “الماس” و”النحاس”، فالإمامُ يُطلَق على من يؤمُّ عدّة أنفار في “دشرة”، كما يُطلق على من يقود أمّة، تُعدّ بالملايين..
وإذا أطلقتُ اسم الإمام في الجزائر، فلا أقصد إلا من سمّاهما آباؤهما “عبد الحميد” و”محمد البشير” لأنهما كانا حميدَيْن وبشيرَيْن في أقوالهما وأفعالهما من عهد التمائم إلى عهد العمائم، وقد شهد بذلك ويشهد كلُّ صديق ودودٍ وكلُّ عدوّ لدود إن كان غير حسود، وقد يخالفني الرأيَ بعضُ الذين يحسدون الناسَ على ما أتاهم اللهُ من فضله، إذ اللهُ يعلم حيث يجعل رسالاته..
والإمامُ في هذه الكلمة هو عبد الحميد ابن باديس عليه الرحمة والرضوان من الرحيم الرحمان، الذي تحلّ غدا ذكرى وفاته الواحدة والثمانين، ولأن اللهَ –عزّ وجلّ- جعله من الذين يجعل لهم وُدًّا، لم تُنسِ الثمانين اسمَه من عقول الجزائريين، الذين وُلد أكثرُهم بعد وفاة الإمام، ولكنهم يذكرونه صُبحا وعشيًّا، وحين يُظهِرون.. كأنّه حيٌّ يسعى بينهم..
يعرف كثيرٌ من الناس في الجزائر آخرَ ما كتبه الإمام، وقد حفظ لنا القدَرُ هذا المكتوب، وما هوّ إلا رسالة بعثها الإمامُ عبد الحميد إلى أخيه محمّد البشير يحمد له فيها ذلك الموقفَ الإيمانيَّ الرجولي عندما ضغطت فرنسا على الإمام الإبراهيمي ليُصدِر بيانا يؤيّد فيه فرنسا في الحرب العالمية الثانية، فكان كما قال سيّدُنا يوسف –عليه السلام-: “السجنُ أحبّ إليَّ مما يدعونني إليه”.. فلبث في السجن بضع سنين، وما إن علم الإمامُ ابن باديس بموقف أخيه الإمام الإبراهيمي حتى كتب إليه كلماتٍ بتاريخ 13/04/ 1940 نصُّها: “الأخ الكريم الأستاذ البشير الإبراهيمي، سلمه الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد، فقد بلغني موقفكُم الشريف الجليل العادل، فأقول لكم: “الآن يا عمر”*، فقد صنتَ العلمَ والدين صانك الله، وحفظك وتركتَك، وعظّمتَهُما، عظّم اللهُ قدرَك في الدنيا والآخرة، وأعززتهما أعزّك اللهُ أمام التاريخ الصادق، وبيّضتَ محياهما، بيَّض اللهُ مُحيّاك يوم لقائه، وثبَّتك على الصراط المستقيم، وجب أن تطالعني برغباتك، والله المستعان، والسلامُ من أخيكم عبد الحميد ابن باديس”.
وأمّا آخرُ ما بلغني من أقواله، فأنا أنشره الآن، وقد سمعته من الشيخ محمد الصالح رمضان في يوم 27 أفريل من عام 1997، واللهُ على ما أقول شهيد: “زار والي قسنطينة، بأمرٍ من الوالي الفرنسيّ العامّ في الجزائر، الإمامَ ابن باديس في مرضه، وطلب منه إصدارَ بيان تأييدٍ لفرنسا في الحرب، فغضب الإمامُ وقال لمن حوله: “أخرِجوا عنّي هذا أو أخرِجوني”. وذكر الشيخ مصطفى عبادة أنه زار الإمامَ ابن باديس في أحد أيام شهر سبتمبر من سنة 1939، وأخبره بأنه أستُدعي للخدمة العسكرية، وعند توديعي قال لي: “لا تضربوا عدوَّ العدوِّ، إياكم، إياكم، هذا هو عامها، هذا هو عامها، إنها حصلت”، في إشارةٍ إلى حرب فرنسا وألمانيا (مجلة الرسالة. الجزائر ع 2،3 أفريل 1980. ص 53).