المؤرخ أبو لقاسم سعد الله: طلق الراحة من أجل الوطن
بقلم: محمد أرزقي فراد-
التحق المؤرخ بلقاسم سعد الله، بالرفيق الأعلى سنة 2013، بعد أن صنع لنفسه عمرا ثانيا لا يفنى، بفضل ما تركه من مؤلفات تاريخية وأدبية قيّمة، تملأ الأسماع والأبصار، كانت بمثابة لبنات ساهمت في إعادة بناء صرح تاريخنا، الذي عانى كثيرا من إهمال ذوي القربى، ومن الهيمنة الاستعمارية الفرنسية، المتجسّدة في قراءة إيديولوجية تسفيهية لماضينا، في سياق سياسة “فرق تسد” المنسجمة مع فلسفة الاستعمار، تلك القراءة التي اختزلت الجزائر في كونها بلدا مخلوقا للاستعمار! (1). لذا فمن باب الإنصاف أن ننوّه بجهود هذا الطود الشامخ العلمية، الرامية إلى تحرير تاريخنا من هذه القراءة (2)، وإلى إبراز إسهامات الأجداد في بناء صرح الثقافة في إطار الحضارة العربية الإسلامية. ومن أجل الوطن طلـّق مؤرخنا الراحة واعتصم بالعمل كما قال (3).
هرم الجزائر
هذا وليس من المبالغة إن أدرجت اسمه ضمن القامات السامقة، التي توصف بأنها فلتات الزمان، رصّعت تاريخ البشرية بجلائل الأعمال. ولا غرو في ذلك ما دام العظماء يظهرون في سياقات تاريخية معيّنة قلما تتكرر، لذا فهم في قصة الحضارة أعزّ من بيض الأنوْق. ولنا أن نفتخر بمؤرخنا الكبير، الذي رفع هامة الجزائر في المحافل العلمية. ولقد حالفني الحظ أن تتلمذت على يده، ونهلت من معينه الرقراق، في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، مع جيل الدكاترة مصطفى نويصر، وسي يوسف محمد، والقشاعي موساوي فلة، وعمار هلال، وعبد العزيز شهبي وغيرهم من الأساتذة.
خصاله ومحامده العلمية
لا شك أن لمؤرخنا بلقاسم سعد الله خصالا كثيرة، تركت أثرا طيّبا في نفسي، منها معارفه الموسوعية التي استقاها من التعليم التراثي، والتعليم العصري كما أشار بقلمه (4). وعشقه الصوفي للقراءة والكتابة، حتى صار يرى الوقت خارجهما مضيعة له، فلا شيء عنده يضاهي متعة البحث والتنقيب، رغم ما يكتنفهما من أتعاب ومشاقّ، ولا شك أن اعتكافه في محراب الكتابة والتأليف، قد تمّ على حساب علاقاته الاجتماعية مع أقاربه وأحبابه والمعجبين به، وهي التضحية التي لا يستطيع الآخرون معها صبرا. ومن خصاله الحميدة التي جعلته يزداد كـبرًا في عيني، نجاحه في جعل سلطان العلم يتحرّر من سلطان السياسة،إذ صمد أمام إغراءات المناصب السامية، ولم يجعل علمه سُلما للدنيا بتعبير الطبيب الرحالة ابن حمادوش الجزائري، لأنه كان يدرك بحسّه التاريخي أن أصحاب المناصب موتى، وأهل المؤلفات أحياء بالذكر، يعيشون في مركز التاريخ عبر الزمن غير المتناهي.
هذا وقد شدّني أيضا بملكته النقدية التي لا تجامل ولا تصانع، لأنه مقتنع أن الاختلاف في الآراء والأحكام لا يفسد للودّ قضية. وشدّني أسلوبه العلمي الرائع، الذي يجمع بين عمق المعنى وبساطة العبارة الخالية من غريب الألفاظ والتقعير، وذاك هو – لعمري – عين السهل الممتنع، الذي لا يملك ناصيته إلا ّ الراسخون في عالم الكتابة العلمية.
ومن محامده التي سار ذكرها في البلاد، حبّه للتواضع لإدراكه أن آفة العلم هي الغرور والشعور بالكمال (5). كما أنه كان صارما مع نفسه أيضا على طريقة الكبار، فهو لا يتورّع عن مراجعة بعض مواقفه إزاء القضايا التي يشعر أنه لم ينصفها، ومن الأمثلة البارزة في هذا السياق، مراجعة موقفه إزاء القضية الأمازيغية، جعل قلمه ينتقل من الإجحاف إلى الإنصاف، وقد خصصت هذه الوقفة لهذه القضية الهامة.
