الأستاذ الدكتور بوعمران الشيخ المعلم الفيلسوف
بقلم: عبد الحميد عبدوس-
يعد الفقيد الأستاذ الدكتور بوعمران الشيخ، من نوابغ النخبة الجزائرية والعربية المثقفة، وقامة علمية عالمية، ويعتبره بعض معاصريه أنه لا يقلّ في زماننا شأنا عن نوابغ الفكر امثال عبد الرحمن ابن خلدون، وأبي الوليد محمد بن رشد، ومالك بن نبي، وغيرهم من العلماء والفلاسفة.
تقلد مناصب سامية منها: مستشار وطنيً للثقافة (1990)، ثمّ وزير للثقافة والاتصال سنة (1991)، كما كان رئيسًا لاتحاد الكتاب الجزائريين (1995)، ثمّ رئيسًا للمجلس العلمي لمؤسسة الأمير عبد القادر (1996-1999) ونائبًا لرئيسها (1999-2002).
ترأس الفقيد المجلس الإسلامي الأعلى لما يقارب 15سنة (من 31 ماي 2001 إلى غاية وفاته في 12 ماي 2016،) استطاع تحويل هذه المؤسسة الاستشارية التابعة لرئاسة الجمهورية إلى مؤسسه دينية وفكرية وثقافية نابضة بالحياة ومتواصلة النشاط، فإلى جانب إشرافه على تنظيم العديد من ملتقيات الفكر الإسلامي ذات المستوى الراقي بمشاركة علماء ومفكرين وباحثين من العالم العربي والإسلامي، بل من أروبا والولايات المتحدة ،وأمريكا الجنوبية، كان له الفضل أيضا في طباعة مئات الكتب لمفكرين وعلماء وباحثين وأدباء وإعلاميين من الجزائر والعالم الإسلامي خاصة، ومن بقية دول العالم عامة، وكانت تلك الاصدارات التي ينشرها المجلس الإسلامي الأعلى، توزع مجانا على مختلف الهيئات والمؤسسات الثقافية والعلمية كالجامعات والزوايا ودور الثقافة والمكتبات العمومية، قصد نشر الفكر وتعميم الثقافة وتشجيع فضائل القراءة والمطالعة.
تعرفت على الدكتور الشيخ بوعمران في ثمانينيات القرن الماضي في اتحاد الكتاب الجزائريين، ولم تنقطع علاقتي به، وقد تشرفت عند توليه رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى باهتمامه بكتاباتي وتشجيعه المتواصل لي بطباعة بعض مؤلفاتي ضمن منشورات المجلس الإسلامي الأعلى، وتنظيم ندوة فكرية في مقر المجلس بحضور عدد من رجال الفكر والثقافة وممثلي عناوين الصحافة الوطنية لعرض كتابي (تأملات في اللحظة الحرجة) الذي شرفني بكتابة تصدير له.
ولد بوعمران الشيخ سنة 1924 بقرية مكثر بولاية البيض ونشأ في أسرة فلاحية متوسطة محبة للوطن ومتمسكة بانتمائها العربي وقيمها الإسلامية. بدا حفظ القرآن بالطريقة التقليدية في مسقط راسه، ثمّ دخل المدرسة الابتدائية الفرنسية بالبيض في سنة 1934، ورغم تأخر سن التحاقه بالمدرسة الرسمية فقد تمكن بفضل ذكائه وقوة إرادته من اختصار سنوات الدراسة الابتدائية والتفوق فيها، واصل دراسته الثانوية بوهران عاصمة الغرب الجزائري التي انتقل إليها سنة1941 ودرس في ثانوية لاموريسيار إلى أن حصل على شهادة البكالوريا شعبة الآداب سنة 1944. ثمّ تقدّم إلى مسابقة مدرسة المعلّمين ببوزريعة وتخرّج منها سنة 1946، وحصل من جامعة الجزائر على ليسانس فلسفة سنة 1948، وليسانس اللغة والأدب العربي سنة 1954، ناقش سنة 1974 رسالة الدكتوراه في الفلسفة بجامعة السوربون.
بدأ حياته المهنية سنة 1946 مدرسا في البيض، ثمّ عُيّنَ بالجزائر سنة 1952 للتعليم بمدرسة شارع رومب فالي (لوني أرزقي حاليًا) وعندما استقرّ بالعاصمة سنة 1950 أصبح قائدًا وطنيًا للكشافة مكلّفًا بالجوالة ومحرّرا بمجلة الكشافة التي كان يكتب افتتاحياتها. وفي سنة 1956 سافر إلى باريس ومكث بها سنة كاملة للتحضير للتفتيش، فتخرّج مفتّشًا ومارس التفتيش بمدينة مستغانم ثمّ بوهران إلى غاية بداية 1962، ثمّ توجّه إلى تلمسان بأمر من تنظيم الثورة بعد أن تعرّض مكتبه في وهران إلى التفجير من قبل منظمة الجيش السري الإرهابية .(OAS).
