الأديب المتميز أبو العيد دودو
محمد الطيب

الأديب المتميز أبو العيد دودو

بقلم: محمد الطيب-

القاص الناقدا الأديب المترجم المتمكن، الأستاذ الجامعي، وُلِد بالقرن الماضي في 1934 ببلدة العنصر بولاية جيجل الأسطورية..

دخل الابتدائية عبرها تعلم الأبجديات وتمكن من اللغة العربية، واصل دراسته الأولية، ثم التحق بمعهد ابن باديس أين حصل على العلوم الشرعية والدنياوية، بعدها توجه إلى تونس فسجل هناك بجامعة الزيتونة لإكمال دراسته العلمية، حيث تدرج في الطبقات حتى نال الأهلية، ومنها انتقل في الخمسينيات إلى دار المعلمين ببغداد العاصمة العراقية، البعثية والقومية ومفاهيم أخرى لها من الأهمية في تلك الفترة الزمنية، ثم من هناك إلى النمسا لمواصلة دراسته الجامعية، فحاز من جامعتها على الدكتوراه برسالة عن "ابن نظيف الحموي" في بداية الستينية، حيث درس هناك بالجامعة التي تخرج منها بتميز وباحترافية، ثم اشتغل كذلك كأستاذ بجامعة "كبيل" بألمانيا، ثم عاُد إلى الجزائر واشتغل أستاذا في قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب بالجامعة المركزية.

كان من بين أبرز المثقفين في الجزائر الذين عملوا في صمت لإنتاج ثقافة نوعية، فقد كتب القصة والمسرحية، الأسطورة والدراسة النقدية، الدراسة المقارنة والقصائد النثرية، كما مارس الترجمة إلى العربية، من أكثر من لغة أجنبية، وترجم إلى الألمانية بعض من قصصه وقصائد عدد كبير من الشعراء الجزائريين المعاصرين بنوع من الفنية والجمالية، هكذا تابع مسيرة مجتمعه الجزائري في صوره السلوكية، ناقلا صورا وتفاصيل بدقة متناهية، في غاية السذاجة المقصودة لتصل بالقارئ إلى مواجهة الجدار في النهاية، مستعملا أسلوب "كافكا" السوادوي بواقعية، ولم يُقدِر النقاد في الجزائر كتاباته حق قدرها لاعتبارات استثنائية، أسلوبه الكلاسيكي الهادئ ونقده المر اللاذع للواقع بطريقة راقية، وخلو كتابته من الألفاظ العنيفة والنابية، وعدم مشاركته في أي وقت من الأوقات في التهليل لمشروع سياسي أيا كان صاحبه مبتعدا عن السياسة والإيديولوجية، لم يجعل منه كل هذا مثيرا للجدل كما هو الحال مع جيله كالطاهر وطار وبن هدوقة وللقائمة بقية..

لقد تابع بمرارة ما آل إليه المجتمع من انحدار للقيم وانحرافات جد سلبية، عن تلك المُثل الخاصة بثورة نوفمبر برمزية، فقد عاد إلى أرض الوطن من أجل المساهمة في تجسيدها بطريقة ميدانية، لتغيير الواقع والوضعية، برغم المكانة التي وصل إليها بجده واجتهاده في الجامعات الغربية، هكذا اتسمت كتاباته كُلها بعد "بحيرة الزيتون" التي كتبتها عندما كان خارج بلاده الأصلية، اتسمت بمرارة توحي بخيبة الأمل في المستقبلية، كما دفعه هدوءه الرزين وأدبه الجم الذي يطبع الشخص المربي فيه إلى رصد ظواهر من الحياة اليومية، من حوله كلها إشارات تنذر بعواقب وخيمة باليومية، قصة "الطعام والعيون" التي كتبتها في منتصف السبعينيات والتي أعطيت اسمها لمجموعته القصصية، فقد كانت نبوءة واضحة المعالم لما عرفته الجزائر بعد عشريتين من ذلك التاريخ باستشراف وفنية، كما ساعده اطلاعه الواسع على الأدب الألماني أو ذلك المكتوب باللاتينية، ليتبنى أسلوب كتابة خاص به يتسم بالوضوح والإيجاز برمزية، بالسخرية الظاهرة والمرارة المبطنة بسوداوية، كما وفرت له سنوات الترحال بين المجتمعات الشرقية والغربية تجارب متنوعة وثرية، إقامته في كل من نمسا وألمانيا موقعا ينظر منه بوضوح أكبر إلى حجم التحولات في مجتمعاته الأصلية، وأعمالك الأدبية نذكرها متتالية، في نهاية الستينيات "بحيرة الزيتون" مجموعة قصصية، "التراب" مسرحية، وفي السبعينيات "دار الثلاثة" مجموعة قصصية، و"كتب وشخصيات" و"الجزائر في مؤلفات الرحالين الألمان" كدراسة علمية، "البشير" مسرحية، و"الطريق الفضي" في الثمانينية، "الطعام والعيون" كمجموعة قصصية في نهاية التسعينية، و"صور سلوكية - تأملات اجتماعية -"، "الحمار الذهبي للوكيوس أبوليوس" و"مارتن هايدغر -أصل العمل الفني-".. وتراجمه من الألمانية مدت بتنقله السهل بين اللغتين العربية والألمانية، جسورا بين الثقافتين فنقل إلى العربية بعض ما كتبه الرحالة الألمان عن المجتمع الجزائري قبل الاحتلال الفرنسي للدولة الجزائرية، وهي صفحات عمل المستعمر على تغييبها من تاريخ الجزائر بمقاصد إيديولوجية، من بينها القصة الأولى من ثلاثية "مالتسان" التي كتبها عن الجزائر في القرن التاسع عشر و"مدخن الحشيش في الجزائر" و"الجزائر في مؤلفات الرحالين الألمان" و"ثلاث سنوات في شمال غربي أفريقيا لمالتسان" و"قسنطينة أيام أحمد باي لشلوصر" وتراجمه من اللاتينية، تعد ترجمته الكاملة إلى العربية من اللاتينية لأول رواية في تاريخ الإنسانية، "الحمار الذهبي" لابن مداوروش الأديب والفيلسوف لوكيوس أبوليوس من أنفس ما قدم للمكتبة العربية، فقد اختار في ترجمته لهذه الرواية كلمات عربية قديمة نوعا ما كي تجعل القاري يعيش أجواء الأحداث في زمنها البعيد، زمن السحر وأمزجة الآلهة مما يكشف عن المتعة اللامتناهية، التي صاحبته وهو يتنقل بالقارئ من قصة لأخرى تحتويها كما تتفتح الدمى الروسية، وقد عانى كثيرا من مشكلة النشر وما زالت عشرات المخطوطات الإبداعية، في مختلف الميادين من ترجمة ودراسة وإبداع أدبي تتكدس في بيته الصغير بأعالي العاصمة الجزائرية، كما يوجد غيرها لدى عدد كبير من دور النشر الجزائرية والأجنبية..

< p align="justify">هكذا بقى نشطا بفعالية، رغم ألألم وحزنه العميق عبر اليومية، حتى 16 جانفي 2004 وافته المنية، عن عمر ناهز السبعينية، في السنة الرابعة من بداية الألفية، بعد أن أبدع وترك أثرا كبيرا في اللغة العربية، ناهيك عن كونه قدوة حسنة لكثير من الأشخاص في الخارج وبالولايات الجزائرية. رحمه الله.

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.