مرحلة الإجحاف
يجدر بنا في البداية أن نحاول فهم الأسباب التي جعلت أستاذنا يسقط من حسابه البعد الأمازيغي في تشكيل الشخصية الوطنية الجزائرية. لا شك أن احتضانه لمشروع القومية العربية، قد جعله يقصي المكوّن المحلي من الهوية الجزائرية،لأنه كان يرى أن الشخصية الجزائرية تشكلت واكتملت بفضل الفتح الإسلامي وليس إلا ّ، وما كان أبعد من ذلك تاريخيا فهو جاهلية يجب تجاوزها، لذا أدرج التراث الأمازيغي في بداية مساره، ضمن المعوّقات المعرقلة – في نظره- للوحدة الوطنية، وللوحدة العربية.
وأبان موقفه المقصي للأمازيغية بأسلوب شديد اللهجة، خاصة في مقال له بعنوان: “حدّثونا عن الوحدة” الوارد في ثنايا كتابه الموسوم “أفكار جامحة”. فبعد أن تأسف على إسقاط مشروع الوحدة العربية من حسابات الدولة الجزائرية، وما نجم عنه من تباعد مع الأشقاء في العالم العربي بشقيه المشرقي والمغربي، جاء ضمن العنوان الفرعي” أعداء الوحدة” قوله: “…لكل هذه العوامل في نظري آثار سلبية على فكرة الوحدة الوطنية والمغربية والإسلامية. ذلك أنه بقدر ما كانت الجزائر تبتعد عن هذه الفكرة ( يقصد الوحدة العربية)، بقدر ما كان أعداؤها يستغلون ذلك الشعور السلبي لأنفسهم. فكانت الأكاديمية البربرية بفرنسا تبث سمومها وسط المهاجرين والطلبة النازحين وكانت وسائلها تصل أيضا إلى الجزائر مباشرة وغير مباشرة.”(6). هذا وقد أدرج المؤرخ سعد الله في هذه الفقرة، أنصار الأمازيغية، ضمن أعداء الوحدة الوطنية الآخرين كالصهاينة، والفرنكفونية، ورجال الكنيسة، والأقدام السوداء، والحركى!(7). ثم انتقد مؤرخنا، نشاط مركز CRAPE “كراب” المختص في الدراسات ما قبل التاريخ، وفي الأنتروبولوجيه، الذي كان يشرف عليه آنذاك الأستاذ مولود معمري منذ سنة 1969م، علما أن هذا المركز كان مرتبطا بالمركز الفرنسي(CNRS) الذي كان ينشط في المجال نفسه (8). وقال المؤرخ سعد الله في شأن هذا المركز: “وكان مركز (الأكراب) مجمعا تلتقي فيه عناصر معروفة عندنا بميولها الفرنكفونية والبربرية، وتزعم أنها تبحث عن أصل سكان الجزائر وتنتقل في أقاصي الجبال وأطراف الصحاري لنفس الغرض… وكان هذا المركز هو الذي يوجه بعثات البحث في أنحاء القطر. وكان مديره في ذلك الوقت (9)، يعلـّم اللهجة البربرية بالفرنسية في الجامعة بعد إصلاح التعليم العالي، وعندما اعترض عليه بعضهم في ذلك من أنه كان يدرّس لهجة غير مقررة، قيل إنه استظهر برخصة صادرة من جهة رسمية.(10)” . واعتبر أستاذنا سعد الله الجهود العلمية الرامية إلى إعادة الاعتبار للفترات التاريخية ما قبل الفتح الإسلامي، مجرد نبش في التاريخ يعيدنا إلى عهد القبيلة! “… ومن هؤلاء من مجّد يوغرطة وعهده، واعتبر المجتمع الجزائري،استمرارا لمجتمع عهد يوغرطة… ونؤكد نحن أن مقولة هؤلاء تتفق مع مقولة كتاب مصر القائلين بالفرعونية، وكتاب لبنان القائلين بالفينيقية، وكتاب العراق القائلين بالأشورية، وجميع هذه المقولات تتفق في أن المجتمعات المذكورة لا تبدأ من الإسلام، وإذا كان دعاة الفرعونية والفينيقية والأشورية لهم مبررات دينية (وهي الوقوف ضد الإسلام والعربية) فما مبررات دعاة “الجزائر” ما قبل الإسلام؟.”(11).