بعد استرجاع الاستقلال، عُيّن مديرًا للتربية بمدينة الأصنام (الشلف حاليا) وقام بتحضير الدخول المدرسي الأوّل، وفي السنة نفسها التحق بديوان وزير التربية (1964-1962) وفي 1965 أسندت له وزارة التربية مهمة لدى وزارة التربية التونسية لمدة سنة كاملة. في الدخول المدرسي 1965-1966، ترك الإدارة وأصبح يدرّس الفلسفة بكلية الأدب والعلوم الإنسانية بجامعة الجزائر، ويرجع الفضل في تعريب معهد الفلسفة سنة 1966 للدكتور الشيخ بوعمران والدكتور عبد المجيد مزيان رغم أنّهما كان من المتقنين للغة الفرنسية، بقي الدكتور بوعمران أستاذا لمادة الفلسفة إلى غاية 2001. وخلال هذه الفترة الّتي دامت 37 سنة، تخرّج على يديه مئات الطلبة، وأشرف على عشرات بحوث الدكتوراه.
قضى الدكتور بوعمران جلّ عمره المديد في العطاء الفكري ونشر العلم والمعرفة، بين تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات الجزائرية، ولذلك فإنّ من بين آخر التكريمات الكثيرة التي حظي بها كان تكريم قدماء تلاميذ المؤسسة التعليمية الكائنة في حي باب الوادي بمنحدر «لوني ارزقي» باعتباره كان مدرسا فيها ما بين 1950 و1956 وقد اجمع، في تلك المناسبة، تلامذة الشيخ بوعمران القدماء الذين أصبح الكثير منهم إطارات علمية ومسؤولين في الدولة على ابراز القيم المهنية والإنسانية التي تحلى بها أستاذهم السابق الدكتور بوعمران الذي كان بالنسبة لهم مدرسا وقدوة وأبا ينصحهم ويدعمهم.
كان الراحل الدكتور الشيخ بوعمران موسوعة فكرية يتميز برزانة المفكر ودماثة خلق العالم الزاهد مع صرامة لا تقبل التنازل عن الحق، دافع عن الإسلام الوسطي المعتدل بالحكمة والحجة العلمية وشارك في العشرات من الندوات والملتقيات العالمية المتخصصة في الحوار بين الحضارات والتسامح بين الأديان، كان من الداعين إلى إصدار قرار أممي يمنع انتهاك حرمة الأديان والإساءة إلى المقدسات، وظلّ يدعو النخب السياسية والفكرية والإعلامية في الغرب إلى فتح باب التفاهم والتضامن والتعايش الحقيقي بين الإسلام والغرب بالشروع في مراجعة الدول الأوربية لمناهجها الدراسية وحذف كلّ ما قد يسيء للأديان وللديانة الإسلامية وسن قوانين تعاقب كلّ من يتهجم أو ينتقص من قدسية الأديان الثلاثة مهما كانت اختلافاتها لأنّ القاسم المشترك بينها هو الوصايا العشر المعروفة عالميا.
انتقل المفكر بوعمران الشيخ إلى جوار ربه في 12 ماي 2016 م عن عمر ناهز 92، ودفن في جنازة مهيبة بمقبرة سيدي فرج بالعاصمة، وترك تراثا فكريا ثريا وقيما.
ـ من آثاره الفكرية
بالإضافة إلى مئات الدراسات والمقالات المنشورة في الصحف والمجلات، ترك الرّاحل عددا من الأعمال الفكرية والثقافية، منها:
ـ مسألة الحرية الإنسانية في الفكر الإسلامي (1978)
ـ ابن رشد (1978)
ـ الفكر الإسلامي نظرة شاملة مع لويس غاردي (1984).
ـ الموسوعة الفلسفية (1989)
ـ معجم مشاهير المغاربة (عمل جماعي 1995).
ـ الكشافة الإسلامية الجزائرية (عمل جماعي 1999) باللغتين.
ـ الأمير عبد القادر المقاوم والإنساني (2001)
ـ الجزائر المستعمرة عبر النّصوص، مع الأستاذ جيجلي.
ـ قضايا في التاريخ والثقافة.