المفاضلة بين يوغرطة وعقبة بن نافع
ثم انتقل أستاذنا إلى إجراء المفاضلة بين فاتح شمال إفريقيا عقبة بن نافع (رضي الله عنه)، وبين الملك الأمازيغي يوغرطة الذي حارب الرومان ومات في سجنهم دفاعا عن وطنه. وبخس أستاذنا المتمسكين برمزية يوغرطة بقوله: “وفي نظرنا أن دعوة أولئك الجزائريين دعوة قبلية – إن لم نقل أكثر من ذلك – لأنهم يعرفون أن وحدة الشعب الجزائري لا تنعقد على رمز يوغرطة، ولكنها تنعقد على رمز عقبة بن نافع،إن رمز يوغرطة يفرّق بيننا في المكان، لأن (الجزائر) لم تكن موجودة في عهده بهذا الاسم ولا بهذا الحجم، ولم يكن هو يستعمل اسم الجزائر، ولا كان يحارب الرومان باسمها الجغرافي. لماذا يريد أنصار يوغرطة أن يفرضوا ( قبيلته) على سكان الغرب الجزائري وسكان الجنوب وسكان الوسط؟ وباسم ماذا؟ هل كان يوغرطة يتكلم لغتنا؟ هل كان يدين بديننا؟ وهل كانت قيمه وعاداته وتقاليده هي قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا؟ اللهم لا.” (12).
وبقدر ما عمل أستاذنا على الحط ّ من قيمة شخصية يوغرطة، بقدر ما نوّه بسمو مكانة الفاتح عقبة بن نافع (رضي الله عنه)، باعتباره رمز حضارة، وقال في هذا الشأن: “أما عقبة فهو على النقيض من ذلك. فهو يمثل العقيدة التي ندين بها، واللغة التي تربطنا بالعقيدة، وللتاريخ الذي يربطنا بإخوتنا في الشمال والجنوب والشرق والغرب في المساحة التي سمّاها أجدادنا “المغرب الأوسط” والتي نطلق عليها منذ العثمانيين (الجزائر). ثم إن عقبة رمز حضارة، بينما يوغرطة هو رمز جاهلية. وعقبة رمز وحدة وطنية ومغربية وعربية وإسلامية. أمّا يوغرطة فهو رمز انفصال وقبلية و وثنية.”(13).
ثم خلص أستاذنا إلى القول بأسلوب الحماسة والعاطفة، أن التمسك بعقبة يخيف أوروبا ويشيع الطمأنينة، والتمسك بيوغرطة يشجع أوروبا على الاعتداء علينا ويشيع الوحشة! “… وإذا تمسكنا بيوغرطة فسنكون وحدنا، قبيلة ضعفاء، تغرقنا أوروبا في البحر الأبيض أو تجلينا نحو الصحراء، أما إذا تمسكنا بعقبة فسنحسّ بدفء الوطنية الجزائرية وحرارة الوحدة المغربية والعربية الإسلامية. ولن يعترينا الإحساس بالغربة لأننا سنشعر أننا بين جيراننا وإخوتنا في الجغرافيا والتاريخ واللغة والدين. وستخافنا أوروبا إذا اقتربت منا.”(14) .
الخلاف المبدئي مع مولود قاسم
وبالرغم مما كان يكنّه المؤرخ بلقاسم سعد الله، من تقدير واحترام لشخصية الأستاذ مولود قاسم ناث بلقاسم، الذي كان يحتل مكانة خاصة في قلبه (15)، فإن القضية الأمازيغية التي رفع مولود قاسم لواءها، قد خلقت خلافا مبدئيا بين الرجلين المتحابين. واعترف المؤرخ سعد الله بذلك حين قال:”…وقد كانت أحلام الشباب وجموح الفتوة يذهبان بنا كلّ مذهب دون حدود أو قيود، وكنّا نبحث في التاريخ اللامتناهي في الزمن السحيق، لعلنا نجد لنا رمسيسا أو حمورابيا أو بركليسا، يحقق لنا العزّ الحضاري بين الشعوب. وقد وجد سي مولود ذلك، كما يبدو، في يوغرطة ومسينيسا بل وحتى في القديس أوغسطين. أما أنا فلم أر في هؤلاء من يشبه حمورابيا أو رمسيسا أو بركليسا، ولا نحن معهم نشبه الفراعنة والأشوريين والإغريق، فاكتفيت أنا بالأمجاد الذين برزوا منذ الفتح الإسلامي، وبقي سي مولود متشبثا بالأشباح، وهذا من الفروق في وجهات النظر بيني وبينه.” (16).
إن المتمعن في هذا الموقف الذي طبع بداية مساره، سيلاحظ أن شخصية ” سعد الله المناضل ” من أجل القومية العربية، قد طغت على ” سعد الله المؤرخ “، فما كتبه في هذا السياق هو أقرب إلى الخطاب السياسي الحماسي، منه إلى الكتابة التاريخية المشبعة بالموضوعية والعلمية. وما من شك أن الانفعال البادي بوضوح هنا، هو الذي جعله يغمط حق يوغرطة وما يمثله من مجد، طالما استلهم منه رواد الحركة الوطنية، وقادة الحركة الإصلاحية الدروس والعبر، في كفاحهم من أجل نهضة الجزائر واستقلالها. فحتى أستاذنا سعد الله قد اعترف في حوار أجراه معه الإعلامي محمد عباس، لحساب مجلة التضامن بلندن، أنه كان معجبا في شبابه بالشخصيات المغاربية السابقة للفتح الإسلامي من وزن يوغرطة:”… أما كتب التاريخ عن الجزائر فلم يكن لدينا منها ما يذكر، اللهمّ إلا ّ بلاغة العرب في الجزائر لعثمان الكعاك، وتاريخ الجزائر لمبارك الميلي، وكتاب الجزائر، وقرطاجنة لأحمد توفيق المدني. لقد كنت شخصيا مغرما بحياة حنبعل ويوغرطة والكاهنة – طبعا فيما كتب عنهم بالعربية، لأنني لم أكن أقرأ عندئذ الفرنسية” (17) .
توظيف الاستعمار للقضية الأمازيغية
لا شك أن توظيف الاستعمار الفرنسي للبعد الأمازيغي، في سياق سياسته المبنية على شعار ” فرّق تسد”، قد جعله يتوجس خيفة من القضية الأمازيغية في عهد الاستقلال:” ومنذ أوائل الأربعينات من القرن الماضي (ق19) أخذ الفرنسيون يكتشفون سلاحا آخر، وهو أن في الجزائر عنصرا بربريا ليس ككل البربر. وبنوا على ذلك نظريات وأجروا بحوثا انتهت في نظرهم إلى أن هذا العنصر من الجنس الآري، أو الهند أوروبي، وأنه لا علاقة له بالجنس السامي. وبعد أن كانوا يعاملون كل السكان على أنهم عرب مسلمون وشرقيون، بدؤوا يعاملونه معاملة مختلفة، فبعضهم عرب وبعضهم بربر، والبربر بعضهم من الجنس الآري، وبعضهم من الجنس الحامي. وأخذوا يضعون لهؤلاء، وأولئك خصائص وميزات، تجعل البعض أقرب إلى المسيحية وإلى الفرنسيين في العرق والسلوك والنظام الاجتماعي من السكان الآخرين. وقد تجاهل الفرنسيون روايات النسابة البربر والعرب، والنظريات التاريخية التي ترجع إلى قرون خلت، وتجاهلوا الروايات الشفهية التي يرويها البربر أنفسهم عن أنسابهم.”(18).
لقد تجلىّ توجّس مؤرخنا سعد الله من القضية الأمازيغية، بصورة أوضح في الحوار الذي أجرته معه مجلة “المسار” سنة 1989م، جاء فيه قوله: “… إن بعض المواطنين يجهلون أو يتجاهلون ما يعرف بالسياسة البربرية لفرنسا في الجزائر، وهي السياسة التي ظهرت مع بواكير الحركة الوطنية التي كانت بالطبع تهدد الوجود الاستعماري،أي منذ أواخر القرن الماضي. وقد ارتبطت تلك السياسة بأختها في المغرب متمثلة في (الظهير البربري)، وفي تونس متمثلة في ( المؤتمر الأفخاريستي). وهي سياسة ثالوثية متزامنة، كما يعرف ذلك دارسو الحركة الوطنية،على مستوى المغرب العربي. ولذلك فإن ظهور أية دعوة الآن في هذا المجال، ولو كانت بريئة، يجعلها مشبوهة، لأنها تعيد إلى الأذهان ذلك الماضي البغيض.”(19).
هذا والجدير بالذكر أن مخابر الاستعمار الفرنسي قد حاولت تشتيت الجزائريين، بالدعوة إلى تدريس الأمازيغية للأمازيغ، والعربية الدارجة (وليس الفصحى) للعرب، وبرز في هذا السياق، دور د/ وارنييه، الذي أشار سعد الله إليه بقوله: “… طالب حكومته بوقف التعريب، لأن في الجزائر شعبين وليس شعبا واحدا، وكذلك طالب بالاعتراف بثلاث لغات فيها، وهي البربرية للبربر الخلص، والجزائرية للبربر المتعربين، والعربية الدارجة للعرب. أما الفصحى فلا كلام عليها.” (20).
ومن المحتمل أيضا، أن يكون دفاع التيار الفرانكفوني عن الثقافة الأمازيغية بطريقة تصادمية مع الثقافة العربية الإسلامية، قد أثر سلبا على المؤرخ سعد الله، وساهم بقسط معيّن في دفعه إلى تبني موقف إيديولوجي إقصائي، بدل اتخاذ موقف معرفي إزاء القضية الأمازيغية العادلة.
كان تكريس لغة جامعة توحّد الجزائريين، هاجسا أرّق مؤرخنا سعد الله، ولا يمكن أن تتجسد هذه اللغة الجامعة إلا في اللغة العربية. لذلك اشتهر مؤرخنا بموقفه المتشدّد إزاء اللهجات الأمازيغية والعربية، إذ لم يكن في البداية يعترف بالأدب الشعبي، لأن الإبداع – برأيه – لا يمكن أن يولد خارج اللغة العربية الفصحى. كما اعتبر “لغة الأمومة” مجرد نظرية أكاديمية تتنافى مع الواقع المعيش، وتهدد المجتمع بالتشظي والانقسام، بسبب كثرة اللهجات العربية والأمازيغية التي يرضعها أطفالنا في ربوع الوطن: “… أثيرت قضية اللغة الأم في التعليم ونحوه. وقد اكتفى بعض اللسانيين بإثارة المبدأ دون اقتراح الحلول. فأية لغة أم يريدون؟ إنهم يعرفون أن ما يمكن أن نسمّيه اللغة الأم في الجزائر، هو مجموع اللهجات العربية والبربرية الشائعة في القطر، ولعل هناك من يعتبر الفرنسية هي اللغة الأم عند من يتكلمون بها في بيوتهم مع أطفالهم. وإذا عدّدنا اللهجات العامية عندنا فسنجدها كثيرة، فلهجة مزَاب ليست هي لهجة زواوة، ولهجة بسكرة ليست هي لهجة معسكر. فهل المقصود أن يبدأ الطفل في الحضانة بلهجة أمه في القبيلة أو القرية أو في القطر كله؟ وفي جميع الأحوال فإن الذين دعوا هذه الدعوة، لم يدققوا في الموضوع واقعيا، واكتفوا بنظريات أكاديمية مجردة.”(21).
الهوامش
1- أبو القاسم سعد الله، أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر، ج1، ط 4 ، 2005، ص62.
2- سعد الله، قضايا شائكة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 2، 2005، ص134.
3- سعد الله، في الجدل الثقافي، دار الغرب الإسلامي، ط 2،2005، ص 32.
4- سعد الله، خارج السرب، دار الغرب الإسلامي، ط 2، 2005،ص153.
5- مراد وزناجي،حديث صريح مع أ.د.أبو القاسم سعد الله، منشورات الحبر،2008، ص108.
6- سعد الله، أفكار جامحة، دار الغرب الإسلامي، ط 2، 2005، ص10.
7- نفسه، ص 11.
8- Centre de Recherche Anthropologique Préhistoriques et Ethnographiques (crap).
9- قصد المؤرخ سعد الله، الأستاذ مولود معمري الذي رخص له وزير التربية والتعليم في عقد الستينيات من القرن الماضي، الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، بتدريس الأمازيغية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية أنظر:
Hommes et Femmes de Kabylie,sous la direction de Salem Chaker, T.1., Edisud,2001,P.163.
10- سعد الله، أفكار جامحة، ص 14.
11- نفسه، ص16.
12- نفسه، ص 16.
13- نفسه، ص 17.
14- نفسه، ص 17.
15- سعد الله، خارج السرب، ص 138.
16- نفسه،ص 144.
17- سعد الله، قضايا شائكة، ص132.
18- سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي، ج.6، الطبعة الثانية، 2005، ص 304.
19- سعد الله، في الجدل الثقافي، ص151.
20- نفسه، ص313.
21- سعد الله،في الجدل الثقافي،ص 144.